فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من قصص الانتفاضة : دماء على عتبات جنين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 54
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

من قصص الانتفاضة : دماء على عتبات  جنين Empty
مُساهمةموضوع: من قصص الانتفاضة : دماء على عتبات جنين   من قصص الانتفاضة : دماء على عتبات  جنين I_icon_minitimeالإثنين 29 ديسمبر 2008, 10:43 pm

دماء على عتبات " جنين "
قال عصام :
- أعدي ماءً ساخنًا لي كي أستحم يا أمي ؟
الأم باستغراب : أول مرة تستحم يوم الخميس ، عادتك أن تستحم الجمعة ‍‍.
صمت عصام ، كان ينظر للسماء عبر النافذة ، هتف :
- السماء صافية اليوم ، وكأن الملائكة ترفرف بأجنحتها بين النجوم .
- عصام ، لم ترد عليّ ؟
صرخت الأم فيه ، وأردفت :
- عصام " بدك تموت يا عصام " ؟
كان قد سبقها ، فوضع إناء الماء فوق موقد الغاز ، وراح يعدّ ملابسه بتمهل .
الأم ترقبه بصمت ، تخاطب قلبها : " كأنه على موعد مع … "
الوساوس السوداء تزاحم رأسها ، وكأن قوة غير معلومة تدفعها للسكوت .
دخل الحمام ، وسمعتْ الأم رذاذ الماء ، ثم خرج ، كان وجهه بهيًا كالشمس .
* * *
قالت الأم لأخت " عصام " التي جاءت لزيارتها ، فهي متزوجة من أحد شباب مخيم جنين، وتسكن بالقرب من أمها :
- أماه ، عصام حدثني من أيام أنه رأى نفسه مع الشهداء في ثلاث ليالٍ متتالية .
انقبض قلب الأم ، وهتفت :
- لم يخبرني ، ولكنه كان يعد نفسه وكأنه ذاهب لعرس يا ابنتي .
- أماه ، حاولت أن أثنيه عما يفكر فيها ، ولكنه قال لي : يا أختي أنتِ موضع سري أنا أريد أن أستشهد ، لا أريد أن أصاب بجراح أو أن أتعذب .
* * *
أنهى عصام استحمامه ، وتعطر ، ثم تسحب من البيت ، لم تشعر به الأم ، كان يعرف طريقه جيدًا ، سار بين أزقة مخيم جنين ، وكأنه يودعها ، يتأمل البيوت التي بنيت في أماكن الخيام ، كان معه أحد الشباب يرافقه في تسلله ، قال عصام له :
- لا أتصور أن تلك البيوت كانت خيامًا يومًا ما منذ هزيمة ( 1948 ) ، كان أبي يرحمه الله يقول لي : لقد وعدونا أن نعود إلى بلدنا " لد العوادين " خلال أسابيع ، ثم تطور الوعد إلى أشهر ، ثم إلى سنوات .
قال صديقه بحرقة :
- والله يا عصام ، كلما شاهدت حال أطفالنا تنتابني الحسرة ، انظر إليهم وهم يلعبون بين طرقات المخيم الضيقة ، ومياه المجاري تجري في قناة صغيرة ، إنهم يحملون المرض ، ويلعبون ، هل محكوم علينا أن نتربى ونعيش لاجئين في ديارنا ؟‍
عصام وكأنه يواصل ذكرياته :
- أتعلم يا أخي ، أننا كنا نسكن في قرية لد العوادين ، ثم رحلنا مع هجمات اليهود إلى العفولة الغربية ، ثم رحلنا إلى حيفا بعدما سقطت في حرب 1948 ، إلى عكا ، كان أبي رحمه الله دائمًا يحكي لي قصة الخروج من " حيفا " …
- احكها لي .
- كان أبي مع أعمامي وجدي في حيفا ، عندما علموا بهجوم اليهود على المدينة ، حاولوا الدفاع عنها ، ولكن قوة اليهود ، وتخاذل العرب وتفككهم عجل بسقوط المدينة ، أسرع أبي وأعمامي إلى شاطئ البحر ، حيث ركبوا سفينة إلى " عكا " .
- أسوأ شيء عند الإنسان أن يغادر الأرض التي تربى فيها ولو مرة واحدة .
- ونحن غادرناها مرات ومرات .
كانا قد وصلا إلى مسجد المخيم ، أمسك عصام بندقيته ، واتخذ مكانه بين صفوف المجاهدين ، كان اليهود يحاصرون المخيم ، يريدون اقتحامه ، رأى الدماء تتطاير من الصدور ، تتفجر بقوة ، هانت الدنيا ، بيوت المخيم وأزقتها تتخاتل أمام عينيه ، لم يصدق أنه يقاتل هؤلاء الذين يقولون إنهم الأقوى في العالم ، كانوا يفرون كالجرذان من أمام المجاهدين ، يتحصنون في دباباتهم .
" الله أكبر ، الله أكبر "
ردد نداء الصلاة ، في سره ، خفت صوت إطلاق النار ، الدبابات تنسحب إلى الخلف ، اصطف المجاهدون ، قال القائد موجهًا كلامه لهم :
- إخواني ، وفقكم الله ، أنتم برصاصاتكم توجهون أعتى قوة في الكبر والغرور ، انظروا إليهم وهم يفرون من أمامنا .
- وماذا يجب علينا فعله يا أخي الآن ؟
قالها أحد المجاهدين بحماس . قال القائد :
- مجموعة تذهب للصلاة في مسجد المخيم ، حتى تطمئن أهالينا بأن العدو قد تراجع ، وآخرون يبقون هنا للحراسة .
* * *
تحكي الأم لابنتها بحنو :
- منذ أيام قليلة ، جاءني ، وقال : لقد شاهدت شريط فيديو عن أفغانستان يا أمي ، كان المجاهدون الأفغان يقاتلون قوى الشيوعية الكافرة بكل إخلاص ، عندما كنت أنظر إليهم، كنت أحس كأنهم من الصحابة الكرام .
- …………
- وقال أيضًا : إن هذا الشهيد في أفغانستان لا يملك إلا روحه ، ولا يحفظ من القرآن إلا سورًا قصيرة ، ومع ذلك فإن إيمانه يزلزل الجبال .
- وماذا قال أيضًا يا أمي ؟
دموع الأم ، وكلماتها تتقطع على لسانها :
- سألني : ما الأفضل يا أمي ؟ أن أموت هكذا بدون هدف أم أن أموت شهيدًا ؟ قلتُ له: أي موت يا بني ؟ أنت شاب في الثامنة عشر .. قال : كل نفس ذائقة الموت ، سواء في شبابها أم في شيخوختها .
* * *
ذهب عصام إلى الصلاة في مسجد المخيم ، سار مع صديقه الذي لازمه منذ خرج للجهاد، قال عصام :
- لقد خرجت من بيتنا اليوم وأنا عازم على الشهادة . فلا أحد يثنيني عنها .
- لماذا اليوم بالتحديد ؟
- لأنني سأنتقم لجدي وأبي ، هل تعلم أنهم بعدما وصلوا إلى عكا ، بالسفن كما قلتُ لك، ونزلوا إلى الشاطئ ، ثم ركبوا الحمير إلى " الناصرة " ، وبقوا فيها ، آملين في أمان ، ولكن اليهود لاحقوهم ، كان أبي يقول لي : إن الأطفال كانت تموت عطشًا على صدور أمهاتهم ، واغتصب اليهود بعض بناتنا .
- وهل استقروا في الناصرة ؟
- لا ، سقطت الناصرة ، فهربوا إلى قرية سالم ، التي هي مخيم جنين الآن .
دخلا المسجد ، صليا بخشوع ، كأن عصام يصافح الملائكة في صلاته .
* * *
عقب الصلاة ، عاد الاثنان إلى المجاهدين خارج المخيم ، كانت دبابات اليهود تقترب ثانية، ووراءها المصفحات العسكرية .
قال القائد : يا شباب الجهاد ، الثبات .. الثبات .
عصام : وأنا أولهم ، دعوني ، سأجعل نيران بندقيتي نارًا عليهم .
راح يتبادل النيران بقوة ، ويقفز من موضع إلى موضع ، واليهود يطلقون النار عشوائيًا في كل اتجاه ، اليهود يصابون وهم في مصفحاتهم … ، أرادوا التقدم ، تقدموا قليلاً ، تراجع المجاهدون بعض الشيء إلى الوراء ، صرخ عصام :
- لا .. لن تتقدموا .
خرج فاتحًا صدره ، شاهرًا بندقيته ، النيران كالرذاذ منها ، نحو اليهود ، صوب اليهود من دباباتهم نيرانهم نحو الصدر الذي يواجههم بإيمانه .
الدماء تتفجر من صدر عصام ، يتلفظ الشهادتين .
* * *
تقول الحاجة لمن جاؤوا يعزونها في استشهاد ابنها :
- عقبال أولادكم ، لقد شعرت أن قلبي قد بردت ناره قليلاً ، وانتقم عصام لجده وأبيه الذين حرموا من أرضهم .
سألها أحد الصحافيين : وماذا تتمنين يا أم عصام ؟
- أتمنى أن أعود إلى قريتنا " لد العوادين " وأدفن هناك .
- حدثينا عن عصام الشهيد ، متى ولد ؟
- ولد في 1 / 1 / 1970 ..
شهق المراسل : عقب مذابح أيلول الأسود في الأردن .
- نعم يا ولدي ، كانت قلوبنا تتقطع ، ونحن نرى المنظمة تحارب عربًا مسلمين ، وتترك المعتدي الغاشم على أرضنا .
- عجيبة هذه المفارقة .
- لقد نذرت ألا يكون أحد من أولادي مقاتلاً ضد عربي مسلم .
- هل درس عصام ؟
- عصام زينة شباب الحي ، كان في الثانوية العامة ، وكان يستعد لامتحان التوجيهية قبل أن تقوم الانتفاضة .
- وترك المدرسة …
- لم يتركها ، وإنما لم يهدأ يومًا عن ضرب اليهود بالحجارة ثم بالرصاص .
* * *
سأل المراسل الصحفي شقيق " عصام " واسمه " محمود " :
- أين كنت يا محمود عندما استشهد عصام يوم 25 / 2 / 1988م .
- كنت في " نابلس " مع جارنا المريض الذي كان يعالج في مستشفى المدينة هناك .
- وماذا رأيت عندما رجعت ؟
- رأيت الانتفاضة شديدة ، وثائرة ضد زيارة " جورج شولتز " وزير خارجية أمريكا، جاء يريد أن ينهي الانتفاضة ، بأي وسيلة ، راح مصر ، وراح الأردن .. ، وراح تل أبيب ، كان يبتسم ابتسامة مصطنعة أمام العدسات ، بينما " شيمون بيريز " بجواره والغيظ بادٍ في وجهه .
- نعم ، لم يتوقعوا أن تكون الثورة والتحرير من الداخل ، و" شولتز " لم يكن يريد أن يسمع شيئًا عن الشرق الأوسط حتى تنتهي ولاية ريجان ، لأن الرحلة في الطائرة تستغرق ساعات طويلة ، وهو لا يريد السفر والتعب على متن الطائرات .
- لقد جاء غصبًا عنه ، فالمسألة أكبر منهم كلهم ، إن شعبنا يعد العدة أن تستمر الثورة سنوات وسنوات …
- وعصام ؟
- جذوة من وقود الثورة التي ستكون وبالاً على الأعداء .
* * *
كتب المراسل الصحفي :
" إن هؤلاء الشهداء ليسوا إلا بشرًا مثلنا ، نقابلهم في كل مكان من أرض الإسلام ، ولكنهم يمتازون عنا بسمة واحدة ، ألا وهي : حب الموت ، واحتقار الدنيا … "
وكتب أيضًا :
" إن هؤلاء الشهداء لهم أحلام وآلام دنيوية مثلنا ، ولكنهم ارتقوا عنها ، ليحلقوا إلى السماء ، ما حلموا إلا بوطن كريم ، غير ملوث بالصهاينة "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من قصص الانتفاضة : دماء على عتبات جنين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: