فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر Empty
مُساهمةموضوع: رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر   رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر I_icon_minitimeالسبت 03 يناير 2009, 5:38 pm

رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر



حسونة المصباحي

منذ مطلع شبابه وحتى وفاته، ظل راينار ماريا ريلكه "1875-1926" الذي اعتبره ستيفان زفايج أعظم شاعر في اللغة الالمانية بعد غوته مسافرا أبديا، كان القصيد وطنه الحقيقي ذلك القصيد الذي لم يكن يكتبه إلا بعد أن يكون قد قطع مسافات طويلة، وشاهد مدنا كثيرة، وعشق بحارا بلون البنفسج، واستنشق نسيم صباحات مفعمة بالضوء، وهمس بكلمات حب لامرأة جميلة في ضوء القمر الشاحب، وكانت الرحلة الأولى التي كان لها تأثير كبير عليه هي تلك التي قام بها إلى روسيا عام 1898 بصحبة صديقته لو اندرياس سالومي والتي كررها عام 1900 حيث التقى الكونت توستوي وعنه كتب يقول واصفا اياه خلال الجولة القصيرة التي صاحبه خلالها في حديقة البيت: "في لحظات معينة، عندما تنفخ الريح في معطفه، كان شبح الكونت يصبح هائل الحجم. وكانت لحيته الطويلة تأخذ في الاهتزاز. أما وجهه الصارم الذي طبعت عليه الوحدة آثارها، فكان يظل هادئا ممتنعا عن الألم لا مباليا بالعاصفة".

وفي عام 1902، سافر راينار ماريا ريلكه إلى باريس عازما على الاقامة فيها. وبعد مضي ثلاثة أيام على وصوله إلى هناك كتب رسالة إلى زوجته كلارا التي ظلت في المانيا، يقول لها فيها: "إن باريس التي هي بحق مدينة أجنبية كبيرة، بقيت جد غريبة عني. إن المستشفيات التي نراها هنا في كل مكان تقريبا تخيفني. وأنا الآن أفهم لم هذه المستشفيات تتكرر بلا نهاية عند فولين وبودلير ومالارميه. في جميع الشوارع نحن نرى مرضى يترددون عليها سيرا على الأقدام أو في سيارات."..." ونحن نحدس فجأة أن هناك في هذه المدينة الكبيرة كتائب من المرضى، وجيوشا من المحتضرين، وشعوبا من الموتى".

غير أن ريكله سرعان ما يعشق باريس كما لم يعشق مدينة أخرى، وهذا ما سوف يتضح في كتابه النثري الرائع: "دفاتر مالتي" الذي انهاه في فبراير/ شباط1910، بعد ذلك، وعقب استراحة قصيرة عند زوجته في المانيا انطلق إلى ايطاليا ثم إلى الجزائر وتونس ومصر التي امضى فيها الشتاء الفاصل بين 1910 و1911.
ويبدو أن ريلكه لم يمكث طويلا في الجزائر، ولعله كان متعكر المزاج لذا نحن لا نعثر على أي صدى لهذه الرحلة في رسائله، أو في غيرها.

أما عن تونس التي وصلها في ديسمبر/ كانون الأول 1910، فقد تجول فيها كثيرا متوقفا عند خصائص المعمار والحياة فيها. وفي الرسالة التي بعث بها إلى زوجته كلارا بتاريخ 17 ديسمبر، كتب يقول واصفا مشاعره وأحاسيسه أمام ما شاهد وما رأى: "هناك أحيانا في الأسواق ما يجعل عيد الميلاد سهل التخيّل مساكن صغيرة تفيض منها العديد من الأشياء الملونة، والأقمشة جد غنية وجد مدهشة والذهب له لمعان واحد حتى أننا نخال أننا سوف نحصل عليه كهدية في اليوم التالي.

في المساء، عندما يكون هناك مصباح يحترق ويترجرج هناك أمامنا، كما لو أنه مستثار بسبب حضور كل ما كان ضوؤه يلامسه. وعندئذ كل ما في الكائن من انتظار وتوتر ورغبة يمتزج بـ"ألف ليلة وليلة" ويصبح عيد الميلاد ممكن الوقوع هناك. لكن حتى في الصباح، لا أنقطع البتة عن الشعور بالافتنان بما تحدثه الشمس لما تدخل الأسواق كما من خلال غربال.

وهناك حين يسقط شعاعها يجعل هذا الشيء أخضر شفافا، وذاك أحمر حارقا والآخر خبازيا شديد الاستكانة. واليوم خلال حصة بيع بالمزاد العلني لجبائب وبرانيس، كان هناك احساس بأنني أمشي بين الأحجار الكريمة، ومقترب من قماش بدا لي أنني ألج لونه الأخضر الباهت، وأنني اجتاز لونه البنفسجي أو أنني أمشي بمحاذاة لونه الأصفر الذي يشد النظر إليه، دوما سبب كما لو أنه صحوة متوهجة في السماء. في سوق العطارين أصبح لي صديق. حين أمد يدي لمصافحته، فإن هذا يكون كافيا على مدى النهار بكامله، وفي الليل استيقظ بأصابع معطرة بشكل غريب. لقد طلبت منه عطر الغرنوفيات "الذي يباع هنا كما لو أنه ماء الورد". أن أطلب منه هذا وليس عطرا، وهذا ماراق له. على هذا انبنت صداقتنا".

ومن تونس انتقل ريلكه إلى القيروان، المدينة الاسلامية الأولى التي أنشأها عقبة بن نافع الفهري سنة 670 ميلادية. وهناك يكتشف جوانب أخرى من الحضارة الاسلامية: جوانب التصوف والزهد والايمان. وفي رسالة بتاريخ 21 ديسمبر، يشير إلى أن القيروان مدينة مقدسة. والشيء الذي أعجبه أكثر من غيره هو جامعها الأعظم الذي استخدمت في بنائه أعمدة كثيرة من آثار قرطاج والمدن الفينيقية والرومانية. ويشير ريكله أيضا إلى أن القيروان تقع وسط السهول وأنها محاطة بالمقابر لذا هي بدت له وكأنها محاصرة بالموتى. موتى راقدون حولها يزدادون عددا ولا يتحركون أبدا.

وقد بدأ اهتمام ريكله بالاسلام في وقت لاحق لرحلته هذه ويبدو أن هذا الاهتمام قد ازداد قوة بعد قراءته لـ"الديوان الشرقي" لغوته. ولعل القصيدة التي كتبها عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي من تأثير هذه القراءة. في هذه القصيدة يقول:

"لما تبدى الملك الطاهر
ذو الملامح المعروفة والنور الباهر
تبدّى رائعا له في خلوته – خلع
كل كبرياء وخيلاء وتوسل
إلى "التاجر" - وقد اضطرب
باطنه اثر اسفاره – توسل إليه أن يبقى
لم يكن قارئا – وها هي ذي "كلمة"
كلمة عظيمة حتى على حكيم
لكن الملك وجّهه بمهارة
إلى ما كان مسطورا في لوح
ولم ييأس، بل ظل
يردد دائما: اقرأ
فقرأ حتى انحنى الملك
وأصبح ممن
يعرفون كيف يقرأون
ويستمعون ويتممون الرسالة"

أما رحلة ريلكه إلى مصر فكانت أبلغ تأثيرا عليه من رحلته إلى شمال افريقيا. فقد أتاحت له فرصة التعرف عن كثب على الحضارة الفرعونية. تلك الحضارة التي فتن بها العديد من شعراء الغرب وكتابه وفلاسفته.

في رسالة بعث بها إلى زوجته كلارا بتاريخ 10 يناير/ كانون الثاني، كتب ريلكه يقول: "اليوم الأول على ضفاف النيل. لقد هبط الليل، ليل أزرق. حلوان لابد أن تكون على الضفة اليمنى، أمامنا. لقد دلني بعض المسافرين على أضوائها. فنحن صعدنا على ظهر السفينة قبل قليل، وقد اجتزنا مرتين الواحة التي يرقد فيها رمسيس كما لو أنه الكائن الأوحد في العالم. هو يرقد وحيدا مع نفسه، تحت اتساع الفضاء لقد رأيته اذن قبل أن أرى شيئا آخر. لذا حرصت أن أعلمك بذلك".

في اليوم التالي، كتب إلى زوجته رسالة يقول فيها: "اليوم لن تتوقف سفينتنا في أي مكان. كل شيء سوف يأتي لنا بينما سفينتنا تمخر عباب النهر. بني سويف مدينة كبيرة بصوامع بيضاء وقصر أخضر، "يبدو أن هذا القصر الأخضر اختفى الآن من الوجود كما أشار إلى ذلك د.عبد الرحمان بدوي" واحياء مشيدة بلبن النيل غائصة في الأرض وقرى عديدة بين النخيل العالي، واديرة قبطية صغيرة ومقاطع حجر وسلسلة من الجبال تنتهي فجأة في النيل على شكل شناخات. كل حياة الضفة تبدو لنا واضحة من حضور الطيور إلى التتابع البسيط للقرى البنية التي تمتد على طول مياه النيل المباركة. وثمة مجموعات من الرعاة والتجار، وجموع وراء جنازة سرعان ما تختفي، ومعزولة الاشباح العمودية لحاملات الماء تتقاطع مع أشباح الصاعدات من النهر.

ثم فجأة على قمة شناخ مستدير طائر من الطيور الجوارح يترصد ضحية. اقترب الليل شيئا فشيئا. الآن أصبح الهواء منعشا فوق السفينة. والألوان لم تعد غير تنويعات على اللون البني. هذا اللون الذي سرّ أن يبدو وكأنه لون وردي. الحقول خضراء كما في المنمنمات. وان أتعلم شيئا فشيئا كيف استلذ جمال اللونين الاسود والأزرق للاشباح كما لو أنهما لون واحد يتحتم التعامل معه مثل حجر كريم. هذا المساء سوف نصل إلى المنيا حيث نمضي الليل هناك".

من الأقصر بتاريخ 18 يناير/ كانون الثاني، كتب ريلكه إلى زوجته يقول: "سوف نمضي في الأقصر ثلاثة أيام غير أنه من الأفضل أن نتوقف هنا وقتا أطول، ولا نكون محيرين أن نرى لكي لا نقول في وقت لاحق أننا قد رأينا الكثير. على الضفة الشرقية "عربية" حيث رست سفينتنا، ينتصب معبد الأقصر بصف اعمدته العالية اللوتسية الشكل وعلى مسافة نصف ساعة من هنا معابد الكرنك هذا العالم الذي من الصعب حل ألغازه الذي رأيته منذ اليوم الأول ثم رأيته ثانية مساء أمس عند أفول القمر وأنا فاتح عيني على اتساعهما. الهي! إن الانسان ليحشد خاطره ويتأمل بكل ما لايمانه من ارادة، والعينان مسلطتان على الداخل – لكنه مع ذلك يذهب بعيدا ويمتد إلى كل ناحية "والله وحده هو الذي يستطيع أن يحيط بمجال الرؤية هذا".

هناك عمود بتاج على شكل كأس ينتصب وحيدا. عمود استطاع أن يظل على قيد الحياة. ونحن ليس بامكاننا أن ندرك سره لأنه ينيف على حياتنا ونحن لا نستطيع أن نفهمه بطريقة ما إلا في الليل، تحت النجوم التي على ضوئها، يصبح للحظة انسانيا، حدثا انسانيا. وفكري يا عزيزتي كلارا أنه أبعد من هناك، باتجاه الغرب، بعد من ذراعي النيل ومن البلد الخصب تمتد الجبال الليبية المزهرة بضوء الصحراء.

اليوم اجتزنا الوادي العظيم حيث يرقد الملوك، جبل بكامله على كل واحد منهم، والشمس تنتصب فوقهم كما لو أنه ليس هناك قوة قادرة على أن تكون كافية لابقاء الملوك محبوسين وأمام معبد الكرنك أصيب ريلكه بالذهول والدهشة، وبعد مرور تسع سنوات على ذلك، وتحديدا خلال الشتاء الفاصل بين 1920 و1921 سوف يتذكر ريلكه الكرنك من جديد فيكتب عن ذلك قصيدة رائعة يقول فيها:

كان ذلك في الكرنك إلى هناك ذهبنا على فرس
هيلانه وأنا، بعد عشاء سريع
وتوقف الترجمان: هنا طريق آباء الهول -،
آه؟ المدخل، لم أغص من قبل
في عالم جديد مثل هذا! "أهذا ممكن ايتها العظمة لقد عظمت في نفسي عظما مفرطا!".
السفر، هل هو البحث؟ الآن قد أصبح غاية
والحارس عند المدخل أشعرنا
بقشعريرة المقدار فلكم كان صغيرا
ازاء ارتفاع البوابة المتواصل!
والآن، وطول العمر كله،
العمود ذاك العمود! أليس كافيا؟
إن التدمير جعله على حق: لقد كان أعلى
من أي سقف لكنه بقي حاملا ليل مصر".

ويذكر د.عبد الرحمان بدوي أن العمود الذي يشير إليه ريلكه في مطلع القصيدة هو العمود الوحيد الباقي من سلسلتين من الأعمدة أمر الملك الحبشي "تحرقه" "690 -664 ق.م" باقامتهما وقد بقي هذا العمود الذي يبلغ طوله عشرين مترا، وعرضه خمسة أمتار، والذي يتفتح رأسه في مواجهة السماء كأنه يحملها، رمزا على العظمة المتوحدة التي تبقى رغم صروف الزمان، تبقى وحدها مستقلة عن تيار الجماهير". ويضيف د.عبد الرحمان بدوي قائلا: "إن هذا العمود هو رمز ريلكه نفسه، هذا المتوحد الأكبر الذي يعيش منفصلا عن الدنيا المحيطة به، منطويا على نفسه في تأمل عميق يفكر في تقلبات العالم على مرّ الزمان".

وفي "سوناتات اورفيوس" يعود ريلكه مجددا إلى هذا العمود ويكتب:
آه! ناقوس البرونز الذي يطرق
كل يوم بلسانه رتوب الحياة اليومية
أو عمود الكرنك، العمود
العمود الذي بقي بعد زوال معابد شبه خالدة".

وبعد أن زار المعبد القديم المكرس للاله الصقر "حوريس" في ادفو، ومعبد سيتي في ابيدوس ومعبد رمسيس الثاني ومقابر اسوان عاد ريلكة إلى القاهرة وذلك في أوائل شهر فبراير/ شباط 1911 ليقيم في فندق "بشرد" وعن القاهرة كتب يقول: "إنها – أي القاهرة – مدينة كبيرة لا تعبأ بشيء هناك الحياة العربية الكثيفة المعتمة، وهناك بعيدا تقوم – محذرة منذرة كالضمير – تلك الأشياء العظمى التي لا ترحم، والتي يجب على المرء ألا يتصل بها أبدا، وحتى من اكتملت كل القوى فيه. فهذا أمر بالغ مفرط، وعلى كل حال فأنا الآن قادر على شيء. وإن كنت أظن أن نوعا من الترويج والتجديد قد استقر في نفسي. ولقد رافقت رحلتي حتى الآن أنواع كثيرة من المتاعب، لكني لحسن الحظ كنت قد توقعت معظمها مقدما، ووطنت نفسي على قبولها بهدوء، والآن أتمنى أن أخرج منها خروجا هادئا حتى تصل التجربة المشتتة لدي منها إلى نوع من المجموعات الكوكبية الباطنة".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر   رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر I_icon_minitimeالسبت 03 يناير 2009, 5:40 pm



في القاهرة يعود ريلكه من جديد إلى الآثار الفرعونية ويزور في الأسبوع الأول من شهر فبراير الاهرامات و"أبو الهول"، وسوف يتذكر ريلكه فيما بعد هذه الزيارة، وذلك عام 1925، أي قبل عام واحد من وفاته، فيكتب إلى صديق له واصفا إياها: "تركت ساعة العشاء تمٍر، وكان الأعراب يقعون هناك بالقرب من نارهم والظلمة تحول بينهم وبين رؤيتي. لقد انتظرت حتى أسدل الليل ستائره، بعيدا في الصحراء، ثم مشيت من خلف "أبي الهول"، وقدرت أن القمر لابد أن يكون على وشك الطلوع خلف الهرم القريب الذي أحرقته شمس المغيب، ذلك أن الليلة كانت ليلة مقمرة.

وفي الواقع لم أكد أستدير حول "أبو الهول" حتى كان القمر صعد عاليا في السماء وانتشر منه فيض من النور على الأفق اللامتناهي حتى اضطررت إلى حجب ضوئه الساطع عني بكفي لأجد طريقي بين خنادق الحفائر وأحجارها. وأمام وجهه الضخم، تفقدت مكانا، ورقدت ملفوفا في معطفي ونفسي مرتاعة متأثرة على نحو لا يبلغه الوصف ".."

لم تستطع آلاف السنين أن تحدث في "أبو الهول" اثرا غير هشيش ضئيل. وأعجب ما في الأمر أن هذا الشيء "أبو الهول" كانت له قسمات انسانية تتكافأ مع مركزه السامي. ولقد اتخذ هذا الوجه عادات الفضاء الكوكبي، لقد تحطمت بعض مظاهر ابتسامته، لكن الشفاه ومغارب السماوات ألقت عليه انعكاسات عواطف تفوقه. وكان لابد من مرور فترة طويلة قبل أن تتعود عيناي على هذا الوجود وتدركه، وتحقق رؤية ذلك الثغر وتلك الوجنة وتلك الجبهة التي كان ضوء القمر وظل القمر عليها يغيران تعبيرها باستمرار ".." راقدا عند اقدام "أبو الهول" شعرت أنني منفي عن نفسي وعن حياتي".

وفي مراثيه الشهيرة وتحديدا في المرثية العاشرة، يهتم ريلكه بالخصوص بعبادة الموتى عند الفراعنة، وهذا ما تؤكده رسالة بعث بها إلى أحد أصدقائه بتاريخ 13/11/1925 وفيها يقول: "إن المراثي تضع معيار الوجود، وتؤكد بل تمجد الضمير الانساني فتمدحه في تقاليده مستندة في ذلك إلى الروايات القديمة وذكرياتها، وترى في عبادة المصريين للموتى شعورا سابقا بهذه الروابط".

وفي المراثي، هناك أيضا صدى للاسلام الذي ازداد اهتمامه به خلال زيارته إلى شمال افريقيا ومصر وهذا ما يتجلى لنا في نفس الرسالة إذ هو يضيف قائلا: "إذا ما أخطأ المرء وقارن بين "المراثي" وبين النظريات الكاثوليكية بشأن الموت والعالم الآخر والخلود، فإنه سوف يبتعد ابتعادا كليا عن النتيجة التي تفضي إليها وساء فهمها. فـ"الملك" في "المراثي" ليس بينه وبين "الملائكة" في المسيحية أدنى صلة أو إنما هو بالأحرى أقرب إلى الملائكة في الاسلام. إن "الملك" في "المراثي" هو هذا المخلوق الذي يبدو فيه تحول المرئي إلى لامرئي أمرا متحققا".

من القاهرة، توجه ريلكه إلى الاسكندرية، ومن هناك ركب سفينة حملته إلى فينيسيا التي وصلها في 29 مارس/ آذار 1911. وهكذا انتهت الرحلة التي تركت في نفسه عميق الأثر، وظلت حتى نهاية حياته مصدرا قويا لخياله الشعري العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر   رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر I_icon_minitimeالثلاثاء 06 يناير 2009, 9:43 am

الشاعرة ضحى
شكرا كثيرا جدا على هذا الموضوع الرائع المتفرد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
 
رحلة راينار ماريا ريلكه إلى شمال افريقيا ومصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: المنتدى العام-
انتقل الى: