فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رماد المسافات

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فتحى سعد

فتحى سعد


عدد الرسائل : 31
العمر : 63
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 03/08/2008

رماد المسافات Empty
مُساهمةموضوع: رماد المسافات   رماد المسافات I_icon_minitimeالأحد 04 يناير 2009, 12:26 am

من خلف كوة تطل على مساءات مكتظة بنساء مقطوعة الثديين ، صافحنى صديقى الذى هاجر منذ أمس ، مددت يدى محتضناً
الفراغ .
عانقتنى ذكريات الطفولة .
اطرق صديقى محتسياً الشاى الغامق فى سطل
صدىء . مازالت يداى ممتدة عبر الفراغ معانقة احلام الطفولة . ثم راح يتوارى فى العتمة .
ركبت الباص متوجهاً إلى شارع الجامعة العربية ، دفعنى الركاب اسفل العجلات المسرعة ، تدحرجت فوق الأسفلت المشتعل ،
شممت رائحة جلدى المحترق .
عبر الرمال الممتدة فى كوابيس النهارات ،
كان الحسين يقف وحيداً فى العراء . ركضت
صوبه،ورائحة جلدى تتلون فى جدائل الصمت
المدلاة من الأفق . كانت دماؤه تنزف ، تلونت
الرمال الشاسعة بحمرة داكنة ، جثوت على ركبتى ، صرخ الأفق مع سائق الباص عندما كان صديقى يصافحنى ، بينما كنت أتدحرج
أسفل العجلات المسرعة .
كانت الملائكة تبكى ، اختلطت دموعها بحمرة الرمال الداكنة . وامرأة عجوز تحلب عنزة عجفاء ، ثم ملأت كوزاً كبيراً من لبنها،أعطتنى الكوز.أسندت رأسه برفق فوق صدرى المرضوض .
اتكأ ، وهو يحدق مبتسماً فى وجوه الملائكة .
وجيوش يزيد مازالت رافعة رايات الانتصار فى عين الشمس .
خجلت الشمس ، فتدلت مختنقة ، ثم راحت تتضاءل متكومة فى ركن قصى .
رأيت صديقى مشدوداً إلى شجرتين ، وجنود
الحجَّاج منقسمين إلى فريقين ، يدمدمون وهم
يشدون فروع الشجرة فى اتجاه مضاد للفريق الآخر .
يصرخ ...
يصرخ ..
مازال يصرخ .
صرخ الواقفون فوق الرصيف ، وأنا أفرم أسفل العجلات المسرعة .
نهضت من فوق الأسفلت المشتعل برائحة لحمى المحترق . ركضت صوب صديقى الذى
فقد شهقة صراخه الأخيرة .
انهالت علىَّ جنود الأمن المركزى بالهراوات ،
وهم يتوضئون عند الحرم المكى ، وبعضهم مصطفون حول الحاخامات التى راحت تطوف
بالبيت العتيق .
فسقطت أسفل حجارة الرصيف الذى يئن من صرخات الجوعى الذين يلوذون بالجدران المتهاوية من حرارة الاسفلت المشتعل بنشيج
رائحة جلدى المحترق .
مددت له يدىَّ بكوز اللبن ، مازال مبتسماً فى
وجوه الملائكة الباكية ، والتى كانت تشرع فى
تجهيز كفنه .
صرخ ابن الجوشن ، صرخة مدوية ، جفلت منها الصقور فى الأعالى ، وفرت الرمال الداكنة الحمرة هاربة من تحت حوافر فرسه .
انتزع من غمد يزيد الذى كان يرقص فوق كرسى الخلافة ، سيفه ، قاطعاً به رأس الحسين قبل أن يشرب قطرة من كوز اللبن ،
وقبل أن تتدحرج الرأس الشريف ، ضممتها
إلى صدرى ، رحت أغسلها بدموعى الهاربة .
كرَّ ابن الجوشن مرة أخرى ، رشق رمحه فى
رأس الحسين ، ثم شرعها فى وجوه الملائكة الباكية ،هازاً يده صوب جنوده التى مازالت منتشية برايات الانتصار المرفوعة .
ثم آمراً مشاته بتقييدى من تحت ابطى ، ثم
ربطنى فى سرج فرسه منطلقاً صوب بوابات
دمشق .
رحت أتدحرج فوق حجارة الرصيف،وهراوات جنود الأمن المركزى تهشم ضلوعى ، ورأسى
والحاخامات مازالت تطوف بالبيت العتيق .
رمانى ابن الجوشن عند أقدام يزيد الذى مازال يرقص فوق عرشه ، وهو يداعب
عصفوراً صغيراً مكمماً فاهه ، ومقيِّداً
ساقيه المرتعشتين ، وجناحيه الصغيرين
يتدليان بجانبى ضلوعه النازفة .
اقترب منه ابن الجوشن ، مازال يزيد سادراً
فى لهوه ، همس فى أذنيه ببعض الكلمات ،
وما زال رمحه مشرعاً فى رسومات سقف بهو الخلافة ، مرشوقاً فى رأس الحسين الذى
مازال باسماً فى وجهى ، يواسينى فى قيدى .
أمر يزيد بإلقائى عارياً فى موقف الباصات عند نهر اللِّيطانى .
مازالت جنود الحجَّاج يشدون أفرع الشجرة
الموثوق فيها صديقى ، الذى فقد بهجة الضحك فى شهة الصراخ ، وسطل الشاى
المغلى مدلوقاً أسفل سرواله المبلل .
رحت أتدحرج فوق حجارة الرصيف عند شارع الجامعة العربية .
كان هناك احتفالاً منصوباً لتكريم الأم المثالية.
احتشدت السفن الصليبية فى رائعـــــة
" يوسف شاهين "
فيليب أغسطس ملك فرنسا ، ريتشارد قلب
الأسد ملك انجلترا .
ثم هولاكو يستعتطفه المستعصم وهو راكعاً
ألا تسقط عمامته مع أسوار بغداد .
وألفونسوا يتأبط إيزابيلا وهما يطوفان بالبيت
العتيق ، وأميرة الكرك جميلة الجميلات تتأبط
عمنا الحلو " توفيق الدقن " والى عكا ، وهو
يهز رأسه ، مقدماً لها النبيذ قائلاً ، مترنحاً:
" أوسخ من الشرف مفيش " .
وصدام حسين بطبنجته الميرى ، راح يطلق
أعيرته فى فضاء بغداد .
وملوك الطوائف يصطفون حول مائدة عامرة
بالرؤوس المجزوزة ، المحلاة بالسكسكية
والمهلبية الفاطمية .
وكوندرا بنص تضع ساقاً فوق ساق ، أومأت
برأسها ، فعزفت الموسيقى ، بادئة الاحتفالية
مع تلاوة بعض من آيات القرآن من كبير الحاخامات .
ومن السماء المزينة باختناق قرص الشمس
تدلى ناجى العلى مشنوقاً ، وفى يديه ريشته
التى كانت ترسم ملامح محمد الدُّرة الذى فشلت محاولاته فى الاختباء فى ضلوع
أبيه ، فسقطا .
وجنود الأمن المركزى يجرجرون المرأة العجوز ، لتكريمها ، والتى كانت تقبض على مقود عنزتها العجفاء .
كانت ممزقة الثياب ، مقطوعة الثديين .
صافحنى صديقى قبل أن أسقط أسفل العجلات.
مدت يديها بكوز اللبن ، راحت تفرغ محتوياته
فى فم محمد الدُّرة قطرة .. قطرة .
أخرج الحاخام الذى كان يرتل آيات الله طبنجته الميرى، وراح يفرغها فى صدرها
طلقة .. طلقة .
وصيحات التكبير الهادرة تضج بها سماء
شارع الجامعة العربية .
فتحى سعد

أغسطس 2008[b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

رماد المسافات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رماد المسافات   رماد المسافات I_icon_minitimeالأحد 04 يناير 2009, 12:47 am



أخي العزيز فتحي

لقد استمتعت جدا بهذا النص الجميل والمتماسك من حيث اللغة والسرد

مودتي وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فتحى سعد

فتحى سعد


عدد الرسائل : 31
العمر : 63
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 03/08/2008

رماد المسافات Empty
مُساهمةموضوع: فراشة الإبداع الجميل ضحى   رماد المسافات I_icon_minitimeالإثنين 05 يناير 2009, 2:29 am


المبدعة الجميلة جداً
ابنــــــــة هـــمــــــــى
ضحى بو ترعة
فراشة الإبداع الجميل
آيتها المسافرة عبر أمواج القصيد
وأنا مازلت أنتظرك فى بهو الأنبهار بشعريتك المنسربة منها ملايين الفراشات المحلقة
عبر أفضية النور والمجاز لتمنحينى بنفسجاتك المتوهجة فى مقامات الضوء وملكوت الصبابة
عند عتبات فوضوية إبداعك بجنونه اللذيذ
كم أسعدنى مرورك البهى لنصى المتواضع ، وأسعدت أكثر لرأيك المهم فيه ، والأهم لى .
محبتى البيضاء والتى بلا حدود
وإلى مزيد من التواصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

رماد المسافات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رماد المسافات   رماد المسافات I_icon_minitimeالإثنين 05 يناير 2009, 11:03 pm



شكرا أخي العزيز فتحي

سعيدة جدا بهذه الكلمات اللطيفة وبرأيك في كتاباتي

مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رماد المسافات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: