أرجو مشاركتنا في حوار ساخن / الموت والحب

الشاعرة ضحى
الفناء وفناء الفناء مبدآن صوفيان يتوجان قمة العشق الإلهي ، حينما نحب ونعشق حتى نفنى داخل هذا الحب ، نفنى بالمعنى الروحي ، تذوب الروح وسط العشق حتى تتلاشى وتصير بضع زفرات حارقة داخل البدن ، تغيب عن وعيها وتنسى كل العالم والكون فقط تتفرغ لعالمها الذي ينجلي لها بفنائها فيه
يستمر الفناء حتى يغمر الروح بجميع ما تحتويه من مشاعر وأحاسيس واستكانة ، وبجميع ما تجمعة من لوعة القلب ، وأنهار الدموع ، والتفجر النفسي الرهيب الناتج عن إرادة ما لا نستطيع
تفنى الروح وتخفت تخفت ، حتى لا تظهر أبدا وتغيب عن إدراك عالم المادة والجسد حتى يظن من يرى ذلك الجسد أن صاحبه مجنون أو جني يتخبط كلما أفرغ فمه بكلام غريب لكنه رائع وحكيم
ومع شدة الوله والعشق تغيب الروح تماما في طقس جنائزي ، ولا تلتفت لهذا الجسد المترهل فلا يهمها إطعامه ، ولا يكفيها أنينه وتأذيه وسقمه كما يقول ابن الفارض :
مادمت بين يديكم فالرضا مددي
والبسط حالي والأفراح طوع يدي
أنتم حياتي فإن شاءت بكم حضرت
وإن حجبتم تغيب الروح عن بدني
تستمر رحلة الفناء الروحي التي تأخذ معها كل الأشياء القيمة ، وتترك فقط القشريات ، فالعشق والحب لا يبرحان الروح ، ولا يتركان لها مساحة للتفاوض مع الجسد ، إنها رحلة غريبة غامضة لا يسير بها أو يكتشفها إلا الخواص ، من يشعر ويعشق ويحس بحقيقة الوجود ، وقد طُلب من سلطان العاشقين أن يصف الروح الفانية حين ترى نا لانراه ، وتعشق في طقوسها المهيبة وتتماهي مع الذات الإلهية المحركة للكون وواهبة الجمال له فقال :
يقولون لي صفها فأنت بوصفها خبير
أجل عندي بأوصافها علمُ
صفاء ولا ماءٌ ، ولطف ولا هوى
ونور ولا نار ، وروح ولا جسمُ
تقدم كل الكائنات حديثُها
قديما ولا شكل هناك ولا رسمُ
تستمر الرحلة في منحنى تصاعدي ، ويبري العشق الجسد ويملأه السقم والعلة ، ويبدأ في الذوبان والتحلل والتفكك ليفنى في فناء الروح ، وحينها يحلق الموت بمعناه المادي أمام هذا الجسد بينما الروح لا تتأثر ، وتستمر في رحلتها الخالدة الأبدية ، منطلقة من بوابة سرمدية لا تليق إلا فقط بالمحبين الواصلين.