الاخراج المسرحي:
اذا اردنا تعريف الاخراج المسرحي فسنقول بأنه تحويل النص المكتوب الى عرض نابض بالحياة، وكذلك هو قراءة ثانية او تأليف ثان للنص المسرحي، وهو الطريقة الوحيدة التي تجعل مجمل عناصر العرض المسرحي المختلفة والمتعددة منظمة ومنسجمة مع بعضها البعض، لتدخل ضمن رؤية فنية وفكرية واحدة.وهذا لا يعني بأن الاخراج عملية تابعة للتأليف او ترجمة له، بل هي عملية فنية مستقلة بذاتها، فادوات المؤلف هي الورق والحبر والكلمات، بينما ادوات المخرج اكثر سعة وجمالاً وتنوعاً وخطورة في نفس الوقت، انها الممثل )الانسان( بالدرجة الاولى، فالديكور والاضاءة الازياء وفنون بصرية وسمعية مختلفة، لذلك فالاخراج يكتب بلغات مختلفة ومتعددة، هو يضعها متضافرة في وحدة عضوية قوامها اظهار ما عجزت اللغة والكلمات في طرحه، والمخرج هو الذي يبني هذه الوحدة بدقة وجمال عال.
آلية عمل المخرج:
لابد ان ننوه في البداية بأنه لا توجد وصفة جاهزة او آلية ثابتة على المخرج ان يلتزم بها، لان عالم الاخراج واسع ومتنوع ومرن، ولكن هناك بعض القواعد التي تجعل العمل منظماً، وتقلل من الاخطاء الممكنة الحدوث، وهي:
* دراسة المسرحية بدقة لمعرفة معناها وخصائصها، ومكان وزمان حدوثها.
* تحليل الطريقة التي يتم بها التعبير المسرحي.
* دراسة دور كل شخصية في ايصال جزء من فكرة المسرحية.
* دراسة علاقة الشخصيات بعضها ببعض.
* دراسة الجو النفسي لنقله عن طريق الايقاع والحركة والعناصر الاخرى.
المخرج والنص:
يبدأ عمل المخرج مع اختياره للنص المسرحي الذي يعبر عن افكاره او الذي يحتوي على قضية يهتم هو بعرضها على الجمهور، مع مراعاة ملاءمة النص لعقائد المجتمع واعرافه، وان يلائم مستوى الممثلين/ المؤدين والتقنيين ليكون الاداء مقنعاً ومناسباً لمدة العرض.ثم يقوم المخرج بدراسة النص بتأن، ليحدد رؤيته الاخراجية للنص وتصوراته، ثم يقوم وفقها باجراء التعديلات اللازمة. وبعدها يجزئ النص ضمن خطته الى مشاهد او مقاطع، وقد يكون التقطيع )اي تقطيع المسرحية الى مشاهد( اما حسب دخول شخصية او شخصيات او خروجها، او حسب الموضوع الذي تقوم الشخصيات بمناقشته ا و حسب الزمن، كمرور زمن معين بين وحدة نصية واخرى. ويبدأ المخرج بوضع تصور للاداء والايقاع والحركة لكل جزء او مقطع.
ومن الضروري ان يقوم المخرج بعمل برمجة واضحة تشكل الفترة الزمنية من لحظة اختيار النص مروراً بأول لقاء مع الفريق وحتى آخر يوم عرض، وتحديد مهمة كل يوم تدريب وعدد ساعاته، وتحديد مواعيد تواجد الممثلين لوضع برنامج ملائم للجميع، ولا ضرورة لحضور ممثل لا عمل له في تدريب وضع لمشهد لا تظهر شخصيته فيه. كما ان على تقدير ميزانية العرض وهنا يجب الاستفادة ما امكن مما هو موجود او سهل التوفر والاستعاضة عن المكلف بالمتواضع والعملي دون الاخلال بالشروط الفنية للعرض.
المخرج والممثل:
من مهمات المخرج الرئيسية تحديد هيئة العمل اللازمة من ممثلين واداريين وفنيين وتوضيح عمل كل منهم. وبعد ان يحدد فريقه ويحملهم مسؤوليات كمشرفين على الاضاءة، المؤثرات الصوتية، الديكور، الملابس، مساعد المخرج، مدير الخشبة او المسرح.. الخ ليشعر كل منهم بانتماء للتجربة وتأكيداً لفكرة العمل الجماعي، وان يلعب المخرج دور المشرف على عمل كل منهم بالمتابعة والتنسيق والتزويد بالتعليمات ليتفرغ هو بالكامل للتعامل مع الممثل، فالممثل هو العنصر الاهم في العرض المسرحي، وفي بعض الاحيان تتجاوز اهميته اهمية النص المسرحي من بين عناصر العرض.
وتكون طريقة المخرج في اختيار الممثل بان يطلب من كل ممثل تأدية جمل مسرحية من دور بعدة حالات شعورية، بحزن، بقلق، خوف، هستريا، مرح.. الخ.
ومع تقدم )البروفات( يذكر المخرج الممثلين بما قيل عن التصور ودوافع الافعال عبر الاسئلة، كأن يسأل لماذا تدخل هناك؟. لماذا تعامل فلانا بهذه الطريقة، لماذا ضحكت هنا؟. ان ذلك يخرج الممثل من عالم الرتابة والآلية الميكانيكية.ولابد ان يتنبه المخرج الى ضرورة عدم تعزيز فكرة الممثل النجم فهي تعميق للفردية وتسبب الفوضى وعدم السيطرة وتخالف اهداف المسرح المدرسي وعليه ان يعلن للفريق دائماً بانه حسب تعبير ستانسلا فسكي الذي وضع اول نظرية علمية في فن التمثيل )لا توجد ادوار صغيرة وانما يوجد ممثلون صغار( فكل شخصية كبرت ام صغرت تؤدي دوراً درامياً محدداً لا يقل ولا يزيد اهمية عن غيره من الادوار وما يفيد الممثل هو درجة اتقانه لدوره وليس طوله ام قصره.
الملاحظات العامة بما يتعلق بالحركة والتكوين المسرحي
1 يجب ان يضع المخرج رسماً تخطيطياً لخشبة المسرح، يوضح الاجزاء المختلفة لها ويحدد الموقع الرئيسي لكل مشهد ضمن هذه الاجزاء، بهذا يتأكد المخرج على الورق بأنه سيحدث تنوعاً بالتكوين، ويضمن له استخدام اكبر قدر مستطاع من مناطق التمثيل، ويمنعه من تكرار استعمال منطقة او منطقتين مرات ومرات على حساب مواقع اخرى، فمن شروط حرفية المخرج ان لا يهمل اجزاء من الخشبة على حساب اجزاء اخرى بل الاستفادة منها لاكساب العرض حيوية وجمال وتوازن.) انظر اتجاهات المسرح في باب الديكور(.
2 ان يستفيد من المستويات قدر الامكان، ليس فقط في صورة درجات سلم او مصاطب، بل وفي صورة مقاعد ومناضد، ومقاعد بغير ظهر، وكراس، ووسائد على الارض وغير ذلك من الاشياء التي يجلس عليها الممثلون، او يقفوا فوقها او ليرقدوا او باي وضع جسدي آخر، ذلك يخلق ثراءً بالتكوين ويكسر الرتابة فضلاً عن الدلالات المختلفة التي سترسلها الوضعية اذا كان الممثل واقفاً او مختبئاً او مستلقياً.. الخ.. ومن ناحية اخرى، وجود شخصية امام كتل ضخمة تعطي احساساً بالضآلة. وامام كتل صغيرة تعطي احساساً بضخامة الممثل، اي اذا كانت الكتل والاشياء كبيرة او فسيحة او ضيقة لها معان ودلالات وحالة نفسية معينة.
3 ان يتحاشى وقوف المجاميع في صفوف متراصة، او في خط مستقيم لانه احادي وجامد وغير فني وبلا دلالات، بل استخدام الخطوط الدائرية والمثلثة واللولبية والمتغيرة واحياناً العشوائية )الفوضى المنظمة(.. الخ حسب طبيعة المشهد.
4 يجب ان يكبح ميول بعض الممثلين الى )الخطاب المسرحي المباشر( اي تمثيل المشهد متوجهين الى المتفرج مباشرة، لانه يقلل من المسرحية، ويخرج المتفرج من جو عرض مسرحي ويجعله يشعر وكأنه يتلقى خطبة او عظة.
5 توزيع المجاميع على الخشبة مع مراعاة للبعد الدلالي والجمالي والتوازني مع بقية الكتل والاغراض الموجودة على الخشبة والانتباه الى ان التوازن لا يعني السمترية )التناظر الحاد( اي ان يضع ممثل في اليمين وآخر على نفس الخط باليسار، او كتل بنفس الحجم والمساحة، في زوايا متقابلة او متوازنة.. وهكذا لانه شكل جاف، بل يجب كسره قدر الامكان دون تشويه وعدم وضع التوازن على نفس المحور.
6 يتم تمييز وضع شخصية او اكثر بوساطة الحركة، عندما تنتقل بينما الكل ساكن، او ان تسبق شخصية هامة مجموعة شخصيات حركية، ويمكن رفعها على مستوى )ادراج( او وقوف بمنطقة قوية وسط المسرح او مقدمة وسط الخشبة، او وضع جسماني مخالف للبقية، و ان تتوجه اجساد الممثلين الى الشخصية المحور مع النظر اليها.
7 طول الحركة يضعفها، خاصة حركة الخروج، لذا يجب ان يتحرك الممثل لمسافة معقولة بقرب مكان الخروج مسبقاً قبل ان تتم حركة الخروج نفسها او ان يسير الممثل بسرعة اكبر لباب الخروج.
8 حينما يعبر اثنان من الممثلين المنصة وهما يتكلمان.. فعلى الممثل الموجود عند اعلى المنصة ان يمشي بسرعة اكبر من الممثل الموجود عند اسفل المنصة، كي يكونا مكشوفين تماما للجمهور، واذا كانا متجهي نحو باب الخروج، فالشخص المتكلم يخرج اولاً، وفي حالة دخول عدد كبير من الاشخاص سوياً من مدخل جانبي، فعلى المتكلم ان يدخل اولا.