الانهمار في صدع الفراغ : خيار الاسئلة
(قراءة في قصيدة "أسئلة للفراغ الأخير" للشاعرة ضحى بوترعة)
سامي البدري
كم فراغ يحول بيننا وبين صدع خياراتنا ؟ كم سؤال يماثل ، بشططه ، وهدة الفراغ ، كخيار مزاوج ومخاتل ؟ بكم سؤال يحاصرنا الفراغ – كبنية سيادية – في حقول عرائنا ؟ من حراك الفراغ وسيرورته ، ضحى بوترعة ، تبتدأ متوالية أسئلتها ، بعد ان تراوغ تقريرية السؤال ومباشرته بصيغة البوح النهمر كمطر الرؤيا . (أسئلة الفراغ الاخير) ، مفتتح نص ضحى الذي نحاول ملاحقة اشاراته هنا ، يضعنا امام متاهة ترصدية لعملية افتراض شكل (آخرية) لسيادة الفراغ الذي يؤثث مساحة ما يقاسمنا حبر أخيلتنا .
أين يبدأ الفراغ ليكون له آخر ...، هذا الآخر الذي (أسست) الشاعرة متوالية أسئلتها على تخومه ؟ الشاعرة تبدأه بعملية هدم سياج اوهامنا (البنائية) : المد ينة ..
فقدت أبوابها الشوارع
وفقدان الشوارع لابوابها يتضمن دلالة التيه وعراء المدن داخل العراء الفيزيقي لسيرورة الاشياء ، بحكم ان العراء هو الاصل السابق لسيرورة الحياة : الولادة عراء ابتدائي الى عراء الحياة الذي نجهد في التستر (على مواجهته ) بالبناء والملابس احيانا وانواع الاقنعة (المادية والمعنوية) احيانا اخر .
والمطر يشيع جموع عراة يرشون الملح
فيزيائيا ، المطر ماء .. وميثيولوجيا واعتباريا ، الماء مطهر .. والمطر اذ يشيع جموع عراة فانه سيزيل عنهم (اصباغ و الوان) تسترهم ويعيدهم الى عرائهم الاول (الفطري) ... في هوة الفراغ ومواجهة السؤال فيه او صناعته ان لم يوجد ، جدليا طبعا .
في الروح معطف للشتاء
وكلام كثير ... حول لوجستية القلب البعيد
في الروح أيضا ما يكفي قابيل ان يصالح دم أخيه
ويستفيق من الندم ..............
وفي مقابل كل ذلك التجريد وعرائه ، هناك الروح التي تشبهها الشاعرة (معطف للشتاء) ، بمعنى الدفء من عراء المجهول ، وايضا دفء الكلمة .. وايضا في دف الروح (الحب) مايكفي قابيل ان يصالح عراء كثير ، بما فيه دم اخيه ، مجازا طبعا .
ذاك انت تستدير حول قميصي وتجرح الجرح
ذاك انت تبدد الحكمة في ركن قصي منك
تتآلف مع ...........المنزل ......... الظل ...... والغصن الموارب
كنت أعرف انك تراقب تخلق الخلايا في
حين كنت مضغة ........... وكيف كبرت ببطئ شديد
الشاعرة تؤكد حضور الفراغ – كوجود قائم وملموس – من خلال استخدام اسم الاشارة للبعيد وبناء الجملة بصيغة النداء ، لتجسد سيادته على مساحة كينونتها الشخصية – كحائل سابق على حضورها الشخصي وحضور الآخر / الحبيب في حياتها (كنت اعرف انك تراقب تخلق الخلايا في .... (مذ) كنت مضغة ) .. ومثل هذا التجسيد التصويري يدلل على براعة الشاعرة وحنكتها في التعامل مع ادواتها التعبيرية والتجسيدية ، لا عن طريق وضع المتلقي في (جو) الفعل الشعري وحسب ، وانما عن طريق غمره بوهج فعل التكوين الحكائي / الاسطوري ، عن طريق التوظيف الاسطوري لقصة الخلق باسلوب الاضاءة او التضمين المدغم في النص ، لا الاقحام المباشر بين مسارب انسيابيته ، وهذا دليل على براعة الشاعرة واتقانها لحرفية هذه التقانة .
وحين يصير القلب حشوا على الجسد
وتصير اليدان مجازا
يضج الصمت في ذاكرتي
وبلاغة العبارة في الروح
عندما يتحول الفراغ الى (الفراغ الاخير) ، وعندما يوضع هذا (الفراغ) في مواجهة السؤال – وهو هنا للاستفزاز لا للاختبار - بصير القلب – اختراقا ، ومجاوزة لاحقا – حشوا لا يساوق ابجدية (فراغ) الجسد وهو في نشوة تحرره من خيار المجاز . وهذا ما تعبر عنه الشاعرة بصورة من احذق صور الشعر احاطة واوجزها تعبيرا ..
يضج الصمت في ذاكرتي
وتأسيسا على هذا (الاختراق) تبني الشاعرة (مجاز) ازاحاتها البنيوية والرؤيوية – استباقا – في رمز او ايحاء ( اليدان ) .
ذاك انت ترمم ليلا عنيدا بنجمة
ما يلزمني الآن
انا ...
مزيدا من الخسائر كي انجو من القلب
ما يلزمني الان
انا ..........
بحر من العشاق القادمين من الاناشيد البعيدة
لم نكن بحاجة للبكاء وفسحة الوقت في العشق
بل كنا فوضى الفكرة في الجسد