عدد الرسائل : 460 العمر : 51 الجنسية : مصر تاريخ التسجيل : 12/05/2008
موضوع: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس الجمعة 23 مايو 2008, 4:18 pm
مرت أمس الذكري الخامسة والعشرون لرحيل الشاعر الكبير أمل دنقل، ومن المؤسف أن هذه الذكري مرت دون وقفة أو احتفال من المؤسسات الثقافية الأهلية والرسمية، الأمر الذي يؤكد ما انتهي إليه كاتبنا الكبير نجيب محفوظ في شأن حياتنا التي تعيش «آفة النسيان»، ومن المؤسف أن الغياب أو إن شئنا الدقة التغييب فعل يمارس عن قصد إزاء عدد من المبدعين، لذلك لم تفاجئني كلمة الصديقة عبلة الرويني رفيقة الشاعر الراحل حين سألتها كيف لم يحتفل أحد بمرور ربع قرن علي رحيل أمل؟ فقالت لي: أمل شأنه شأن يوسف إدريس ويحيي حقي حاضر بقوة إبداعه لكن مسألة التغييب تمارس ضد الجميع في بلد لم يعد فيه للذاكرة مكان». واليوم نحتفل بذكري أمل علي طريقتنا الخاصة بمقال نادر كتبه يوسف إدريس في الذكري الأربعين لوفاة أمل دنقل، وقرأه في الاحتفال الذي أقامه حزب التجمع بهذه المناسبة، والمقال/ الكلمة ننشره هنا كاملاً وإلي جواره صورة زنكو غرافية عن الأصل الذي خص به «البديل» الروائي الكبير يوسف أبورية الذي روي لي قصة حصوله علي هذه الوثيقة الأدبية المهمة قائلاً: بعد أن انتهي يوسف إدريس من قراءة كلمته في الاحتفال بأربعينية أمل دنقل طلبت أن ننشره في صحيفة «الأهالي» حيث كنت أعمل آنذاك، لكن المقال لم ينشر وظل في حوزتي إلي أن عثرت عليه في أوراقي الخاصة خلال الاستعداد للندوة التي أقامها المجلس الأعلي للثقافة الأسبوع الماضي احتفالاً بذكري يوسف إدريس، فكان العثور علي المقال بمثابة «الحافز» الذي مكنني من الكتابة عن وجه آخر من وجوه يوسف إدريس، غير أنني حين عدت إلي عبلة الرويني لأخبرها عن المقال قالت لي: «إن إدريس سبق له أن كتب مقالاً مهماً في صحيفة الأهرام وبالتحديد في 17 مايو 1982 أي قبل عام كامل من وفاة أمل تحت عنوان «رسالة لرئيس الوزراء» يدعو الحكومة للبت في أمر علاجه، ولفتت عبلة الرويني وهي الحارس الأمين علي تراث أمل أن المعني الوارد في المقال تكرر في مقال نشرته مجلة «أدب ونقد» في عددها الأول الصادر عام 1984 ليوسف إدريس أيضاً، الذي كان علي علاقة وثيقة بأمل ولم يترك مناسبة للاحتفال به أو الإشارة إلي موهبته وكان يتعامل معه كصديق مقرب وكثيراً ما يوجه له الدعوة للقاء في مكتبه بصحيفة «الأهرام» أو علي مقهي «ريش» في جلسات لم تكن تخلو من متعة. ويبدو واضحاً لمن يقرأ المقال أن إدريس فيما ذكره عن أمل إنما كان يهيئ نفسه لاستقبال الموت كأنه احتفال آخر بالحياة.
البديل 22/5/2008
عصام الزهيري مشرف قسم القصص والروايات
عدد الرسائل : 460 العمر : 51 الجنسية : مصر تاريخ التسجيل : 12/05/2008
موضوع: رد: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس الجمعة 23 مايو 2008, 4:24 pm
قانون موت الشاعر
يوسف إدريس
منذ أن مات نجيب ويحيي وصلاح وأمل منذ أن مات المتبني وأبوالعلا منذ أن مات الحلاج وهيمنجواي وجاليليو وشي جيفارا وأنا أتساءل.. لماذا يموت الشاعر..؟
هل يموت لأن القبح يسود، والجمال يتقلص ويتقبح.. هل هو ينتحر بالإرادة لأنه يئس من العالم ويئس العالم منه؟ هل يموت من فرط حبه للمغامرة وارتياد المخاطر وعشقه للخطأ والخطر والخطل هل يموت مهموما لأن الألم في الدنيا أكثر وأصبح يتكاثر أكثر؟ هل يموت ليقول للعالم بموته كلمة عجز عن قولها بحياته؟ هل يموت لأن السر الذي جعله ينطق شعرا ومثلا وحياة غدر به؟ أم لأن من يخوفوه ويخونونه ويرهبونه ويأكلونه حيا بعد أن عجزوا عن قهر نتاجه، هل لأنهم تكاثروا عليه، وقل من حوله المناصرون والمؤيدون والفاهمون، هل يموت لهذا السبب؟ أم أن موت الشاعر، حدث، مثل غيره من أحداث الحياة، لا معني له بالمرة.. عبثا يولد الشاعر، عبثا يقول الشاعر، عبثا يموت الشاعر؟! أم أن موت الشاعر علامة، كعلامات يوم الساعة، دق كوني يعلن نهاية حقبة، أو ينذر بالهبوط إلي حقبة؟ أم يموت الشاعر لأنه لم يعد يتلقي من الناس، حبا، مخفوقا بالحسد والكراهية من حوله، غريب الدار في داره، عديم الأهل في أهله، بلا وطن وهو في وطنه؟ أم أن حياة الشاعر جملة، محدودة الحجم والطول منذ خلقت ينتهي منها وتنتهي منه مع آخر نفس من أنفاسه؟ أبدا.. أبدا لا يموت الشاعر لأنه أصبح الأضعف أمام أعدائه، فأعداء الشاعر، كأعداء الحقيقة، مزيفَّون ومزيفِّون، وما قتل الزيف أبدا حقيقة. ولا يموت الشاعر أبدا من كثرة الخناجر، فخناجر أعداء الشاعر مبارد، تشحذ نصله، وأبداً لا تكسره، ونصله حاد ثاقب يغمد حتي يصل إلي ما بين الصلب والترائب، وأبداً لا ينثني أو ينكسر. ولا السرطان يقتل الشاعر، فالسرطان حياة مغلوطة، تقضي فقط علي حياة مغلوطة، أما الحياة، الحياة، الحياة الشاعر فلن تقضي عليها أبداً أي حياة حتي لو كانت مغلوطة. وحتي الموت لا يميت الشاعر.. وأنا شخصياً ولو أني لست بشاعر إلا أن أعذب قبلة نلتها في حياتي، قبلة موت نلتها وأنا ميت، إذ كنت قد مت في غرفتي المغلقة ودخلت علي زوجتي فوجدتني قد توقفت عن التنفس وأطرافي كلها مشلولة وجسدي يبرد، وبدلا من أن تدب بالصوت، ومضت في رأسها فكرة قبلة الحياة، فملأت صدرها بالهواء وقبلتني ونفخت في روحي وبعد دهر بدأت آخذ أول نفس بعد رحلة الذهاب والإياب. وحياة الشاعر تذكرة ذهاب وإياب بين الحياة والموت، يحيا ورأسه علي يده، يقول الكلمة وهو مستعد أن يلاقي الموت جزاءها وقد يذوق الموت، والإعدام، وقد يموت فعلا، ولكن الموت أبدا لا يميت الشاعر. بل الجنون نفسه، ولا الجن، ولا الفاشست، ولا السي أي إيه، ولا مخابرات القذافي أو السعودية، لا هتلر ولا شارون ولا إنس ولا جان يستطيع أن يقتل الشاعر. فالشاعر قد ولد، ويوجد، وظاهرة بيولوجية سوسيولوجية خارقة لأنه هو الذي يقتل هؤلاء جميعاً. هو الكرة البيضاء والجسم المضاد الذي تلازم وجوده مع وجود الحياة، حاميها، وراعيها، المستفز للدفاع عنها وبالذات لو تلخصت في كلمة واحدة هي الحرية، حرية الإنسان، الشاعر هو الذي يقتل أعداءها، يفنيهم، بكلمة يبيدهم لتبقي الحياة وتثمر الحياة، وتحيا الحياة. بل حتي الحب لا يقتل الشاعر، ذلك الصاعق الماحق المتوهج الشجاع الخبيث الأرعن الماجن الزاعق المتهامس المتعطش يستقطر متشقق الفم من الظمأ، اللذة، أبدا لا يقتل الشاعر. فالحب يحيي الشاعر، والحب الناجع يحيله لمغنٍ، والحب الفاشل يجعله فيلسوفا، والعشق المجنون يحيله «قيس» الحب، أيضا، لا يقضي علي الشاعر. >>> إذن لماذا يقتل الشاعر؟ هكذا كلما مات شاعر، وأقصد بالشاعر الشاعر، الشاعر الظاهرة، أقصد الفنان أو الكاتب أو المكتشف، كلما مات أحدهم وجدت السؤال يحوم موجات تساؤل إثر موجات تحيط برأسي، إذ هكذا أحزن علي الشاعر. وأسأل لماذا يموت الشاعر؟ وإلي الآن وأنا أسأل: لماذا يموت الشاعر؟! ولأنني لا أعرف، فأنا أتصور أن الشاعر الشاعر الظاهرة، عين من عيون البشرية، رؤية خاصة جداً للكون والحياة والدنيا لا يراها أحد سواه، وهو يري الجميع بها، بل يري بها ما لايراه الجميع. ويرسل الإشارات تلو الإشارات، والقصائد تلو القصائد، والقصص تلو القصص والإبداعات والمسرحيات والسيمفونيات والباليهات، والندوات، وفي عصره قد يسمع، يسمعه ربما كثيرون وكثيرون جدا قد يرون رؤيته، ويتبنون عينه، ولكنه يظل لا يحس بأن أحدا يشاركه الرؤي أو الرؤية، سهل تماما أن يتواصل معنا الشاعر فلدينا الوسيلة، شعره، وصعب تماما أن نتواصل نحن مع الشاعر فليس لدينا الوسيلة له، فنحن نراه وهو لا يرانا، ونحن نسمعه وهو لا يسمعنا، وقد نهتف له ونلوح ولكنه يهز رأسه وكأنه يقول إنكم تلوحون لي وتهتفون علي الشيء الخطأ، فليس هذا ما أريد قوله.. أنا أريد.. ويخرج لنا قصيدته أو قصته الجديدة، ونهتف ونلوح ويهز رأسه، غير يائس، وبصبر، ويحاول أن ينقل لنا رأيه ورؤيته مرة أخري. ونحن نحبه، ونرعاه، ونحرب عليه، ونفخر به، وحبيباته يأخذنه ويعتصرنه حبا بين أذرعهن. وكأنما نفعل هذا كله للسبب الخطأ. فنحن لا نراه أبداً كما يري نفسه وكما يري الدنيا. قد يراه الناس بعد عام أو مائة عام، ولكننا، نحن الذين حوله، نحن الذين أنوفنا مثل أنفه، وله شعر كشعرنا وحي رائح غادٍ يجلس معنا علي ريش، ويكرع معنا الكونياك الحامض، نضحك لنكاته المرة بأعلي الأصوات، ونهتف لحياته بالحناجر. وكأنما أيضا نفعل هذا كله للسبب الخطأ.. أو بالأحري للسبب غير المضبوط تماما.. وحين ييأس الشاعر أن يشاركه، واحد منا فقط، أو واحدة، تمام الرؤية، الرؤية التامة، يموت الشاعر.. >>> أجل.. يموت الشاعر حين ييأس من أن يشاركه أحد الرؤية، تمام الرؤية.. ولست هنا في مقام إيضاح رؤية أمل دنقل. فما حصلته منها نتف متفرقة نتف.. يا لها من نتف، أزدرد البيت، أو المعني، ذلك المحمل بكم من التكاثف والحكمة واللذعة والمرارة، أبداً ليست مرارة الحنظل ولا مرارة الأفيون أو الصبر ربما هي أحلي أنواع المرارة فمن مر مرها يصنع خمر الجنة، وعقيقها يضئ بما فوق الأحمر وما تحت الأحمر وقلب الأحمر، ورائحتها أشم فيها رائحة العطر العربي الذي كان يفوح كلما فتحت جدتي صندوقها الذي دخلت به كان مرا كان حلوا كان صلبا كان مثاليا تماما لأنه يأبي أن يري الإنسان، ذلك المخلوق السامي، غير مثالي، غير عف، غير شريف، غير صادق، غير نبيل. تأملوا معي هذه الكلمة.. نبيل ارجعوا معي إلي عهود كانت البشرية فيها تحيا بلا نبل، ثم جاءها شاعر، نحت لها الكلمة، النبل.. رؤية خاصة جدا، موجودة أو غير موجودة لا يهم، فهو، برؤيته، بشعره، أوجدها. وقد أوجدها والبشرية تتطلع إليها، ترتديها وتستعملها، تتأملها، تعيش بها، تصبح بها أرقي وأروع وجديرة حقا بذلك الجنس الفريد بني الإنسان.. هذا هو الشاعر، وهذا هو الشعر.. وأمل دنقل الرؤية، كان رؤية مستحيلة، مستحيلة أن يراها سواه وإلا لكنا جميعا أمل دنقل. هو وحده الذي كان يراها، ويراها بوضوح شديد، وحين صاحبته أكثر وأكثر، وفي أخريات حياته كنت له رفيق كل يوم وكل نميمة وكل قهقهة عالية، بدأت أخاف من رؤيته المستحيلة، إذ كنت قد بدأت أراها، وبدأت تحتل علي تفكيري.. حتي أنني رفضت تماما أن أقرأ قصيدته الجنوبي الأخيرة، فقد كنت متأكداً تماما أنني لو قرأتها لاكتملت الرؤية، ولمت مثله وحده. فاعذرني يا أمل لأني لم أمتلك شجاعتك للاستشهاد في سبيل رؤيتك.. وحتي لو قلت معتذرا لأني أنا الآخر أريد أن أموت شهيد رؤيتي، فالعذر أقبح من الذنب.. >>> أيها السادة نحن في حضرة عبقرية انتهت حياتها منذ أيام وإلي ألف عام من الآن، إلي مسافة تماما مثل التي كانت بين المتبني ودنقل، سنظل ننتظرها ولن أطلب منكم الوقوف حدادا فنحن إذا وقفنا حدادا سيكون الحداد علي عصر طويل قادم حدادا علي العصر الذي سيمضي حتي يشب فيه رجال لهم شيم الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل، وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل، وشرف ونبل وإنسانية وشجاعة ورقة الرجال الذين استشهد أمل دنقل وهو يراهم هم البشر ويحلم برؤيتهم، وكنا نحن صغارا فلم نرهم، ولم نره
زائر زائر
موضوع: رد: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس السبت 24 مايو 2008, 1:34 pm
رائع يا أستاذ عصام .. فعلاً استمتعت بالقراءة هنا فعلاً .. كتابة يوسف إدريس عميقة و المقال بالأعلى طيب .. لقد كان أمل دنقل أيقونة رائعة .. كلماته تحمل نوع من السحر .. شكراً يا أستاذ عصام .. تقديري و احترامي.
آسيا خليل مشرف قسم الرواد
عدد الرسائل : 195 العمر : 54 الجنسية : سورية تاريخ التسجيل : 13/05/2008
موضوع: رد: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس الإثنين 26 مايو 2008, 11:24 am
( معلق أنا على مشانق الصباح وجبهتي بالموت محنية لأنني لم أحْنِها حيا ) أمل دنقل
كان أمل دنقل شاعرا حقيقيا ويمتلك رؤية انسانية كبيرة شكرا لك أستاذ عصام على هذه المساهمة الطيبة وفي انتظار مساهماتك التي تسعدنا دائما تحياتي العميقة
عصام الزهيري مشرف قسم القصص والروايات
عدد الرسائل : 460 العمر : 51 الجنسية : مصر تاريخ التسجيل : 12/05/2008
موضوع: رد: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس الأربعاء 28 مايو 2008, 2:10 am
الصديقة المتميزة قصيدته الوردية مرورك على الموضوعات يفيض عليها بالعطر بالفعل أمل دنقل أيقونة للنور في أوقات الظلام وشعره رمز للأمل في عدالة وصدق قضية الإبداع في كل كلمة كتبها الراحل أمل يتجسد سحر الخلاص مودتي
عصام الزهيري مشرف قسم القصص والروايات
عدد الرسائل : 460 العمر : 51 الجنسية : مصر تاريخ التسجيل : 12/05/2008
موضوع: رد: قانون موت الشاعر..مقال نادر ليوسف إدريس الأربعاء 28 مايو 2008, 2:14 am
آسيا خليل المتألقة إبداعا في أبيات أمل التي وضعتها هنا تجسيد مبهر لجوهر فكرة إدريس عن حياة الشاعر وموته مرورك يفيض على الموضوعات شعرا وضوء