سكْرة ُ الموت المبكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحي عبد السميع
كم وردة رفرفتُ في عنابها ؟
كم من بنات الجن نمن علي ذراعي
مثل زوجات
وكم سورا خرقتُ بإصبعي .
في سكرة الموت المبكر
لا أفكر في الهزائم
والخسائر
والمرارات
التي ستنام في نعش معي .
منذ البداية
كل شيئ كان ينبئ بالمصير
ما زلت أذكر
عندما استنشقت أول وردة
ووضعتها بين الكراريس ,
استشاط مدرس
وهوي بمسطرة
ليرسم فوق كفيَّ وردة ً ,
ما زلت أذكر
عندما جدفت أول مرة في النهر
شدتني عجوز من نساء الجن
وحدي
صرت أقفز
ثم أهبط
صارخا
حتي أتي صياد أسماك
وخلصني
لأغرق في كوابيس
ويبقي من ملاك الموت
ريش سابح في منبعي .
مازلت أذكر
عندما قادت خطايَ
ـ روائحُ البستان ـ
نحو تسلق السور المرصع بالزجاج
هويت ُ مجروحا
قعدت لكي أحاصر ما يسيل من الدماء
فحط َّ فوقيَ حارس البستان
أوثقني نهارا كاملا في طرف ساقية
إلي أن جاء شيخُ البلدة ـ المبرورـ
من أقصي ارتفاع ذراعه يهوي عليَّ
بفرع سنط ـ لم يُقلَّم جيدا ـ , أو لم أقل
منذ البداية
كل شيئ كان يقصف أفرعي .
لكنني لم أستفد من أي رمز
كنت أزهو بالرضوض
وأنتشي بفواجعي .
ما إن أري وردا تعري باذخا
حتي أمد يدي لأقطف
تاركا لمساطر الدنيا
كتابة مصرعي .
ما إن أري نهرا
يطرِّز خضرة الكثبان
أو يمضي إلي أبدية
حتي أبعثر ما عليَّ من الملابس
ثم أقفز
كي أزف الروح للأسرار
أهمس :
ـ لو فتاة من بنات الجن تجذبني
وأبقي سابحا
حتي أعبئ بالمسرة كل جيب في الجسد ْ .
ما إن أري سورا
يداهمني اختناق ُ الصدر
يثقبني الجنون
وأشتهي تحطيم َ هذا السور
كي ما يستلين لي الشهيق
ولا أبالي بالجنازير
التي تنهال مثل صواعق ٍ في أضلعي .
في سكرة الموت المبكر
لا أفكر في المصير
فكيف أحصر كم من المرات مت ُّ
وكم من المرات أوقفني الجنون ُ
علي اللهيب
ولم أفارق موضعي .
في سكرة الموت المبكر
مثلما في نشوة الصحو المبكر
سوف أزهو بالجروح
وأنتشي بفواجعي .
فتحي عبد السميع
من مجموعة للشاعر بعنوان ( فراشة في الدخان )