- لا يزال السجال قائما في مجال الإبداع ، و السؤال الأبديّ هو : هل الحب كعاطفة يدعّم الإبداع و يمنح المبدع ما يلزمه من اشتعال عاطفيّ لمواجهة حالة الخلق ، أم عكس ذلك يستهلك وقت المبدع ، و ينهك أعصابه في الخيبات و الخلافات العاطفيّة ، و يسرق منه الطاقة التي كان يجب أن تذهب قوّتها لإنجاز أعمال إبداعيّة ؟
- " اختاري الحبّ أو اللاحبّ فجبن ألاّ تختاري " . يقول نزار و باختصار : هل الإشباع أم الحرمان هو ما يحتاج إليه المبدع لخلق الأعمال التي يحلم بها ؟ و لا أذكر من قال " النساء يلهمننا كلّ الأمور العظيمة التي يمنعننا من تحقيقها " . لكنّني أذكر أنّ الأديب البريطاني نايبول ، الذي صنع مجده بإشهار كراهيته للمسلمين ، أحرج الأكاديميّة السويديّة المانحة جائزة " نوبل "عندما صرّح يوم نيله الجائزة ، بأنّه يشكر بائعات الهوى لأنهن كنّ في خدمته عندما كان في حاجة إلى قضاء رغباته الجنسيّة ، فكان يشتري منهنّ ذلك ، لأنه لم يكن يملك الوقت الكافي للمغازلة بحكم انهماكه في عمله الأدبيّ و أنّ مغازلة امرأة تحتاج إلى أيّام و أسابيع ،و تتطلّب حسب قوله الانفصال عن العمل . لذلك فهو يفضّل أن يدفع للحصول على الجنس ، كسبا للوقت . مضيفا انّ الغانيات يوفّرن الرّاحة و أنّه يشكرهنّ على ذلك ، خصوصا و أنّ زواجه لم يوفّر له ما يحتاج إليه .
- كلام يذكّرني بهنري ميلر ، و سنوات تشرّده الباريسيّ اذ كانت احدى السيّدات الأميركيّات المعجبات بأدبه تبعث إليه شهريّا مبلغا كي يشتري به من الغانيات ما يلزمه من متعة لمواصلة الكتابة ، شرط أن يختار غانياته من الأوساط الراقية .. لا من بنات الأرصفة . طبعا لم يكن ثمّة من خطر على أخلاقه ، و هو القائل تلك الجملة التي ما زلت أذكرها منذ قرأتها في السبعينات : " إنّ الكلمات البذيئة في الجنس تطهير ، أمّا الإغراء فهو قذارة " .
- أمّا فولتير ، فكان يعتقد أنّه " ليس ثمّة غير نوعين من النساء : أولئك اللواتي تفسدهنّ .. و أولئك اللواتي يفسدنك " و من الواضح أنّ الأمر يتطلّب في الحالتين بعض الوقت . و الوقت هو تماما ما يحتاج إليه المبدع أكثر من أيّ شيء آخر .
- الشاعر الارلندي العظيم سيموس صيني ، الحائز جائزة " نوبل " للشعر ، يشرح في احدى مقابلاته ، بتعبير أكثر جاذبيّة ، ما يشغله الشعر من مكانة في حياة الشاعر بقوله : " قرأت زوجتي أنّه إذا كانت حياتك الجنسيّة جيّدة ، فهذا يعني أنّها تحتلّ ثلاثة في المائة من وقتك ، و إذا لم تكن جيّدة ، فهي تحتلّ سبعة و تسعين في المائة من وقتك و تفكيرك .. هناك تشابه في هذا مع الشعر " .
- و قد يبلغ هاجس الكاتب بالوقت ، ما بلغه بلزاك ، الذي ، كي يتمكّن من إنجاز ذلك الكمّ الضخم من الهوايات ، كان يتناول كمّيات كبيرة من القهوة حتّى لا ينام طوال الليل ، مضحّيا بما في متناوله من مُتع جنسيّة ، و بنساء كنّ يطاردنه طمعا في الشهرة . فقد كان يعتقد أنّ " كلّ علاقة جنسيّة تقيمها مع امرأة ، هي كتاب خسرته " .
- أمّا بيكاسو ، الذي شغلت النّساء أكبر حيّز في حياته العاطفيّة ، فقد كان يحتاج ، حتّى آخر عمره ، إلى أن يقيم أكثر من علاقة جنسيّة يوميّا .. كشرط من شروط الإبداع . و على الرغم من هذا ، كان يقول ، ككلّ فنّان ، أنا قبل كلّ شيء رسّام المرأة . و بالنسبة إليّ المرأة هي قبل كلّ شيء آلة للتعذيب " . فهل كان يحتاج لعذابها كي يبدع ؟ أم يحتاج إلى الإبداع ليُقاوم عذابها؟
- و بينما يرى الكاتب ستيفان ستيلر أنّه " توجد ثلاث طرق يتعامل بها الرجل مع المرأة : أن يحبّها ، أن يعاني من أجلها ، أو ان يحوّلها إلى أدب . و أنا افضّل الأخيرة ، فهي الأسهل ".
- و يمكننا أن نستنتج من حياة بيكاسو أنّه اعتقد دوما أنّ المبدع لا يمكن أن يتعامل مع المرأة إلاّ بالطرق الثلاثة مجتمعة ، و أنّه لا يمكن أن يحوّلها إلى إبداع ، إن لم يكن قد أحبّها و عانى ما شاء له الحبّ أن يعانيه من أجلها .
- الكارثة ... أنّني أشاركه الرأي ....
أ أحلام مستغانمي " زهرة الخليج 1277 "