نقلا عن شبكة الإعلام العربية "محيط"
محيط - رهام محمود
هو الإبن الأصغر للأديب الكبير عبدالمنعم الصاوي، الذي سقاه الفن والفكر والثقافة منذ كان طفلا، وليسقي الإبن المجتمع فكرا وفنا من خلال مركزه الثقافي الرائد الذي انشأه منذ خمسة سنوات بالزمالك، 'ساقية عبدالمنعم الصاوي'، سماه باسم رواية أبيه الشهيرة 'الساقية'، لتجمع أنواع الفنون المختلفة في مكان واحد من فن تشكيلي، شعر، أدب، موسيقى، مسرح، ندوات، حفلات، والعديد من الأنشطة الأخرى تحت الكوبري.
التقت شبكة الإعلام العربية 'محيط' بالمهندس محمد عبدالمنعم الصاوي في الساقية، التي يتواجد بها بصفة مستمره، لنتحاور معه حول مشروعه الناجح الذي يجتذب الكثير من الجمهور المحبين للفن والثقافة الهادفة، وكان لنا معه هذا الحوار:
محيط: لماذا أنشأت الساقية وكيف تمكنت من جذب الجمهور لها .. ثم لماذا وقع اختيارك على موقعها الحالي والذي كان مقلبا للقمامة ؟
الصاوي: هذا الموقع له قيمته الكبيرة فهو في قلب القاهرة وسط النيل بجزيرة الزمالك، به مواصفات معمارية لا يمكن التفريط بها، السقف موجود وهو جسد الكوبري، كما أن المكان المحيط بساقية الصاوي ثري جدا من فنيا وثقافيا، فقد حظت جزيرة الزمالك بمؤسسات تعليمية فنية كبرى منها كلية الفنون الجميلة والتربية الفنية إلى جانب التربية الموسيقية، دار الأوبرا المصرية، مكتب وزير الثقافة، مكتبة القاهرة الكبرى، والكثير من المؤسسات والجاليريهات 'قاعات العرض الفنية' بغير حدود، كما يوجد بها عددا كبيرا جدا من الأبنية القيمة والفيلات والمنشآت القديمة ذات القيمة المعمارية الفنية الحقيقية .
وقد ساقتني الصدفة لأكتشف هذا الكنز المدفون تحت الكوبرى بالقمامة ، وهو عبارة عن مسطح لا يقل عن 1500 متر. كانت بدايتنا قاعة "الحكمة" أسفل الكوبري، وبمجرد أن نظرت بداخلها من خلال فتحة في السور المبني من ناحية نفق أبو الفدا لم استطع أن أقاوم فكرة إقامة مركز ثقافي أو مسرح له ستائر وأضواء رأيته في هذه اللحظة، وأنشأته لاحقا.
وساعدتني كثيرا دراستي للعمارة في تنفيذ الفكرة كما رحب بها والدي لتقديره لأهمية الثقافة والفن في حياة الناس .
أما بالنسبة لقصور الثقافة وما شابه ذلك من النشاط الحكومي، فمن المؤكد أن النشاط الأهلي أو الخاص فرصته أكبر في إنجاز الاعمال بعيدا عن البيروقرطية الحكومية والقيود ، فأنا أزعم أن من يتولون إدارة قصور الثقافة أفضل مني ولكنهم مقيدون بكل الطرق، لديهم ذعر من محاسبتهم وهذا يقتل التطوير والإبداع.
أبي هو معلمي الأول
محيط: ألم تشعر أنها مجازفة إقامة الساقية وسط عزوف الجمهور المصري عن الفعاليات الثقافية ؟
الصاوي: لم أنظر للأمر منذ البداية على أنه عمل تجاري يهدف للربح ، وهذا يسر جدا من مهمتي؛ فقد بدأت أتخلص من التوتر والإستعجال وظللنا في البداية نقيم الفعاليات بدون جمهور تقريبا وحفلات كانت تخلو من الزوار .. حتى دارت عجلة الساقية بالفعل وتحدث الناس لبعضهم البعض وأثنو على المكان ولمسوا فيه صدق الأداء .
بعدها فوجئنا بقدر عالي من التركيز الإعلامي على نشاط الساقية ، ومما ساعد بنجاح الساقية وجود فريق مؤمن برسالتها الثقافية ووجود اشتراكية تسود داخلها ليست تلك الاقتصادية المعروفة وإنما اشتراكية الود والاحترام المتبادل بين البشر جمعيا، والساقية خير دليل على جلوس الوزير بجانب العامل البسيط ، ولا مكان للتمييز بالساقية .
محيط: إلى أي مدى استفدت من والدك من الناحية الثقافية والفنية؟
الصاوي: لمدى أبعد من ان أتذكره ؛ فعبدالمنعم الصاوي هو معلمي الحقيقي، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتي وقدوة المسلمين جميعا ، وكان أبي يصحبني معه في مدينة الصحفيين حيث كنا نسكن ونتمشى معا خلف شريط القطار في جو ريفي جميل ، وكان في حديثه يعظم من لفكر والرأي الحر والاستنارة والحرية في التعبير والثقافة، وقد تربيت على هذه المفردات وعلى مفهوم النبض الفني بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش معزولا عن الفن وروافده بأشكاله المختلفة، والذي تعلمته أيضا من والدي وأريد تعليمه للشباب أنه لا يوجد حل واحد لأي مشكلة، أو وجهة نظر واحدة هي الصواب؛ فالناس في حاجة إلى احترام آراء بعضهم دون تصادم.
مستعد للتفرغ للعرائس
محيط: متى بدأ عشقك لممارسة فن تحريك العرائس ؟
الصاوي: يبدو أنني محظوظ ؛ فقد لعبت الصدفة دورا هاما في حياتي ، وحينما كنت في المدرسة شاهدت إعلانا عاديا عن تكوين فرقة لمسرح العرائس ، وكان المدرس خفيف الظل ولديه القدرة الجيدة على توصيل ما لديه ، وتعلقنا به وبدأنا العرض المسرحي الأول . من خلال مسرح العرائس وجدت نفسي أرسم وأفكر في الديكور والأصوات والإضاءة ، حتى أن بناء المسرح وتنظيفة كنا نقوم به بأنفسننا ، وإذا طلبتم مني أن أعتزل العالم كله وأحتفظ بشيء واحد فقط فسأختار مسرح العرائس .
محيط: أنت عضو في العديد من الجهات من بينها المجلس القومي للشباب ، مجلس ادارة نادي الجزيرة وشركة العالمية ، كما أنك تدير ساقية الصاوي وأنت مشارك دائم في الماراثونات الدولية الرياضية .. كيف توفق بين كل ذلك ؟
الصاوي: منذ أستيقظ من النوم الساعة الخامسة صباحا وحتى أنام الساعة 12 مساءا أعيش في عمل مستمر، وليس عندي فكرة أن يمر وقت دون فعل شيء وهذا أفادني في تحقيق التوازن بين كل ارتباطاتي . الرياضة أيضا بالنسبة لي ليست رفاهية فهي تعينني على أن أقوم بباقي الأعباء في حالة جيدة وبكفاءة.
محيط: تهتم بالفنون التشكيلية بصورة ملحوظة ، وتقيم العديد من المعارض الفنية في شهر واحد فكيف تمكنت من إحراز هذا النجاح ؟
الصاوي: أنا حريص على النشاط الفني والتشكيلي للغاية ، وهو مجال اكتساب الرواد فيه أمر ليس يسيرا ، وتتميز الساقية عن غيرها من أماكن العرض الفنية أن الجمهور متواجد بشكل تلقائي إما لحضور ندوة أو مشاهدة الأعمال الموسيقية او المسرحية والسينمائية وبالتالي يزور المعارض الفنية ، فمزج الفنون مع بعضها يعود بالفائدة على كل الفنون ، وأعتبرها وسيلة لأن تتذوق الجماهير الفن بالتدريج .
حاليا نمت المعارض بشكل واضح ولم يعد لدينا وقت خالي من العروض التشكيلية حتى على الرصيف وفي الحديقة نحت ومجسمات وعلى الجسر الذي يعبر بين الحديقة وقاعة النهر نضع لوحات تصوير فوتوغرافي.
اتفاق كامل بين الفن والدين
محيط: في ساقية الصاوي نجد الندوة الدينية ويجاورها في القاعة القريبة العروض الموسيقية ويقبل الشباب على كليهما بشغف .. البعض ينظر لهذا الأمر على أنه تناقض .. كيف تراه وهل يتدخل ذوقك الشخصي في هذه العروض؟
الصاوي: ذوقي الشخصي يتراجع تماما أمام العمل المنظم القائم على وجود لجان مختصة، بعد اطمئناني لسلامة حسهم الفني وإدراكهم الأكاديمي ، وأنا لا أرى أية تعارض بين النشاط الفني الموسيقى وبين نظيره الديني ، بالعكس أزعم أن كلاهما يحاول الإرتقاء بمشاعر الناس وإدراكهم للدنيا ؛ فالدين هو وصفة السعادة للناس جميعا في الدنيا والآخرة .
ومن جانب آخر هناك أنواع معينة من الموسيقى كالروك ظلمت لارتباطها في الأذهان بإدمان المخدرات ، وأنا أقول أن السيارة قد تتسبب في حوادث ومع ذلك نقودها لا يمكن أن نتوقف عن ذلك ، وكذا الحال مع الموسيقى هي بريئة من ممارساتنا في وجودها .
محيط: ما سبب اختياركم ل"العقول" لتكون شعارا لفعاليات هذا الموسم الثقافية ؟
الصاوي: نحن لازلنا بحاجة شديدة لتأكيد معنى وقيمة العقل عند الإنسان، وأقول دائما أنه لا يوجد شخص غبي بل توجد عقول غير مدربة جيدا يمكن تصحيح مسارها ورفع كفائتها كثيرا بالتدريب، ونحاول أن نستخدم طرقا عملية مع الأطفال مثل محاضرات وورش عمل في هذا الإطار ، أما مع الكبار فندعوهم عبر اللقاءات الفكرية للتفكير وهذا ما سيحقق النهضة لأمتنا بالنهاية .
حرية التعبير في الساقية
محيط: لماذا اختفت من الساقية الندوات الفكرية الساخنة والموضوعات المثيرة للجدل ؟
الصاوي: العام السابق أقمناه عالما الحقوق، وتخوفنا من الموضوعات المثارة خلاله ولكن مر دون مشاكل ، وقريبا سنناقش قضايا المحكمة الجنائية الدولية بالتعاون مع السفارة الألمانية والإنجليزية وواحدة من صناديق الدعم الأوروبية . ومن الناحية السياسية تحدثت الساقية في العديد من القضايا الساخنة كرغيف العيش وأزمات الإسكان والإنهيارات الأخيرة في الجبل ، وأريد أن أقول أن حرية التعبير هامشها كبير في الساقية وحدود الحرية لدينا ألا تستغل لتجريح الشخصيات بل تنتقد الأفعال .
محيط: حملتكم القومية تارة ضد السجائر وثانية ضد التسول، ما مدى استجابة الجمهور لهذه الحملات؟
الصاوي: أنا سعيد جدا بنتائجها، وقد اختارت منظمة الصحة العالمية حملة التدخين لتبنيها وتنازلنا رسميا لهم عنها كي يستخدموها في بلاد أخرى ، لدرجة أنني كنت أقول " .. أشعر أن هذه الحملة هي التي ستضبط ميزان حسناتي وتدخلني الجنة " فكرة الدائرة البيضاء هي تشجيع غير المدخنين على البقاء على ما هم عليه من نعمة عدم التدخين، ويأتي الكثير من الشباب يعلقون دبوس العلامة البيضاء لأنهم لن يدخنوا بالمستقبل.
أما حملة التسول فأنا أراها قضية قومية، ومستاء لأنه لم يقف أحد بجانبي فيها، فحتى الآن مازلت بمفردي أقول للناس لا تعطي أحدا أي نقود بالشارع، فحتى لو الشاب المتسول لم يجد عملا من الممكن أن يلجأ لأحد الجيران أو الاشخاص الذين يعرفهم يحق لهم أن يوجدوا له أي عمل ، هل نتصور أن لدينا حاليا مليون ونصف متسول في الشوارع حسب الإحصاء المعلن، وهؤلاء الناس أقرب ما يكونون للجريمة والإرهاب وللإساءة لأنفسهم والمجتمع، ومن الممكن أن من لديه إحساس حقيقي بالفقر أن يلجأ للجمعيات الخيرية الصادقة او الجيران أو المسجد .
حسني واليونيسكو
محيط: هل تؤيد ترشيح الفنان فاروق حسني لليونسكو؟
الصاوي: أنا أرى انه عنده من الخبرة والدراية والوعي بأهمية التراث الإنساني ما يؤهله لهذا طبعا، وقد أدى دورا بارزا في الحفاظ على التراث والآثار والترميمات، وبذل جهدا كبيرا على المستوى العالمي، فمؤكد سيكون له ثقل، وخصوصا أن مصر تمثل ركيزة كبرى في آثار العالم، ففرصته كبيرة مالم تتآمر عليه الجهات التي لا تتمنى لمصر أي تقدم، لكني أظن أنه لديه فرصة كبيرة.
محيط: ما هي خططك المستقبلية للساقية؟
الصاوي: التوسع الرأسي والأفقي، الرأسي بمعنى تجويد أدائنا وتحسينها وبكل الطرق ، أما من الناحية الأفقية فاتمنى أن ساقية الصاوي تتواجد لها فروع لا يفرق بينها سوى 100 كيلو، وأن تنتشر في كل مصر، تذهب لها الناس مطمئنة لتجد فكر مفتوح حر أمين على الناس، مسئول عن الشباب، هدفه إسعاد البشر وتنمية قدراتهم ومعارفهم وإدراكهم الفني بكل الطرق، وأقول لكل الناس من عنده غرفة فوق سطوح منزل أو جراج فسيح أو حديقة مفتوحة ويريد التعاون معنا بأن نجعلها ساقية صاوي حبذا ، فنحن لا نتعالى على التواجد بحجم صغير، ولا مكان فقير، ولا ظروف صعبة.