الإبداع النّسائيّ
ضمن المعطيات الاجتماعيّة و التاريخيّة الاجتماعيّة السائدة ، تختلف تجربة المرأة مع الكتابة ، في
كثير من أوجهها و دلالاتها و مصيرها ، عن تجربة الرّجل ، حيث مازالت تحيط بالمرأة ظروف خاصّة و
معقّدة تجعل ولادة العمل الأدبيّ بحدّ ذاته انتصارا على القهر و كسر القيد ، و إنْ تكن تعني في كثير
من الأحيان ولادةَ معاناة أخرى من نوع مختلف . لا يجوز في أيّ حال من الأحوال الحديث عن عدد
الرّوائيّين و الرّوائيّات أو نسبة الكتّاب و الكاتبات دون توضيح الظروف الخاصّة التّي تتعرّض لها المرأة و
التي تحدّ من طاقتها و إبداعها و تميّزها . فالحديث عن الإبداع بالنسبة إلى المرأة يجب أن يُستهلّ
بالحديث عن معوّقات الإبداع عند المرأة وهي كثيرة و متنوّعة . فالعائق الأوّل و الأهمّ هو أنّ الأنوثة
اعتُبرت تاريخيّا و اجتماعيّا مهنة بحدّ ذاتها ، و الشيء نفسه لا ينطبق على الرّجولة . تولد المرأة
صاحبة مهنة الإنجاب و الرّعاية و الاهتمام بالآخرين ، و تعتبر أيّ مهنة أخرى ، خاصّة مهنة الكتابة ،
إضافيّة جدّا و غير ضروريّة ، إذ أنّ المهمّة الرئيسيّة للمرأة هي أن تكون ابنة صالحة و من ثمَّ أختا
صالحة و الأهمّ أن تكون زوجة صالحة ، و كلّ ما عدى ذلك في حياتها يعتبر ثانويّا و قابلا للتّفاوض . من
هنا اصطدمت رغبة بعض النّساء المبدعات بواقع لا يعترف بأهمية موهبتهنّ و حاجتهنّ إلى الإفراج
عن هذه الموهبة و التعبير عنها ...
و الواقع أنّ اصطدام المرأة المبدعة و الموهوبة بصخرة الواقع الاجتماعي أشدّ إيلاما من
اصطدام المرأة العاديّة ، و يبلغ هذا الاصطدام أقصاه حين يتعلّق الأمر بالكتابة التي تعتبر من قبل
الكثيرين تَرَفا لا ضرورة له أو طريقةً جريئةً لا تليق بالمرأة الأنثى التي يجب أن تبقى مشاعرُها و
أفكارُها وَقْفا عليها و على أقرب المقرّبين و ألاّ تُصبح ملكا للشادي و الغادي . و من هنا كانت الكتابة
الأدبيّة الإبداعيّة أشدَّ حرجا للمرأة من الكتابة العلميّة و النّقديّة أو غيرها . فبالإضافة إلى تجاوز المرأة
لوظيفتها الاجتماعيّة المحدّدة بالإنجاب و التربية ، فهي حين تُمارس عملَ الكتابة تُعرّض شرف العائلة
أو الزوج إلى مختلف التُّهم و الأقاويل ، إذْ أنّ كتابة المرأة تُفهم في الغالب على أنّها نوع من السيرة
الذاتيّة ، و منَ الصعب جدّا على القارئ أو الناقد أن يفصل بين المرأة الإنسان و المرأة الكاتبة . على
الأقلّ لم يُقْدم النّقادّ العرب بمُجملهم حتّى الآن على اعتبار المرأة العربيّة كاتبةً بغضّ النظر عن كونها إ
مرأة ، و هذا ما حدا بالكاتبات العربيّات أن يرفُضْن تصنيفهنّ كاتبات لما يُلحقُ ذلك بأدبهنّ من الأحكام
المجحفة التي تستند إلى جنس الكتابة بدلا من أن تعتمد العمل الأدبيّ نفسه مُنطلقا و مرشدا
لها .
بثينة شعبان – الرّواية النّسائيّة العربيّة – "مجلّة مواقف"
العددان 70-71 شتاء/ ربيع 1993صص 211-221