عودا من رصاص
الرغبة في أن تكتب ليست من نبع تمسكك الزائف بكونك من الكتاب، ولا تمحكا في عادات المثقفين ذوى المعاطف الحمراء والمدفأة الخشبية في ليالي الشتاء، ولا انتحالا لشخصية أحد العظماء تحاول أن تحاكيه في النشأة وتتمنى أن تدخل المعتقل، لتخرج عند سن الثلاثين، وتصبح بطلا قوميا وأنت في الأربعينيات من عمرك، ورئيسا ثوريا في الخمسينات ثم أسطورة بعد الممات.
أنت لست كل هذا، أنت فقط من أفقر أهل البسيطة امتلاكا للأدوات المؤهلة للعيش، ومن ثم لا تملك سوى تلك المنضدة التي تكتب عليها، وتقرأ عليها، وتأكل عليها، وتنام عليها، و... أيضا عليها.
وللحق تمتلك أيضا أقلاما رصاص، تستطيع أن تستعمل الواحد منهم حتى يصعب بان تفرق بينه وبين عقلة أصبعك، المهم أنه لا زال يخط شيئا ما، على سطور ما، في أوراق تعيد الكتابة على وجهها غير المطبوع توفيرا للنفقات، ثم تنقل هذه الأوراق مساء كل ثلاثاء إلى متعهد النشر الذي يأخذها منك في مقهى البلابل اليسارية بوسط البلد، واعدا إياك بأنها سوف تنشر باسمك في المرة القادمة، تلك المرة التي تعلم جيدا أنها لن تأتى قبل عشر سنوات، أو عقب حادث من طرائف القدر كتلك التي تحدث دائما مع من سيصبحون رؤساء تحرير للجرائد القومية.
يؤسفنى أنني أقدمك للقراء بهذه المقدمة التي تبعث طاقة سلبية، أعرف انك الآن تشتعل غيظا حيث لن يمكنني (أنا راوي قصتك التي لا تهم الكثيرين) أن أخلق منك بطلا محبوبا في نهاية القصة. لا تقلق عزيزي شاب الألفية الثالثة، فانني بدء من المدونات على حوائط الكهوف، ومرورا بقصائد عنترة وانجازات هتلر، وانتهاء برائحة الكرامة في لبنان. أبدا لم أتخلى عمن اتخذني سيفا بالرغم من أنى عودا من رصاص.[/size]