وهـم
" أنا من ضيع فى الأوهام عمره " . .
صوت عبد الوهاب يأتيه من بعيد . . . فعلا . . أنا
من ضيع عمره : لا علم . لا عمل . . لا سكن . . لا أسرة . . لا أحد يسأل عنى
حتى الأوهام لم أتمتع بلذتها . . كيف ضاع العمر! . . لم أتوقف لحظة لأسأل نفسى .
* * *
كل صباح أنظر فى المرآة . . أعد التجاعيد . . لقد زادت واحدة .... و اثنتين . . خمس . . تكسرت العينان . . لم تعد ترى ما يراه الناس
* * *
أتلمس طريقى خارج غرفتى..أتنقل بين الطرقات. .
أقطع الشوارع جيئة وذهابا . . لا أدرى ماذا أفعل :
أعود إلى غرفتى . . أغلق بابى . . ألقى بجثتى فى الفراش..
استغرق فى نوم طويل حتى يأتى الصباح . . لأنظر فى المرآة . . وأعد التجاعيد وأتلمس طريقى إلى الخارج.
* * *
ذات يوم رأنى مخرج سينمائى . . قال لى : شكلك ينفع فى دور العجوز الذى يرقد فى فراشه حتى يموت . . سألت :-هل ستعطينى أجرا . . قال نعم . . وطعامك وشرابك طول مدة التصوير . . وافقت فورا . ، لم يتعب الماكيير فى رسم التجاعيد ولم يتعب المخرج فى شرح المشهد . . . ولم أتعب أنا فى الأداء .
بعدها تهافت المخرجون علىّ حيث أنى أكثر الناس إجادة لهذا الدور؛ غير أنى لم أكن أتقاضى أجرا فيما سبق .
* * *
مازال عبد الوهاب يغنى . . وقد أدرك الرجل أنه لم يضيع عمره بل قدمه للجماهير . . . ساهم فى رفع مستوى التمثيل فى بلاده . . . وحقق فنا رائعا . . . وسجل اسمه فى أرشيف السينما وجعل لنفسه تاريخا عظيما ..... ؛ فأغلق المذياع .