هربا من هجوم (اللانجيري):
الكتاب الفرنسي من وسط البلد إلي المعادي
حين سألت حارس عقار "الإيموبيليا" بوسط البلد عن المحل رقم (9)، قال إنه يقع علي ناصية شارعي "شريف" و"قصر النيل"، سألته هل تتذكر أنه كان مقر مكتبة الكتاب الفرنسي؟ فأكد أن المكتبة كانت موجودة علي الناصية فقط ..إذن المكتبة كانت علي ناصية عمارة الأيموبيليا من ناحية شارع قصر النيل، وهو العقار الذي سكنه العديد من الفنانين مثل أسمهان، ليلي مراد، نجيب الريحاني، محمد فوزي، وغيرهم، لكن يبدو أن ذاكرة حارس العقار لا تتسع لتذكر المكتبة، التي كانت تستورد الكتب الفرنسية الصادرة لتوها في باريس. " بس المكتبة اتخلت من كام شهر" أضاف الحارس وأخذ يردد ما يعلمه عن المشاهير الذين سكنوا بالعقار القديم.
المكتبة، حسب المعلومات المتوافرة عنها، صارت من حق ورثة مدام إيفيت ديمتري فرازلي الذين حصلوا علي حكم قضائي عام 2003 يؤكد أحقيتهم في إدارة المكتبة.
توجهت للسؤال عن المحل رقم (9)، لكنني لم أجد إلا عدة محلات متجاورة تبيع (اللانجيري)، يجاورها عدد من محلات الأحذية. سألت أحد الباعة عن المكتبة فوصف لي محل " جويا" للانجيري .. بقليل من التأمل للمكان لا يمكن لأحد تخيل القصة التي جعلت من المكتبة المتخصصة في الكتب الفرنسية محلا لبيع اللانجيري؟
ويبدو أن العاملين بالمحل وجدوا صعوبة- أيضا- في تخيل قصة التحول، فلا واحدة منهن تعرف أن مقر عملهن كان في السابق مكتبة من ثلاثة أدوار، مساحتهم مجتمعة تصل إلي 120 متر مربع، فقد أكتشفت أن بائعات (اللانجيري) لا يعرفن أي شئ عن المكتبة.
> > >
داخل محل "ميزون ماريون" لتفصيل وبيع الملابس للسيدات، المجاور للمحل رقم (9)، سرد صاحب المحل قصة نقل المكتبة إلي المعادي، فقد حصلت الشركة المالكة لعقار الإيموبيليا علي حكم نهائي في القضية أفاد بأحقية الورثة في إمتلاك المنقولات فقط، أي أنهم لم يحصلوا إلا علي الكتب والأثاث المتواجد بالمكتبة، ونتيجة لذلك قاموا بنقلها، قبل ما يزيد علي ال 6 أشهر، إلي مقر جديد بالمعادي، (رقم 2 بطريق 23)، ثم حصل مستأجر جديد علي المحل وحوله إلي محل لانجيري!
> > >
لكن مكتبة الكتاب الفرنسي ستبقي في ذاكرة وسط البلد أوروبية الهوي، سابقا، بوصفها المكتبة التي كانت توفر الكتب حديثة الصدور بفرنسا للقراء المصريين أصحاب الثقافة الفرانكفونية.
كانت الكتب تحاط بغطاء من النايلون حتي لا يطولها الغبار، هذه العناية الفائقة استمرت رغم تناقص عدد قراء الفرنسية بالقاهرة في السنوات الاخيرة من حياة مدام فرازلي، حيث بدأت "المدام" وقتها بعرض كتالوجات الموبيليا الفرنسية، وتحول زبائن المكتبة من سيدات ورجال المجتمع الراقي إلي أصحاب المخارط وملاك معارض الموبيليا " لأن قراء الفرنسية صاروا معدودين في مصر"، مثلما قالت "إيفيت فرازلي لأخبار الأدب في العدد الخاص بوسط البلد عام 1997.
في 26 يناير عام 1952، طالت " نيران حريق القاهرة" واجهة المكتبة، التي يعود تاريخ تأسيسها إلي عام 1947 حينما كانت الأنسة إيفيت ديمتري فرازلي تعمل بمكتبة "هاشت" الفرنسية بالقاهرة، وقررت أن تؤسس مكتبتها الخاصة، وبالفعل عرضت الفكرة علي والدها تاجر الأقمشة، وبدأت قصة المكتبة التي أسستها لتكون مقصدا لسيدات المجتمع الراقي لقراءة وشراء الكتب والمجلات الفرنسية.
كانت المكتبة تنظم معرضها الخاص للكتاب فيما سبق، لكن الحلم لم يستمر، الإقبال علي الكتاب الفرنسي تناقص، وأضطرت المدام إلي عرض "ألبومات الأثاث"، وبعد وفاتها أنتهت قصة " الكتاب الفرنسي" في وسط البلد، حيث اغلقت المكتبة ثلاثة أيام حدادا علي وفاة صاحبتها، لكن الشركة المالكة للعقار، شركة الشمس، استغلت مدة الحداد لصالحها فأحاطت أبواب المكتبة بالسلاسل والجنازير، وكانت حجة الشركة أن المستأجرة الراحلة ليس لها ورثة، وقد وقعت العقد الذي يعود تاريخ تحريره إلي عام 1947، بمفردها دون شريك!
لكن ورثة مدام فرازلي، تهاني، نتالي، إجلال، سهيل و إدريس راشد، كانوا قد وقعوا عقد شراكة بنسبة 90 ٪ مع مدام إيفيت عام 1994! ..أي أن المستأجرة الراحلة كان لها شركاء، وبعيدا عن التفاصيل القانونية والأحكام القضائية بين الورثة وشركة الشمس، انتهي الصراع القضائي لصالح "اللانجيري" علي حساب الثقافة..
..هكذا انتهت قصة " الكتاب الفرنسي" بوسط البلد لتبدأ المكتبة فصلا جديدا بضاحية أخري، بعيدا عن الملابس والأحذية، التي احتلت جميع محلات الأيموبيليا، هي ضاحية المعادي.. "خسرنا القضية وانتقلنا إلي المعادي" هكذا تعلق زينة بدران مديرة المكتبة، حيث تقول إنها أعدت لفرع المعادي بعد وفاة مدام إيفيت فرازلي، وحينما صدر الحكم بإعادة فتح المكتبة بعد عام 2003 عاودت مكتبة وسط البلد نشاطها، لكن شركة الشمس تابعت القضية وصدر حكم نهائي بإغلاق المكتبة، التي يصل عمرها الآن إلي 61 عاما، وانتقلت المكتبة إلي المعادي. الفرع الجديد يعد بعيدا عن زبائن المكتبة القدامي، لهذا تقوم إدارة المكتبة بتوصيل الكتب إلي المنازل، ومن المقرر أن تؤسس " الكتاب الفرنسي" فرعا جديدا بالزمالك، حتي تكون المكتبة قريبة بعض الشئ من الفرع القديم!
أحمد وائل أخبار الأدب