صنع الله:لا يهمني ألا يقرأني أحد بعد 50 سنة الأهم هو التعبير عما يحدث الآن
08/11/2008
لم يتضح الرد الفرنسي علي رواياتي لكن هناك ضميراً ثقافياً وسياسياً يسمح بالانتقاد
قال : إن كثيراً من الشباب حقق الصدمة التي كان يتمناها
كتبت: هبة ربيع
رغم تأكيد الروائي (صنع الله إبراهيم) في نهاية رائعته الجديدة (القانون الفرنسي) ـ التي انفردت "البديل" بنشرها منذ أيام ـ أن "أحداث الرواية تقوم علي التخييل وأن المؤتمرين المذكورين في الرواية لم يعقدا في الحقيقة " إلا أن الجانب الفرنسي كان له رأي آخر، فمنذ أيام عقد معهد العالم العربي بباريس مؤتمرا بعنوان (200 سنة علي حملة بونابرت : الشعلة والتنوير)، المؤتمر الذي كان يحمل اسم (200 سنة علي حملة بونابرت: ظلال وأنوار)، تم تغيير اسمه إلي (الشعلة والتنوير)، ليعدد محاسن ومآثر الحملة الفرنسية علي مصر دون ذكر لأي من مساوئها وظلالها، المدهش أنه بالرغم من علم المسئولين المصريين -وعلي رأسهم وزير الثقافة - بتغيير الاسم إلا أنهم شاركوا مكررين بذلك خطأ عام 1998، عندما شاركوا في الاحتفال بمرور 200 عام علي حملة بونابرت.
يعلق صاحب (القانون الفرنسي) علي مشاركة المسئولين المصريين في الاحتفال بذكري الحملة الفرنسية للمرة الثانية، بأن تغيير اسم المؤتمر من (ظلال وأنوار) إلي (الشعلة والتنوير)، يعني أنه ليس هناك اعتراف بالظلال أو المساوئ إنما كلها مزايا وتنوير، الغريب «أن عدداً من المثقفين المصريين الرسميين علي رأسهم وزير الثقافة فاروق حسني، شاركوا في الاحتفالية دون أدني إحساس بالكرامة أو التاريخ"، مضيفاً: "عندما جري الاحتفال بذكري مرور 200 عام علي الحملة في عام 1998، ثار الجدل واعترض عدد من المثقفين المستقلين حول كيف نحتفل بالغزاة، ورد عليهم مثقفو الحكومة الرسميون بأننا نحتفي ولا نحتفل، وأن الحملة مدفع ومطبعة، بقي منها المطبعة وذهب المدفع، لكن المدهش أنني عندما درست الوثائق ومن ضمنها مذكرات كتاب فرنسيين في الحملة، اكتشفت أنهم عندما رحلوا أخذوا معهم المطبعة، والذي استمر هو المدفع الذي وجهوه إلي مدينة (فاشودا) علي النيل عندما عادت الحملة للمرة الثانية، ثم عادوا بعدها بمائة سنة أخري في العدوان الثلاثي عام 1956، فدور المدفع بقدراته الاستعمارية لم ينته بنهاية الحملة الفرنسية كما يدعون إنما استمر، عندما أجريت بحثي عام 1998 للتحضير للرواية شعرت أن شيئاً مضحكاً الاحتفال بالغزو، والمؤسف أن يتكرر نفس الشيء الآن دون أي شعور بالكرامة الوطنية".
> في الرواية تعدد إحدي الشخصيات الروائية المصالح الشخصية التي ارتبط بها المدافعون عن الحملة من المصريين، في رأيك لماذا غابت المصلحة الوطنية عن حساباتهم؟
- نحن في مرحلة تؤكد فيها دعاية النظام أنه ليس هناك كرامة أو مصلحة وطنية، إنما البحث عن مصالح شخصية وأموال يتم جمعها وتهريبها، وهو الموقف الذي يروجه المثقفون الرسميون، لدرجة أن أحدهم كتب في مجلة ( إبداع) عام 1998، أن الأهم من انتقاد الحملة الفرنسية هو استمرار الصداقة المصرية الفرنسية التي أحد تجلياتها إنشاء مترو الأنفاق، الحقيقة أن المترو مشروع تجاري كان يمكن لأي دولة القيام به، إلي هذه الدرجة المخزية والمضحكة وصلت ذرائعهم لترويج الاحتفال بالحملة الفرنسية والدفاع عنها.
> أفهم من تعليقك أنه لو لم يتغير اسم المهرجان من ( الظلال والأنوار) إلي (الشعلة والتنوير)، لم تكن تجد غضاضة في الاشتراك فيه علي اعتبار أنه يذكر المساوئ والمحاسن؟
- مسألة مضحكة جدا أن المغتَصب يحتفل باغتصابه، الحملة الفرنسية اغتصبت مصر ولم تكن حملة تنوير كما يدعي البعض، أين هو التنوير؟، قبل الحملة مباشرة كان الوعي المصري وصل لبداية الشعور للمطالبة بالاستقلال عن النفوذ العثماني والمملوكي، إننا لسنا مجرد أمة إسلامية، هذا الشعور كان من الممكن أن يتنامي لولا أن ضربته الحملة الفرنسية بغزوها فبحث المصريون عن أقرب حلفائهم من العثمانيين والمماليك كي يحميهم من الأجانب، بالإضافة إلي أن هدف الحملة لم يكن التنوير إطلاقاً، فمثلا كتاب «وصف مصر» تم وضعه للفرنسيين ليشرح لهم ما هي إمكانيات البلد ليستغلوها، كذلك «اللجنة العلمية» كانت مهمتها دراسة إمكانية البلد لتوضيح كيفية استغلالها للفرنسيين، وتقديم المعونة للاحتلال لدرجة أنها اخترعت قاذفات اللهب التي استخدمها كليبر في ضرب ثورة القاهرة الثانية، لابد أن نري في الحملة عملية استعمار عادية وليست تنويراً، الطريف أن الحملة الفرنسية -في مشابهة مع الاحتلال الأمريكي- ادعت أنها جاءت لإحلال الديموقراطية وتدلل علي ذلك بإنشاء الديوان الذي كانت حقيقة وظيفته جمع الضرائب لصالح الحملة، بالإضافة لكتابة بيانات نابليون المضللة للشعب المصري فلم يكن الديوان تمثيلاً نيابياً للشعب إنما خدمة الاستعمار.
> فكرة المثقف العضوي التي يمثلها الأستاذ شكري، هل مازالت موجودة بين أساتذة الجامعة التي تشهد انهيارا يوماً عن يوم أبرز تجلياته خروجنا من تصنيف أفضل 200 جامعة عالمياً؟
- نموذج د. شكري ما زال موجوداً رغم كل الانهيارات التي تتعرض لها الجامعة، بدليل وجود مجموعة 9 مارس التي تناضل من أجل استقلال الجامعة، وحرية البحث العلمي، أتمني أن يحقق نضالهم أهدافه، أعتقد أنهم يستطيعون تحريك المياه الراكدة، خاصة في ظل وجود قطاعات عريضة ومختلفة من الشعب تتحرك ضد النظام مثل «عمال المحلة»، «حركة كفاية».
> في روايتك (القانون الفرنسي)، لماذا لم يكن التناول قانونياً بمعني مدي مشروعية قانون (رد الاعتبار)، خاصةً أن النقاش التاريخي للحملة تم في (العمامة والقبعة)؟
- ليس صحيحاً أن النقاش التاريخي تم في (العمامة والقبعة)، لأنها كانت مجرد مذكرات عن الاحتلال الفرنسي وأحداثه، أما (القانون الفرنسي) فتيناقش أهداف الحملة الفرنسية وبواعثها ونتائجها، ومدي مشروعية قانون رد الاعتبار الفرنسي، استعراض وجهات النظر المختلفة المؤيدة والمعارضة لرد الاعتبار للحملة.
في رأيي أن المشكلة في وجود جهات في فرنسا تحاول الإعلاء من شأن الاستعمار الفرنسي والإمبراطورية الفرنسية، حتي إنها كانت وراء صدور قانون إعادة الاعتبار للاستعمار الفرنسي، الذي يهدف إلي أمرين أولهما اعتبار ما حدث من المستعمرين الفرنسيين عملاً تنويرياً ولا يستحق الازدراء أو الاستهجان، رغم تجاوزهم في حقوق أهالي البلاد التي استعمروها بالقتل والسلب، الأمر الثاني أن يكون ضمن البرامج التعليمية في المدارس والجامعات ما يرد الاعتبار للاستعمار الفرنسي، لكن ما لا يلتفت إليه كثيرون، أن هناك فرنسا أخري حيث تقف قطاعات واسعة من المجتمع الفرنسي ضد الاستعمار والاستغلال ورد الاعتبار للمستعمرِين الفرنسيين.
> في روايتك (العمامة والقبعة)، وقبلها (التلصص)، كان هناك مزج بين التوثيق والسرد الروائي، لماذا عدت لاستخدام التوثيق في روايتك ( القانون الفرنسي)؟
- كل عمل يفرض شكله و احتياجاته، ليس هناك شكل ثابت ومحدد أستخدمه للكتابة، إنما موضوع الرواية يفرض طريقة للكتابة.
> في رواياتيك (أمريكانلي)، (العمامة والقبعة)، كانت العلاقة الحميمة بين البطل أستاذ الجامعة /المؤرخ والأنثي الأجنبية معادلا روائيا ورمزا لعلاقتنا بالغرب، لماذا اختفت العلاقة في (القانون الفرنسي)؟
- العلاقة بيننا وبين الغرب عموما انبهار وإعجاب من الجانب العربي، وتعبر عنها محاولات الشخصية الروائية المصرية د.شكري/المؤرخ أقام علاقة حميمة بالأنثي الأجنبية، وهذا الانبهار انعكس في علاقة الشاب المصري ببولين في رواية (العمامة والقبعة)، لكنها كانت رغبة متبادلة في التواصل، في (القانون الفرنسي) نفس علاقة الانبهار موجودة في سعي شكري لعمل علاقة مع سيلين، لكنها تلفظه وتنهي مشروع علاقتها به، بوصفها له بأنه (متخلف)، فهناك موقف عنصري من جانب الفرنسية، بالإضافة إلي أنها مصابة بالسرطان، رمز للمجتمع الغربي المريض الذي يتآكل من الداخل، لأنه قائم علي مصالح القلة، ليس له أي مرجعية أخلاقية .
> ما رد فعل الأوساط الفرنسية علي الرواية ؟
- لم يتضح ردهم بعد، ولا أستطيع التكهن به لأن الرواية لم تتم ترجمتها بعد، هناك اتفاقات علي ترجمة (العمامة والقبعة)، و(القانون الفرنسي)، ستصدر بالعربية منتصف الشهر القادم، عندي ثقة في وجود ضمير فرنسي، لا توجد فرنسا واحدة، إنما اثنتان، هناك ضمير ثقافي سياسي عال جداً وينعكس في أحزاب اشتراكيين، وشيوعيين، وتروتوسكيين، وماويين، ومجموعات من النشاطات اليسارية ضد فكرة الاستعمار والإمبراطورية .
> إذا كان هناك فرنستان إحداهما مساندة لك، فما رد فعل الأخري؟
- لم يتضح بعد، يحتاج الأمر بعض الوقت، لكنني لا أعتقد أنهم سيوقفون ترجمة رواياتي، لأن هناك مساحة من حرية التعبير في فرنسا تسمح بانتقاد النظام، حرية الرأي والاختلاف، فرنسا لها تقاليد ديمقراطية عريقة في هذا السياق.
> ما سبب الحضور التاريخي القوي في رواياتك منذ (أمريكانلي) 2003، حتي(القانون الفرنسي ) 2008؟
- بالعكس هناك اهتمام في رواياتي بالتاريخ قبل أمريكانلي في (بيروت بيروت)، التي تتناول الحرب الأهلية اللبنانية، (وردة) تحكي عن الثورة العمانية، التاريخ يدل علي الحاضر بشكل أو بآخر ولا يمكن مناقشة أي من ظواهر الحاضر دون الرجوع لتاريخها، عندي غرام شخصي بمتابعة التطورات التاريخية، الجذور والبدايات والنهايات ينعكس في رواياتي.
> آخر رواياتك عن الحياة الاجتماعية المصرية المعاصرة كانت (شرف) في 1997، ألا يستفزك الواقع لكتابة رواية جديدة؟
- الحياة المصرية موجودة في كل رواياتي، في (أمريكانلي) ،أو (التلصص)، أو (القانون الفرنسي)، هناك إشارات لما يحدث الآن، بالإضافة إلي أن أحداث (العمامة والقبعة)، يمكن اعتبارها سرداً موازياً لما يحدث في مصر الآن، عندما حكيت في (التلصص) عن نهاية عصر فاروق كأنني أحكي عن نهاية النظام الحالي، فالاهتمام موجود.
> أليس غريباً أن تتحدث عن إشارات في رواياتك للوضع الحالي باعتبارها اهتماما، بينما غالبا ما تكون رواياتك مثل (ذات)، (شرف) توثيقا لأحوال الوطن؟
- المسألة مرتبطة بالعملية نفسها، لا تستطيعين حصر وحصار اهتمامات الكاتب بفترة معينة، من الممكن أن تكون لديه اهتمامات متنوعة.
> لو أتيحت لك كتابة (شرف ) الآن - بعد مرور أكثر من 10 سنوات علي لحظة كتابتها - هل تعتقد أن أحداثها يمكن أن تتكرر؟
- تناولت في ( شرف ) مدي ما يتعرض له الشعب من اغتصاب علي يد الأجانب والقلة الحاكمة وهذه الفكرة مازالت موجودة، مازلنا نتعرض للاغتصاب من النظام الحاكم الموالي للسيطرة الاستعمارية، بالعكس ما يحدث الآن أسوأ، مثلا قضية هشام مصطفي وسوزان تميم، تعبير فج ونموذج أكثر فجاجة عما يحدث في البلد ، في المقابل إذا نظرنا لعدد وشكل الاحتجاجات من فئات مختلفة سواء الطلبة أو العمال أو المثقفين ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية والنظام الحاكم سنجد أن الموضوع مازال حياً، أحداث (شرف) تتكرر كل يوم .
> في مشروعك الروائي، الرواية مثقلة بدلالات اجتماعية وسياسية إلي جانب التوثيق، هل مازلت تري صلاحية هذا لشكل من الكتابة مع ظهور أجيال جديدة تري أن الرواية لا يجب أن تكون مشغولة بما خارجها؟
- هذه الأصوات خفتت مؤخرا بعدما تبين أن هناك علاقة شديدة جدا بين الواقع وبين مشروعات الهيمنة العالمية من جانب الولايات المتحدة، السؤال بسيط جداً إذا كان من المفترض ألا نتحدث في الرواية عن الهم السياسي والاجتماعي فعن ماذا نحكي ؟!، عن المشاعر الإنسانية الخالصة ؟!، أليس الاستغلال علي يد سلطة محلية أو أجنبية مشاعر إنسانية خالصة ؟!، البعض يطلب أن نكتب -كما فعل شكسبير - عن المشاعر الإنسانية العالمية المجردة مثل الحب، الغيرة.. طيب أليس الاستغلال يولد مشاعر إنسانية عالمية مجردة، هذا هو الواقع الذي أحب الحكي عنه، لكنني لا أشترط أن تحكي عنه كل الكتابات، الأحداث العالمية الأخيرة من مظاهر فرض الهيمنة الأمريكية علي العالم والأزمة المالية العالمية، تؤكد وجود قضية استغلال سواء محلي أو أجنبي، وهي مشكلة كبيرة وتستدعي الاهتمام، أما الرواية غير المشغولة بما خارجها فهي كتابة ثقيلة الظل، لأنها تحاول لفت النظر بعيدا عن قضايا مهمة في الحياة، البعض يقول إن بعد 50 سنة لن يقرأ أحد رواياتي لأن الزمن سيتجاوز هذه القضايا، فليكن ليس عندي مشكلة في ذلك لأنني لن أكون موجوداً بعد 50 سنة لأعرف ما حدث، ما يهمني هو التعبير الحالي عما يحدث الآن.
> في حوارك مع تليفزيون ( فرانس 24)، قلت إنك لا توافق علي ترشيح فاروق حسني وزير الثقافة لليونسكو، لماذا؟
- اليونسكو منظمة رسمية ويكون الترشيح لها والفوز برئاستها لاعتبارات رسمية، لا يمكن تصور أنها في خدمة الشعوب، وجود فاروق حسني فيها ربما كان شيئاً منطقياً جدا مع ظروفها، لكن حتي في هذا الإطار الرسمي أعتبره غير جدير بالمنصب، لأن سجله مليء بالمهرجانات والحرائق والفساد وبالتالي لا يؤهله للالتحاق بأي منصب دولي، المسألة المثيرة في هذا الترشيح أن الدولة كلها تقف بجانبه بينما باعثه علي الترشح لليونسكو شعوره بأن السفينة (البلد) تغرق، لذا يريد مغادرتها إلي مكان آمن، أعتقد أنها ستكون فضيحة عالمية إذا تم اختياره
عن جريدة البديل