عدد الرسائل : 1663 العمر : 54 الجنسية : مصر تاريخ التسجيل : 12/05/2008
موضوع: الفنان الإيطالي أمبروزيو لورنزتي السبت 24 مايو 2008, 12:53 pm
الفنان الإيطالي أمبروزيو لورنزتي (1323 - 1348) على أن النزوع الفنّي المحلّي الجارف الذي هيمن على فناني سيينا كان يلقى أحياناً ما يخفّف من غلوائه، فرأينا كيف ملك دوتشيو الحسّ بما له دلالة وبما يحتاجه التكوين الفني من رقّة ورهافة، وكيف تغلّب ولعه بالجمال وبهجة الألوان الرائعة وانسياب الخطوط الرشيقة على ثراء المضامين وعظمتها. غير أن شيئاً من هذا كله لم يكبح جموح الأخوين بييترو وأمبروزيو لورنزتّي Lorenzetti، "فالجمال" الذي شعرا به كان جارفاً و"الشكل" الذي كشف لهما عنه جوفاني بيزانو وجوتو بل والشعور "بالدلالة الإنسانية" الذي حذقاه، كل ذلك ضحّيا به إمّا في سبيل محاكاة الأشياء أو في سبيل تجسيد معان غيبية غامضة. وعلى حين تردّى بييترو لورنزتّي في هاوية سعار التعبير عن المشاعر مُضحّياً بالشكل والحركة والتكوين والعمق والدلالة في سبيل التعبير عن كل ما هو واضح جلي وكل تعبير انفعالي مهما كان هيّناً، لم يهبط أمبروزيو - أفضل الأخوين لورنزتي - إلى مثل ما هبط إليه أخوه. وفي صور أمبروزيو لورنزتي الجذابة بقصر بلدية سيينا الرامزة إلى الحكومة الصالحة والحكومة الفاسدة (لوحات 59 أ، ب، ج، د، ه؛ 60 أ، ب، ج، د، ه) لم يبذل أية محاولة لكي يستخلص الدلالة الجوهرية لموضوعه فيعبّر عنها بأشكال تنقل المغزى المقصود إلينا، على حين كان يكفي جوتو أشكالاً ثلاثة فحسب لا لكي يجعلنا ندرك على الفور كيف تكون الحكومة الصالحة والحكومة الفاسدة بل لكي نستشعرها بأحاسيسنا. لم يُعنَ أمبروزيو إلا بتكوين المشاهد البانورامية الفسيحة الجامعة تتخلّلها شخوص عاجزة عن التعبير عن أنفسها إلا من خلال لفائف تحمل بياناً وتفصيلاً. فثمة عشرات من القصص تروى بعضها في إثر بعض في ملل ودونما انقطاع تفاصيل ما يجري في الدولة، تارة إبان الحكم الصالح وتارة أخرى إبان الحكم الفاسد. وإذا ما طالع المرء هذه القصص الواحدة وراء الأخرى ألمّ بلا شك إلماماً واسعاً بأساليب الحياة في سيينا خلال القرن الرابع عشر، واستشعر قسطاً لا بأس به من المتعة من طرافة التكوين الفنّي الجذاب غير المعهود، بل ومن المهارة التي نُفّذت بها هذه التصاوير، لكنه لن يظفر قطّ بتلك الإثارة التي تبثّ الحياة في الموضوع المصوّر، كما لا تحقّق رموز الفنان الغامضة ما كان يصبو إليه من تخفيفٍ لأثر هذا النقص في التصاوير التي غدت أشبه بألغاز قوامها الرسوم والرموز