فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية Empty
مُساهمةموضوع: كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية   كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية I_icon_minitimeالأربعاء 03 ديسمبر 2008, 8:26 pm

كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد

حسين علي الهنداوي
عضو اتحاد الصحفيين العرب

قبل الولوج في استجابات نوازع اللحظة الشعرية ، من المستحسن استيارُ نظريات الشعر العربيّ منذ عصر النهضةِ و حتى يومِنا هذا بشكل موجز.
فقد تشابكت تسميات النصِّ الشعريِّ بين { شعرٍ عموديٍّ } و { شعرٍ تفعيلةٍ } ، و{ قصيدةِ نثرٍ } ،واختلف المختلفون في مقاربة هذه الأنواع منَ (الإبداع) الحقيقيِّ ، وبقي هذا الإبداعُ موطنَ الإشكالِ في تقويمِ ،وتقييم الشعريةِ العربيةِ، بصرف النظر عنْ { قديِمِها ، وحديثها } { زماناً ومكاناً } {شكلاً ومضموناً } .
ونحن في تذوِقنَا لنصوصِ الشعر ، لا نُريد ُ أن نَرْبِطَهُ بالمستوياتِ الاجتماعيةِ والاقتصادية و السياسية،
بل نودّ أن نتذوقَ هذهِ النصوصَ على أنَّها (فنٌّ) لهُ أسمُهُ ، ومقوماتهُ ، وأدواتُهُ ، ومعماريَتُهُ الخاصةُ بهِ
في كلِّ مرحلةٍ ضمنَ نطاقِ نظرياتِهِ وقاعدتِها الفلسفيةِ والفكريةِ والمعرفيةِ والجماليةِ.
كيفَ نستطيع أنْ نحكمَ بشكلٍ منطقيٍّ على البناءِ الفنيِّ لهذا الشعرِ، وذلكَ من خلالِ ربطِ نظريةِ الشعرِ بنظريةِ المعرفةِ، ومطابقةِ الخيالِ الشعريِّ للرؤى البلاغيةِ لهذا الشعرِ، واستشرافِ الرؤيةِ الشعريةِ ،لأنَّ أيَّ تغيّرِ إيجابيٍّ أو سلبيٍّ لأيِّ فنٍّ يتمُّ في ظلالِ عقيدةِ ، وفلسفةِ الفكرِ المعاصر لها .
- والمعرفةُ الإنسانيةُ شراكَةُ بين الناس جميعاً ، لا تؤتي أُكُلَها إلّا في تربيةٍ خصبةٍ مناسبةٍ .
فالشعراءُ{ الاتباعيون} على سبيلِ المثالِ في مطلعِ عصرِ النهضةِ قد بعثوا القديمَ من خلالِ إحياءِ القيمِ المعرفيةِ التراثيةِ،أمّا الرومنيونَ الابتداعيون فقدْ رفضوا هذهِ القيمَ وصنعوا قيماً مستوحاةً من فلسفةٍ فنّيةٍ مغايرةٍ، وكذلكَ شعراءُ المدرسةِ الحديثةِ حاولوا الإفادة من تطور الشعرِ الأجنبيّ {الغربيّ} في رسمِ رؤيتهِمْ الجديدة.
-ومن المعروفِ أنّ الشعرَ الأتّباعيَ حاكى أصحابهُ أنحاطَ الفنِ القديمِ ،وعملوا على إحيائهِ واتخاذهِ انموذجاً ذهنهُ ذهناً {محطّماً} {منعزلاً} لا يعرف {الاستمرار و النسقية}، والكلامُ ما زالَ لمنتقدي هذهِ النظريةِ.
-وبذلك فإنّ ذهن الإنسانِ الا تّباعي يعكسُ صوراً جاهزةً للأشياءِ الخارجيةِ في الطبيعيةِ،أو الموروثِ سجيث تتعرّفُ هذهِ الذاتُ الاتّباعية الموسوقةُ بالسالبةِ إلى الموضوعِ الموجبِ عنْ طريقِ قوانينَ محدودةٍ،وبواسطةِ حاسةِ البصرِ التي لا تدرك سوى لون وشكلِ الموضوعِ الخارجيِّ دونَ التعمقِ بخصائصهِ الداخليةِ.
-ومنْ هنا كانتْ نظريةُ الشعرِ الاتّباعيِّ تقةم على {المحاكاةِ للطبيعة}و{للأدبِ القديمِ}وجعلهِ مثلاً فنّياً سُيحتذى به ، حيث اتّخذَت النماذجُ الجاهليةُ الإسلاميةُ {الأمويةُ والعباسيةُ} صِفة القداسيةِ،واسْتُمدَّتْ مقاييسُ الشعرِ منها مع الميلِ {للشكليةِ} ، وإيثارِ {اللفظِ} على {المعنى} وإعطاءِ الأهميةِ {للصياغةِ}و {المسطّحِ الجماليِّ} وبداشعراءُ هذا النمطِ لا ينظمونَ شعرهمْ تحت تأثير {الأنا}، فهم يقرّرونَ المعانيَ الحقيقيةَ للأشياءِ دونَ ربطها بذواتهمْ وأنفسهمْ، وأضحتْ مهمةُ الشعر عندهمْ إما {أخلاقيةٌ} أو {ترفيهيةٌ} ،بحيثُ انتهى الشعرُ عندهم إلى {قيمةٍ لغويةٍ ومهارةٍ لسانيةٍ وصفيةٍ بيانيةٍ}وبقي البيتُ الشعريُّ يمثّلُ الوحدةَ النفسيةَ والشعريةَ ، والمطلوبُ من المتلقي أنْ يفهمَ الشعرَ قبل أنْ يحسَّ به .
-وقد اعتبر منتقدو الاتّباعية أنَّ الاتباعيين ربطوا بين َ العقلِ المسيطرِ على النفسِ والخيالِ المتميزِ بالحسيةِ والمسرّة،
حيثُ يستمدُّ الخيالُ طاقتهُ من الذاكرةِ ولا يتعدّى الخيالُ ملاحظةَ العلاقاتِ الشكلية بين الموضوعاتِ فالذاكرةُ مستودعٌ وخزانٌ للصور و الانطباعات وهي التي تمدُّ هذا الخيالُ بمخزونها وبهذا يكونُ هذا الخيالُ خيالاً تصويرياً،أو تفسيرياً ،أو بيانياً ، أو صناعياً ،أو تكريرياً ، يستمدُ كيانهُ من الموروثِ أو الخبرةِ أو التأليف والكلام لمنتقدي النظرية ،وبما أنَّ اللغةَ عند الاتّباعيينَ مجموعةُ ذرات تحمل كلٌ منها دلالةً مفردةً وتعني شيئاً محدوداً ، وأن المعنى الكليّ هو مجموعةُ دلالاتٍ جزئيةٍ ،فإنَّ غرضَ اللغةِ يصبح هدفهُ توصيل أفكارٍ معينةٍ من الشاعرِ للمتلقي ، بحبث تصبحُ الصورُ الفنيةُ {تشبيهٌ -استعارةٌ -كنايةٌ} مجردَ زياداتٍ وتوابعَ تدعمُ الفكرةَ وتسوغُها للذوقِ العام ، فهي { حلقيةٌ وزينةٌ } ، فقط ، وهذا ليس إلاَّ رصدٌ للقشرةِ الخارجية للأشياءِ.
- والشعراءُ الرومانيين أصلاً منَ {وردة الانفعال التي ازدهرَتْ من دمِ المسيح عليه السلام ُ} وارتدُّوا إلى القيم الجماليةِ واستوحوا الحكاياتِ الخرافيةِ من الماضي السابق واعتبُروا الطبيعةَ مصدر { الإلهامِ والوحيِ} للمبدعينَ واعتمدوا على التلقائيةِ والبساطة والسذاجةِ وربط ذلك بالقلب والخيالِ من خلال نظريةٍ ٍ تقوم على أنّ القيمَ التي أُلحقتْ بالخارجِ عند الاتّباعيّين رُدّتْ إلى الداخلِ وتحولت ْ ثنائيةُ {الذاتُ والموضوعُ} {الصورةُ والمادةُ} -{الشكل والجوهر}-{الإحساسُ والتفكيرُ}-{الإدراكُ والمعرفةُ}إلى توحيد الداخل بالخارج دمجاً وصهراً ،وأنَّ الذهنَ إذا كانَ خارجَ فهو منحرفٌ عن الفطرةِ السليمةِ لأنّه يرصدُ الأشياء من خارجها ، وعليهِ أن يعيشها من الداخل حتى يراها رؤيتها الحَّةَ ، بحيث تصبح العلامةُ بين الذات والموضوع علاقةً فاعلةً ومنفعلةً متداخلةً متشابكةً منصهرةً.
-ومن هنا أكّد الرومانيون على ثلاث ضروراتٍ تشكّلُ الموقف العام لهم ضرورة الحرية من خلال تحطيم القيم وتحطيم قيود العادات والتقاليد التي كبّلتْ الشاعر على حدّ زعمهم و{ضرورة الفردية في الفعل والتفكير من خلال نماذج السوبرمان والجنتلمان} و{ضرورة العاطفية التي جعلتْ القلب المحور الموجِّه للشعر عندهمْ}
-وقدْ قامت ْ نظريةُ الشعرِ ومهمتهِ عند الاتّباعيين من خلال وعي التراثِ وتخليصِ الشعر من علاقاتهِ الوثيقةِ بالتصوير وتقريبهِ من الموسيقى باعتمادِ الكلمةِ المموسقةِ مع الكلمة المصوِّرة ، وأنَّ {عينَ الباطنِ } هي أداة المعرفة الحقيقية بحيث يصبحُ الفنُّ صورةً باطنيةً لصاحبه تعتمدُ على الإحساس والشعورِ والوجدانِ القائم على نظريةِ {الفيض} وإعلاء تلقائية العواطف ،وعفويتها إلى درجةِ الاستغراقِ ضمن مقولةِ {الشعرُ تعبيرٌ لأنه ضرورةٌ ملحةٌ لا نزورةٌ ومهارةٌ} وأنّ {تجلي العاطفةِ ليس هو التعبيرُ عنها } وأنّ {التأثير غير التعبير } وأنّ{ ليس كلُّ نشاطٍ انفعاليٍّ أو عاطفيّ هو قيمةً تعبيريةً فنيةً } كما وأنّ { وصف العاطفةِ غيرُ التعبير عنها } مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ { الفردية غير الشخصيةِ } لأنّ الأولى تتحدث عن الذاتِ وطموحها ، والثانية تتحدث عن الأنسان باعتباره قيمةً مشتركةً .
-وقد ألحّت نظرية التعبير الرومانسية على قضيةِ {الإلحاء}في مقابل {التقرير} عند الاتباعيين ، وقضيته {المعنى} في مقابل {الشكل } عندهم ، وتحويل العمل الفنيّ إلى رؤيةٍ عضويةٍ كليةٍ تبحث عن المعنى وعن تحثُّلِ الداخل وتحددُ مهمةَ الشعرِ بقيمِ الحقِ والخير والجمال، وبما أنّ الإنسان عند الرومانسيين مجموعةُ قةى متضامنةٍ من الحواسِ والمشاعرِ والتفكير والانفعال والجسمِ والروح والعقلِ والقلبِ وبقية الملكاتِ والمواهب فإن خيال هذا الإنسان يحمل هذهِ الكلية الواحدة الصاهرةَ المنصهرة التي تصوغ الصورَ من عناصر كانتْ النفس قد تلقتها عنْ طريق الحواس، والوجدان، وأنّ هذا الخيال قوة غير واقعيةٍ خلاقةً ،ووسيلةٌ من وسائل المعرفة يعتمد في موقفه البلاغيِّ على أنّ الكلمة ليستذات دلالةٍ معجميةٍ أرشاديةٍ نفعيةٍ بل هي {رمز } يرتبط بالداخل لا بالخارج يحمل أشكالاً بلاغيةً لها وظائف هامةٌ وليست هذه الأشكال البلاغية {زينةً ولا حلةً زائدةً} وقد أضحت مهمةُ الشاعر عندهم أن يشعر بجوهر الأشياء لا أن يعدّدها.
-أما شعراء الشعرِ الحرّ أو المطق أو التفعيليّ بمختلف تسمياتهِ،فقدْ اعتمدَ على موقفٍ فلسفيٍّ وجدانيٍّ على حدّ قول أصحابهِ ضمنَ نشاطٍ إنساتيّ مناخلٍ ومتشابك يؤكدُ على {العقل} وسعيه نحو {الوحِ العلمية } و{على الحريةِ} مع التمسكِ بالواقع والإلحاح عليه }.
-ونظريةُ المعرفة لدى أصحابه ليست تصويراً لعالم الواقعِ على صفحة الذهن ، أو محاكاته كما عند الاتّباعيين الرومانيين وإنما هي أداةٌ
للسلوك العلميِّ بحيث تصبح { الفكرةُ خطةً } أو برنامج عملٍ، وكلُّ فكرةٍ لا تهدي إلى عمل إنما هي {وهمٌ } في رأسِ صاحبها مع التركيز
على نظرية { الانسحابِ } المتمثلة بالانكفاءِ على النفسِ التي يعقبها عودةٌ للانفتاحِ نحو الغيرِ من خلالِ الهمِّ والحزن والقلقِ والاغترابِ والضياع في مقابل ظاهرة {الهرب} نحو الغريب العجيبِ بسبب الصدماتِ والتشنّجات السوداوية عندَ الرومانيينَ .
- وقد قامت نظريةُ الشعرِ عندهمْ على رفضِ نظرةِ الاتّباعيينَ للفنِ على أنّهُ {تصوير للخارجِ} ورفضِ نظرةِ الرومانسيين للفنِ على أنَّهُ {تعبيرٌ عنِ الداخلِ} ورفضِ كونِ الشعرِ وجداناً وتعبيراً عن الشخصيةِ وعن العصر وأنَّهُ أيْ الشقرُ ( خَلقٌ فريدٌ مبتكرٌ على غيرِ مثالٍ من واقعٍ خارجيٍّ أو داخليٍّ ) ، والعملُ الفنيُّ في ضوءِ نظريةِ ( الخلقِ ) يملكُ الموضوعية والاستقلال ، ولا يقدّمُ أيّ معنى لأنَ العملَ الفنيّ من وجهةِ نظرهمْ عملٌ مخلوقٌ في اتحادٍ بين الشاعرِ وموضوعهِ ولم يعد منَ المهمِ ما تقولهُ القصيدةُ بل ( ما القصيدةُ نفسها؟)
- وقد حصرَ أصحابُ معالمَ هذا الشعرِ في :
1- الاعتمادِ على التشكيل الموسيقيّ الصُّريُّ للنصِ
2- الانسياقِ في ما يشبهُ الروايةَ في خاصتهٍ ( دراميةٍ)
3- الاعتمادِ على التوترِ كصفةٍ فكريةٍ عليا لا تكونُ إلا حينَ يغوصُ الفنانُ الشاعرُ إلى أعماقِ الحياةِ للاطلاعِ على مفارقاتِ الأشياء.
4- البناءِ السرياليّ القائمِ على الحلمِ والطفولةِ في عَرْضِ المادةِ الباطنيةِ عرضاً إنسيابياً من خلال التداعي الحرّ المطلقِ
5- التركيزِ على الشكلِ ذي الصلابةِ ورفضِ منطقِ الصنعةِ القديمةِ القائمةِ على أنّ البلاغةَ ( حليةٌ وزينةٌ )
6- النظرِ إلى القصيدةِ على أنّها تركيبةٌ نفسيةٌ منتهيةٌ وعملٌ صميميٌّ شاقٌّ وتشكيلٌ جديدٌ معّمقُ الآ فاقِ .
7- القيامِ على التركيزِ من جهةٍ ،وعلى التخصيصِ من جهةٍ ثانيةٍ بحيثُ تحملُ الألفاظُ أكبرَ طاقةٍ ممكنةٍ من الفعاليةِ في الساقِ ، وتحقّقُ القيمَ التصويريةَ والموسيقةَ بعيداً عن الإضافاتِ الملحقةِ منَ الخارجِ.
8- ليس لهذا النوعِ من القرِ أيُّ علاقةٍ بالقيم فهو يبحثُ عنْ معرفةٍ من نوعٍ خاص .
- والخيالُ في هذا النوعِ من الشعرِ يعتمدُ على ( الحَدْسِ المرتبط (بالميتا فيزيقيا و الصوفية ) من خلال التأمّل الجماليِّ والاستحواذِ على الواقعِ وتوحيدِ الفكرِ والشعورِ من خلال رؤيةِ العلاقاتِ بينَ الأشياءِ وإقامتِها على التذكرِ الحيِّ الكاملِ للأجزاء الهامةِ وعلى الانتخابِ واللختيارِ والطرحِ حيث تتولد لدينا أحاسيسُ جديدةٌ وعواطفُ جديدةٌ على حدذِ قول أصحابهِ بحيثُ يتحولُ إلى ضربٍ من الانقلابِ النفسيِّ الذي ينفذُ إلى أعماقِ النفس ويرتقي إلى مستوى التفكيرِ الذي يمتزجُ بالوجدانِ ضمن موقفٍ بلاغيّ ، يوازه بين المرموزِ وما يرمزُ إليهِ وتحوّلِ الكلمة من الإشارةِ إلى التصويرِ وخلق كيانٍ جديدٍ متفردٍ يجسّم الإحساس ويعاودله معادلةً كاملةً ويجعل المتذوقَ يعيشُ العملَ الفنيَّ ويحياهُ حياةً كاملةً.
- أما شعراءُ ما يسمى بقصيدة النثرِ فقد استلهموا النظريةَ المعرفيةَ نفسهاَ عند شعراءِ الشعرِ الحرِّ (المعرفةُ أداةٌ للسلوك العملي ِّ والفكرةُ خطةٌ وبرنامجُ عملٍ) واعتبروا أنَّ الوزن الشعريَّ والمسيقا والقافيةَ واللغةَ قيودٌ مكبلةٌ أمام ( الفكرةِ ) وأنّ الالتزامَ بقواعد اللغةِ ( نحواً وصرفاً )
عائقٌ آخر أمام الفكرةِ يجبُ التخلصُ منْهُ مع التركيز على المستوى التصويري المدهشِ باعتمادِ خيالٍ قد يخرج إلى الوهمِ ويرفضُ أي علاقةٍ مرتّبةٍ ومنطقيةٍ بين أجزاءِ الصورةِ.
- ونحنُ في زحمةِ هذا الصراع حيثُ تداخلَ الذوقُ بالثقافةِ والاتجاه ُ الفكريُّ بالهوى الشخصيِّ وطريقةُ بناء الفكرِ بمعطياتِ الوجدان حين نريدُ تذوقَ الشعر لا بدَّ أن نشيرَ إلى نقطتينِ مهمتينِ في الموقفِ الشعريِّ المعاصر.
الأولى: تشيرُ إلى أنّا أمةٌ مقلدة لغيرها ومغلوبةٌ على ثقافتها وبالتالي فإنّ التقليدَ نوعٌ منَ الضعفِ لا يقومُ على أركان وطيدةٍ وأسسَ راسخةٍ.
الثانية: أنّ تيارتنا الشعريةَ التي أشرنا إليها إنما جاءت معظمُها سفاهاً من ثقافاتٍ فُصّلتْ لمجتمعاتٍ غير مجتمعاتِنا فهي وليدةُ ادعائاتٍ تطويرٍ للشعرِ مع أنها لا تعد وأنْ تكونَ موضاتٍ عصريةً نلبسُها ونخلعُها دون حتميةٍ اجتماعيةٍ ثقافيةٍ حياتية وبالتالي فإنّ معظمَ شعرنا المعاصرِ لم يأتِ معبراً عن طموحاتِ المتلقين ولم يتقيّدْ بما أُطِّرَ له من نظرياتٍ ( معرفيةٍ خياليةٍ بلاغيةٍ ) فهو ((هذا الشعر)) يدعي العصرنة
ولكنهُ في الحقيقةِ بعيدٌ كلَّ البعدِ عن منطلقاتهِ النظريةِ .
- لقد أصبحَ قسمٌ كبير من هذا الشعرِ المعاصرِ ( لا لونَ ولا طعمَ ولا رائحَةَ).
- وإنّ مراجعة الموقفِ الشعريِّ المعاصر تجعلُنا نتحكم على ( بعضِ ) النصوصِ الابتداعية ِ و الاتباعيةِ بالابتذال والشواهد على ذلك وافرة ، وتجعلنا نحكمُ أيضاً على ( معظم ) نصوصِ الشعرِ الحُرِّ وقصائدِ النثرِ بأنها غيرُ شرعيةٍ جاءتْ بتأثير الترجماتِ الأجنبيةِ الممجوجةِ، وأنه لا يمكن لنا أن نسجلها في هويةِ الشعرِ العربيِّ.
- ولسائلٍ أن يسألَ قائلاً إذا كنت قدْ حكمتَ على بعضِ النصوصِ الاتّباعية والابتداعيةِ بالابتذالِ وعلى معظم نصوصِ الشعرِ الحُرِّ بأنها تأثرت بترجمات ممجوجة فماذا أبقيت لنا وللشعر وأين تكمنُ المشكلةُ؟
- والحقيقةُ أنّ المشكلةَ لا تكمنُ في طريقة كتابية الشعر بقدرِ ما تكمنُ في تمكّنِ الشاعرِ نفسهُ من أدواتهِ الشعريةِ ومدى قدرتهِ على توظيفِ هذهِ الأدواتِ في رصيدِ الكائنِ الشعريِّ المبدعِ الذي شكلْتهُ فطروية الشاعرِ المتمكن وفي الخارطةِ الوراثيةِ البنائيةِ الفكرِ والمعرفةِ عند الشاعر لأن طريقةُ تفكيرهِ تحددُ مساحةَ نصهِ في آفاقِ الشعرِ.
- وفي تقديري المتواضعِ أنّ المتسلبطينَ على الشعرِ في هذا العصرِ أكثر من أن يعدوا ويحصوا ، والدلالةُ على ذلكَ أنكَ إذا قلَّبتَ الكثير منَ الصفحاتِ الأدبيةِ وقرأتَ ما دُوّنَ فيها من شعرٍ وجدْتَ نصاً واحداً مدوراً مشتركاً بين معظمِ الشعراءِ يحاولُ استعمالَ لغةٍ جديدةٍ وتراكيبَ جديدةٍ ومعاني جديدةٍ ولكنَّ أدواتهِ الشعريةِ تخونهُ ، فهو يقعُ في التكرارِ المملِّ والرمزِ المبتذلِ والأسطرةِ غير المتناسقةِ والاسقاطِ التاريخيِّ غيرِ الموظفِ ، والتفكير بطريقةٍ عاميةٍ هي أقرب ما تكون إلى التفكير الطبقة الدنيا من أصحابِ الثقافةِ والتعبيرِ عن هذهِ الثقافةِ بتعابيرَ هشّةٍ مع الاتّشاح ِ بغموضٍ يصلُ لإلى درجةِ الانغلاقِ ويتحول الرمزُ إلى لغزٍ منبثقٍ من شطحاتِ اللاوعي الهائمِ .
*ولنقرأ سويةً هذا النص ليحكم كلُّ واحد منا عليه دون جورٍ .
**يقول أحدهم في نصِ (معجزات فوق الرصيف ) مجلة الناقد العدد الثامن والثلاثون -1991- آب وهي مجلة تعنى بالإبداع الشعريِّ حصراً:"
((كرةُ من مطاطٍ
وحمارانِ صغيرانِ
في حقل العشبِ اليابسِ
يصطرعانِ بعنفٍ
والجمهور يصفقُ أو يبكي
هدفانِ...
مقابل لا شيءٍ
انكسرتْ رجلُ حمارٍ قرب المرمى
والآخرُ فاز بكأسِ العالمِ))
**واقرأ معي أيضاً نصاً آخر باسم ( الحجم ) العدد الثالث عشر -1989 - من المجلة نفسها وهي تؤكد على حداثة الشعر "
(( كوني كبيرة"
قلنا لك كوني كبيرة !
سأرجعُ إلى حجمي
سأكون كبيرة"
فرّغتُ أصابعي من النجومِ
يداي عادتا إلى كتفيَّ
تركت (( شرقَ غربَ )) الريح
حملت مرآةً
وتدلتْ كما تشاؤون أرجعُ كبيرةً
أحسبُ المسافاةَ
بينَ الشفتين والأسنانِ
أعدّ الكلماتِ
أنظر إلى قدميَّ وأنا أمشي
أغسل شعري بالشامبو
وأضع في رأسي عقلاً... بدلاً من البرق.))
** فالشعر أيها السادةُ مبدع من نوع آخر ولكنه يحتاج إلى مبدعٍ **
* حقيقي يمتلك أدوات الشعر امتلاكاً حقيقياً وإلاّ فلا حاجة لنصوص لا تقدم ولا تـؤخر في عالم*
ّّ * المعاصرة شيئاً على حد قول الحطيئة **
* *** الشعر صعب وطويل سلمُهْ ****** إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه ****
*** زلت إلى الحفيض قدمه ***

تعليق من د. مصطفى عطية جمعة :
الأستاذ العزيز / حسين على الهنداوي
تحياتي وتقديري
دراسة جدا ممتعة ، عميقة التناول ، وخاصة في تتبع مفهوم الشعر لدى الاتباعيين والرومانس والرومان ، وجاء التوصيف دقيقا ، والمقارنة قائمة ، وواضح أنك تسعى إلى إعادة تقييم التجربة الشعرية القائمة ، التي تملأ المجلات والمنتديات ، وهي تجربة تتصل بقصيدة النثر في كثير منها ، وإن كان مفهوم المتداول الشعري موجود في كل عصر ، وفي كل مذهب ، فلن يكون الشعراء على مستوى متقارب من الموهبة والعطاء والتميز .
أعجبني قولك :
( وفي تقديري المتواضعِ أنّ المتسلبطينَ على الشعرِ في هذا العصرِ أكثر من أن يعدوا ويحصوا ، والدلالةُ على ذلكَ أنكَ إذا قلَّبتَ الكثير منَ الصفحاتِ الأدبيةِ وقرأتَ ما دُوّنَ فيها من شعرٍ وجدْتَ نصاً واحداً مدوراً مشتركاً بين معظمِ الشعراءِ يحاولُ استعمالَ لغةٍ جديدةٍ وتراكيبَ جديدةٍ ومعاني جديدةٍ ولكنَّ أدواتهِ الشعريةِ تخونهُ ، فهو يقعُ في التكرارِ المملِّ والرمزِ المبتذلِ والأسطرةِ غير المتناسقةِ والاسقاطِ التاريخيِّ غيرِ الموظفِ ، والتفكير بطريقةٍ عاميةٍ هي أقرب ما تكون إلى التفكير الطبقة الدنيا من أصحابِ الثقافةِ والتعبيرِ عن هذهِ الثقافةِ بتعابيرَ هشّةٍ مع الاتّشاح ِ بغموضٍ يصلُ لإلى درجةِ الانغلاقِ ويتحول الرمزُ إلى لغزٍ منبثقٍ من شطحاتِ اللاوعي الهائمِ . )

هذا مدخل لبحث كبير ، يحتاج إلى برهنة النظرية المتقدمة ، ومناقشتها بشكل هادئ ، وهناك أمور مهمة تحتاج إلى تعميق مثل :
- المتداول الشعري .
- التفكير بالعامي .
- الرمز والأسطرة غير الموظفين .
- الانغلاق .
وهي مداخل مهمة لتوصيف أزمة الشعر المعاصر .
وهذا لا يعني أننا ننفي الجميل من قصيدة النثر ، أو نثبت السيء من العمودي والتفعيلي ، فالعبرة تكون بالتوهج الإبداعي والتجاوز .

ولنفتح المجال هنا لمزيد من النقاش حول ما ورد في هذه الدراسة العميقة وما تم استدراكه حول أزمة الشعر الجديد .
شكرا لكم
وتقبلوا فائق شكري وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية   كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية I_icon_minitimeالأربعاء 03 ديسمبر 2008, 8:35 pm

الأخوة الأحباب
اسمحوا لي أن نفتح النقاش حول ما ورد في هذا المقال ، من ملاحظات حول تجربة الشعر الجديد ، وأرجو أن يدلي كلٌ بدلوه فيها .
وأن يكون النقاش حول :
- مفهوم الشعر الجديد .
- ملامح الأزمة .
- مدى الاتفاق والاختلاف مع ما ورد في المقال .
- ما يستجد من ملاحظات في مظاهر الأزمة .

أخوكم
د. مصطفى عطية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية   كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية I_icon_minitimeالأربعاء 03 ديسمبر 2008, 10:10 pm

اسمحوا لي نشر مداخلة د. شادية شقروش ( الجزائر ) حول هذا المقال القيم :
____________________________________________________________________

"التفكير بطريقةٍ عاميةٍ هي أقرب ما تكون إلى التفكير الطبقة الدنيا من أصحابِ الثقافةِ والتعبيرِ عن هذهِ الثقافةِ بتعابيرَ هشّةٍ مع الاتّشاح" ِ

في اعتقادي أن الشاعر الحقيقي هومن يحسن استخدام العامي واللغة الشائعة بحيث يفرغها من دلالتها الأصلية ويشحنها بدلالات أخرى ،
فجمالية القصيدة وشعريتها ،تكمن في الأنزياح وكلما أزدادت درجة الانزياح كلما ازدادت القصيدة جمالية وشعرية وسوف اعطي مثالا : هل يستطيع احدنا ان يشكل قصيدة فيهاالكلمات البسيطة العادية التالية:"بقال ،بقرة،حليب ،سطل ،كوب لبن ،اكلت ،أعطاها،منذ ،ضرع ،زمن ،عادت،الثمن ، إليه،حلب"
تتحول هذه الكلمات إلى قصيدة رائعة :عندما يكتبها شاعر حقيقي:

حلب البقال ضرع البقرة،
ملأ السطل وأعطاها الثمن،
بعد قليل عادت إليه،
لم تكن قد أكلت منذ زمن،
مدّت يديها بالذي كان لديها ،
واشترت كوب لبن

فالبقرة هنا انزاحت عن معناها الحقيقي لأنها لا تشرب الحليب ،ثم إنها لا تأخذ الثمن ،فالشاعر رفع كلمة "بقرة" إلى مصاف الرمز ،على الناقد/القارىء أن يؤوّلها
والبقال في البنية المنطقية لا يحلب البقر فهو تاجر ،يهمّه الربح ،فيتحول البقال الى رمز يحيل على شيء إخر غير البقال
فالشاعر إذن رمز بالبقرة لشىء أراد أن يضفي عليه صفة الحيوانية وعدم التفكير ،ورمز بالبقال لشىء يحمل قيمة الاستغلال
فماهو الشىء الذي يدرّ الخير كالبقرة الحلوب ثم تؤخذ منه خيراته ،لتباع له بكميات قليلة وبأثمان باهضة؟؟
فلو خرجنا من واقع النص المتمظهر فو نولوجيا إلى نص الواقع المعاش، سنجد أن هذه الصورة تمثل صورة الأمة العربية بخيراتها فهي البقرة الحلوب ،والبقال هو الغرب المستغّل ،والحليب هو الخيرات
،فالجمالية لا تكمن دائما في الكلمات الرنانة بقدر ما تكمن في حسن التوظيف ،أو النظم على حدّ قول علمائنا القدماء (عبد القاهر الجرجاني)
العيب ليس في الكلمة العامية او الكلمة المنمقة لأن الكلمات لا تحمل معنى في ذاتها ،بل المبدع الحقيقي هو الذي يكسر اللغة العادية من نمطيتها ويعيد صياغتها من جديد أو بالأحرى ترهينها لصالحه ،لذلك لا يدخل الناقد إلى النص محملا بمعاني سابقة على النص ،أو بمعجم منطقي سابق ،بل يبدأ معنى النص في التشكيل لحظة ولوج الناقد أول عتبة من عتباته،وبالتالي فالمعنى كامن في النص ، وبالتفاعل معه والقراءة الفعلية نستطيع إخراج الموجود بالقوة إلى الموجود بالفعل ،أي إخراج المعنى من إطار الكمون إلى إطار التحقق
لم يعد الحكم على الشيء يجدي في زماننا ،النقد وصف للواقعة النصية والحكم قتل للنص أياّ كان نوع النص
والشعر الحقيقي يظهر من أول وهلة ولا داعي للتدليل عليه فهو يومىء من بعيد .
والقصيدة السابقة "لأحمد مطر "
شكرا لك دكتور مصطفى عطية على تأثيث" نص فوق الأمواج "بهذا الرأي ،وجميل جدا أن نتناقش
كما اشكر صاحب النص حسين علي الهنداوي.
تحياتي
د. شادية شقروش ( الجزائر )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كَيف نتذوقُ الشِعر؟! وأزمة الشعر الجديد لحسين هنداوي ، وتعليق د. مصطفى عطية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: دراسات وآراء في النقد الأدبي-
انتقل الى: