السماوي.. العراق هو السماء الثامنة التى جعلوها أرضا
العرب أونلاين أجرى الحوار: إبراهيم قهوايجي: طائر مهاجر، من السماوة انبلج تغريده بصوت رخيم، وفى أتون منفاه الاسترالى يدحرج اغترابه، فإذا به يمطر حزنا شفيفا على قارعة الشعر.. يهرق نصف عمره مغتربا، وتطوى صحائف عمره الطرقات.. حلمه الكبير أن يعود العراق بستان شعر ومحبة وأمان..
له نبرته الخاصة، وبصمته المائزة فى عالم الشعر العربى المعاصر بعد أن راكم منجزه الشعرى العشرات من الدواوين.. التقيناه مؤخرا وكان لنا معه الحوار التالي:
الصديق الجميل والشاعرالمبدع يحيى السماوي
سلام عليك حتى يتحررالعراق...
1 تأبط شعرك منفى سواء كان هذا المنفى داخليا أو خارجيا.. ماذا أضافت تجربة المنفى من خصوصيات معنوية وفنية لابداعك الشعري؟
الأخ والصديق الشاعر المبدع ابراهيم قهوايجي: وعليك السلام حتى نحتفل معا بجثة جندى آخر أمريكى فى العراق، يقفوه شكر وامتنان متواصلان حتى تطهير واحتنا العربية من آخر قرد صهيوني..
أهم ما علمنى إياه المنفى يا صديقي، أنه جعلنى اكتشف طعم ونعمة البصر حين تصاب عيونى بالعمى..أما ما الذى أضافه لتجربتى الشعرية، فإنه أبعد حبل المشنقة عن عنقي، وأبعد الشرطة عن حنجرتي، وجعلنى أغفو على مقربة من أطفالى لأتفرغ للكتابة عن وطن قلت فيه:
ثلثا دمى ماء الفرات...وثلثه طين بدمع العاشقين مذوبُ
وقلت:
ولولا خشيتى من سوء ظن وما سيقال عن فقد صوابي
لقلت أحن يا بغداد حتـى ولو لصدى طنين من ذبابِ
المنفى يا صديقى جعلنى أكتب شعرى بالدمع أحيانا، وبالدم حينا آخر، ونادرا ما أكتبه بندى الوردة..كما أن المنفى أدخلنى واحة رائعة التقيت فيها إخوة وأخوات وأصدقاء رائعين مثل إبراهيم قهوايجى وعبد الله بيلا وجمال مرسى ومحمد جاهين بدوى وسمير الفيل ومحمد حسن وعبير الحمد وعائشة النويهى وفاطمة القرنى والجواهري الذى ما كنت ألتقيه لو لم أعبرالاسلاك الشائكة يوم هربت من وطنى لأبحث عن هذا الوطن فى معسكرات اللجوء والمغتربات والاوطان المستعارة..
2 – استرفدت فى تجربتك من تجارب شعرية قوية بالعراق.. ما هى المشارب الشعرية الاخرى التى ساهمت فى بلورة خطابك الشعري؟
والله يا صديقى لم تعلمنى المدرسة والجامعة وكتب الأدب والفلسفة والمنشورات السرية التى كنا نتداولها خلسة لنقرأها فى الأقبية السرية كالذى علمنى إياه السوط الذى نبش ظهرى والرعب الذى مص دمي، والفقر الذى علمنى كيف أعجن الشوك بعرق الجبين لأصنع منه رغيفا ولا أشهى منه..
3 هل تومن بتلك المقولة التى مفادها:أن الشاعر ناقد فاشل والناقد شاعر فاشل؟
لا يا صديقي... النقد أضحى إبداعا، فنقد "إزراباوند" لقصيدة" الأرض اليباب" لاليوت قد أضاف الكثير لهذه القصيدة وأضاء مناطق شاسعة لم تكن مرئية فى القصيدة.. كذلك نقد إحسان عباس عن السياب أو دراسة الدكتور عبد الله الغدامى عن الشاعرحمزة شحاتة...
بالنسبة لى أومن بأن الناقد بمثابة قنديل فى ليل الشاعر أوهو: بمثابة "ابن ماجد" بالنسبة للبحار العظيم "ماجلان"،.. وأظنك توافقنى الرأى أن "ماجلان" كان سيتوه فى البحار لولا "ابن ماجد"...
الشاعر كالسائر فى نومه، إنه حالم دائما، يرى ببصره...أما الناقد، فمستيقظ دائما ويرى ببصيرته،"طبعا أنا أعنى الناقد الحقيقى وليس الطارئين على النقد وما أكثرهم اليوم".
4 – حدثنا عن طقوس انكتاب القصيدة لديك أو كتابتها؟
القصيدة كالحب والمرض، تأتى دون موعد سابق.. سأكون كاذبا لو قلت إن للكتابة الشعرية عندى طقوسا.. فقد تفاجئنى القصيدة وأنا أقود سيارتي، أوأنا على وسادتى أحاول اصطياد عصوف النعاس، بل كثيرا ما توقظنى من نومى لأكتب ما تشاء.. سبق لى أن كتبت قصائد على علب سجائري، وحدث والله أن كتبت مقاطع عديدة على كفوف يدي...
الشعر يا صديقى حصان عنيد ومكابر.. هذا الحصان هو الذى يقود الفارس وليس الفارس من يقود هذا الحصان هو الذى يختار طقوسه الملائمة لا حسب مزاج فارسه .. وحين يحاول الفارس فرض إرادته عليه، فإنه يرفسه ويسقطه من على سرجه، فتأتى القصيدة أكثر برودة من حافر الحصان، لا صهيل لها ولا دفء فى دمها.
5 بين النقد والشعر تفاعل، كيف تحكم على مجمل النقد الموجه لتجربتك الشعرية؟
لقد تناول تجربتى نقاد عرب كثيرون أمثال د على جواد طاهر، د عبد العزيز المقالح، دغازى القصيبي، دعبد المالك مرتاض، د محمد بدوى جاهين، د فاطمة القرني، د حاكم الزيادي، د حسن الامراني، د حسن فتح الباب، د ثريا العريض، أ فاروق شوشة، أ يس الفيل، أ لطيف الارناؤوط، د عبد العزيز الخويطر، د محمدين محمدين، أ محمد على الخفاجى وغيرهم كثير.. ومن الأجانب البروفيسور توماس شابكوت، دإيفا ساليز، أ. روب ووكر وغيرهم..، كما حضيت تجربتى بدراسات جامعية لنيل الماجستير وبحوث جامعية أخرى.. ووضع بعض النقاد كتبا حول التجربة..
6 – هل كتبتَ القصيدة التى تحلم بها؟
أتمنى كتابة القصيدة التى أحلم بها.. فأنا يا صديقى ما زلت أحبو، وأظننى سأبقى أحبو حتى أغفو إغفاءتى الأخيرة، وعند ذلك سيكتبها من هم أجدر بها منى فى كتابتها..
7 – من خلال قصائدك وليس دواوينك – لأننى لم أعثر عليها بعد فى السوق الثقافى المغربي أسجل هيمنة تيمة الحزن والحزن الأكبر ليس يقال، كما الاشتغال فى البناء على القالب العمودي.. بِمَ تُفسر هذين الملمحين؟
نحن العراقيين نبدو وكأننا رضعنا الحزن مخلوطا مع لبن الامومة.. فالذين تعاقبوا على ركوب حمار السلطة وقيادة عربتها انتقلوا بنا من فاجعة الى أخرى لينتهى الأمر بنا على هذه الحال التى أضحى فيها العراق مرعى لخنازير البنتاغون والذئاب متعددة الجنسيات..
أعطنى فرحا جميلا، وسأكتب قصائد تشع فرحا..
أما بالنسبة للقالب العمودي، فأعتقد أن شعر التفعيلة هو الأغلب فى شعري.. كما
كتبت النثر الفنى ولى فيه كتابان هما: "جرح باتساع الوطن" و"مسبحة من خرز الكلمات"، وثمة كتاب ثالث قيد الطبع بعنوان" شاهدة قبر من رخام الكلمات".
8 – ماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية بصفتك شاعرا؟
الشبكة العنكبوتية جعلت العالم ليس قرية كونية، إنما شاشة حاسوب..."طبعا أنا ما زلت قليل خبرة حاسوبيا، فقد امتلكت جهاز حاسوب فى وقت متأخر، لسببن: أولهما هو أن الحاسوب كان ممنوعا استخدامه فى العراق، علما أن جهاز المخابرات العراقى ومديرية الأمن العامة العراقية كانتا أول مؤسستين عربيتين امتلكتا الحاسوب، ثانيهما أن رغيف الخبر كان أهم عندى من الحاسوب..
9 ما انطباعاتك عن الشعر المغربي؟ ومن هم الشعراء المغاربة الذين تستهويك القراءة لهم؟
لى أصدقاء حميمون من شعراء المغرب تعرفت إليهم فى المهرجانات الأدبية العربية
وفى معارض الكتب مثلا: د محمد على الرباوي، د حسن الأمراني، ومن الروائيين حسن البقالى وغيرهم ، كما لى إخوة وأخوات تعرفت إليهم عبر الشبكة العنكبوتية كابراهيم قهوايجي، ضحى بوترعة، مراد العمدوني، جمال الجلاصي، عزيز العرباوي، عزيز الوالي، عصام الديك محمد النجار، فاطمة معتصم، بديعة بلمراح، رياض الشرايطي، عبد السلام العطاري، شكرى بوترعة وعبد السلام مصباح وآخرون...
أما الذين يستهوونى فالرباوى والأمرانى والعمدونى وجمال الجلاصى وضحى بوترعة وابراهيم قهوايجى والشرايطى لأننى توفرت لى نصوصهم أكثرمن بقية الإخوة والأخوات...، فأنت مثلا قرأت لك الكثير من القصائد الرائعة فى الحوار المتمدن ومنتدى من المحيط الى الخليج....
والأخت ضحى بوترعة أهدتنى نسخة من ديوانها، ومراد العمدونى دائم التواصل معى عبر "إنانا" كذلك الشاعر والمترجم جمال الجلاصي... والمغرب حافل بطاقات شعرية كبيرة وبخاصة فى قصيدة النثر..
10 – ماذا تعنى لك الكلمات التالية:
العراق؟
الشعر؟
المنفى؟
العراق: السماء الثامنة التى جعلوها أرضا.
الشعر: الأبجدية التى منحتنى وطنا من ورقٍ وشعبا من كلمات، والمرض الذى يمنحنى العافية.
المنفى: حبل المشيمة الذى يربطنى برحم العراق.
شكرا لك أيها الحبيب المبدع.. وشكرا لريحك التى رست بسفينتى فى شاطيء طيوبك..
___________________
شاعر من المغرب