أعتقد أن الشعر الآن يجب أن يصبح له دور فاعل فى الرصد أو التحريض علي الواقع( ولو همساً على الاقل )،يجب ان يصبح مشاركا لما نحن فيه من قهر ومتغيرات ،لأنه هو الذى سيبقى..... والشاعر المصرى صلاح على جاد فى ديوانه الجديد (فقط يتأمل القارب )فعل هذه الفكرة الذكية ،،، إذ خرج علينا بمجموعة شعرية لاتخلو من فكر شعرى ذكى ،،،فهى أشبه بالرواية التى تبدأ بالمقدمة ثم العقدة والتنوير وصولا الى النهاية .......
وعندما نقرأ هذا المجموعة يكون الغلاف والعنوان هما مفتاحا الدخول ،، ففى أعلى الغلاف اسم الشاعرصلاح جاد ،وتحته العنوان( فقط يتأمل القارب وأعتقد أن اسم الشاعروعنوان الديوان كتلة واحدة (مبتدأ+خبر)صلاح جاد ،(مبتدأ)خبره : فقط يتأمل القارب ليخبرنا منذ البداية أنه سيكون المتأمل الراصد للقارب / الواقع...بكل ما يحتوى من مجتمع وسياسة وفى.....ذكاء شديد يبدأ بالقصيدة /العنوان ليعلن موقفه الذى سيكون الحكم الميدانى لمشاركه فيه بعد ان يقدم لنا رصده وهو (بطلان الكل ) حيث يقول فى نهاية المقطع الاول
ألديه تفسير جديد ـ للعالم يسر به للصفحة بيضاء // سوى :الكل باطل )..
ويبدا الانطلاق من الذات الى العالم حتى يصل الى العقيدة فالزيف يأتى للذات من نكران الأصدقاء ولم يتبق للذات سوى الحلم: (رفيقك الحلم)،والوجوه التى منحها نبضه وزهرة عمره تكن له الضغينة فيتمنى الرحيل: (فمتى يرتحل عنها)....واذاارتحل فلا يتبقى له سوى بقاء القصيدة ووحدته فى نهاية الرحلة (يجلس الان وحيدا يصلح المجداف،يتأمل القارب )ويستمر فى الرصد ،حتى يرصد تخلى المثقفين عن المبدأ وتحسن احوالهم لانهم باعوا قضيتهم وهم فى حاجة الى من يفكرهم بثوابتهم : فيسألون عن صديق قديم (يبحون عنه الذين شفاهم الله من درن القراءة والكتابة ،فتحسنت كثيراً أحوالهم).........
هذاالسقوط يزيد سوداوية الشاعر /الذات فيرفض فى مقطع (التفاول )أن يمنح ابنا ً له تذكرة الدخول لهذا العالم لانه بذلك سيجرم في حق نفسه وحقه : (كيف أجرم في حق نفسي وحقه وأمنحه تاشيرة الدخول لعالم يبدو ـ دائما ـ سعيدا جدا و فاشلا )............
ويبدأ صلاح جاد من رحلة الذات الي الولوج في العالم فلم يقتصر فساد القارب عند الاصدقاء و تخلي المثقفين،،، ولكنه هم عالمى وكونى أيضا ً,,, فها هي قوات الاحتلال تقصف أحياء غزة واين يذهب هذا الراصد من هذا الواقع : ( قوات الاحتلال تقذف بالقنابل أحياء غزة إلي أين تذهب؟ ) فلا يجد امامه إلا الركون للرمز المتمثل في (أسد الحديقة )/ المنقذ : (أين أسد الحديقة يا ولدى ؟). وما دام الكل باطل كما اعلن الشاعر في البداية فالخروج من الكل مباح....... لم يكف الخروج من الأصدقاء فقط بل يتجاوزه في قصيدة (الغربان ) ليغادر الكل : ( من نفسه ,من بيته واهله , من وطنه الصغير والكبير ولم يعد/ خرج المواطن )............
ويتصاعد الرصد الرافض في قصيدة (عالم آيل للسقوط ) ليعلن من خلاله الاستسلام لما أرادته القوة المهيمنة والتي نجحت بحصارها فى أن نلقي سلاحنا أو أن نشهره في وجه الأصدقاء
لكنهم مستمرون في حصارنا وإفساد ما يتبقي من حياتنا لنلقي لهم اخيرا بصبرنا وسلاحنا ،،، سلاحنا الذي نشهره الآن في وجوه اخواننا و اصحابنا ) ..........ويستمر الحصار ليشمل الفساد الاعلامى السينما ،،، لنتخلي عن قيمنا ونصبح مغيبين ..... : (ثلاثة عروض بدور الدرجة الثالثة طاردها الرقيب فادمنتها الجماهير )فهنا تنهار القيمة وهذا هو قمة التصاعد لان انهيار القيم معناه قمة السقوط فهذا الجار المحسن عندما يموت هذا الذي يحمي القيم ويقيم الزكاة والولائم عندما يموت ( لم يجدوا تحته سوى لعنة اولاده ) قمة السخرية والمرارة،،، و قمة الرصد حتى في هذه المرأة التي تكذب في عمرها ويكذب عليها هو في عمله وزواجه ( كذب عليها في عمله وزواجه وكذبت عليه في عمرها واسمها )
وهذا السقوط قد يكون له أسبابه السياسية التي لا يتدخل فيها الشاعر، لانه منذ البداية اكتفي بموقعه الراصد وعلي القارى أن يعمل ذهنه ، فالسقوط بعد الخروج المبكر للمعاش ثم السقوط فى مستنقع الجنس الذى أصبح كمسكن ومخدر : (يصطحبون فتيات صغيرات كمهدئات لوخز سنوات عجاف طاحنة )
وقد يؤدى القهر الاجتماعى الى السقوط عند عزيزة التى أقعد المرض زوجها ويتـّم اطفالها ،فاصبحت ساقطة بفعل القهر وهى الراقصة والتى دفعها الفقر الى السقوط ..... ففى نهاية جولات المتعة الرخيصة ( تمسح فى الوحدة دموعا مختنقة وتسأل الله مغفرة وسترا ) ويشعرك أو يهمس لك الشاعر رغم انه راصد إلى ان كل ذلك السقوط مدبر لكى يحيا المعلم / بما له من رمز( لا مناص من احتراف قتل الزهور، مص الدماء ، ليعيش ــ المعلم ــ مربى الشعب ،مؤدب أبنائه) ...........
ويخرج صلاح جاد من نطاق الرصد الى نطاق الهمس والتحذير أحيانا ففى قصيدة ( السيرك) يعلن او يحذر من ان الضغط سيؤدى الى الانفجار ،قصيدة رمزية لساحر يتخطى الخط الاحمر فى القهر والجوع لكلابه / الشعب ،فينقلب الكلب للهجوم ليطرح سيده ارضا ،يغرز نابه فى عنقه يخرج احشاءه وسريعا يقفز للنور)
هكذا اقترب الشاعر من النهاية بعد كل هذه التراكيب المعقدة ،ويعلن فى النهاية أن الوطن باق (وأصرح :لم تمت مصر )وفى النهاية كنهايات الافلام المصرية يكون النصر للمقهور ( أخيرا خرجت الحارة من الكهف :عبرت عقود الصمت والقهر لتقول بأعلى صوت (لا) .
وما دام الشاعر قد انتهى من رصده وعبـّر عن حلمه بالتغير والثورة التى حتما ستأتى ،،،،فقد استراح فى نهاية الديوان وآثرالركون إلى سيدته /القصيدة .فهذا الوجع والمد والجزر (له الآن أن يتدثر بعباءة وحدته ويستريح )[/