[
أجرى الحوار: حسن عبدالموجود
جاءت جائزة الجامعة الأمريكية بالنسبة لحمدي أبو جليل في موعدها، فقد آمن بأن كتابته لا تصلح للجوائز لأنها ليست علي مقاس النقد السائد:"ربما سأغيٌر فكرتي بعد الجائزة" كما أنها ستمنحه طاقة للاستمرار:"إمكانية الاستمرار طوال الوقت كانت تماثل إمكانية التوقف"..
حمدي ساخر بطبعه، لا يتردد في السخرية حتي من نفسه، وكابوسه الأول أن يصبح مستقبلا من ضحايا الأدب:"أحد أبرز ملامح ضحية الأدب أنه أكثر حرقة ودفاعا عن الأدب من الأدباء الحقيقيين، وهو يعتبر أن الكتابة هي همٌه الأول والأخير، غير أنه يشبه واحدا من جمهور الكرة الذي يجلس في المدرجات وينفعل ويطالب اللاعب بركل الكرة كما يفكر، مع أن لاعب الكرة يفهم أكثر منه، علي الأقل لأنه يعمل في ميدانه"!
يري حمدي أن زمن تقديس الرواية انتهي:"الآن باستطاعة أي شخص أن يكتب رواية لأنها تخففت من شروطها القديمة" ومع هذا يري أن الكتابة الجديدة امتداد لكتابة محفوظ وجيل الستينيات!
في الحوار التالي يتحدث حمدي عن مرجعيته الروائية، وتأثير الستينيين عليه، وأسباب توقفه عن كتابة القصة القصيرة، وطبعا أهمية جائزة الجامعة الأمريكية بالنسبة إليه.
لم تحظ روايتك الفائزة "الفاعل" بتقدير البعض ممن أعجبتهم روايتك الأولي "لصوص متقاعدون"، وهم يرون أنها مجرد محاولة لكتابة محطات من سيرتك الذاتية..ما رأيك؟!
بطل الرواية هو حمدي أبو حامد عيسي صقر أبو جليل. كنت أتوقع أن يفكٌر من يقرأ الرواية أن هناك هدفا من وراء استخدام اسمي، فقد كان من الممكن أن اسمي البطل جمعة محمد جمعة. كان الهدف أن أنظر إلي نفسي باعتباري شخصا آخر، لم أكن أرغب في كتابة السيرة الذاتية، ولكن أبحث عن قانون يفسٌر لي ما حدث، وأنا مؤمن بأن قانون الكتابة مختلف عن قانون الحياة!
لم تأت بجديد في هذا فدخول المؤلف، أو الكتابة علي الكتابة شيء موجود ومتعارف عليه!
لم أكن أفكر في عمل شيء جديد، الذين يبحثون عن أشياء جديدة في الكتابة أشخاص مرفٌهون، ما أكتبه يكون بالشكل الذي توافق عليه الناس، أريد أن أكون مسموعا، أحد دوافع التجديد في الكتابة العجز عن الوفاء بشروط النموذج القديم، الحرافيش، الأخوة كرمازوف، البحث عن الزمن المفقود.
هل تقصد الوفاء للشكل؟!
الوفاء للشكل وللأفكار الوجودية العظيمة، القدرة علي رصد الحياة بتشابكاتها وأسطوريتها، وإن كان الشكل أبرز التجليات.
وهل يمكن أن تكون مهما بجائزة؟!
لا، ولكن أنت لا تستطيع أن تنكر أن الجائزة المهمة الذائعة تكون مفيدة للعمل، لقراءته، لكن تظل محدودة، هي تشيع نوعا من الثقة في العمل، ولكن تظل الثقة مشروطة بالعمل ذاته..
ماركيز كتب مقالا مهما عن الذين تجاوزتهم نوبل وأصبحوا عظماء، والذين حصلوا عليها وذهبوا إلي طي النسيان..هل تقصد ذلك؟!
نعم، وهذا يثبت أن الأهمية مرتبطة بالعمل لا بالشخص، الجائزة توفٌر الفرصة المناسبة، وعلي العمل أن يثبت نفسه، وأنا شخصيا تقدمت إلي جوائز وعملت الأداءات التي توفر لي فرصة الفوز، ومنها جائزة الإبداع العربي بالشارقة، حيث حذفت عددا من قصص المجموعة التي تقدمت بها، وهي القصص الأقرب إلي فكرة الفن، وأنت حينما تتقدم إلي جائزة وتعلم أن لها شروطا خاصة، رقابية مثلا، لا يصح أن تتقدم ثم تهاجم القائمين علي الجائزة وتقول لهم أنك ترفض الرقابة!
وما الذي تعنيه بالنسبة إليك جائزة الجامعة الأمريكية؟!
كدت أن أتصالح مع فكرة أن ما أكتبه بعيد عن شروط الجوائز، ولكن جائزة نجيب محفوظ جاءت في الوقت المناسب لتكسر بداخلي هذه الفكرة، وعموما الجائزة كبيرة ومجد أن ترتبط باسم الراحل العظيم نجيب محفوظ.
هل حدث لك هاجس بأنك لن تحصل علي جائزة بعد تسريب خبر عن حصولك علي التشجيعية وسحبها منك في آخر لحظة؟!
لا، ولكن بعد فشل "لصوص متقاعدون" في الحصول علي جائزة بدأت في إيجاد مبررات لعدم حصول كتابتي علي جوائز، أنا أكره فكرة أنني مظلوم، ولهذا قلت لنفسي إن تلك الكتابة ليست علي مزاج النقد السائد!
أنت مهتم بفكرة تغليف كتابتك بالسخرية، وهو ما يخرجك عن خط الفنيات أحيانا..ألم تفكر في ذلك؟!
أنا لا أفهم فكرة الفنيات، ما أريده وأحبه هو الضحك في حد ذاته، ليست السخرية السوداء المرٌة، لكن البيضاء الحلوة، القهقهة العالية كما قال محمد بدوي، ومشكلتي تظهر حينما أشعر أثناء الكتابة أنني غير متمكن من النبرة المرحة الخفيفة الضاحكة، وأكاد أقول إن الرواية فن قرين السخرية، وليست صدفة أن يكون الساخرون أمثال ميجل دي ثربانتس أعظم الأدباء علي مر التاريخ، السخرية ليست خيارا، إنها لون العينين بتعبير إبراهيم أصلان، وانتفاؤها يفقد الأدب شيئا كبيرا من بريقه، السخرية أيضا تحافظ علي مسافة مناسبة بينك وبين الكتابة وتمنحك القدرة علي الوصول إلي الكاركتر الموجود بداخلك وداخل الآخرين، لا أريد أن أجزم بذلك ولكنها تقرٌبك جدا من هذا!
تصرٌح دائما بأن ميلان كونديرا هو مرجعيتك، وكونديرا يستمد سخريته من نقده اللاذع لخصومه سواء الشيوعيين أوالأدباء، مثل إطلاقه اسم "تولستوي" علي كلب فتاة بروايته "خفة الكائن التي لا تحتمل"..ألا تبدو المرجعية غريبة في ظل انتهاجك شكلا آخر للسخرية؟!
طبعا كونديرا يبحث دائما عن شيوعي ويسخر منه، مثل شخصية عالم النباتات في "فالس الوداع" الذي اعتلي المنصة وبدلا من أن يتحدث في أبحاثه العلمية قال إنه مضطهد في بلده، أنا لا أفهم سخرية الانتقاد، السخرية وسيلة للفهم بموضوعية وبمنتهي الحنان، حتي نايبول حينما كان يسخر من بلده تريناند كنت أري في سخريته نوعا من الحب!
هل تري أن كونديرا مظلوم بربط البعض كتابته بمهاجمة النظام الشيوعي المنهار؟!
هو مظلوم علي مستوي أنه لم يحصل علي جائزة نوبل، ولكن النموذج الذي قدٌمه في الرواية لبٌي شيئا عند الكتاب الجدد، أثار استفزازهم، لبي شيئا في طريقة الحكي والسخرية، نزع القداسة عن النص المكتوب، أصبح ممكنا أن يعلن الكاتب فشله ويسخر حتي من نفسه، صحيح أنه طبٌق طريقته علي مشروع قديم، مثل تحويله الدائم للبنت إلي معادل لمأساة بلده التشيك، والسخرية من الشيوعيين إلا أن الأسلوب الذي ابتكره، لا، دعني أقول إن النظام الذي اخترعه لبٌي شيئا كبيرا في اللحظة الراهنة، والدليل ترجمته للعربية، وأنا شخصيا أعلم أنه من الكتاب الذين سيظلون يعانون بسبب معاملته علي خلفية سياسية لا ككاتب، وهو ما حدث في فرنسا مثلا!
ألم يحن الوقت لتغيير نظرتنا إلي نوبل بعد حصول لوكليزيو عليها؟!
حصول لوكليزيو علي نوبل ينبغي أن يزيل تماما من أذهاننا أية أوهام ارتبطت بتلك الجائزة. بعد حصول ف.س.نايبول عليها استمررنا في الصياح، وقلنا إنه كاتب يهاجم الإسلام، ولهذا السبب حصل علي نوبل، ولكن لوكليزيو مضطهد في أوروبا من المنظمات الصهيونية بسبب دفاعه عن العرب، تقريبا مشروعه منقسم بين الدفاع عن عدالة القضية العربية وما يتعرض له الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية، وأعتقد أن تحميل المشروع الإنساني علي قضايا السياسة شيء قاتل، وآن الأوان لنكف عن ترديد أوهامنا!
الأخبار 14/12/2008