فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى Empty
مُساهمةموضوع: محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى   محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى I_icon_minitimeالجمعة 26 ديسمبر 2008, 3:01 am



الجمعة, 26 ديسمبر 2008
القاهرة - رضا البهات


رحل من ينطبق عليه القول المصري.. الشريك المخالف، أو من لا يعجبه العجب. من شق له طريقاً متفرداً لا يشبه فيه أحداً بعينه وإن كان يشبه شعبه. فهو محب لهذا البلد ومُحترم للمصريين ولتراثهم. يرى أن أجمل الشعر -ليس أكذبه- إنما أكثره تمرداً وإضافة، والتصاقاً بهموم المصريين وطرقهم في الغناء. تلك الطرق التي تراكمت على مدى طويل من فنون القول والغناء.. الأساطير والملاحم الشعبية وحكايات ألف ليلة والزجل وابن عروس وحكايات السندباد البحري والبري، وقصة الخلق المحكمة كما ترويها الكتب السماوية والأغاني الشعبية بل وعدودات الحزن المصري العتيق، بل ويمتد حتى التراث الفرعوني الذي تتردد مفرداته حتى اليوم في أغانينا من غير أن ندري.

رحل بعد أن ذوّب حضوره كله في أربعة دواوين لم تمنحه الشهرة الإعلامية. فهو لا يرغب في ذلك

ولا يجيد تسويق نفسه عبر مؤسسات ثقافية يراها معطلِّة للثقافة وفاسدة ومفسدة للذوق العام وللشعراء. أنشد قبل رحيله دواوين «عباد الضل» في العام 1989، «ونس» في العام 1999، «صندوق الحزن» في العام 2004، «مس الكلام» في العام 2005 ثم ترك عمله المهني قبل أن يتفرغ لدار نشر خاصة أنشأها وسماها «نفرو». ذلك الاسم الذي له قصة، ومعنى.

أسأله.. وماذا تكتب أنت يا محمد؟ وماذا عما لحق شعر العامية من تطور؟ يقول: «أكتب وأغني داخل هذا السياق. والغناء خارجه تغريد خارج السرب.. هذا السرب الذي يختزن طاقة كبيرة على الغناء والشدو ليس من السهل التضحية به وبالنسبة للتطور فإن كل هذا جديد وحقيقي يتكئ على التراث الشعبي.

في هذا السياق أرى بيرم التونسي وصلاح جاهين وفؤاد حداد والمنشد الجوال وكل مغن حقيقي -يضيف الحسيني- مصر لا تلد كل يوم شاعراً وإن كان شعراء العامية مثل عنقود، يحمل الواحد منهم بعض سمات من سبقوه ويتفرد عليهم بأخرى».

ما إن بدأ الحسيني محاولته لكتابة النثر العامي حتى كان الغناء المصري كله تقريباً يتعامل مع نثر العامية المتحرر من الوزن والقافية.

يقول الحسيني: «وهذه أيضاً ليست طريقة سهلة، فمن ناحية ليست عروض الخليل مقدسة ولا التحرر منها مقدساً. هناك المعنى الذي على الشاعر أن يتمسك به دائماً وليأت هذا المعنى على أية صورة».

من دون احتكار

أعود لأسأله.. وما الذي يميز الشعر في هذه الحالة عن القول العادي؟ يقول الحسيني بانفعال: «لماذا تقول يتميز؟.. لماذا لا يغني كل واحد ما بداخله على طريقته! المعنى والإيقاع الداخلي هما الأساس. وهو أمر على النقاد أن يتعبوا أنفسهم في دراسته خصوصاً أن هناك دراسات مهمة أنجزها الأوائل تناولت نظام السكون والحركة وتوالي المقاطع والأداء الصوتي والتشكيلي للكلمات والجُمل.. هذه الطريقة تطلق التعبير عن النفس من دون أن يحتكرها أشخاص متعالون. وتراثنا مليء بفنون القول المتحررة من مقاييس متعسفة. لكنها -فنون القول- تختزن بداخلها كل طاقات القديم لا تهدره ولا تستغني عنه. سأقرب لك المعنى. هل التليفون القديم يشبه المحمول (الجوال)؟!

لو عاد «غراهام بل» لما تعرف على هذا الشيء الذي نحمله اليوم. لكن هذا الشيء لم يكن ممكناً له الوجود من دون آلة «بل» الضخمة المليئة بالأسلاك».

ضمان حناجر المثقفين

اسأل «الحسيني».. لماذا هذه المسافة بينك وبين «المؤسسة» الثقافية؟ يقول: «العالم مفتوح لكل الناس. والمؤسسات لها معاييرها وأهدافها التي تخدمها، أول هذه المعايير أن تضمن (حناجر) المثقفين. كما تضمن الطبيعة المحافظة لما تنشره وللذوق الذي تراه. وتحدي الشاعر والكاتب عموماً هو أن يظل يبدع من دون أي إحساس بالدونية. والعلاقة مع المؤسسة لا تدعك في حال. ستظل تدور في فلكها. فللمؤسسة تصور ثقافي كامل. كيف تستقل بنفسك وشعرك في علاقة كهذه؟ ثم إن أكثر شعر العامية الذي تتحيز المؤسسة لترويجه ونشره يتفق والمعايير التي تسوّقها (المؤسسة) ويدعى الأفضلية والقدرات الخاصة. ويميل إلى إشعار المتلقي بالعجز. فهو يستعرض عضلاته بدليل أن الذوق العام بل وحتى بعض الشعراء أنفسهم يرون شعر الفصحى في مرتبة أعلى من العامية. وبالمنطق نفسه يجعلون للعامية درجات فالموزون أرقى من المنثور ومن الزجل.. وهكذا».

على البحري

أسأله.. أعرف أن لك تجارب في النشر عبر المؤسسات!

يقول الحسيني بحدة: «هذه التجارب لا تصنع وجهة نظري في الفن. وما حدث أنني كنت أترك لهم الكتاب فيضعونه في اللجان. وبعد أن تتداوله اللجان يطلبون مني رفع سطر أو قصيدة ليصبح صالحاً للنشر، فأرفض فيوقف النشر. هذه هي القصة. ثم إن هذا النشر «على البحري» ملأ الأرصفة بالسلاسل الأدبية والدواوين والروايات التي لا تضيف شيئاً وبعد هذا نتساءل في دهشة عن انزواء المواهب الحقيقية؟!».

وماذا عن الفنون الأخرى وعلاقتك بها؟

يجيب الحسيني: «هي جميعاً جزء من تراث إبداعي. أنا أحب الرواية وأقرأها بشغف والسينما، وكل فنون القول تفتح شهيتي على الشعر».

أسأل الحسيني.. لماذا اسم «نفرو» لدار النشر والتوزيع التي أسستها؟

يجيب: « نفرو»، و«نفر» هي «الجميل» بالفرعونية.. وهي من الكلمات التي نقولها في يومنا من غير أن ندري هكذا.. النفر منا يعمل كذا.. والنفر تعني الجميل.. بمعنى الفرد الجميل منا يفعل كذا.. إلى آخره.

ألم خاص

أمازلت ترى أننا جميلون كما تعني المفردة الفرعونية؟

يصمت الحسيني الذي عرفته قبل 15 عاماً في زيارة لي من دون سابق معرفة في صحبة الأصدقاء الراحل محمد مستجاب والكاتب والأكاديمي د.سار العدل والشاعر محمد عيد إبراهيم والمذيع في صوت العرب القاص جمال حماد.

(طبّوا) عليَّ في المنصورة وبينهم شخص طويل.. طويل بصورة مفرطة لا أعرفه كان محمد الحسيني. الذي أنست إليه ابنتي. وكانت بعد طفلة. بعدما خافت من ضحكات وزعيق عم مستجاب ومضايقات د.ياسر الذي لا يحتمله الأطفال كثيراً. وسألتني صاحبك الحسيني طويل أوي ليه كده؟ فقلت للحسيني الذي احتضنها ليخفف خوفها من طوله وقال: أنا كتبت قصيدة في حكاية طولي دي. وأسمعنا القصيدة التي تناولت كذلك صلعته اللامعة. سألته.. ألا تطبع ديواناً يا محمد؟ قال وقتها بأسى.. خليها على الله.. يظهر أننا بنكتب لنتواصل مع أنفسنا ومع بعضنا بس.

لكنه أقدم على نشر دواوينه بعد ذلك نشراً خاصاً وليس عبر المؤسسات.

تطبيع مع الحياة

لم أكن أعرف في الشتاء قبل الماضي أن أمراً جللاً يحدث داخل جسمه.. أمر مصري خالص.. في مقهى «الجريون» حيث يلتقي الكتّاب والفنانون كان جالساً على منضدة مع بعض الأصدقاء؛ القاص محمد عبدالرحمن المر والقاصة راضية أحمد والكاتبة مديحة أبو زيد والشاعر سمير الأمير وبعض الصحافيين.. والمسرحي محمد سعيد.

نهض الحسيني قبل أن أصل إليهم.. وكنت أنهيت كلاماً قصيراً مع الفنان علي الحجار الجالس على مقربة في صحبة الفنان سعيد عبيد وملحن لا أعرفه.

وتبادلنا- أنا والحسيني- بعض شتائم المحبة بعد غياب -وكنا قبل الفجر بقليل- خارج مقهى «الجريون»، قليل من الظلمة وقليل من النور لم يدعني الحسيني أجلس. بدا أنه يريدني على انفراد في أمر خاص. قال: فيه 3 قصائد عاوزك تعطيهم للحجار. لم يدعني أعلّق وقال.. أسمعهم لك الأول. وتلا علي بعضاً من أعذب الشعر. مما اعتبرته مؤشراً على بداية (التطبيع) مع الحياة.. تطبيع ولكن بشروطه هو ومع مطرب راقٍ. بعدما ظل لسنين يقاوم نشر أشعاره في المجلات والصحف ويتعفف عن التواجد في المهرجانات والمنتديات الثقافية.. بل وعلى التكسب من الفن عموماً. حتى إنني يوم حصلت على منحة الدولة للتفرغ لأربع سنوات قال لي معاتباً: ليه قبلت كده دي منحة تسول مش تفرغ.

خجلت لقولته. وإن كنت عارفاً برأيه في أن للإنسان أن يكسب المال عن طريق عمله المهني وليس عن طريق فنه.

كان ابتدأ في إدارة دار نشر «نفرو» وكان أنهى طباعة أربعة دواوين له ويشرع في تحضير الخامس.. لكن وجه الحسيني في تلك الليلة بدا شاحباً. وبدا زائد الطول بسبب فقدانه بعض وزنه. فسألت الواقف معنا -محمد المر- إن كان هناك في صحة الحسيني شيء يعرفه.. فشتمه المر وشتمني لكون الأمر ليس كبيراً إلى حد أن يلفت نظري. قال.. ده واد ابن كلب زيك بالظبط. وعايش حياته زيك.

ومضت الليلة من غير أن أعرف أن الخلايا الليفية وكرات الدم البيضاء والليمفاوية كانت ابتدأت عملها المصري جداً في خلايا كبده. حتى المرض اختاره الحسيني مصرياً خالصاً كشعره.. يااه هل إلى هذا الحد تعمل الرموز في حياتنا؟.. بعدها بأسابيع قال الصديق المسرحي والباحث محمد سعيد.. يظهر إننا بنتعلم حتى طريقة المرض من بعضنا رحل محمد سعيد -أيضاً- بسرطان الكبد. ورحل الحسيني بتليف الكبد.. ويرحل كل يوم آخرون بتليفات في مختلف أعضائهم.. ذلك أنهم ظلوا يقاومون تليف الذاكرة، تليف التاريخ الذي اصاب الكثيرين.

فما أقسى ما ننتظره على يد من أحببناهم. أصدقاؤنا الذين يرحلون من دون أن يتموا رضاع العمر.. الذي يسميه عبدالمعطي حجازي.. العمر الجميل.

من قصيدة (طرطشات):

هم يمسك بأيده الزمن

كما عيل بيجري وراء القمره

رجع عجوز بلا تمن

لعبت براسه الخمره

شايل قلبه على كفه

من غير بترينه

ريح نفسه

شكل طير من دمه

خطفه

حود على أقرب شجره

تبعوه

عادو على بال ما افتكره

كان قلبه اصبح فرجه

بص عليه ما لاقاه

كان عمره ساعتها في زمنه

تعبه

قامت خطاويه

ريح

على أقرب تنهيده

بتستناه!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 54
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى Empty
مُساهمةموضوع: رد: محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى   محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى I_icon_minitimeالسبت 27 ديسمبر 2008, 11:06 pm

مقالة أكثر من رائعة عن شاعرنا الراحل محمد الحسيني
شكرا للأديب والقاص الرائع عصام الزهيري على النقل
يستحق الحسيني رحمه الله الكثير والكثير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
 
محمد الحسيني ... اليقظة والتمرد إلى أبعد مدى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة-
انتقل الى: