فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من قصص الانتفاضة : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

من قصص الانتفاضة : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا Empty
مُساهمةموضوع: من قصص الانتفاضة : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا   من قصص الانتفاضة : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا I_icon_minitimeالإثنين 29 ديسمبر 2008, 10:37 pm

حسين أبو نصر : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا !

قال " حسين " وهو يستقبل أمه معانقًا ومقبّلاً لها :
- هل دعوتِ لي يا أمي كما طلبتُ منكِ ؟
اتخذت الأم مجلسها ، بينما أحاط بها أبناؤها الستة ، وبناتها الأربع . هتف " حسين " مكررًا مقولته وهو ينظر في عينيها بقوة :
- أماه ، هل دعوتِ لي وأنتِ تقفين على جبل عرفات ؟
صمتت الأم ، صمت إخوانه وأخواته ، حتى الأحفاد الصغار .جالت الأم ببصرها بين أبنائها ، ثم استقرت مقلتاها على وجه " حسين " ، همست له :
- كنتُ قد نسيت كل شيء عندما حطتْ قدماي أرض مكة المباركة . لم أكن أتخيل أن الله سبحانه قد رزقني الحج . لم أتصور أنني أسير على نفس الأرض التي سار عليها رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . لقد نسيت كل الدنيا وأنا في الحج .
بدا القلق على ملامح " حسين " ، غير أنه لاذ بالصمت ، بينما أردفت الأم :
- وأنا على جبل عرفات ، أتطلع إلى السماء … ، أسبح في نور الإيمان ، تذكرتك يا حسين .. ، وتذكرت كل أحبابي . دعوتُ لكم جميعًا .
حسين : بمثل ما طلبتُ منك يا أمي ؟
الأم : نعم ، دعوتُ وقلتُ : " اللهم ارزق ابني حسين الشهادة " .
استطردت الأم وهي تسرح بعينيها :
- تذكرتُ أخاك عبد الله ، الذي فاز بها في انتفاضة 1987 .
* * * *
قالتْ " ليلى " لشقيقها " حسين " :
- ألن تشاهد بدلة زفافك ؟
كان مطرقًا ، رفع وجهه ، ونظر إليها بعينين غائمتين مستفهمًا . أعادت الأخت كلماتها بإسهاب :
- أخوك اشترى لك بدلة عرسك .
أسرعت ، وفضت أوراقًا وكيسًا بلاستيكيًا كبيرًا ، وراحت تخرج البدلة له .
- انظر يا حسين . إنها فخمة وجميلة .
دلفت الأم الغرفة ، وهي تبتسم ، وهتفت :
- اتفقنا على أن يكون عرسك على ابنة عمك في شهر يوليو القادم ، وقد اشتريتُ لحافًا جميلاً لعرسك .
قال حسين ضاحكًا :
- لقد كلّف أخي نفسه ، إن نفقاتي عرسي جاهزة بإذن الله ، ليست لزوجة واحدة ، وإنما لزوجات …
* * *
- متى الأمر ؟ إنني في شوق إلى … ، إنني أتقلب ليلاً ولا أستطيع النوم .
قال له إخوانه وهم يتحلقون حوله :
- حسين ، ما دمت قد اشتقت ، فأعد نفسك .
بحرارة هتف : إنني جاهز منذ فترة طويلة .
قال أحدهم : هل تعرف مفترق طرق الشهداء .
حسين : نعم .. ، وهل أنسى مكان استشهاد أنور الشبراوي وعبد الله المدهون ، لقد استشهدا عند هذا المفترق ، جنوب غزة ، وأنا أحفظ التاريخ جيدًا ، أول إبريل 1997 .
- هل تودّ الثأر لهما ؟
- نعم ، فلم تخمد نارهما في قلبي .
- إذن ، فاحفظ ما سنقوله لك .
* * *
قالتْ " ليلى " وهي تنظر لشقيقها :
- حسين دائمًا شارد ! فيم تفكر ؟
ابتسم " حسين " بغموض ، وقال :
- أفكر في رؤيا رأيتها في منامي منذ فترة .
- وما هي هذه الرؤيا ؟
- كنتُ أقف مع صديقيّ " الشبراوي والمدهون " في رفقة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في روضات الجنة .
بكتْ " ليلى " بشدة وهي تتنشج بصوت عال ، اقترب منها " حسين " مهدئًا ، قالتْ مشيرةً لصدرها :
- صدري ضيق ، وكأنني أتنفس من خرم إبرة .
- هيا اذهبي لزوجكِ حتى لا يقلق عليكِ .
- سآتي غدًا الجمعة حتى أصنع لك الفطائر التي تحبها .
- إن شاء الله يا حبيبتي .
استمعتْ الأم لحديثهما وهي جالسة في ركنٍ بالبيت ، قالتْ :
- حسين ، هل … ؟
- أماه .. ، أماه … ، إنني متعجل لعرسي ، أتمنى أن يكون غدًا ، لابد أن توزّعي الحلوى بيديك على أحبابنا .
قبلهما ، ثم تحرّك خارجًا ، كان الليل يقترب من منتصفه .
* * *
مع تنفس الصبح ، سار " حسين " مستنشقًا النسمات الرطبة . كان وحيدًا عند مفترق طرق الشهداء . هنا كان الشبراوي والمدهون ، هل سأنال ما نالاه ؟ تحسس اللفائف المحيطة ببطنه . استمع صوت سيارة ، اختبأ خلف أحد الكثبان الرملية ، ارتفع الصوت، تحرك ، كانت شاحنة لليهود في طريقها إلى معسكر الشرطة الحربية اليهودية، اقترب من الشاحنة وهي تسير بتؤدة ، على الطريق الأسفلتي الضيق ، تسلق صندوقها الخلفي ، تطلع من فوقها ، شاهد مباني المعسكر ، الشاحنة تتباطأ عند البوابة …
دوّى انفجار هائل .
* * *
أعلن راديو الصهاينة عصر الجمعة 25 / 5 / 2001 م : " قام أحد الإرهابيين بتفجير نفسه عند مفترق الطرق بجنوب غزة ، ولم تسفر العملية إلا عن قتل منفذها " .

بينما أكدت حركة المقاومة الإسلامية " حماس " في بيان وزّع على وكالات الأنباء :
" … وقد نجحت العملية بفضل الله ، ونال منفذها حسين حسن محمد أبو نصر الشهادة ، وقد نتج عن العملية تفجير الشاحنة ، والموقع العسكري الصهيوني جنوب غزة ، وكتائب الشهيد عز الدين القسام تنعى بكل آيات الجهاد شهيدها " أبا نصر ".
* * *
في الموكب الجنائزي المهيب ، تحركت جموع الناس مودعة شهيدها في شارع كبير وسط مدينة غزة ، سارت الأم تمسح دمعاتها المترقرقة ، وهي تقول :
- كنت أتمنى أن تكتحل عيناي برؤيته قبل أن يستقر في مثواه الأخير ، مثل كافة أمهات الشهداء ، كانت تلك أمنيتي الوحيدة بعدما سمعتُ نبأ … ، ولكن يكفيني فخرًا أن جسد ابني المتفحم ، حطّم موقعًا لليهود ، كان سببًا في استشهاد عشرات الفلسطينيين من قبل .
وقالت " ليلى " شقيقته وكأنها تناجيه :
- لقد ذهبت إلى بيتنا صباح الجمعة ، لأساعد أمي في عمل الفطائر التي تحبها … ، توقعت أن تعود عقب صلاة الجمعة .
الأم : سأوزّع الحلوى يوم عرسك يا بني .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من قصص الانتفاضة : سأتزوج دون أن أكلفكم شيئًا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: