فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها .

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها . Empty
مُساهمةموضوع: دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها .   دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها . I_icon_minitimeالأحد 04 يناير 2009, 12:45 pm


نشرت مجلة البيان الكويتية دراسة جديدة للدكتور مصطفى عطية جمعة ، في عدد ديسمبر 2008 ، وقد جاءت الدراسة بعنوان :
قراءة في مسرحية " ملحمة السراب " للأديب سعد الله ونوس :
( سحر العولمة وسرابها : قراءة في البنية والتشكيل )
وقد تم نشر الدراسة هنا ، بنفس العنوان .

وإليكم نص الدراسة :
قراءة في مسرحية " ملحمة السراب " لسعد الله ونوس :
د. مصطفى عطية جمعة
سحر العولمة وسرابها :قراءة في البنية والتشكيل
تندرج مسرحية " ملحمة السراب " تحت ما يسمى " الرؤية الاستشرافية للمستقبل" ، فهي تمثل شهادة للتاريخ ، إنها ببساطة ، تقدّم قراءة للعولمة في بعدها التطبيقي المجتمعي . وبالنظر إلى تاريخ نشر هذه المسرحية ( 1996م عن دار الآداب في بيروت ) ، نلاحظ أن ونوس كان متوقعا للتغييرات الاجتماعية التي يمكن أن تصيب المجتمع العربي عامة ، والسوري خاصة ، إذا جاء المتعولمون الليبراليون. وبالتالي ، فإن قراءة هذه المسرحية تتم في سياق عربي أشمل . خاصة أن معطيات المسرحية الجمالية والدلالية ، كانت ضمن إطار قرية ، غير محددة الوجود الجغرافي ، وإنما هي قرية مثل آلاف القرى في عالمنا العربي ، فيها البائسون الفقراء وهم كثرة ، والغني المترف وهم قلة ، وبين هذا وذاك ، يتعايش المجتمع الإنساني بخيره وشره ، فرحه وسعادته .
فكرة المسرحية بسيطة ، وربما تكون نمطية ، " عبود " رجل غني مهاجر عن وطنه ، تعب كثيرا من أجل تكوين ثروة ضخمة في الغرب ، ولا يعرف قريته إلا بزيارات سنوية ، يتزوج فيها إحدى صبايا القرية ، يستمتع بها شهورا ، ثم يطلقها ويغادر ، بعدما جدد نفسيته ، واستمتع بصحبة أهل قرية من المتزلفين ، فيما يحتقره أهل القرية في أعماقهم ، ويصل لعلمه هذا . إلا أن " عبود" سأم من حياته تلك ، وطمح إلى التغيير ، فاقترح خادمه " الشيطاني " تغييرا من طراز آخر ، أن يعود للقرية ، بمال وفير ، فينشئ منتجعات سياحية ومحلات سوبر ماركت ، ويشتري الأرض بعشرة أضعاف ثمنها . ويحدث تأثيرا كبيرا في القرية . تستهل المسرحية بحوار خاص بين الثري عبود المسن ، وخادمه ، حيث يعاني " عبود " من السأم ، فيقترح عليه خادمه أن يذهب إلى قريته ، ويقضي عطلته فيها ، ويتزوج هناك بصبية صغيرة ، يقضي معها أجازته ، ثم يطلقها ، ويعطيها بعض المال . ولكن الثري يرى شيئا آخر ، أن يعود فيستثمر أمواله ، وينشر الخير في قريته ، بمنظور رجل الأعمال . مشاهد المسرحية قصيرة ، حيث يكون تتنقل المشاهد فنرى في الفصول الثلاثة للمسرحية : القرية قبل الثروة ، والقرية أثناء الثروة ، والقرية بعد الثروة ، واكتشاف الأكذوبة الكبرى ، حيث تصبح القرية أشبه بسوبر ماركت كبير ، فيها تجارة واسعة ، ومشروعات سياحية كبيرة وتأخذ مساحة كبيرة على الخريطة الإعلامية الرسمية ، وفي خلال ذلك تتغير النفوس ، وتتبدل القلوب ، ويسود منطق المادة . وتنتهي المسرحية بكارثة ، حيث يهرب الغني عبود إلى الخارج ، بعدما باع مشروعاته بثمن كبير لعدد من المسؤولين الحكوميين ، ويأخذ معه الصبية الجميلة " رباب " ، التي فاز بها من أبيها المغني الحالم ، ولكن حلمه تحطم وتهاوى الرجل وراء بريق المال .
نستطيع أن نقرأ هذه المسرحية وفق تاريخ صدورها ( 1996 ) ، حيث تقدم قراءة المؤلف الضمني للعولمة التي سادت العالم ، وما استتبعها من تمدد الفكر الليبرالي في العالم ضمن ما يسمى بنظرية نهاية التاريخ ، التي حسمت لصالح الرأسمالية ، وقد تم الترويج لهذه النظرية وأبرز منظروها : صموئيل هننتجتون ، وفوكوياما ، وكلاهما أمريكيان . المسرحية تنطلق من زاوية استشراف المستقبل ، فالمؤلف الضمني يرى أن ما تطرحه العولمة ، إنما هو تمدد اقتصادي فحسب ، أما ما يقال عن سيادة حقوق الإنسان ، وقيم الديمقراطية ، فهي مجرد شعارات لزوم الترويج ، وبعبارة أخرى : فإن العولمة ما هي إلا احتلال للشعوب في إطار جديد ، عبر الشراكات الدولية ، واستغلال فتح الحدود وسهولة انتقال رؤوس الأموال من أجل نهب الثروات الوطنية . من المعلوم أن نظرية نهاية التاريخ عُدّت نتيجةً لسقوط المنظومة الاشتراكية ، بانهيار الاتحاد السوفيتي العام 1990م، وقد ظل العالم خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين يردد هذه النظرية ، وتضاعف الاهتمام بها ، عقب أحداث 11 سبتمبر ، ولكن صدق عليها ما يصدق على أي منتج بشري من قصور ونقص ، وسرعان ما ظهر زيفها ، بما تم من حروب في العراق وأفغانستان والصومال ، ومن قبل البوسنة والهرسك ، وظهرت أنها كانت قناعا مثل أقنعة أخرى ، ارتداها الغرب ، في إطار سياساته الرامية لاستغلال الشعوب ، هذا على المستوى السياسي والعسكري ، فنحن بالطبع لا نتعامل مع الغرب بوصفه كلا واحدا ، وإنما العولمة أحد وجوهه الشرسة .
يأتي الإسهاب السابق ، ضمن التأويل الدلالي للمسرحية ، فلا يمكن الفصل بينها وبين المعطيات الدولية . ولكن المؤلف تعامل مع العولمة بصياغة مميزة ، أكسبت المضمون التقليدي ثوبا جديدا ، فلم يعد الأمر مجرد فتنة المال ، على الأفراد والمجتمع ، على نحو ما وجدنا في أدب حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين في مصر فيما يسمى " حقبة الانفتاح الاقتصادي " بأثريائه وقيمه ، حيث رصدَ جوانب من التغييرات الاجتماعية التي قلبت الموازين في بنية الشعب المصري الاجتماعية والثقافية ، وكانت الرؤية المهيمنة وقتئذ – في محاورها العامة – رصد السفه المالي ، وتغير النفوس ، وتخريب الاقتصاد الوطني . وهي نفس المظاهر التي نرصدها في " ملحمة السراب " ، إلا أن الفرق بينها وبين أدب الانفتاح الاقتصادي ، أن الأول كان انفتاحا استهلاكيا تجاريا ، من الداخل ، أما العولمة فتعني قدوم رأس المال الأجنبي إلى بلادنا للاستثمار ، ولكن تميز ملحمة السراب ، جاء من أن المال الأجنبي لم يأت في هيئة مستثمرين أجانب ، بل أحد أبناء الوطن المهاجرين الذين كونوا ثروات بطريقة غير مشروعة ، بعدما ضحوا بمبادئهم ، وحطموا قلوبهم .
العولمة بأذرع وطنية :
حيث قدم " عبود " بماله المتكون في الغرب ، مضحيا بمبادئ كثيرة ، في هذا يحاور خادمه : " ألا تعرف ماذا يوجد مكان القلب في صدري ؟ ... هنا يوجد صخر لا قلب " ( ص7 ، 8 ) . وسبب العودة لا يأتي من انتمائه الوطني ، بقدر ما هو استفادة من الفرص الاستثمارية في الوطن ، واستغلال قوانين التيسير التي قدمتها دول العالم النامي من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية ، يقول عبود : " لست عاطفيا إلى هذا الحد ، ولكن أعتقد أن في البلد تسهيلات يصعب أن نجدها في بلد لا نعرفه " ( ص7 ) . ذلك أنه يواجه ركودا في حركة أمواله ونموها ، يقول : " بدأ الركود يقرض أموالنا ، مثل فئران جائعة ، لم أعد أجد تسلية لا في المكتب ، ولا في البورصة " ( ص6 ) . والتسلية في النمو السريع للمال ، على طريقة الأموال الساخنة Hot Money التي لا تقيم قواعد اقتصادية وطنية ، بقدر ما تسعى للكسب السريع ، عبر التجارة والخدمات والسياحة . وهذا ما حدث عندما عاد عبود إلى قريته ، حيث أقام مشروعات سياحية ، وتجارية ، أغرقت القرية بالبضائع ، وجذبت ما في أيدي الناس من أموال ، ثم هرب عبود للخارج ، يقول الخادم الوفي ( وهو بمثابة المستشار والسكرتير لعبود ) : " نعم ، غدا ( السفر أو الهروب بالمال ) ، وكل شيء جاهز ، بيع المجمّع للمسؤول الكبير ، ووزّعت الأراضي مقاسم لبناء فيلات وشاليهات للاستجمام ، وحوّلت الأموال إلى الخارج ، ولم يبق إلا أن نودع شركاءنا ، ونصعد الطائرة " ( ص152 ) .
فالعولمة مالية ، والمال لا يعرف الانتماء لأرض أو لدين ، يقول الخادم مذكرا سيده الذي تعاطف بعض الشيء مع قومه : " ما الذي يجعلك تتذكر الآن أنهم أهلك وقومك !؟ أما حذرتك من الانزلاق إلى التعاطف ؟ إن مالك هو وطنك ، وإن الأعمال هي أهلك ، ولا مجال في عالمنا الزجاجي لخفقان القلب ، وتهدج العواطف " ( ص151 ) .
ومن هنا اتضحت الصورة ؛ فإن العولمة احتلال جديد ، اقتصادي الطابع ، عميق الهيمنة ، لأنه يسيطر على الثروة الوطنية ، ويستعبد الناس اقتصاديا ، ويجعلهم استهلاكيي الطابع ، يدورون في فراغ حلقة من المتطلبات الحياتية التي لا تنتهي ، بل تزداد يوما بعد يوم .
ووسيلة هذا الاحتلال أبناء الوطن : رجال الأعمال الذين سافروا إلى الغرب ، وتطبعوا بطابعه المادي وعادوا لا يريدون من وطنهم إلا المنفعة ، وعبر أهل السياسة في الوطن نفسه الذين يسهلون الأمور الروتينية ، ويصدرون القوانين المفصلة حسب مقاس المستثمر ، ومن ثم يشاركونه عوائد استثماراته ، ويتآمرون على خروجه .
شخصيات المسرحية :
تكاد لا توجد شخصية محورية في المسرحية أو ما يسمى البطل المحوري ، بقدر ما نجد شخصيات رئيسة وأخرى ثانوية ، ولا يوجد فرق بين أدوارهم إلا في نسبة الاستحواذ المشهدي على وجودهم ، ولكنهم في المجمل يعكسون حركة واحدة في الفضاء والزمن . وهذه نتيجة طبيعية للرؤية في النص ، فالبطل ليس شخصا ، وإنما المال ، والشخصيات البشرية يعكسون تعاملهم مع المال : قبل الثراء وبعده ، ومن ثم نحن أمام محور هلامي نرى آثاره ولا نكاد نلمسه ، نكتوي بناره ولا نستطيع دفعه . شخصيات القرية متنوعة : المغني الذي لا يهتم إلا الغناء العذب ، إلا أنه سرعان ما يسقط مع إغراء عبود له بالشهرة وطباعة الشرائط ، والغناء في حفلات المسؤولين ، وكذلك زوجته الشبقة للمال " فضة " التي تضاجع – بالمال – أحد رجال القرية إلا أنها تهجر العشيق ، وتنتابها حالة من القرف المادي ، فتلتزم الدين والحجاب ، والعزلة ، وهنا نرى كيف أن اللجوء للدين كان مهربا من الطغيان المادي ، ومع امرأة كانت ترى المال حياتها ، وتحرض ابنتها على الزواج من ثري .
أما الابنة " رباب " مطمح " عبود " الثري ، فلها علاقة رومانسية مع شاب مثقف ، يساري الفكر " بسام " . وهو يمثل موقف المؤلف الضمني من العولمة ، أو بالأدق الرؤية الفكرية المضادة للعولمة ، حيث تقول له " رباب " :" أحببت كلامك عن المساواة بين الرجل والمرأة ، والعمل المشترك ضد الأفكار البالية ، والتقاليد المتخلفة ، أعجبني تقشفك وحديثك عن عش زوجيّ ، مفروش بالبسط اليدوية والطراريح .وموقدة الحطب " ( ص49 ، 50 ) .
هنا كل ملامح الفكر اليساري : ضد البذخ المالي ، ضد التقاليد الاجتماعية الجامدة ، يسعى لفكر تقدمي .
كما نجد شخصية التاجر وزوجته يعيشان حبا مشتركا ، في محل تجارة بسيط وحينما يخضع التاجر لرغبات " عبود " ، ينتهي الحب بينه وبين زوجته ، بسبب الإغراق في المال . أحد نواتج المال على العاطفة ، وهذا ما حدث أيضا بين رباب وبسام ، فقد غيرت الصبية رأيها ، وسعت للزواج من عبود طمعا ، وإنقاذا لأبيها من ديون حاصرته ، بعدما تورط في إصدار شرائط كاسيت .
وأيضا شخصية عمدة القرية ، الذي يعادل رئيس الحكومة ، وسعيه الدائم لإرضاء عبود ، فيبيع أرضه له ، ويكون سندا للثري في أعماله ، وتطويع رجال القرية ، كما نجد شيخ المسجد ، وكيف ينجرف مع الموجة ، ويبرر للناس ما يحدث من تجاوزات بحجة أن ولي الأمر أدرى بمصالح شعبه .
ومن بين الشخصيات تبرز شخصية " مريم " الزرقاء ، التي تمثل رمزا تراثيا يعيدنا إلى شخصية زرقاء اليمامة ، وقد جاء اسمها موحيا بهذا ، وأشار السارد في الهامش إلى طبيعة شخصيتها ، وأنها تبصر المستقبل ، وهي تمثل الوجه الآخر للرؤية الضمنية ، مع بسام الذي ظل ثابتا ولم يتحول ، أما الزرقاء ، فقد تنبأت بأن " عبود " وخادمه سيهربان ومعهما الصبية الجميلة " رباب " ، وهذا ما لم يصدقه أهل القرية . وبذلك تكتمل الرؤية المنبعثة من أعماق التراث .
تعيش مريم الزرقاء ( الضريرة ) في بيتها الريفي البسيط ، ولها ابنان : أمين ، ومروان التبان ، وقد جاء مروان من العاصمة ، ملحيا على أخيه ببيع الأرض التي ورثاها ، لعبود حتى يستعين بثمنها على نفقات معيشته في العاصمة ، بينما يأبى أمين ، ويرى أن الأرض عرض لهما ، ويشتبك الأخوان في جدال ، ينتهي بقتل مروان لأمين ، بمسدسه دون قصد ، فيما تبصر الزرقاء ساعتها .
إنه شخصيات تعبر عن المجتمع بجميع فئاته وطبقاته ومهنه ، وترصد المشاهد أبعاد التغيرات التي أصابت هؤلاء .
بنية الفصول والمشاهد :
توزعت المسرحية على أربعة فصول ، يمثل كل فصل مرحلة زمنية في حياة القرية ؛ الأول يكون تمهيدا للشخصيات والأحداث قبل الثروة ، والثاني : تداعيات وجود عبود في القرية والجدل الذي دار حول هذه الثروة الضخمة التي أصابت القرية ، وأربكت العقول وأضلت القلوب ، والثالث والرباع : القرية تراجع نفسها بعدما اكتوت بنيران المادة : نزاعات بين الناس ، ولهث وراء الثروة ، ووصولهم إلى نقطة اللاعودة للفقر ، وعدم امتلاك الغنى بالمعنى الحقيقي ، فيعيشون في سراب ، بينما يهرب عبود إلى الخارج ، ويتركهم غرقى في الديون .
ونصاب بالدهشة من تعمد السارد عنونة فصوله ؛ ويشير في الهامش للفصل الأول منبها على ذلك بقول :" إن عناوين الفصول هي جزء من نسيج العمل ، ولذا فإني أفترض إبرزاها في العرض ، سواء عبر أداء الممثل ، أو عبر لافتة مكتوبة تقدّم الفصل ، أو تكون جزءا من ديكور مشاهده المتوالية " ( ص5 ) ، فالسارد واع بأهمية الإشارة للعنونة الفصلية ، عند العرض . فهي جزء أساس ومكمل لدلالة المسرحية ، فالفصل الأول : " عودة عبود الغاوي الثالثة من المهجر " (ص5 ) ، والفصل الثاني : " بيع الأراضي يثير في القرية هيجانات وصدامات ... قابيل يقتل أخاه هابيل " ( ص35 ) ، والفصل الثالث : " القرية هشة .. ، وعاصفة " الجديد " متوحشة تحوّلات وتحولات .. ،( ص72 ) ، والفصل الرابع: " مالا عين رأت ولا أذن سمعت " ( ص105 ) .
وعند التأمل في هذه العناوين نلاحظ أنها : ليست عنونة بالمعنى المفهوم ، فليست موجزة الأسلوب ، بل عبارة عن جملة أو عدة جمل . كما أنها جمل : سردية الطابع ، بمعنى أنها تساهم في اكتمال مضمون النص ، ففي عنوان الفصل الأول نرى ما يسمى " الاستشراف " وهو : تقديم حديث مستقبلي للمتلقي ، يكمل الرؤية زمنيا وعلى مستوى الشخصيات ، فيلج المتلقي النص ولديه توقع مسبق بما حدث من قبل ( فعل عودة الغني للقرية مرتين سابقتين ) ، وأن ما هو قادم ( المرة الثالثة ) ، فيتيهأ وجدانيا ومعرفيا لها . ونفس الأمر ينصرف إلى سائر الفصول .
كما أن الديكور الموصوف في العمل يتجاوز الوصف الحسي الذي يمكن تجسيده إلى الواقعية السحرية ( إن جاز التعبير ) ، وهذا يتطلب مصمم سينوجرافيا مرهف الحس ، لينفذ هذا التصور الديكوري . ففي فاتحة الديكورات في المشهد الأول من الفصل الأول :
" ضوء باهر البياض ، يمتص حدود الموجودات وظلالها . كما يحول الوجوه إلى بقع ، تتماوج بين السواد والبريق . من الصعب تمييز الملامح وكذلك تفاصيل المكان . ولعل الشيء الوحيد الذي يستوقف الانتباه هو مزهرية سوداء فيها وردة ضخمة صفراء اللون . ولكن الذبول يجعل الصفرة تنحلّ إلى ألوان بنية ، تتدرج حتى الاهتراء ، تتساقط أوراق الزهرة بإيقاع غريب ، وصوت يشبه رنين جرس زجاجي صغير . عبود الغاوي ، والخادم " ( ص6 )
فهذا ليس وصفا لديكور مجسد ، إنما وصف لحالة : مكانية ، زمانية ، نفسية ، لونية ، صوتية ، متداخلة إلى درجة الامتزاج . وهذا يشي إلى أن هذ النص يجمع الأدبية والتمثيلية ، في رهافة واستشفاف . ولكن هذا غير معمم في ديكورات المسرحية ، وإنما الوصف الديكوري ينقسم إلى قسمين : قسم يعبر عن حالة المكانية السحرية ( وهي تلازم عبود وخادمه تقريبا ) ، وقسمك يعبر عن الواقع الحي المجسم ، وهي تلازم أهل القرية جميعهم . وهذا ، إن دل يدل على أننا أمام حالة من الرؤية المستقبلية التي تقع ما بين الخيال والواقع ، الظل والضوء ، السحر والحقيقة ، بين حالة التآمر الدولي / العولمي / الخفائي / المقنع ،ويعبر عنها : عبود وخادمه ، وبين حالة البساطة / العفوية / الفقر / الغنى / الحقيقة ، في القرية وأهلها .
كما أن المشاهد المسرحية ، عديدة ، متنوعة المكان ، مختلفة المكان ، وهذا يستوجب متطلبات خاصة في التجهيز المسرحي ، فإننا نجد في الفصل الواحد مشاهد وديكورات متعددة بتعدد المشاهد ، كل مشهد له ديكوره الخاص . وعلى سبيل المثال : الفصل الثاني ، يشمل سبعة مشاهد ، بسبعة ديكورات مختلفة ، معبرة عن مواضع مختلفة ، تصور جميعها : حالات أبناء القرية لحظة تلقيهم نبأ الثروة المتدفقة لشراء الأراضي والعقارات ، فنرى : التاجر يوسف وزوجته في محل البقالة البسيط ( المشهد الأول ) ، وفي المشهد الثاني : فضة زوجة المطرب " ياسين " عشيقها في مزرعة بين الأشجار ، وفي المشهد الثالث : بيت ياسين وزوجته وابنته رباب ، وفي المشهد الرابع : مصطبة أمام بيت المختار ( العمدة ) يغطيها حصير وبضعة مساند ، وفي المشهد الخامس : بيت محمد القاسم أديب الناطور ، وفي المشهد السادس : عبود الغاوي وخادمه في حالتهما السحرية المكانية ، وفي المشهد السابع : بيت أمين التبان وأمه مريم الزرقاء .
هذا التنوع المشهد يعبر عن : تنوع الشخصيات ، أمكنة القرية ، الأزمنة ، الطبقات الاجتماعية والفكرية ، فكأننا أمام كاميرا مسرحية متنقلة .
أسلوبية الحوار :
إننا نجد نصا أدبيا عالي المستوى ؛ كُتِب بأسلوب شاعري ، وكتب بوصفه نصا أدبيا أولا ، ومسرحيا ثانيا ، وهذا ما وضح في أمور عدة .
فالحوار ليس حوارا معبرا عن الشخصيات ، مساعدا في بناء الأحداث وتصاعدها ، مكملا لرؤيتنا عن الشخصية ، وإنما حوار مرهف الكلمات ، يقف في المنطقة الوسطى بين الواقعية التي تنقل الأحداث ، والوقائع ، وتدني المتلقي من الحياة المعاشة للشخصيات ، في تميز أسلوبي بديع . وبعبارة أدق : فإن أسلوبية الحوار فصيحة التراكيب ، بليغتها ، تنتقي اللفظ داني القطوف لفهم وتسمو به إلى أجواء المسرح ، حتى لو كان مطعما بمفردات عامية . ففي حوار بين التاجر " يوسف العلوني " ،وزوجته " فاطمة " و" خلف " صديقه :
خلف : ها.. ها .. أتذكرين يا فاطمة آخر مرسح عرفته هذه الضيعة ؟ كان ذلك يوم أصر ابن البدويّ أن يقيم عرسه حسب العادات القديمة ، في تلك الليلة .. ، أوقدنا النار في الميدان ، وعلى دقات الطبل والمزمار ، انعقدت حلقة الدبكة ، تصوري .. أذكر ها ، وكأنه حدث البارحة . كنت مهرة لم يكد ينهد صدرها .
يوسف مقاطعا ) ما هذا ! قلت لك دعنا من الرغي ، وادخل في المفيد .
خلف : بالله عليك يا فاطمة .. ، هل يسمّي كلامي وتلك الذكريات رغيا إلا عديم الإحساس ؟ طبعا أنت لا تذكر شيئا عن تلك الليلة ، لأنك كنت مشغولا بالبيع وعدّ المصاري . أما فاطمة فكانت تقود الرقص كأنها خيال ، ووجهها يقمره لفح النار ، وجسدها يتثنى كالعجين مع إيقاع الطبل والمزمار . ( ص129 )
إننا أمام لوحة حوارية ، تصف مشهد العرس ، مسترجعة إياه ، تطعم الحوار بالصورة الحسية التمثيلية ، حركية الطابع : " كنت مهرة لم يكد ينهد صدرها " ، "فكانت تقود الرقص كأنها خيال " ، " ووجهها يقمره لفح النار " ، " جسدها يتثنى كالعجين " .
لم تبسط الصورة مفهوما في الحوار ، أو معنى غامض ، بل يتعمد السارد أن يسمو بالحوار سموا بلاغيا ، ففاطمة ترقص ، مفهوم هذا ، كأنها " خيال " صورة بها من المبالغة الحركية ما يضفي المزيد من التصور البصري والخيالي على طبيعة رقص فاطمة ، أي أن الصورة تعطي مبالغة معنوية ، أكثر من كونها تجسد المعنى وتبسّطه . ونفس الأمر في : " يقمّره لفح النار " دلالة حمرة الوجه وتوهجه بفعل الرقص .
كما تطعم الأسلوب بألفاظ عامية أو فصيحة تلامس العامية المستخدمة ، مما ساعد على تفصيحها ضمن الحوار مثل : " المصاري ، الدبكة ، رغيا " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها . Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها .   دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها . I_icon_minitimeالثلاثاء 06 يناير 2009, 5:05 pm


دكتور مصطفى

دائما متألق أيها الناقد الرائع

أتمنى لك النجاح والتوفيق

مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية : سحر العولمة وسرابها .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: دراسات وآراء في النقد الأدبي-
انتقل الى: