د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: قصيدة " يوميات رصاصة " لشاعر فلسطين المتوهج : عبد ربه اسليم مع دراسة نقدية عنها الخميس 08 يناير 2009, 1:06 pm | |
| اسمحوا لي أن أقدّم لكم صوتا شعريا غاية في الروعة ، إنه شاعر فلسطين ، القادم من قطاع غزة، الشاعر : عبد ربه اسليم ، وهو شاعر يمتلك بنية شعرية عالية الجمال ، برؤى نابعة من أعماق الثقافة العربية الإسلامية ، وقدرة على نفخ روح جديدة في كل تناول ، وقد قدم - من قبل - مجموعة من القصائد عن زعماء المقاومة الفلسطينية مثل : أحمد ياسين ، والرنتيسي ، وفتحي الشقاقي وغيرهم ، وفي كل نص يتجاوز الأنماط التقليدية ، ويحاول أن يؤسس لرؤى جديدة ، وجماليات نصية فريدة . وهي جماليات تعكس امتزاجا بين الشاعر والوطن ، والإسلام ، والمقاومة ، والأرض ، والجنة .
النص : يوميات رصاصة عبد ربه محمد سالم اسليم قطاع غزة – فلسطين Isleem61@hotmail.com ( 1 ) غيمة تختبئ خلفي ، وتختلس النظر إلي ... تفتح دمي همسة ، وتتجمل أجمل كذبة عشق ، وجنون وتمحو الضباب من فوق رأسي ، وتحت قدمي الحريريتين تلبس قناع الشمس خيوط غسق وتحجب القمر بحبر القلب مثل فراشة تشاكس الصمت وتنتمي إلى حقيبتي الحمراء ... ما يشبه الومضة تندلق الخاصرة ، والفراغ تعويذة سريالية فأصرخ مثل موسيقى لا مرئية وأنتظر كشجرة زيتون صافية ... أفعى يقلب قهقهة الصمت ، ويلبس أجنحة المخاض جغرافيا زمن فأنطفئ مثل لغة تساكن " لسان العرب " ورصاصة تثقب درع القصيدة وتحتفل بميلادي الشمسي ! ... ( 2 ) جسدي يمتد بين الرصاصة والصمت – الرصاصة فأركض كنسر أعرج نحو الجنوب ودمي يثقب الباب مثل سهم وردي منتصب أزحف نحو الفجر ، والفجر جسد تفاحة وصلاة الصبح على بعد قبلة ... نصفي العلوي ربع بحر ونصفي السفلي شجرة بلوط بحجم يدي اليسرى وتزورني عند صلاة العصر دمعة وأنا أساكن موجة في القلب !!! ... ( 3 ) أموت ... يعرفني الصمت في زحمة الورد ، والقمر والشجر ينهمر في عروقي والرماد هدير ... ( 4 ) بلون أحلامي أبتسم للمساء فيتدلى مثل عنقود إيقاع أحلم برصاصة تفك لغز الغرقد والأرض ذبابة رخوة / أنيقة تعلق ظلي مثل رصاصة بيضاء في سقف المعنى مسدس يطل من آخر الرصيف المائي ، والعطش أحشاء بومة وربما جفن هيولي ممزق مثل غصن أخضر وليلة تسيل من دخان سيجارتي كأنها مومياء ! ... ( 5 ) والصمت مزعج يتماوج زرقة بحر مثل جرح نحيل وسافانا ... أمس ، رأيت نعيق الصمت أتخير كتابا مفتوحا أرقد منطفئ التسامح آكل الذباب أستجدي ظلي النخيل وعصفور بلا عش على الشجر فأتعرى من نشوة الخمر / الرصاص وأرهق البكاء بأحشاء غراب ظمآن للشمس يولد من كفي ضباب حين ألمس السماء والسراب جبين فضي يتدلى غزلان ليل ويتربع في ركن القصيدة الأيمن ويولد لحظة حزن نخلة عمياء تستجدي سنبلات القمح والقمح عريان من زيت الكلام لأن الليل درويش والقمر مريض !!! أظافري تتماوج طلقا ناريا فأسمع عواء الضوء !!! ... ( 6 ) الضوء مغامرة غيمة والشجر ينتصب في آخر الطريق والصمت صراخ فأعلم أنني بحر يختبئ خلف السحاب ويتقهقر أمام شجر أصلع يذكرني بهمسي الأخضر ... ( 7 ) صرت على شكل رغيف دائري وأمي ملعقة من نرجس فأحتال على الليل والسماء تعيش في حروفي خيولا ومئذنة تعذب نصي المفتوح مثل جرح يدفعني لخارطة الفرح ! ... والفرح أشواك حداثة قصيدة وملعقة من ذهب !!! ... ( 8 ) أحتال زنزانة ، وقبضة من طحين معجون بأشعة القمر فأصير دمعة ، وبسمة مسدس كاتم للصوت فافتل جروحي مسبحة ووردة فيذوب في عروقي المطر والبحر ضجيج ذبابة زرقاء ... أتماوج أقدام ذئب يوسف أخلع ظلي مثل خط الاستواء أعجن وجهي فراشة ودمي مرايا مفتوحة وأنا أتسكع في أبعادي مكر نص وأبتسم ... ( 9 ) أساكن قهقهة حزني وذاكرتي هي الفهد بعينه !!! بأي رصاصة أصيب الأوكسجين ؟ رأتني مرة أعبر الليل ، والزيت حجر عشب أول السراب زيتون آخر الليل في الفجر أسمع وشوشة شهوة العشب والريح تحفر كتابها بمزمار الشمس ! ... ( 10 ) محرابي لهيب ... أتسور كأس حليب ودخان يتلوى نسيبا وا أسفاه .. وا أسفاه ... أقف على حافة القصيدة وشجر حنظله يزاملني ذات خريف ، يلفظني ... رصاصة ... رصاصة ... والدرويش يدير كأس الخمر وحور العين والليل أخضر كالهديل ...
عدل سابقا من قبل د. مصطفى عطية جمعة في الخميس 08 يناير 2009, 1:14 pm عدل 1 مرات | |
|
د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: رد: قصيدة " يوميات رصاصة " لشاعر فلسطين المتوهج : عبد ربه اسليم مع دراسة نقدية عنها الخميس 08 يناير 2009, 1:11 pm | |
| القراءة النقدية :
بداية نقول إنها قراءة أولية ، فهذه الجماليات والرؤى التي يطرحها عبد ربه اسليم لا تكفيها القراءة البسيطة ، وإنما تحتاج إلى بحوث معمقة ، وحسبي هنا أن أقدم بعض المداخل في القراءة . نستطيع القول إن عبد ربه اسليم : شاعر المقاومة الفلسطينية الجديد ، شاعر الرصاصة ، شاعر من يقاوم متسلحا بعقيدة ربانية ، وإيمان راسخ ، لا أريد أن أقول إنه خليفة محمود درويش ، لأنني مدرك أن المشابهة غير مجدية في الأدب ، وإنما أقول مطمئنا : هذا هو الشاعر المقاومة ، الذي نبحث عنه ، هذا النموذج المثالي للشاعر الذي يتعمق الإسلام فهما ، ويتعمقه الإسلام عقيدة وروحا وحرارة، فتوهج شعره ، وتبدو عناصر التوهج عبر آليات عديدة ، منها : الروح الجهادية التي تصبغ شعره ، والنابعة من تجذره بالإقامة والانتماء والثقافة في أرض فلسطين، كذلك ثقافته الحداثية التي تبدو جلية في ثنايا النص ، وهي تصهر الجماليات الشعرية السابقة ، في بوتقة من الرؤية المشتعلة بالجهاد ، وتجعلنا ننظر للأشياء نظرة جديدة ، فرموز المقاومة ليست مجرد أدوات ، إنها عالم كلي يسبح فيه المقاوم ، وهنا نجد الرصاصة تصبح عالما ، يتوحد فيه المجاهد ، وتتوحد هي به ، لتكون جسرا له للجنات ، وهذا التوحد يشمل الجسد والطبيعة والكون والروح. يقول في مطلع نصه : جسدي يمتد بين الرصاصة والصمت – الرصاصة فأركض كنسر أعرج نحو الجنوب ودمي يثقب الباب مثل سهم وردي منتصب أزحف نحو الفجر ، والفجر جسد تفاحة وصلاة الصبح على بعد قبلة ... نصفي العلوي ربع بحر ونصفي السفلي شجرة بلوط بحجم يدي اليسرى وتزورني عند صلاة العصر دمعة وأنا أساكن موجة في القلب !!! ...
توحد الجسد ، مع عالم المقاومة والجهاد ، وتمدد أثيريا بين الرصاصة والصمت ، والصمت دلالة التأمل والسكون الذي يسبق انطلاقة الرصاصة . ويصف هذا المقطع حالة الانطلاقة حيث خرج الشاعر / الجسد من صلاة الفجر ، منطلقا ويتخلص من جسديته التقليدية إلى عالم سيريالي في الظاهر ، وطني في الباطن : فالنصف العلوي من البحر ، والسفلي شجرة بلوط ، وهذا وصف لخارطة فلسطين : من البحر إلى غابات الضفة الغربية . وتكون الرصاصة وسيلة للتحليق ، وتبقى صلاة العصر هي الحافة الوقتية الأخرى ، التي تقف مع صلاة الفجر ، لتكون الصلاتين دافعين للمقاومة والانطلاق . وهما أكثر الصلوات التي تشحذ المؤمن وتميزه عن المسلمين ، ففيهما ينام الناس جميعا ، بينما يتحرق المؤمن المجاهد إلى الالتزام بهما . في هذا المقطع جمالية تميز شعر اسليم ، إنها جمالية التداخل الدلالي واللفظي أو التواشج اللفظي ، ففي ختام المقطع يشير إلى أنه يساكن موجة في القلب ، ودلالة الموجة تحيلنا إلى نصفه العلوي الأثيري الذي استحال بحرا ، وإلى البحر الذي يحد فلسطين ، ويجاور غزة في الجنوب .
وفي قوله : أساكن قهقهة حزني وذاكرتي هي الفهد بعينه !!! بأي رصاصة أصيب الأوكسجين ؟ رأتني مرة أعبر الليل ، والزيت حجر عشب أول السراب زيتون آخر الليل في الفجر أسمع وشوشة شهوة العشب والريح تحفر كتابها بمزمار الشمس
يستهل المقطع بلفظة " أساكن " ، وهي واردة في ختام المقطع الأول ، ضمن ملمح التوشج اللفظي الذي يميزه ، وهذا ما نرصده في جزئية أخرى وهي تبدو في الألفاظ : " زيت ، زيتون " ، فالأول ناتج عن الثاني ، والثاني أحد عناصر الأشجار التي تميز طبيعة فلسطين ، وقد استحال الزيت حجرا مقاوما ، وأيضا نورا يضيء المصابيح ليلا ، والفؤاد فجرا كي يتأهب للمقاومة . هنا نجد إلحاحا على الفجر : الزمن والصلاة ، وأيضا يكون مكان العلاقة الحوارية بين الذات الشاعرة والعشب في الطبيعة . من الجماليات التي نرصدها هنا : جمالية التضاد الذي جمع بين القهقهة والحزن، والرصاصة والأكسجين ، والعشب والسراب ، والتضاد في حد ذاته جمال ، لأنه يجعلنا نقرأ القصائد في معطيات الحواف المتطابقة . كما نجد - هنا - أن الرصاصة لا تصيب الجسد ، وإنما تصيب الأكسجين / الهواء الذي يعيش عليه الجسد مع الماء ، ثم ينظر لعناصر الطبيعة ، حيث يدخل في علاقات حميمية : وشوشة شهوة العشبـ،، والريح التي تحاور الشمس بصوتها المشابه للمزمار ، وهذا يجعلنا نعيد النظر في دلالة الرصاصة إنها رصاصة المقاومة التي تنطلق من الفؤاد ، وتنتصب متسلحة بعناصر الطبيعة والكونية في جهادها ضد المحتل الذي أراد أن يطمس الكون والطبيعة في نفوس أهل فلسطين . ويقول أيضا : محرابي لهيب ... أتسور كأس حليب ودخان يتلوى نسيبا وا أسفاه .. وا أسفاه ... أقف على حافة القصيدة وشجر حنظله يزاملني ذات خريف ، يلفظني ... رصاصة ... رصاصة ... والدرويش يدير كأس الخمر وحور العين والليل أخضر كالهديل ...
في هذا المقطع : مفردتان في غاية التجديد الرؤيوي ، وهما ذا عمق تراثي ضارب في ثقافتنا وإيماننا وهما مفردة : محرابي ، وحنظلة ، الأولى جاءت مبتدأ في قوله ( محرابي لهيب ) ، والثانية جاءت مضافة في شجر ( حنظلة ) ، والأولى تجعل المسجد ليس مجرد مكان للعبادة إنه منبع المقاومة واللهيب على الأعداء ، أما حنظلة فهو الصحابي الجليل الذي جاهد صباح عرسه وكان غسيل الملائكة ، وهو في لحظة الحافة ، حيث يجاهد ، بالرصاصة ، ويكاد يلامس الجنات : كأس الخمر ، حور العين ، والليل الأخضر . هناك دلالات عدة في المقطع تضرب في أعماق الثقافة الإسلامية ، اللون الأخضر وهو لون إحدى رايات الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولون راية حماس ، ورد على المخابرات الغربية التي تتهم المقاومة الإسلامية والمد الإسلامي بأنها الخطر الأخضر .. ، كما نجد " كأس حليب " ، وهو عنوان دال ، فلون البياض هو اللون الثاني الموازي للخضرة ، وهو أكثر الألوان التي حبها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الحليب إشارة إلى اختيار الرسول لكوب الحليب في المسجد الأقصى في رحلة الإسراء حينما خيره جبريل بين الخمر واللبن ، فاختار اللبن . وهنا تجدر الإشارة إلى أن دلالة التناص مع الثقافة الإسلامية واضح في ثنايا النص ، حيث يقول شاعرنا : " أحلم برصاصة تفك لغز الغرقد " في المقطع الرابع ، والغرقد شجر ينبت في فلسطين ، وقد أكثر اليهود من زرعه الآن ، وذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المعركة الفاصلة التي ستكون بين جيل النصر المنشود ، وبين اليهود ، وهي معركة سيخبر الحجر والشجر المسلم المقاتل أن هناك يهودي يختبئ وراءه ويناديه أن يقتله . ويقول في المقطع الثالث : أموت ... يعرفني الصمت في زحمة الورد ، والقمر والشجر ينهمر في عروقي والرماد هدير ...
هذا المقطع هو فورة التوهج النصي ، والدلالي ، والعاطفي ، فالموت / الشهادة منال المجاهد . ونجد أن دلالة الصمت المتكررة في النص ، تظهر هنا في بؤرتها حيث يصبح الصمت مكتسيا بالإيمان والتسليم بالقضاء والقدر بجانب السكون والتأمل ، وتبدو عناصر الطبيعة التي تحيط بالجسد المقاوم وقد استكان صامتا مصاحبا للورد على الأرض ، القمر في السماء ، وشجر ( فلسطين ) في عروق الشهيد ، بينما الرماد المتولد على بعض الجسد الذي نال الشهادة أو كان في أجساد الأعداء قد أصبح هديرا مقاوما . التواشج اللفظي بين ثنايا جماليات النص واضح في الكلمات : الشجر التي تربطنا بشجر الزيتون والغرقد ، والرماد الذي يحيلنا للرصاصة بوصف الرماد أحد نواتجها ، والورد الذي يذكرنا بجنات الخلد . | |
|