أبو العصافير

.
.

.
.
أبو العصافير

يقولون إن رفرفة العصافير وأصوات تغاريدها أزعجتهم في ذاك الفجر، وإنهم لولا شقشقتها لما استدلوا إلى مكانه... لكنها لا تدعهم يقتربون منه، وكلما حاولوا انتشال جسده من تلك البقعة التي انتثر فيها العشب الأخضر وأزهار النوّير، عَلَتْ زقزقتها وعَفّرتْ بأجنحتها التراب فملأ عيونهم وأفواههم.
"أبو العصافير"، مجنون قريتنا؛ رجلٌ متوسط القامة، له شعرٌ داكنٌ ناعمٌ يُرخيه على كتفيه العريضين، وأحيانا كان يَعقِصه خلف رأسه... لو رأيتَه لما تبادرَ إلى ذهنك أنه مجنون؛ هو يمشي بخطوات واسعة واثقا دائما من طريقه.
لم نعرف له أهلاً ولا أقاربَ، ولكننا كنا نراه كثيراً يجوب شوارع القرية، كما يحكي عنه عقلاؤها وحكماؤها أنه اشترى يوماً الكثير من العصافير والبلابل، وقال إنه سيطلقها في الفضاء لتملأ سماء القرية بصوتها الصادح وتغريدها الجميل،
وأخبرهم أنهم لن يعانوا بعد اليوم الأمراض أو الكآبة، بل تمادى فقال إنهم سيُخلَّدون إن اعتنوا بعصافيره!
أبو العصافير، أطلق كل الأجنحة لتعبرَ فضاءَ القريةِ، تتجولَ بين البيوت وتحطَ على الأشجار... قال لهم إنه رأى الأشجار ترقص فرحاً بأعشاش العصافير، وإن الأرض خَلت من الديدان والحشرات، فأنبتت كل أنواع الأزهار والأعشاب...
لكنَّ فرحَتَه ما استمرت طويلاً، فحين تصايحت عصافيره وسمع أنينها، خرج إلى الشوارع يستطلع الأمر... ماذا رأى أبو العصافير؟!
لقد تحوّلَ فلاّحو القرية صيّادينَ، تركوا بيوتهم ونساءهم، وحملوا أطفالهم لتُغويَ العصافيرَ... وخبأوا البنادق تحت ثيابهم!!
"لو جعلتَ ثمنَ العصافيرِ َوقْفاً للقرية يا أبا العصافير"...
يقول حكماء القرية وعقلاؤها... لو أنه استمع إليهم لما كان هذا مصيره !
.
.
.
.
ياسمين عبدالله