أشارت إليه بإصبعين متجاورين ـ السبابة والوسطى ـ ثم خرج وتاهت هى فى غيمات لا نهائية من الخيالات ومن كلمة لو .. لو .. لو ... , لو كنا صغارا نقطف زهر الوادى , ونقتفى أثر الفراشات , لو كنا أحرارا ننشد الأغانى ونبعث بالضحكات ونطارد أشعة الشمس لنحيك منها ثوب العيد ويأتى العيد ! " هذا ما دار بخلد " فدوى " وهى جالسة على كرسيها المتحرك( مقعدة نتيجة لرصاصة مطاطية أصابت عمودها الفقرى أثناء مشاركتها بمظاهرة بمدينة القدس المحتلة ) ثم حركت كرسيها وحاولت الخروج من باب البيت المبنى فوق سطح الأرض فى مواجهة شارع ممتد وجالت بناظريها فى المكان واستقرت عيناها على مكان بيت صديقة عمرها " نهال " والذى هدموه بـ " البلدوزر " لحجة ما لكن السبب الحقيقى كان أخوها المجاهد " عمر " وقد رحلوا جميعا لمكان بعيد ولم ترها منذ ذلك اليوم , فذرفت بعض الدمعات التى كانت قد تحجرت كما تحجرت بداخلها بعض الأشياء , لكنها سرعان ما وجهت بصرها إليه إنه " حسن " أخوها ابن الثلاثة عشر ربيعا وظلت تلاحقه بعينيها وهو يمضى بالشارع الممتد مسرعا الخطى كأنه ذاهب إلى كرنفال عيد النصر أو الإستقلال وليس للمشاركة فى مظاهرة الغالب أن تراق فيها دماء ساخنة , ثم غشيها ذلك الإحساس الرهيب بفقد الأحبة وتساءلت هل تنادى عليه , هل تشير إليه بدلا من إشارة الوداع إشارة الرجوع ؟! , لكنها قالت لنفسها : لقد كنت فى مثل سنه أحلم بأن أصرخ فى وجه الظلم وأتنفس هواءا حرا وأنا أتحدى بصدرى وجه الطغيان , إنه حلم كالشوك لا يخرج من الجسد إلا بالدماء , لا لن أنادى عليه بل سأتركه ينتشى وإن كان الفراق
ثم وجهت إليه بصرها قائلة بإصرار : إذهب أيها البطل الصغير , إذهب وخذ بقنابلك الحجرية ولتبتهج حين تقذفها فى وجوه الجبناء ولا تبالى عندما يردوها عليك نيرانا , ستسمع صوت الزغاريد , ولا تحزن حين أبكى أو تبكى طائرتك الورقية وتذكّر أنهم منعوها عن الأجواء وأطلقوا عليها الرصاص فأردوها , فما أخوف الجبان من سلاحه بعدما يقتل به مرات ومرات , فالشيطان يسكن غمده وتطارده الأشباح فى مخدعه , فلتذهب أيها الحبيب
وعندما استدار إليها أشارت إليه إشارة الوداع