انتحارعلى صخرة الذكرى ..
انتحارعلى صخرة الذكرى ازدلف نحو بيته مسرعا ،تسابقه الفرحة العارمة، و هو يتأبط قنينة خمر بخس زهيد، لرداءة نوعه بين اصناف المخمرات. .. ترك القسم و هواجسه ،صخب الاطفال و نزقهم، وهم يتشبتون من حوله باعتباطية الحياة، و عبثيات البراءة خارج حس الادراك و الوعي المبكر بتبني منهج الحلم للتنفيس منحدة هول الضغوطات النفسية الحابلة بصروف الزمان المتمنع ، و استبدادات الواقع المتصقع، و اكراهات ضيق المجال المخادع .. آثر ان يسابق خطواته ككل يوم سبت حيث دفئ الوكر بهدوئه إلا ما تصدح به آلة الفونوغراف من أغاني كلاسيكية تحمله على مصاحبتها بنشوة تقرأ مرتسمة على أسارير وجهه الكالح دكانة .،فمن ندمائه الذين لا يحلو السمر بدونهم /محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، عبد الحليم حافظ ، فريد الأطرش، و سيدة الطرب العربي أم كلثوم ..مع كل واحد من هؤلاء ذكرى عزيزة تتكرر موحدة الصورة على اختلاف الأصوات و المقاطع و الاسطوانات.. ذكرى حبيبة مؤتلقة طواها الموت بلفائف النسيان إلا من قلب حسير منتكس كسير يفي بالعهد الذي قطعه على نفسه عهد مجالستها بالدن و القنينة و مجون الأغاني الدافئة الصاخبة عمقا حتى يستقدمها روحا بحسه و مخياله ،فيلامس حضورها حية اميرة بفستانها الابيض.. بين يديه يراقصها تارة ..يضاجعها عند اخر الليل أو يصفعها ان عكرت صفوه تارة اخرى ..فيقوم توا بتقديم الاعتذار لصورتها التي يضعها مسبقا أمامه عند افتتاح أية جلسة للمدام مقبلا تذكارها العريق الذي لا يفارق يده وكم كان يضعه داخل الكأس ليكرع الخمر الذي يغمره دلالة على صدقه الباذخ.. اليوم .توسط فناء البيت متلفعا برصيده العاطفي الذي لازال لحظته نائما في اغواره السحيقة، قصيدة ندم متوثرة الاوزان ، قصة معلقة النهاية ،مرتجة الحبكة ،مهلهلة البنيان..كبح جامح للحياة خلف الزمن.. ،توقف مر في مقاطع الاحساس العنيد المتصل المصلوب على هيئة المسيح رغم الحركة التي تنفصم مساراتها عن مناحيها رغبة في صون الوفاء الامثل ..تمجيدا للحب الانبل الدفاق في الشرايين و الاوعية، في الانسجة و المسام و الاغشية ..حب و عشق، تيمم و هيام.. رحلة تتكرر نسختها في الفقد و الحنين.. ايهابهما من سعيرلا يمنح للقلب فرصة النسيان .. الان قد طفق في ترتيب اولويات العمل المنزلي تدبيرا و تأثيثا للفضاء الماجن ..الوسط الباذخ/ الماجن الذي يعده بلذة لا تقاس حرارتها ،والتي لاجلها سيستسلم لا محالة الى نفسه الممزقة برماح الصبر.. انه على هامش الاختلاط يحيا وحيدا يناصر صوت الحق الدي يحمله ثأرا ضد من كان سبب النفور من عصبة الاجتماع ..خمر و ادمان عليه انتحار ..افكارذات شطحات صوفية تمده بالغضب الذي تفجر بكامل حدته طيفيا شبحيا يؤانس خيالات الخذر اذ جعلته لا ينقطع الا الى اختيار سبيل الانتحار البطيئ لذة ،سيعاقرها هذه ما شاء له من الدنان ..دن يتلو اخر الى ان تتم احتفالية الليلة الحمراء التي ستجعله في الصباح و كالعادة يعاني آلاما كثيرة على مستوى الراس .. عياء عضلي .. توثرات نفسية متفاقمة و اضطرابات مفصلية يفصح عنها شحوب الايهاب .. لكن الحب سيكبر اضعافا من الايمان بها و معها يواصل الحياة.. اشعل التلفاز على قناة الجزيرة و اخذ يتتبع عبرها المذلات العربية اليومية التي تنقل عبر الاثير فيطلع عليها الاعداء و الاصدقاء .. و سفراء همهم مضغ الكلام بين من و انى شاؤا من اماكن تنقلهم، هذا استهلاكا للوقت، و استهزاء بالعقلية العربية التي تغربت بها سبل المدنية ادغالا من جحيم الامية و الجهل ..اطفأ التلفاز و استبقى على ما تصدح به الة التسجيل مما ركب داخلها من اقراص مدمجة ، فبينما هو يهم فض بكرة القنينة مشعلا شمعة على ايقا ع اغنية اطلال حتى سمع طرقا بالباب، فبادر الى فتحه ،اذا بزميلته في المدرسة ،سعاد تحييه ،و تستادنه الدخول. تفاجأ من سلوكها الغريب الذي لم يعتد مثله منها قط ،و هو من يكن لها تقديرا صادق العاطفة . دخلت بينما ظل واقفا واجما ساكنا ذهلا مما يرى ،متسائلا هل سكر حقا مع علمه الملموس ان القنينة لم تفتح بعد ..استفاق على ندائها له /نصر /نصر ما بك اترفض ضيافتي هذه الليلة، فرد قائلا:-- لا، لا ،عفوا انها زيارة مفاجئة .. اغلق الباب ،فالفاها قد جلست بجانب الصورة ،ممسكة بالقنينة ،تحاول فتحها لكنها عبثا لم تفلح ،فاخدها منها، و عالج الغشاء بيسر لاحترافه فتح الاغشية ،و هو مغيب كليا من فرط الشرب.. ظلت تسقيه دو ان تتحدث معه او يكلمها.. صمت يقابل صمتا الا من اغاني كلاسيكية .. ما هي الا لحظات حتى رأته يجهش في البكاء و قد أخذ الصورة بين يديه مرددا: اراك عصي الدمع شيمتك الصبر--------- اما للهوى نهي عليك و لا امر كرع بين يديها الدن ، و قد تصعدت منه تنهيدة عميقة على اثرها كسر الصمت قائلا:-- اتعلمين من تكون هذه الاميرة: انها عشتار الحب و الجمال .. اجابته مبتسمة:-- انها حبيبتك التي سرقها الموت منك على حين غرة ..لم تكن السبب في موتها حتى تعنف نفسك بما لا يتفق و حرمة الجسد و النفس عليك ياخي ، فان لهما عليك حقا، و لكن الله اختار لها الوسيلة التي تحقق بها القضاء قدرا بموتها، الموت نفسه سنة الحياة ، حياة اخرى تبتدأ مطلقة ، فاردف صائحا ،و من اخبرك بهذا سيدتي ..فاجابت و قد مدت اليه الدن تسقيه مجددا ..تناوله من يدها ليضع تذكارها داخله ثم كرعه مقبلا حواف الكاس منتظرا منها الرد الشافي الا ان الصمت الرهيب ساد بينهما أدنا صاغية لمقاطع عبدا لحليم ..محمد عبدالوهاب ..الى ان اخذ الخدر يغالبه ...ساعتذاك بدا يتاملها ،و يناديها باسم حبيبته ، او هكذا صار يتفرسها مثقل الجفنين، وهي تساله بهمس :--متى ستتصالح مع نفسك التي لا تنفك من جلدها ،و قهرها .. اما ان الاوان ان تحيا سويا طبيعيا كباقي الرجال .. فاجاب و لسانه لا يقوى على الحركة قائلا:--انا مجرد ماض لا حاضر له اؤدي رسالتي بحكمة ،و صدق، ووفاء الرسالة التي هي جزء من ابوتي ا ذ اشبعها من خلال ما المسه، و اعايشه واقعا من نزق الطفولة التي ارعاها رعايتي لذكراي ،لكن حقا ما الذي يجعلك تهتمين بانسان يائس فاشل لا يملك غير القلب الوفي لحب لا زال يحيا داخل قبره ،و صورته التي بين يديه ،و تذكاره هذا الذي يرافقه حيث المسير امام الزمن ، رساميل وجوده.. لم تجبه لانها اللحظة، تردد في نفسها ما عجزت عن الافصاح به، او ربما قد لا يفقه انسان منقطع التواصل و عالم الادراك صدق ما تؤمن به نحوه من خالص مشاعر الاعجاب ... بعد تردد صاحت متمردة عن كبريائها ،و جموح الصمت الذي يأسرها بحبال المودة المميزة عشقا حميميا له-: --لانك اعظم من رايت من الرجال الأغبياء ،هؤلاء الذين لا يؤمنون بشخصية المرأة إلا كوعاء للإنجاب ..،فكما ترى معجبة باخلاصك لحبيبتك بعد موتها سيما ونحن زمن العولمة، زمن تحجر المشاعر التي لا تصطخب الا جراء السباق من اجل مادية الربح ،مما ترتب عن ذلك و انت سيد العارفين من تشوهات في الفطرة و السليقة و العاطفة .. اللغة سليقة و قاموسها اصبح مركب من جملة واحدة : اقتل كي تعيش.. فاين الحب اذا ثم استانفت تساله متى ستقلع عن مثل هاته العادة السيئة ،كفى عذابا ، مجونا .. التفت الى نفسك قليلا و مستقبلك حينما تشرئب على مدار الشيخوخة ، فمن يدري قد يعوضك الله عنها خيرا ،نصر نصر لم منك كل هذا الامعان في الصمت المريب ..اخيرا ثارت غاضبة : يا سيدي، يا قيس بن الملوح، الحياة لا نحياها الا مرة.. فاردف قائلا :و لا نغسل وجوهنا في النهر الا مرة واحدة فقاطعته قائلة: لقد صدق روسو لما قال: الرجال المنحلي الاخلاق الذين يستسلمون الى الافراط في الملاذ تسبب لهم الحمى و الموت.. فاجابها من اين اتيت بقولته -امن كتاب اصل التفاوت بين الناس ..فعلا الناس مراقي و انت ارقى مني اخلاقا و شيما و استقامة، فنحن ضدان لا يجتمعان ،هيه ما الذ الانتحار على صخرة الذكرى.. ما كاد ينهي جملته حتى لقمت القنينة في فمها و كرعت كل ما بداخلها من خمر... لم تمض بعد ذلك مدة يسيرة حتى مات نصر بداء سرطان في الكبد بينما سعاد انتقلت الى شقته تحيا مع صورتين و تذكار و قنينة خمر.. و ترديدات متواصلة لجملته الوحيدة : ما الذ الانتحار على صخرة الذكرى ..وطارق قد ... محمد القصبي سوق اربعاء الغرب المغرب العربي 7/5/2011