في الصباح الباكر البعيد
في الصباح الباكر البعيد، في شارع ضيق للغاية، بيت آخر صغير تنبعث منه رائحة سيئة للغاية. بيت صغير جدا يؤوي خشب أحشائه الفاسد العشرات من الجرذان وضجيج ستة من إخوتي وأخواتي، بيت صغير عنيف، تصلبه يرعب نهايات الشهر وأبي غريب الأطوار يقرضه بؤس واحد، لم أعرف أبدا ما هو، لكن سحرا لا يمكن التنبؤ به يلطف ذاك البؤس ويجعله عطفا حزينا تارة ويحمسه في لهيب غضب عال تارة أخرى. وأمي التي لجوعنا الدؤوب تدعس قدماها على الدواسة، قدماها تدعسان ليلا نهارا، حتى أنني كنت أستيقظ ليلا على وقع ساقيها اللتين لا تعرفان الكلل واللتين تدعيان على دواسة ليلا واللذغة المرة للحم الطري لليل ماكنة السنجر التي تدعس أمي دواستها، تدعسها لجوعنا ليلا نهارا.
في الصباح الباكر البعيد، الأبعد من والدي، من والدتي، الكوخ المشقق بالحبيبات، مثل دراقة يعذبها التقرح، والسطح المرقق، المرقع بقطع صفائح النفط، ذاك يصنع مستنقعات الصدأ في الطين الرمادي الدنيء الذي نتنه القش، وعندما يصفر الريح، هذه التباينات تجعل الضوضاء غريبة، مثل طقطقة التحميص في البداية، ثم مثل جمرة نغطسها في الماء مع دخان العساليج المتطاير... وسرير الألواح الخشبية الذي علا/ نهض منه عرقي/ نسلي، كل نسلي من هذا السرير ذي الألواح الخشبية، بقوائمه صناديق الكيروسين، كما لو أنه مصاب بداء الفيل ذاك السرير، وجلده الماعزي، وأوراق الموز المجففة، والخرق، وشوق المفرش إلى سرير جدتي.
الهوامش:
*الحتنتوت/ les Hottentots : هم أيضا الخوي خوي وكان المستكشفون الأوربيون الأوائل يطلقون سابقا لقب الحتنتوت على كل فرد من شعب جنوب إفريقيا والمناطق النائية فيها وهو لقب تحقيري... أولئك يعيشون الآن بصورة عامة في المستوطنات الأوروبية أو في محميات الرسمية في الشمال الغربي من جنوب إفريقيا وفي ناميبيا. الخوي خوي/ les Khoekhoes (التي تعني رجال الرجال) هو الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم. مصطلح الحتنتوت (في وقت لاحق صار الإفريقي) صاغه المستوطنون الهولنديون وأغلب الظن أنه كان للسخرية والتحقير ذلك أنه في اللغة الإفريقية يعني البكم ولا شك أن به إشارة للغتهم الخويية المنتمية لمجموعة اللغات ذات النقرات التي يشتركون فيها مع البوشمان والبانتو.
كبدو رحل، عاش الحتنتوت في السابق في معظم المحافظات الجنوبية من جنوب إفريقيا عندما كانت المنطقة محتلة من قبل المهاجرين الأوروبيين في القرن السابع عشر.كانوا هم الذين التقاهم الملاحون البرتغاليون في نهاية القرن الخامس عشر عندما تجاوزوا رأس الرجاء الصالح.
تاريخهم: بالرغم من أنه قديم جدا، كان استقرار الحتنتوت في جنوب إفريقيا سابقا لتواجد البوشمان بها. هجرتهم إلى الغرب كانت ناتجة عن وصول قبائل نغوني (الزولو، زوسا) من الشمال نحو القرن السادس عشر، وخاصة وصول الأوروبيين الذين تصدوا لهم فيما بعد. لدى وصول المزارعين البيض اتخذوا من العديد من الحتنتوت عبيدا وخدما في منازلهم ومزارعهم. في البداية، ساهم تعايش المجموعتين السكانيتين تواجد مجموعة كبيرة من عرق مختلط لها لغة محددة، هي الإفريقية. فيما بعد، كان الخوف من تمازج الأجناس حاسما مما أنشأ نظام الفصل العنصري/ لابارتيد من قبل البيض في أوائل القرن العشرين، والذي أدى إلى التصنيف العنصري للسكان في المجتمعات المحلية. وهكذا انقسم الهجناء الحتنتوت إلى فئات محددة (هجناء رأس الرجاء الصالح بصفة خاصة) في حين ظل الحتنتوت غير الهجناء محتفظين بأسمائهم التقليدية وهكذا فإنه من العسير تقدير تعدادهم اليوم.
بما أنهم كانوا في السابق معارضين لهيريرو ناميبيا والبوشمان فيما يخص القضايا الإقليمية، حافظ الحتنتوت معهم على علاقات عملية كطريقة للمقايضة. بيد أنهم يواجهون تهميشا في جنوب إفريقيا ما بعد نظام الفصل العنصري بالنسبة للبانتو الأكثر منهم عددا والذين يعتبرون في طليعة النضال القومي ولذلك هم يحتلون المراكز الأولى في السياسة والاقتصاد في البلد.
أسلوب حياتهم: الحتنتوت كانوا في الأصل شعبا من الرعاة الرحل. حليب قطعانهم المؤلفة من مواشي صغيرة الحجم، هو الذي يشكل مصدر غذائهم الأساسي، كانوا يعيشون أيضا على الصيد الذي يوفر لهم اللحوم، وجمع شتى أنواع الفواكه والدرنات. عملية التبادل كانت تعتمد أساسا على المقايضة بثروتهم الحيوانية. عند وصول الأوروبيين ، تم طرد الحتنتوت إلى الشمال والغرب، في المناطق الأقل إنتاجية في البلاد. استقروا هناك في المحميات وفي المناطق الريفية للعمل كعمال زراعيين. تنظيمهم الاجتماعي ساعد على التكيف والاستقرار بصفة دائمة والبعض منهم يعيشون إلى اليوم الحياة البدوية، التي تعتمد إلى الآن على الرعي والصيد.
التنظيم الاجتماعي والمعتقدات: بالنسبة للناما/ les Nama(شبه الرحل ذوي أنموذج الحياة الرعوية التي تعكس أنماطا موسمية قد تكون لا تزال قائمة منذ ما لا يقل عن ألفي سنة في جنوب إفريقيا.) فلكل قبيلة منهم كبير يرأسها في نطاق الهيكل الأبوي العشائري وهو الذي ينظم الزواج بين أبناء القبيلة. معظم الحتنتوت الآن مسيحيون بيد أن المعتقدات الموروثة (الأرواحية) لم يتم التخلي عنها مع ذلك وهي تشمل تجسيد القوى الطبيعية التي تنتج الأمطار. يعتقد الحتنتوت في بقاء الروح بعد الموت وتمثلها في شكل آلهة عليا قادمة من الجهة الشرقية (قبورهم توجه إلى الشرق). في كل زيارة لأحد المقابر، هم يضيفون الحجارة على التلة التذكارية، مما أتاح للمؤرخين اقتفاء أثرهم على طرق ترحالهم البدوي وهجراتهم.
* السدرة : هي شجرة مثمرة ويطلق عليها شجرة النبق أو العناب.