"مروا الطبايا على بيت العليل مابانوش" أحد عشر موالا شعبيا لعبدالرحمن الأبنودي

علي ما روي الراوي روينا لا بعنينا شفنا ولا رإينا
أحد عشر موالا شعبيا

اختيار وتقديم عبدالرحمن الأبنودي

"مروا الطبايا على بيت العليل مابانوش" أحد عشر موالا شعبيا لعبدالرحمن الأبنودي Roka

'علي ما روي الراوي روينا.. لا بعينينا شفنا ولا رإينا'
هكذا يتنصل الشاعر أو الراوي من شبهة نسب الموال إلي أي منهما، فالموال قديم صيغ ربما قبل ميلادهما، فاذا كان به كسر أو خلل أو زيادة أو نقصان فهما ليسا مسئولين عن ذلك، هكذا ورثاه من الراوي الذي ورثه بنفس الطريقة قبلهما.
(علي ما روي الراوي روينا. لا بعنينا شفنا ولا رأينا) أي أننا لسنا من ألف وولف وصاغ القوافي وأحكمها، وبالتالي فانهما لايتحملان وزرالضعف أو شطط القول وانما يرويان ما روي لهما من قبل ويبسطانه بأمانة امام جمهور متيقظ مدرب علي فك ألغاز المواويل للوصول إلي المعني وبلوغ الاهداف البعيدة الكامنة خلف تعقيدات القوافي ذات التراكيب الشاردة.

الشاعر أو الراوي لاينشدان المواويل بحثا عن استحسان للقدرة علي الحفظ والاحتفاظ بمفاتيح الألغاز وانما لتقصير المسافة وربما نفيها تماما بين القائل والمستمع.
الموال هنا للتعبير عن الجماعة الذات أو الذات الجماعة في نفس اللحظة. الموال الواحد مع صحبه من المواويل بما فيها مواويل الحب والهيام يسهم في بناء فلسفة متكاملة مستقرة في الواقع المعاش لجماهير الموال ليصبح الموال صورة مكثفة لاتساعات الحياة بكافة تفاعلاتها وتناقضاتها ونسيج الاحزان والافراح والهزائم والاحباطات التي يواجهها فقراء الأرض علي اتساع التجربة الانسانية وطول مشاوير الحياة المثقلة بتجارب الخيانة والتخلي والصداقات التي تؤدي إلي الفراغ وقت الحاجة والروح المدماة بمدي التنقل بين ملمات الدنيا وتصاريف الزمان حيث ينقسم البشر إلي أخيار وأنذال 'وسبوعة' وجبناء وأصلاء كرماء وكاذبين أذلاء.
الحياة أم التجربة، والتجربة أم الوعي، والوعي أبوالموال. يمتص الموال رحيق حياته ونبض أبياته ويبعث حبا باقيا حين يكشف عما تخبئه الروح في استتارها من جروح غائرة حين يفضح أحوال البشر: من يقف معك وقت الشدة ومن يهرب حين الحاجة إليه علي الرغم من العيش والملح وادعاء المحبة والصداقة (أكلوا بتاعك ونسيوا الود وجميلك).
ذلك الطبيب الذي يتجول عبر معظم المواويل المصرية الصعيدية بالذات انما هو تجسيد ل (الزمن) الكفيل بتطبيب الجروح الغائرة التي تسببها الخيانة، كما أنه الذي يملك أسرار الأدواء وكيفية المداواة والعلاج بالنسيان، الزمن هو الذي يغير ألوان الأيام وهو الذي يترك الجرح يتقيح ويبتسم ساخرا ويمضي لأن الجريح لايملك ثمن الدواء وأجر الطبيب (قال: ياعليل أجيب لك دواك بكام؟!).
لأن الدين يحرم لعن الزمن وسبه فإن صائغ الموال يختبيء خلف ملابس الطبيب ليوجه له اللوم واللعنات (أنا قلت له: يا طبيب ده انت غشيم وابكم) أو (أمانة ياطبيب ما عندكش نظر بتشوف؟).
ولكنه أحيانا لايستطيع أن يخبيء رأيه في الزمان أو يستسلم له في ضعف العليل ذي الجرح القاتل:
(حكمت يا زمان وحكمك علي ولاد الاصول يمشي
واللي يقول الحق في الزمان ده لازم م البلد يمشي)
كل الفقراء يلتقون في هذا المأزق الانساني الحياتي، يرقدون علي أشواك فراش التجربة انتظارا لإنصاف لن يتحقق، ولطبيب لن يأتي يشفي العليل ويرد للسقيم عافيته وكرامته المسلوبة ويصد عنه شماتة الشامتين، الطبيب هو الزمان الذي ينشر الفوضي ويقلب الميزان فينزل الأصيل من 'العلالي' و(يعلي أسافل لم لهم برهان)...
والدنيا أشبه بالحية (تخاف وتخوف) وتتقلب علي ألف لون ولون، تلقي بالسباع الأجواد ذوي الأيدي المبسوطة إلي هوة العوز وتلجئهم إلي مد اليد للأنذال ليهينوهم وليشهروا بهم:
(قوم اتمطع الندل قال:
'السبع مش حاجة')
الزمان هو الذي يقسم البشر إلي أغنياء وفقراء، بالمال تستطيع شراء الذمم وتخلق من يطبلون لك ويزمرون ويهتفون. بالمال تستطيع محو ماضيك الأسود المخجل. بالمال يتمطي المزيفون بصلف ويحاولون تغيير قوانين الوجود ويفتون فيما لايعرفون ولايلقون بالا لأهل المعرفة من حولهم ولايخجلون.
(يفتي بلا علم واهل المعرفة ساكتين).
إذن فالموال هو أكثر الأشكال الشعرية الشعبية تعبيرا عن فلسفة الحياة التي استخلصها أهلنا، تسري في عروقه عصارة هذه الفلسفة التي لايتزحزحون عنها أو يبحثون عن بدائل لها، فلسفة مقطرة استخلصوها من تتابع الأيام بحلوها ومرها وطولها وقسوتها ومكابدات الحياة الجسيمة.

الموال لايمكن ارتجاله
لأنه فن يحتاج إلي ذكاء وحنكة في صياغته وخبرة بالحياة والوجود اذا كان صائغه يريد له الحياة والتنقل بين البشر والأزمنة لذلك لايمكن ارتجاله مهما بلغت عبقرية صانعه، ثم ان الموال يظل يتقلب بين الأيدي والشفاة إلي أن يستقر علي الحالة التي يصل إلينا عليها.
علي طول ما تنقلنا بين انحاء الأدب الشعبي في مصر من أغنيات للعمل والطقوس والمناسبات إلي عديد النساء ومساجلات الرجال والمربعات والملاحم فاننا لم نصادف شكلا شعريا غنائيا ملائما لسكني الفلاح المصري الرجل كالموال المصري العريق.
انه فن رجالي تماما مثلما العديد هو فن نسائي علي اطلاقه، فأنت طوال حياتك لاتصادف امرأة تحفظ ولو موالا واحدا، بينما يتميز الرجل الذي يحفظ المواويل وهو غير محترف بحب واحترام زائدين في دوائر الرجال.
الموال هو بيت الطين المتوارث من أجداد عن أجداد الأجداد. انه كبيوتهم الطينية التي كانت تمنع عنهم لهيب الصيف القاتل، والتي هدموا معظمها الآن واستبدلوها بجحيم الخرسانة وجدران الطوب الأحمر والأسمنت القبيح.
في داخل جدران أبنية المواويل تعلم ساكنوها الكثير عن طباع البشر: محبتهم، محنتهم، قسوتهم، عندهم واغتيالات الأفراح القليلة والكشف عن وجوه تحت الوجوه.
تحت سقفه الجريدي صرخ ساكنه وناح وباح بكل الوضوح والصدق الذي ما بعده صدق بما عاني وبما عرف عن معاناة الآخرين ليصبح ذاتا لجماعته ولتتجسد الجماعة في ذاته. اختصر الأحوال والوقائع واعتصرها وحفظها في أبيات تشكل كما أوردنا فلسفة الفلاحين الفقراء الذين لن نفهم دواخلهم وطرق تفكيرهم وكيفية مسلكهم إلا اذا تدارسنا هذه الفلسفة وحاولنا تبنيها لنري بنفس العين ونتحلي بنفس الذات.
احيانا، يطلق احدهم العنان لموال وما إن ينتهي حتي يهب أحد الحاضرين ليستدين نفس مقدمة الموال السابق شابكا في نهايته قافية جديدة دائرا في انحاء نفس الفلسفة بمعان مختلفة، ارجو ألا يفهم من ذلك أن الآخر ارتجل مواله المختلف وانما هو اثبات للحفظ ليس أكثر فالموال الحقيقي لايمكن ارتجاله وانما هو دائما من صنع شاعر عظيم مجهول رحل ليظل مواله علي قيد الحياة حتي اليوم علي الرغم من سطوة أجهزة البث وبطشها بكل ما أبدع شعبنا واستبداله بأشياء لاقيمة حقيقية لها. ان لم تكن لديك الخبرة العميقة والدراية الكاملة بالموال الصعيدي بالذات والتقلب بين انماطه من رباعي لخماسي لمسبع لمتسع لمحبوك الطرفين ويتكون من اثني عشر بيتا وصياغاته وبلهجة أو لهجات أهل صعيد مصر التي بدون فك طلاسمها والدراية العميقة بمكوناتها وبالتاريخ الحياتي لمفرداتها والممارسة الطويلة لن تقدر علي فتح مغاليقها وبالتالي علي مضامين فلسفة الموال. اذ بعد حل ألغازه اللغوية سوف تعجب أشد العجب من قدرة هذا الفلاح الذي أبدع وصاغ بيته الطيني حسبا لاحتياجاته واستعمالاته وضروريات الحياة في لي رقاب للفظة الواحدة التي استعملها كقافية وفي كل لية رقبة استخرج لك معان مغايرة لم تكن لتتخيلها بل تدفع بك لمشاركته هذه اللعبة الفنية البارعة كاهل قريته تماما لتخطيء مثلهم في كل مرة.
ان سرعة البديهة والخبرة باللغة هي التي تقود إلي (فك) القوافي الملغزة لتبحث في أشلائها عن المعني الذي قصد إليه صائغ الموال، ثم انها التي تميز أحدا عن أحد في جمهور الموال.
من هذا الجمهور يخرج عشاق الموال الأصلاء، هؤلاء الذين تتبدي قدراتهم في الكشف عن خبيئة المعاني التي تنتظمها قافية واحدة هي في كل الأحوال كلمة واحدة تخبيء في كل بيت تختتمه معني جديدا ليس من السهل علي أي منا اكتشافه من أول وهلة، اذ لو لم يدرك حامل الموال شاعرا كان أو فردا من الجمهور المعني الخبيء المكون من نفس الحروف بعد اعادة تقسيمها وتشكيلها فإنه لمن المستحيل أن تصل بمفردك إلي (فك) القافية والوصول إلي ما قصده الصائغ الأول اذ أن بعضها شديد البعد خارج اطار التصور اللغوي بما لايخطر علي بال. لذلك فان بعضا من الجمهور قد يصرح بالمعني الذي ارتآه ملائما وقد يصيب وقد يخيب.
والويل كل الويل لصوت ارتفع علي خطأ، ذلك لأن حامل الموال المغني أو المنشد لن يرحمه حين (يفك) أمام الجمع المعني الذي رآه صاحب الصوت العالي قريبا وهو أبعد مما كان يتصور!!

1
يارايق البال.. تتعجبن ولاتِتْلام 'لا لوم عليك'
مادام معاك مال.. سلاح ماضي ولايتلام 'لايتلم.. أي حاد لايثلم'
ده المال يخلي العِفِش مع الجميل.. يتلام 'يتلم.. أي يجتمعان'
وانا كام أقولك من مشي الردي.. بزيادة
تماشي الأصيل يزيدك فضل.. بزيادة
تماشي قليل أصل يزيدك هم.. وزيادة
أمانة بزيادة من مشي الردي.. واتلم!! 'ابتعد عنه'

2
بختي العدل مال.. والمايل صبح معدول
جيت اكتب 'الألِف' وقع الألف 'معدول' 'الألف مع الدال'
ياما كنت خالص ياقلبي وايش وقعك مع دول 'مع هؤلاء'
أكلوا بتاعك ونسيوا الود.. وجميلك
وهربوا يوم ما اتقطف لون الورد وجميلك 'وجمالك'
لاركب جوادي واسوق الهجن وجميلك 'وجملك'
أهو راح جميلك ما ينفعش الوداد مع دول!!

3
الدنيا حاجة.. ومحتاجة.. وحواجة..
جبرت السبع راح للندل.. عاز حاجة
قوم اتمطع الندل قال: 'السبع مش حاجة'
الندل ندل ولو راكب علالي لِقصور
والسبع سبع ولو وسط العدا ميسور 'مأسور'
السبع سبع بيستر لو ماهوش مستور
تاريك يازمان ليك قرصة ولا 'الدسٌاس ' 'من اخطر الثعابين'
وتاريك يازمان علي ولاد الأصول عساس
قاعد تهد البنا.. لما رسيت ع الساس
وياماولدات ناس للأنجاس.. محتاجة!!

4
ظهر معايْ جرح عامل في الحشا ساكتين 'سكينتين'
وطبيب لجراح رش لي الدوا ساكتين 'ساق تين.. ساق شجرة 'تين'
والأرنبة استوحشت عملت للعدو ساكتين 'سكتين'
والعقل شغال ومن كتر الهموم ساكتين 'سكٌينا عليه وأسكتناه'
إحنا الفتوات.. لكن الزمان دولة 'ده.. وّلٌي'
وطبيب لجراح قرطس لي في الورق دولة 'دوا.. له'
يجري يعاكس وبده يغير الدولة
يفتي بلا علم.. واهل المعرفة ساكتين!!

5
ليه ياردية تذلي السبع فرحانة؟ 'الردية هي الدنيا، وفرحانة أي تفرحي وتشمتي فيه'
اتلموا العوازل وزادوا اللقش فرحانهّ 'اللقش هو السخرية وفرحانه
في ريحي أنا'
بكيتي اهلي ليلة ما نصبوا فرحانة 'فرحي أنا'
من عِلِي له يوم صِبح مِقدم وصاحب باس.. 'بأس وسلطة'
سبع الرجال انطفي بقي ينفخ عليه الباس 'البسٌ.. القط'،
واللي تحبيه ياردية تعطيه من جبينك باس 'بوسة.. قبلة'،
عمري ما ريت بس يوم منيكي فرحانة 'منك فرحة أنا'

6
مروا الطبابا علي بيت العليل مابانوش 'لم يبينوا أنفسهم'
راحوا يجيبوا الدوا من وقتها مابانوش 'لم يعودوا'
ياميت ندامة علي اللي اسسوا مابانوش 'لم يبنوا'
وأنا أعمل ايه للزمان رقدني عليل مِيٌه
قال العليل: 'ياطبيب خد من صنف الجنيه مِيٌه
الجسم يبلي يصير تراب علي مّيٌه
أحبابي مِيٌه.. لكن ساعة البلا مابنوش.

7
حكمت يازمان وحكمك علي ولاد الأصول يمشي
واللي يقول الحق في الزمن ده لازم م البلد يمشي
آكلها بالملح ولا مع الاندال في يوم أمشي
عاجز بلا رجلين.. أقولٌك؟.. بالفلوس يمشي
يادنيا مالك علاوله.. للنِتِن... قالعة..؟
واللي تحبيه ياردية تركٌبيه علي القلعة
كيف سفينة وفارطة للغشيم قالعة 'قلعها، شراعها'
ح نعمل ايه للزمان؟ أصل الزمان واطي
والندل مهما عِلِي تلقي الأساس واطي
ده الواطي واطي.. ولو ركبته ع القلعة!!

8
ياضيٌ عيني علي خدود الحبيب ماتّمر 'ميتي مر..'
والصاحب اللي طعمته العيش خان العيش ماتّمّر 'مع التمر'
والعاشق الصب داس ع القلب ماتمر 'مات.. ومر'
أمانة يا طبيب ما عنديكش نظر معروف؟ 'ومعرفة'
أنا ولد حجر... رأيي في المجال معروف
اذا قعدت في مجال باتكلم كلام معروف 'ما عار فيه ولاخطأ'
عملت معروف في قليل الأصل ماتّمر. 'لم يثمر'.

9
ظهر معاي جرح من جوه الحشا عايشين 'عّيا شين. مرض سيء'
خايف أقول آه.. اخصامي في البلد عايشين
ياما رجال حاكماهم نسا.. وعايشين
ده ولد صغير سنٌ خالي الجواز وعزاب ' أعزب'
مع غجلب ليٌام ساكن في الخلا وعزاب 'وعزب البوص'
وف سكرِة الموت افتكر الوالده وعزاب 'وعاز أب'
والسبع في عذاب وولاد الكلاب عايشين.

10

كشف الطبيب علي عجضاي أنا قلت له قلبي
رقدت عيان.. فوق الفراش... قلبي 'أتقلب'
طبيبي لما كشف لقيني فقير حال... قلبي 'استقل بي ولم يأخذني علي محمل الجد'
قال: 'ياعليل أجيب لك دواك.. بْكمْ؟' 'كم تستطيع أن تدفع؟'
أنا قلت له: 'ياطبيب ده انت غشيم وبْكمْ 'وأبكم'
تعالي معايا البيت شوف نواح أبوي وبْكمْ 'وبكا أمي'
ده الهم (بالكم) وعمر الفرح ما دخل قلبي!! 'بالكوم'

11
كشف الطبيب علي عجضاي أنا قلت له: 'مالكومين' 'مّلْكوم. أي أصيب بلكمة'
والجرح مكْران من جوه الحشا.. 'مالكومين؟' 'من يستطيع الوصول إليه؟..'
ولو حاطيب ياطبيب حاعطيك من 'المال كومين'.
وفضلت عيان لما خبري في القبايل شاح. 'انتشر'
وادي أعز لاحباب بيبكي في الدٌِياره وشاح. 'ناح'
وبكيت ابكي حفان حْفان دمعي من عيوني شاح 'شح'
قالولي دواك 'شاح' ياعليل و'مالكومين'.. 'شيح وماء كمون'

أخبار الأدب 1 يونيه 2008

الأستاذ عصام الزهيري
يسعدني اهتمامك بهذه المواضيع وإدراجها لكي يستفيد منها الآخرون
المواويل وكذلك الحكم والأمثال التي تنتشر بين المجتمعات منذ القديم وحتى الآن
تتيح لما أن نتعرف على جانب من حياة وثقافة هذه الجماعات والشعوب
شكرا لجهودك ومساهماتك في اغناء هذه الفسحة
تقبل تحياتي