التصوف ..مدرسة الروح/ جريدة الشروق الاعلامية
نحاول من خلال هذا الملف تسليط الضوء عن الظاهرة الصوفية وأبعادها بالقدر الذي نبتغي من خلاله فتح المجال لبعض الباحثين والمختصين لإبداء آراءهم في مسائل تتعلق بالتصوف ليس كمهنج تعبدي زهدي وإنما كمدرسة روحية لها قواسم مشتركة وتقارب متباين مع المدارس الروحية المنتشرة في أرجاء العالم مثل البوذية والهندوسية وغيرها من التوجهات الروحية محاولين من خلال ذلك الإقتراب أكثر من حقيقة تفرض نفسها تتعلق بمدى قابلية هذه المدارس وما تحتويه من توجهات للبقاء في ظل عالم مادي متوحش ..خاصة في كونها تحمل في العديد من مشاغلها محاولتها الدائمة لإعطاء القيم الإنسانية بعدها الإنساني الحقيقي من محبة ، سلام ، سلم ، تسامح و غيرها من القيم السامية التي تعتبر هذه المدارس الروحية تربة خصبة لنموها وتمظهرها ..لذلك فنحن لم نقم بعملية إنتقاء سواء على مستوى المضامين أو المختصين الدارسين في الشؤون الظاهرة الصوفية بوجه خاص و المدارس الروحية بوجه عام ..بل هي إطلالة على عوالم فكرية منفتحة على إختلاف الروئ ...
ملف من إعداد: هشام شرف
الدكتور زعيم خنشلاوي مختص في الظاهرة الصوفية"التصوف يأتي في زمننا الحاضر كإجابة لصراع الروح مع الجسد"يتحدث الباحث الدكتور زعيم خنشلاوي في هذا اللقاء الذي جمعه بمنتدى جريدة الشروق الإعلامي الأدبي عن كيفية إنتقال السلطة الروحية من المشرق العربي إلى المغرب العربي عموما والجزائر بوجه خاص و عن البذور الأولى لتصوف في الجزائر التي يربطها بالحركة الجسمانية (السفر) للعائلات الشريفة القادمة من المشرق العربي والدور الذي لعبته في تكريس تعاليم الظاهرة الصوفية مشيرا إلى أن التصوف يأتي في وقتنا الراهن كإجابة على الصراع القائم بين الروح والجسد معتبرا في ختام لقاءنا به أن الصوفية تعود إلى بداية الخليقة وأنها تتوافق في مفهومها العام بالتوجه
العولمي في الجانب الشمولي لكلى الظاهرتين ..كيف انتقلت السلطة الروحية إلىالجزائر؟
يجب العلم بأن في تاريخ التصوف برز اسمين محورين يتعلق الأول بـ عبد القادر الجيلاني مولى بغداد وإن كان أصله من جيلان إقليم جيلان أو كيلان أو قيلان ويعتبر اسمه قلاني في الحقيقة وإن كنا ننطقه هنا في الجزائر باسم الجيلالي وهو من إقليم قزوين بإيران وإن كان استوطن العراق ،واسم الثاني هو أبي مدين شعيب الإشبيلي الذي استوطن مدينة بجاية وسافر إلى بلاد الشرق وعاد إلى بجاية قبل أن يموت في مدينة تلمسان في عين تاقبالت ودفن في مدينة تلمسان كما تعلمون.
هذين الشخصيتين التقيا في مكة المكرمة بل هنالك من يقول بأنهما التقيا بجبل عرفات وهذا شيء مهم جدا لأن هذا اللقاء في بعده الرمزي وبعده الجسدي والتاريخي والروحي يعد نقطة إلتقاء التصوف المغربي والتصوف المشرقي. يقال أن عبد القادر الجيلاني عندما إلتقي الغوث أبي مدين في ذلك الوقت لم يكن غوثا بعد لأنه وصل إلى درجة الغوث بثلاثة ساعات قبل موته بعين تاقبالت . كانت آخر كلمة قالها وهو على فراش الموت:" الله الحق" التقى أبي مدين بعبد القادر الجيلاني الذي خلع عليه بردته وهذا في التقليد الصوفي والطقوس الصوفية هو اعتراف له بقطبيته وولايته ووصوله إلى درجة الحقيقة وهذا ما جعل نقطة انطلاقة روحانية المشرق إلى روحانية المغرب عندما عاد مرتديا بردة الجيلاني إلى بجاية حاملا ليست فقط إلى بلاد الجزائر وبلاد المغرب عموما بركة عبد القادر الجيلاني و إنما حمل معه كل الأنوار والأسرار إشعاعات التصوف المشرقي الذي حقيقة تولد مع الاسلام في الكوفة في مدرسة أهل البيت الذين هو كانوا أولى الأسماء التي تندرج في إطار سلسلة الطرق الصوفية لأنه كما تعلمون أن الطرق الصوفية تنتسب إلى حضرة رسول الله عن طريق الإمام علي الذي كما هو مشتهر في الحديث المنسوب إلى حضرة النبّي أن مدينة العلم علىّ بابها وهذه العلوم الباطنية تنتسب مطلقا إلى حضرة الإمام علىّ الذي هو رئيس الأولياء هذه بالنسبة للإنطلاقه الأولي لتصوف من المشرق إلى المغرب ؛ لكن قلبه كانت هنالك بذور التصوف هذه البذور سبقت أبي مدين شعيب الإشبيلي وهذه البذور وصلت بطريقة جسمانية بعبارة أخرى أن جحافل التصوف الأولى التي وصلت إلى الجزائرتمثلت في وصول العائلات الشريفة التي أدخلت مبادئ الزهد و الصمت والإنعزال و التبتل والإعتكاف هذه العائلات الشريفة التي وصلت منذ القرن الأول للهجرة والقرن الثاني للهجرة ومنهم يجب أن نعلم أنه من ذرية فاطمة الزهراء من هو مدفون منطقة عين الحوت(تلمسان) .
نفهم من هذا أن العائلات الشريفة هي التي بذرت أولى بذور التصوف بالجزائر ؟
نعم.. العائلات الشريفة هي التي بذرت البذور الأولى لتصوف الذي يعكس مدرسة حضرة النبي الروحانية كما تعلمون أن أول مسجد بني في الجزائر هو مسجد أغادير في أحواز من أحواز تلمسان وهو مسجد أحد أبناء فاطمة الزهراء وهو مدفون في منطقة عين الحوت والآن إذ بحثنا في رؤساء الطرف الصوفية أو مؤسسي الطرق الصوفية كما تعلمون نجدهم من الأشراف من العائلات الشريفة ونسميهم بالمرابطين لا أقصد دولة المرابطين ولكن المرابطين بالمعنى النسبة العائلية والروحية هذه العائلات هي من أسست الزوايا أولى الطرق الصوفية وإلى اليوم إذا سألت وبحث رؤساء الطرق الصوفية تجدهم في غالبيتهم في تسعة أعشار من الأدارسة وماذا يعني الأدارسة يعني من ذرية رسول الله فالتصوف منذ بدايته إلى غاية القرن الواحد والعشرين تحرسه العائلات الشريفة المنحدرة من حضرة رسول الله هذا يفسر مصداقية هذه المدرسة لأنها مدرسة تهتم بتوصيل السالكين إلى الله عندما يكون مقصدك حضرة الله وجناب الله كل ما سوى الله باطل كما يقول المثل أو كما يقول أهل الصوفية "الله بس باقي هوس" يعني عندما يكون مقصدك الله لا تكون كما الآخرين الذين يتكالبون على سلطات هي في منظور الصوفية زائلة والحقيقة البيولوجية هي مع الصوفية لانه إن كان من الجانب البيولوجي فإن الإنسان زائل وبالتالي فالصوفية لا يستثمرون في أجسادهم أو في بطونهم أو في بنايات زائلة لا يستثمرون في سلطات زائلة بإختفاء أجسادهم هم على وعي شديد ويومي بزولان أجسادهم هذا الزولان الموجود في الأمكنة الشرقية عند البوذيين مثلا وفي ديانات لليابانية مثل الشاتوية وفي الهندوسية كثيرا ما يغيب علينا في الجانب الغربي الكوكب الأرضي يعتقدون أنهم خالدون فيكدسون الأموال يبحثون على السلطات الزمنية يبحثون السلطات والبهارج الدنيوية وكثيرا ما يغيب هذا المبدأ وفكرة زولان الأشياء في الحين أن الصوفية دائما هي قائمة على مبدأ واستنكار زولان جسد الإنسان عندما تبقى هذه الفكرة راسخة في ذهنك وتستحضرها في كل لحظة وتستذكرك فنائك لبس فقط قبل موت ولكن في حياتك و حسب الحديث المعروف بحضرة النبي "موتوا قبل أن تموتوا" يعني أنه يجب أن يتذكر الإنسان زولان جسده وشخصه قبل الموت ... من ما يسمى الفناء في الله من ما جعلهم مغيبين هذا التغيب ليس تهميشا من طرف السلطات الزمنية وإن كان في بعض الأحيان مورست عليهم حملات تهميشية و إن كانت هذه الحملات لم تقضي عليهم لأنهم بطبيعتهم يعيشون مثل الدببة بمعنى بإمكانهم تخزين طاقاتهم في فصل الشتاء والعودة في فصل الربيع بكل طاقتهم دون أن يحرجوا إنسان أو كائنا من كان يعني إذا وضعتهم في نوم مفروض فهم ينامون يأخذونك على حد "سذاجتك" يقولون لك نحن نانمون إن اردت ذلك فلا يسعنا إلا أن ننام حتى يأذن لنا بالعودة إلى الحياة وعودتهم إلى الحياة عادة ما تكون سلمية فأنا عندما أشبهم بالدببة في جانب القدرة على التحمل،الصير وعندما يعودون إلى الحياة فهم يعودون كالفراشات يعودون كالحمامة التى عادت إلى سفينة نوح لتبشر بالسلم ونهاية الطوفان.
من منطلق كونكم باحثا في الظاهرة الصوفية ...كيف ينظر المتصوف للأخر و الأخر المختلف ؟
عند المتصوفة هنالك مقولة بدرجة حديث عندهم " الطرائق بعدد أنفاس الخلائق « ما يجعل المتصوف كثير الإحترام لإختلاف البشر فهم يعتقدون أن كل إنسان له عروج إلى الله حسب طبيعته وحسب إستعداداته الجسدية والروحية فهم يحترمون كثيرا خصوصية الإنسان مهما كان مثلا نجد ضنون المصري وإن كانت زمنيا غير محققة أن رابعة العدوية إلتقت بضنون المصري لكن هكذا رمزيا يقولون أن ضنون المصري عندما كان يلتقي برابعة العدوية عندما كانت لها في السابق حياة غير ملتزمة فقد كانت حسب الأثر إمرأة مستهترة بالأحكام الشرعية فقد كان ضنون المصري يقوم بتقبيلها على جبينها إحتراما لما كان ينظر ببصريته إلى مستقبلها الروحي ، كان يعلم بقلبه أن هذه الراقصة ستتحول إلى أكبر متصوفة في التصوف الإسلامي في البصرة وقد إنتهت بها الحياة في البصرة من إعتكاف وتبتل وخلوة وكانت تستقبل آلاف الزائرين من المشايخ والمردين لطلب بركتها وبالتالي هذا ما جعل المتصوفة ذوي إنفتاح متناهي على جميع الناس بمختلف مشاربهم لأنهم يعتقدون أن الإنسان في كدحه إلى الله يمكن أن يلقى في مسيره مآزق ..ويمكن أن لا يلقى في طريقه شيخه ، يمكن أن يكون في اليابان ولكن يكدح إلى الحق إلى الله بالوسائل التي تتوفر له ويصل إلى الله .هم يعتقدون أن الله موجود في جميع الحضارات والأديان والطرق الروحية لأنه ينظرون إلى هذا البوذي الذي ينظر إلى الله بصدق أو الراهب بنيته وصدقه فلا خوف عليهم كما ورد في القرآن الكريم إلى أن يصل إلى الله عن طريق التجربة الكشفية الباطنية إلا أنها تكون بعيدة لأسباب جغرافيا أو تارخية عن المدرسة الصوفية الإسلامية وإن كان يعتبر الصوفيون المسلمون أن طريقة الطرائق ورئيس السالكين محمد .
/