رئيس المجلس الأعلى للأثار: الأثار سرقة وخطف وغش وغباء وإهمال وعصابات منظمة

أغرب قصص ســرقات الآثــار‏!‏

بقلم : د‏.‏ زاهي حواس

المكان‏:‏ منطقة سقارة الأثرية‏..‏ إحدي أشهر المناطق الأثرية بالعالم كله‏.‏

الزمان‏:‏ إحدي ليالي الشتاء حيث غاب القمر وتوارت النجوم خلف السحب الكثيفة‏.‏

الخطة‏:‏ سرقة أحد مخازن الآثار عن طريق حفر نفق يؤدي إلي داخل المخزن‏.‏

أما عن المخططين فهم مجموعة من اللصوص المصريين وشركائهم من انجلترا وأمريكا‏,‏ أي أننا أمام شبكة لها اتصالات وتمويل ولديهم مخططاتهم‏.‏ كانت الخطة كما ذكرت هي حفر نفق للوصول إلي داخل المخزن الذي كان عبارة عن مبني صغير من الطوب اللبن‏,‏ يمكن وبأقل مجهود اختراق جدرانه‏!‏ وللأسف استطاع اللصوص الدخول إلي المخزن وسرقة جميع محتوياته من مختلف الآثار وكان من ضمنها بردية اكتشفت بسقارة عن طريق إحدي البعثات الإنجليزية‏,‏ بعدها استطاع هؤلاء اللصوص تهريب هذه الآثار إلي لندن وبمجرد وصولها بدأت عملية معاينتها وتقويمها‏,‏ ويبدو أنه استعصي عليهم تقويم البردية التي وصلتهم ضمن الآثار المسروقة من المخزن فما كان من اللص الإنجليزي وبكل‏(‏ بجاحة‏)‏

أو ربما غباء أن أخذ صورة منها وذهب إلي المتحف البريطاني وطلب مقابلة فيفيان دافيز رئيس قسم المصريات بالمتحف‏,‏ وبالفعل تمت المقابلة وعندما شاهد فيفيان دافيز وزملاؤه الصورة تأكدوا أنها البردية نفسها التي اكتشفتها إحدي البعثات الإنجليزية في سقارة قبل سنوات‏,‏ وأن هذه البردية لابد أن تكون بمخزن سقارة‏,‏ وهنا طلبوا من اللص الإنجليزي أن يحضر البردية الأصلية لكي يستطيعوا أن يقرروا أهمية البردية وأصالتها‏,‏ وفعلا حضر اللص ومعه البردية وتم القبض عليه‏,‏ وظن البعض أن القضية قد انتهت بينما الحقيقة أنها قد بدأت حيث صمم الضابط المكلف بالتحقيق أن يصل إلي العصابة بكل أفرادها ليفتح بذلك ملف واحدة من أغرب قصص سرقات الآثار‏.‏

والآن وعن دورنا ومسئولياتنا نحو هذه السرقة فلابد أن نعترف ونتحمل مسئولية هذا الإهمال الجسيم‏.‏ فالحقيقة أن هؤلاء الذين تولوا مسئولية الآثار لسنوات عديدة لم يفكر أحد منهم في تغيير شكل هذه المخازن‏,‏ أو حتي جرد محتوياتها والبحث عن أفضل الطرق لصيانة وحفظ ما بها من آثار‏,‏ ونحمد الله أن الوضع قد تغير تماما الآن بعد نقل الآثار من المخازن المتهالكة إلي أخري حديثة تتمتع بالحماية والأمن‏.‏

أما عن قصة ضبط أفراد العصابة وما قام به الضابط الإنجليزي الذي استطاع أن يكشف المتورطين المصريين في السرقة وبعضهم من العاملين بالآثار‏,‏ وكذلك اللص الإنجليزي وآخر أمريكي يدعي فردريك شولتر الذي دخل السجن لمدة ثلاث سنوات فسوف نفرد لها مقال آخر‏.‏

كذلك استطاع الضابط الإنجليزي أن يعيد القطع الأثرية التي هربت إلي أمريكا‏,‏ وكان الفضل في دخول اللص الأمريكي إلي السجن يعود إلي المحققة الأمريكية التي جاءت إلي مصر وتمكنت من استعمال القانون المصري في سجن اللص الأمريكي‏.‏

أما القضية الثانية التي حدثت منذ أيام قليلة فتعود بداية إلي سبتمبر‏2002‏ عندما قام معيد بكلية الآداب جامعة القاهرة بإبلاغ شرطة المعادي باكتشافه وجود تلفيات بالباب الخارجي لمتحف ومخزن الآثار التابع لكلية الآداب جامعة القاهرة‏,‏ حيث كانت الكلية تقوم بالحفائر في منطقة المعادي التي تعود آثارها إلي لعصر الحجري الحديث‏(‏ نحو‏5000‏ سنة قبل الميلاد‏),‏ وكذلك عصر ما قبل الأسرات‏,‏ أي أن هذه الاثار تحكي تاريخ مصر في أهم فترة من تاريخها‏,‏ وهي فترة تكوين الحضارة المصرية وعصر الأسرات‏.‏

وتعالوا بنا نقرأ ما أدلي به المبلغ عن اختفاء ـ علي حد قوله ـ أحجار وزلط‏,‏ والغريب أن يقرر في النيابة أن هذه القطع المفقودة لا تعتبر آثارا‏,‏ وليست لها قيمة مادية‏,‏ ودائما ما تستخدم كمادة علمية للدراسة فقط‏!!‏ واتهم عاملة النظافة وحارسة المتحف بالمسئولية عن فقد الآثار‏,‏ والغريب حقا أن هيئة قد تركت للجامعات المصرية التي تعمل في الحفائر أن تحتفظ بالآثار التي يتم الكشف عنها بالإضافة إلي بناء استراحات ومخازن تتبع الكلية‏,‏ ولم يكن لهيئة الآثار أن تتدخل في هذا الموضوع‏,‏ بل إنا لكلية مسئولة مسئولية مباشرة‏,‏ لذلك كان هناك ثلاثة أساتذة يشرفون علي الموقع‏,‏ وكان يذهب كل واحد منهم مرة واحدة في الأسبوع‏,‏

وبالموقع يوجد دفتر زيارات يسجل فيه كل الزوار الذين يأتون لزيارة المخزن‏,‏ خاصة لأن هذه الآثار في منتهي الأهمية لأنها تخص أهم فترة في التاريخ المصري القديم كما ذكرت‏,‏ وقد كشفها عالم ما قبل التاريخ إبراهيم رزقانة‏,‏ الذي كان يعمل أستاذا بكلية الآثار ونشر هذه المكتشفات في أربعة أجزاء كاملة عن طريق المعهد الألماني‏.‏

وللأسف الشديد نجد أن كلية الآداب لم تستطع أن تحرس مخزن واحد أو تغير هذا المخزن لكي يصبح مؤمنا بالكامل إلكترونيا كما هو موجود بالمخازن التي بها جهاز الخدمة الوطنية للمجلس الأعلي للآثار‏,‏ وهناك ما هو أشد فجيعة‏,‏ وهو سرقة متحف كلية الآثار‏,‏ ولا أعرف كيف سرق هذا المتحف‏,‏ وأن كل الأساتذة بالكلية مسئولين عن هذا الموضوع الذي قمنا بإبلاغ النيابة عنه‏,‏ بالإضافة إلي أن المجلس أصدر قرارا بعدم ترك أي قطع أثرية في مسئولية أي جامعة مصرية‏,‏ وأن كل هذه المخازن سوف تزال بعد نقل الآثار لمخازن المجلس الأعلي للآثار الذي يوجد به نحو‏33‏ مخزنا علي أعلي مستوي من الحماية وتقنيات الصيانة‏.‏

وطلبت النيابة تشكيل لجنة من المجلس الأعلي للآثار لجرد القطع الأثرية الموجودة بالمخزن‏,‏ وأشارت اللجنة إلي فقد‏370‏ قطعة أثرية تعود لعصر ما قبل التاريخ‏,‏ والغريب أن اللجنة وجدت أن سجل الجامعة به توصيف لبعض القطع المفقودة وعددها‏12‏ قطعة‏,‏ وتبين أيضا أن هناك‏248‏ قطعة من ضمن القطع المفقودة لا يوجد لها أي توصيف بسجل الجامعة‏,‏ وكذلك عدم وجود أي صور فوتوغرافية لجميع القطع الأثرية التي سرقت‏,‏ وهذا بالطبع لم يعط الفرصة للمجلس الأعلي للآثار عندما قرر أن يصبح مسئولا عن هذا المخزن‏,‏ لذلك لم يتم النشر الدولي عن القطع عن طريق الشرطة الجنائية الدولية المعروفة باسم الإنتربول‏,‏ حيث كما ذكرت توصيف أو حتي صور لهذه القطع‏.‏

ومن الغريب أن أغلب القطع الأثرية التي يتم ضبطها الآن بصالات العرض والمزادات‏,‏ سواء في لندن أو نيويورك وغيرها‏,‏ فعندما يتم إيقاف البيع ونعود إلي المخزن نجد أن المسئولين عن الآثار في ذلك الوقت لم يقوموا بالإبلاغ عن السرقة‏,‏ وذلك للخوف من العقاب‏,‏ بالإضافة إلي أن أغلب المخازن المسروقة لا يوجد بها أي محضر واحد يدل علي سرقتها‏.‏

وهناك العديد من الحالات المشابهة لذلك‏,‏ وعدم الإبلاغ عنها يضعف حقنا في الحصول علي الآثار‏,‏ لذلك يحاول إثبات الأحقية عن طريق السجلات التي يتم تسجيل الأثر بها‏,‏ وبرغم ذلك فهناك بعض المتاحف التي توجد لديها آثار مسروقة من مصر ورفض الاعتراف بهذا الموضوع‏,‏ وأغرب قصة هو أننا كشفنا عن وجود قناع مطعم من الذهب للمدعو كا نفر‏,‏ وهذ القناع كشفه المرحوم زكريا غنيم عام‏1954,‏ وقد حدث أن نقل هذا القناع من سقارة عام‏1959‏ إلي المتحف المصري‏,‏ وذلك لكي يسافر القناع ضمن آثار المعرض في اليابان‏,‏ وللأسف الشديد لا يوجد أي دليل لتسجيل القناع بالمتحف المصري‏,‏ أو وجوده ضمن الآثار التي عرضت في اليابان‏,‏ وطال بنا البحث‏,‏

ومن المحتمل أن يكون القناع قد سرق عام‏1959‏ وهو في طريقه من سقارة إلي المتحف المصري‏,‏ وبرغم أن اتفاقية اليونسكو لا تساعدنا علي عودة القناع حيث إنها تشير إلي عودة الآثار التي سرقت بعد عام‏1970,‏ فإن هذا القناع يوجد لدينا دليل واضح وثابت وهو سرقته وأنه مسجل رسميا ورفض مدير المتحف عودة القناع إلي مصر‏.‏

وهناك رجل أرمني شهير اسمه متورط في كل سرقات الآثار من مصر وعليه حكم سجن جنائي‏15‏ عاما في قضية الآثار الكبري‏,‏ ويجب أن يستمر تعقب هذا الرجل لتنفيذ حكم السجن‏,‏ وقمنا بإبلاغ عضو الكونجرس الأمريكي التابع له مدينة سانت لويس ومتحف الفن الموجود به هذا القناع‏,‏ وقد وعد عضو الكونجرس بأنه سوف يساعدني في عودته‏,‏ وقد قمت بإرسال خطابات إلي كل المدارس والجامعات الموجودة في سان لويس نحثهم علي عدم زيارة هذا المتحف ومقاطعته لأنه يحتوي علي قطعة أثرية مسروقة من مصر‏,‏ وأؤكد أنها سوف تعود مرة أخري إلي مصر‏,‏ فما ضاع حق وراءه مطالب‏.

رئيس المجلس الأعلى للأثار المصرية - الأهرام 7 يونيو 2008
‏

موضوع ممتاز يا عصام ، والحقيقة انتشرت جدا جدا هذه الظاهرة ، وأصبحت تضم مجموعة خطيرة من المافيا تظاهرها مجموعة أخرى لا بأس بها من أصحاب القرار
حتى الأهالي في بعض القرى والنجوع يلجأون للشعوذة والدجل من أجل فتح المقابر ولئلا تصيبهم لعنة الفراعنة أو نفحات حراس الكنوز
شكرا جدا على هذا الموضوع الشيق خاصة وصاحب المقام عالم بقامة دكتور زاهي حواس أستاذ علم المصريات ورئيس المجلس الأعلى للآثار وأحد القلائل الذين تعمقوا بكل حياتهم في علم المصريات وأسرار الفراعنة

الشاعر الصديق د.محمد
كما تقول فإن سرقة الآثار أصبح كلعنة الفراعنة، تشعر أنه أمر يلوث الجميع ولا ينجو أحد منه، الشائعات السائدة تورط أكبر الرؤوس في البلد في جريمة المتاجرة بها، وما يعزز من هذه الشائعات هو الاهمال القائم تحت بصر الجميع بما فيهم المسئولين الذين تتناولهم الشائعات، وهو إهمال تسبب منذ سنوات في حريق المسافر خانة وأدى إلى تهديد أبوالهول نفسه بالانهيار. ولم نسمع مثلا عن مؤتمر عاجل أو لجنة شكلت وسخرت لها الإمكانيات لإنقاذ الأثر المصري من كل هذه الكوارث التي تكتنفه، فضلا عن معاقبة مسئول، وكأن بقاء الإهمال أصبح مسئولية الجميع، وكأن إهدار الأثر أمر وارد وطبيعي ومسلم به، وكأن المتاجرة به كما يقول متدينو هذا الزمان حلال شرعا ولو كان القانون يحرمه. المؤكد يا صديقي أن من يسكت على خطأ يكون مستفيدا منه ولو لم يكن مشاركا فيه، وهذا هو الوجه النفعي من السلبية واللامبالاة التي تكتنف المسئولين تجاه قضية الأثار.
ويبقى السؤال: ما الذي يمكن أن يفعله مواطن أو مثقف إزاء تبديد تراث بلده وتاريخه؟
منذ سنوات قليلة بدأت تزدهر جماعات المجتمع المدني التي تحاول النهوض بالمهمات التي توقفت عن ممارستها الدولة بأطرافها البيروقراطية الميتة وشرايينها الروتينية المتصلبة، فسمعنا مثلا عن جماعة مصريون ضد الفساد ومصريون ضد التمييز الديني وشباب من أجل التغيير وأظن أنه آن الأوان لنشهد تكوين جماعة مصريون ضد تجارة الأثار

فما ضاع حق وراءه مطالب‏.
فعلا اخى الكريم لابد وان يعود يوم من الايام
شكرا اخى الكريم الموضوع جميل ويستحق المتابعة
خالص تحياتى اليك -------------------------------------- flower

الأخ شريف الحكيم
فعلا ما ضاع حق وراءه مطالب يخلص في المطالبة بحقه
وأيضا يقول المثل الشعبي : بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم
وبيت الآثار المصرية لا يخلو من ظلم ولا من إهمال أبدا