د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: قصتان وقراءاتان: دراسة في أدب محمد سامي البوهي : بنية اللعب ومفارقة الحقيقة الإثنين 09 يونيو 2008, 6:51 pm | |
| قصتان وقراءاتان: دراسة في أدب محمد سامي البوهي : بنية اللعب ومفارقة الحقيقة بقلم / د. مصطفى عطية جمعة يمثل القاص محمد سامي البوهي ، نموذجا فريدا في السعي لإيجاد بنية قصصية تتصف بتجاوز السرد التقليد القائم على الوصف البصري المباشر ، وتحكم السارد في مجمل المعلومات والأحداث المقدمة للمتلقي ، إلى اعتماد آليات قصصية جديدة أساسها بنية أسلوبية تعتمد البلاغية الممزوجة بحركية الأحداث ، وتصاعدها دون أن تكون عبئل على النص ،كما تتخذ المفارقة قناعا ، لتقديم رؤية ساخرة للواقع المعيش ، بكل زخمه وتداخله الإنسانيين ، ولا يغفل في ذلك من التعامل الإيجابي مع الأشياء ، في المكان والزمان ، وهو تعامل يؤنسنها ، وفي الوقت ذاته ، يشيئ البشري ، في جدلية تكاد تكون سمة مميزة للقص عنده . وسنقوم هنا بعرض نصين قصصيين : الأول نجد فيه إعادة قراءة ، أو قراءة فنية جديدة ، لمشهد يتكرر في حياتنا ، وتناوله عشرات القصاصين ، إنه مشهد البرود الزوجي الذي يعقبه الانفصال ، فالمعتاد أن نرى صخبا صوتيا ، بين الزوجين حول جدوى استمرار الحياة بينهما ، وأسباب هذا البرود ، نجد في قصة لعبة الصمت ، اعتماد آلية جديدة في عرض هذا المشهد ، تقترب من المشهدية السينمائية الصامتة . وفي القصة الثانية " مات الملك " نرى اللعب الممزوج بالجد ، والجد الهازئ باللعب ، في بنية جمعت : الرمزي ، والواقعي ، الساخر والدرامي ، اللعبي والجدي ، مع المفارقة القصصية التي تتكئ على لعبة الشطرنج لتقدم قراءة فلسفية للسياسي والحياتي . ولنبدأ بعرض القصتين ( المنشورتين في موقع الواحة الإلكترني ) على أن تتلوهما الدراسة النقدية لكل قصة على حدة .
قصة قصيرة : لعبة الصمت صامت لا يتحرك بكلمة واحدة ، يدخل عليها ، يخرج عنها ، ولا يترك لها سوى حديث الباب أمامه ، أو من خلفه ، حاولت أن تتحدث إليه ، أو تجتذب منه حرفاً واحداً ، لكنه أصر الصمت أن يكون لها وحدها من بين أشياء المنزل ، لا تسمع سوى أنفاسه ، أو نتاج تحركاته الضئيلة، كأن حكماً بحبس انفرادي كتب عليها ، أغلق عليها كل وسائل المخاطبة، الهاتف ، الجوال ، التلفاز ، المذياع ، الجيران ، أشفق الملل بظمئها ؛ فجعلها تعتصره لتصنع ما يروق لها من عصائر الصبر ،دهسها العام بهذا الحال ، فحدثه الزمن بفشل خطته - لم يلحق بها الجنون بعد - هكذا كان يضمر داخلة ، أراد الهروب سريعاً ؛ فحدثها باب المنزل بخروجه ، ناداها محرك السيارة برحيله ، انقطعت عنها جميع الأصوات ككل يوم ، همت بفتح خزانة ملابسها ، حملتها بين يديها لتكمل معها حديث الأمس،استمرأت حلاوته داخلها، أخذت تصفف شعرها الذهبي ،أرادت أن تتوجه بزهرة حمراء ، فسقطت الزهرة من يدها ، أحنت جسدها لإلتقاطها ، جذبتها عيناها إلى حقيبته ، أ شعرتها بعودته المفاجئة ، أسرعت بإخفاء صديقتها ، سقطت منها ، حاولت ان تلملم أدوات الزينة من أمامها ، تبعثر كل شيء حولها ، اقترب محرك السيارة ... أعلن باب الحصن عن عودته ، تقدم بخطواته ، ألقت جسدها عليها ... أزاحها ، تشبثت بها بكل ما تملكه من قوة ، جذب طرفها نحوه ، جذبت الطرف الآخر نحوها ، فانقسمت الدمية إلى شطرين .
الدراسة النقدية : تتعدد الزوايا لقراءة هذه القصة : فنحن أمام مشهد زمني شديد القصر ، هي ، وهو ، في لحظات الفراق ، أو في اللحظة الأخيرة المشهد الذي تلاه فراق وهجر منها ؛ إنها القشة التي قصمت ظهر البعير . وهنا نجد أن القصة انطلقت من آخر الحدث ، أو قمة الهرم لتعيد المتلقي إلى بدئه بشكل غير مباشر ، ليدرك المتلقي : كم كانت الحياة شديدة البرودة ، عميقة الجفاء بينهما ، وصار الصمت معادلا موضوعيا لهذا الجفاء . ارتباطا بالنقطة السابقة : فإن الصمت اكتسى بحلة جديدة في القصة ، والحلة دلالة ، والدلالة : حركية من تتابع حركات ( هي ) في فضاء السرد ، دون كلام ، فصار الصمت : سكوتا صوتيا ، وحركة مكانية . العنوان : لعبة الصمت : العنوان الكاشف ، الملخص ، ولو كان العنوان غير هذا كأن يكون : حبس انفرادي مثلا ، ليحدث دلالات عديدة ، لكان أبلغ ، فالعنوان الملخص يقدم نصف الدلالة ، في النص ، إن لم يكن الدلالة كلها . وهنا نجد الصمت تيمة العمل ، وينبئ مسبقا على إلحاح السارد في أن يلج المتلقي من منظور الصمت الذي عليه البطلان ، ولو ترك هذا الأمر للمتلقي ، يستنبطه بذاته ، لكان أبلغ ، خاصة أن البطلين هنا دون كلام أو حوار . لو ولجنا القصة من زاوية المنظور السينمائي في النقد لوجدنا أننا أمام مشهد سينمائي متصل الإيقاع والحركة ، ولكنه سينما صامتة ، تصمت الأصوات ، ونسمع حركات الأقدام ، وتنهدات النفوس ، ومن ثم القرار المتخذ ، نرى رد الفعل، ومن ثم نعي مبرره . وي منظور الفلسفة الشيئية : نجد تعاملا مؤنسنا مع الأشياء ، حيث نقرأ : "فحدثها باب المنزل بخروجه ، ناداها محرك السيارة برحيله ، انقطعت عنها جميع الأصوات ككل يوم ، همت بفتح خزانة ملابسها ، حملتها بين يديها لتكمل معها حديث الأمس،استمرأت حلاوته داخلها، أخذت تصفف شعرها الذهبي ،أرادت أن تتوجه بزهرة حمراء ، فسقطت الزهرة من يدها ، أحنت جسدها لإلتقاطها ، جذبتها عيناها إلى حقيبته ، أ شعرتها بعودته المفاجئة ، أسرعت بإخفاء صديقتها"، هذه الفقرة تمثل تعاملا مختلفا مع الأشياء ، فقد استعاضت( هي ) عن صمته بحوارها الأشياء ، تحادثها ، وتتوقع أن ترد عليها ، ونراها ترد عليها بالفعل وهذا من التجلي الفني للعمل ، حيث نلمس توحدا بين شخصية الزوجة وبين الأشياء ، وجعلنا السارد نعايش هذا التوحد من الكاميرا القصصية . في نفس الوقت الذي استحالت شخصية ( هو ) إلى شخصية حركية صامتة ، تعميقا لبرودة العلاقة بينهما ، فأصبح الجماد مؤنسا لهي ، محاورا لها عن الزوج الغائب عمدا ومتعمدا عن حياتها النفسية والمكانية والزمانية. إن تأويل هذه القصة يجرنا إلى نتيجة مهمة : فعندما يموت الحوار في حياتنا ، يموت الإنسان : الروح والعقل ، ويحيا الجسد المتحرك ، ويستنطق الجماد والأشياء . إنها قصة الخطر ، خطر الصمت الذي يكتوي الأزواج به ، كانعكاس لصخب الحياة خارج المنزل ، ومن ثم يرتكنان إلى السكوت داخله . وهذه شكوى ليست فردية ، بل تكاد تكون جماعية ، إن لم تكن مجتمعية إنسانية . **********************
قصة قصيرة : مات الملك
-الآن فقط مات الملك . - سنبدأ لعبة جديدة سيدي . فنجان القهوة يثقل الرقعة المخضبة بوجوه البشر ، تجاوره سيجارة حمقاء تمد أنفها في قاع المنفضة ،قداحة ، لفافة خرائط ، نظارة شمسية ، وأشياء أخرى متناثرة على صفحات جريدة مهملة ..... أشرقت السماء بلون الليل ، انفجرت مواقع النجوم بصبغة النيران ،اللحظات باتت متأهبة لاحتواء المعركة القادمة ، تجمعت أكفهم بالقسم على أحلام القدر ، خيط من شرر الطمع يمتد بين رؤوسهم ؛ ليكتب لهم ميثاق الحرب : بأن احرقوا الأشجار ، اقتلوا كل النساء والأطفال ، اهدموا المساجد والكنائس والديار ، جففوا الآبار والعيون والأنهار ... وأخيراً الهدف قتل الملك الأبيض، الملك الأسود وحده لابد وأن يعيش معتلياً عرشه فوق تلال الزمن ، تحمله أعناق الضحايا ليخلد في طريق الحياة . عاش الملك ... عاش الملك ... ترديد ... - بدأت اللعبة .... تحركت الجنود السوداء للأمام ، استعدت الجنود البيضاء لصد الهجوم ، تداخلت الجحافل ، امتزج البياض بالسواد ، تساقطت عناقيد القنابل ، أصابت جدران الطوابي الحصينة ، الفلول البيضاء مازالت تقاوم ، قفزت الأحصنة السوداء خلفها، توغلت بين الصفوف المتهالكة ، الصهيل الأسود يرعد قلوب المتفرجين ، دمرت كل الأسلحة القديمة ، ارتعدت الفيلة البيضاء فارتشفت قذائفها الصغيرة، و الأحصنة الأصيلة ركعت تحت أقدامهم ، مازالت الدماء تهتك عيون البياض المنتشر ؛ فطغى السواد على وجه المعركة ، انتشرت الأخبار عن قتل الوزير الخائن ، ومعه آلاف البشر ، وأن الملك يحتضر في مخبئه ، وأن نهراً جديداً ينبع من جروح الأبرياء .... - أغلق المذياع . - ما أجمل سماع الموسيقى الصاخبة . تأرجحت الحبال من ملايين المشانق ، المتهمون ينتظرون الحكم بعد أن أحكمت حلقات الموت حول أعناقهم ، صدر الحكم بإعدامهم رمياً بالرصاص ، فتدلت أجسادهم المتعبة في الهواء.... لملم القاضي أوراق قوانينه الرحيمة ، وغادر المحكمة بعد أن أحرق كل شيء ، و بقى الرماد يتطاير أمام أنوف المتفرجين .... انتشرت نوبات العطاس .... يرحمهم الله ... من ماتوا يتأرجحون بين السماء والأرض .... - أكمل اللعبة ... أعمدة الدخان تتصاعد من الطوابي البيضاء ، تكومت جثث الضحايا خارج الساحة الشاسعة ، الفراغ يكشف أسرار المعركة ، اقتربت كل الأسلحة من مخبأ الملك المهزوم ، الهزيمة ليست هي النهاية ، تجمعت الفيلة السوداء ، الأحصنة ، الطائرات ، الدبابات ، الجنود ، طوقوا المنطقة ، حاصروا الهواء بالشوارع ، انكمشت المدينة البيضاء كلها على كومة من السواد ، اقتربوا من الهدف ، الموت هو الهدف ، فجروا المخبأ بقنابل صنعت من قلوب مسمومة ، اعتقلوا الملك ... جرجروه بآلاف الجنود ، قيدوا كل قطعة من جسده بأغلال من فولاذ أحمر ، دفنوا وجهه في التراب ، وعاد القاضي من جديد ليفترش أوراق القوانين ، قرأها عليه بهدوء سكين باردة، ثم أصدر الحكم بإطلاق سراحه بعد أن يتم إعدام جسده المتهدل رمياً بالرصاص... - الآن فقط مات الملك . - سنبدأ لعبة جديدة سيدي . الدراسة النقدية : إذا قرأنا هذه القصة بعد قصة لعبة الصمت ، ولو تجاورت القصتان في مجموعة قصصية ، فسيكون لهما تأويل آخر : هل حياتنا المعيشة لعبة ؟ أم نحن أحجار في لعبة ؟ وبين هاتين اللعبتين ، نشعر بكم هائل من السخرية ، سخرية تصل لحافة العبث ، وعبث يقودنا إلى أن نرى الحياة والأحياء دمى في فضاء ضيق . هذا النص / اللعبة ، يقف عند : فضاء الشطرنج الضيق ، معبرا عن فضاء إنساني واسع ، فضاء الشطرنج حربي ، بين جيشين مهاجمين ، يحرك الدمى فيهما بشران ، وهكذا ضاقت القصة ، ليتسع التأويل ، والتأويل : إن حياتنا تتأرجح بين طرفين : طرف يهاجم وآخر يدافع ، ثم يتبادلان المواقع ، ليس في المعارك فحسب ، بقدر ما هي في سائر الحياة ، فربما تتعدد الأطراف المتصارعة ، وتتقاتل، وتتداخل الاسباب ، ولكن يظل الجوهر في النهاية : صراع للبقاء ، وبقاء الذات يرتبط - في المفهوم الإنساني المتصارع - بفناء الآخر . في القصة أفق رمزي ، ولكنه أفق الحافة ، الهامشية ، فعلى حافة النص أطلت دلالات الصراع الإنساني بكل اتساعها ، ورأينا في السرد أيضا : شخصين ، يتبادلان حوارا يتقاطع مع الأحداث والسرد ، والغريب أن الحوار جاء على النحو الآتي : - الآن فقط مات الملك . - سنبدأ لعبة جديدة سيدي . - - بدأت اللعبة .... - أغلق المذياع . - ما أجمل سماع الموسيقى الصاخبة . - أكمل اللعبة ... - الآن فقط مات الملك . - سنبدأ لعبة جديدة سيدي . عندما نضع العبارات الحوارية جنبا إلى جنب ، نجد أنها تعبر عن جوهر آخر للقصة ، فالحياة صراع في اللعبة ، واللعبة متكررة الأدوار ، وهكذا الحياة تتشابه في أحداثها ، ومواقفها ، والأدهى ، أنها متشابهة في البعد السياسي / فالملك مات، وسيبدأ دور جديد ، مع ملك جديد . تحيلنا هذه القصة لمقولة شائعة لحد المثل ، وهي مات الملك ، يحيا الملك ، وحسنا جاء العنوان بهذا اللفظ ، من أجل تسليط المزيد من الدلالة على تداول السلطة ، بالسلم أو بالحرب أو بالمؤامرة ، ولكنني أرى أن بعد المؤامرة هو الحكم في هذه القصة ، فالشخصان يدلان على أن ثمة أطراف خارجية بيدها لعبة الملكية والحكم، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن لعبة الشطرنج هي لعبة الملوك ، والملوك عندما يلعبون فهم يلعبون بمقدرات الشعوب ، وهكذا تكون اللعبة . القصة تتناص مع : مسرحية سعد الله ونوس ( السوري ) المعنونة ( الملك هو الملك ) ، التي تؤكد أن الملك سواء كان من الشعب أو من أسرة ملكية ، في الحالتين ذو سلوك واحد ، عنوانه التسلط ، وتتناص كذلك مع كتاب أحجار على رقعة الشطرنج ، وهو يعود لمؤلف أمريكي " مايلز كوبلند "، كان من رجال المخابرات ، ضمن لعبة كانت تعتمد عليها المخابرات الأمريكية في الخمسينيات والستينيات، وهي لعبة بسيطة : يتقمص رجل مخابراتي شخصية أحد زعماء العالم ، في الحياة والاجتماعات ، من أجل دراسة كيفية اتخاذ القرار من هذا الزعيم ، والموقف المتوقع منه إذا صدر موقف ما ، وعندما كان يجلس هذا المخابراتي على طالة الاجتماعات في المخابرات المركزية الأمريكية ، فهو يجلس متقمصا الشخصية المرادة، ويقدم رد الفعل المتوقع من هذه الشخصية لصانع القرار الأمريكي . وقد كان الكتاب تطبيقا على شخصية الزعيم " جمال عبد الناصر " . يا لها من مفارقة ، ويقول المؤلف : إنه قابل ناصر مرات في مصر ، ووجد أن اللعبة ناجحة لحد بعيد . نعود للقصة : بدأ السرد بحوار ثنائي ، وانتهى بنفس الحوار الثنائي ، وهذا أعطى البنية الدائرية للقصة وهي تعني أن الأحداث متكررة الوقوع ، متشابهة المواقف . انحرف السرد إيجابا ، فلم يكتفي السارد بالوصف البصري لمشهد اللعبة ، بل تخطاه إلى الوصف المتكامل للحواس : تحركت الجنود السوداء للأمام ، استعدت الجنود البيضاء لصد الهجوم ، تداخلت الجحافل ، امتزج البياض بالسواد ، تساقطت عناقيد القنابل ، أصابت جدران الطوابي الحصينة ، الفلول البيضاء مازالت تقاوم ، قفزت الأحصنة السوداء خلفها ، توغلت بين الصفوف المتهالكة ، الصهيل الأسود يرعد قلوب المتفرجين ، دمرت كل الأسلحة القديمة ، ارتعدت الفيلة البيضاء فارتشفت قذائفها الصغيرة، و الأحصنة الأصيلة ركعت تحت أقدامهم ، مازالت الدماء تهتك عيون البياض المنتشر ؛ فطغى السواد على وجه المعركة ، انتشرت الأخبار عن قتل الوزير الخائن ، ومعه آلاف البشر ، وأن الملك يحتضر في مخبئه ، وأن نهراً جديداً ينبع من جروح الأبرياء .... " هنا : نجد أجواء المعركة بالفعل ، وهذا تدخل من السارد ، لأنسنة الأشياء ، وهي لازمة أسلوبية في قصصه ، حيث راينا في قصة لعبة الصمت : نفس الأنسنة الشيئية ، وربما هذا يمثل تدعيما للبعد الإنساني الفلسفي المرام في هذه القصة . وقد تميز الأسلوب عامة بنكهة بلاغية جمعت الحركي مع الوصفي البصري ، وتداخلت الحواس بشكل لافت ، ومنها قوله : " الصهيل الأسود يرعد قلوب المتفرجين ، دمرت كل الأسلحة القديمة ، ارتعدت الفيلة البيضاء فارتشفت قذائفها الصغيرة " ، إننا هنا إزاء وصف يتخطى الوصف التقليدي القائم على البصرية ، إلى الوصف المتكامل القائم على الحواس مع الاعتناء بالتفاصيل الصغيرة ، وأنسنة الدمى . واختتمت القصة بفن المفارقة ، فقد تحولت اللعبة إلى أنسنة كاملة ، وهذا ناتج طبيعي للسرد السابق الذي عمق الإنساني على حساب اللعبي ، فأصبحنا إزاء معركة إنسانية ، فالسارد يقول : " اعتقلوا الملك ... جرجروه بآلاف الجنود ، قيدوا كل قطعة من جسده بأغلال من فولاذ أحمر ، دفنوا وجهه في التراب ، وعاد القاضي من جديد ليفترش أوراق القوانين ، قرأها عليه بهدوء سكين باردة، ثم أصدر الحكم بإطلاق سراحه بعد أن يتم إعدام جسده المتهدل رمياً بالرصاص..." لم يعد الأمر لعبة ، بقدر ما صار واقعا معيشا ، نراه ونحياه في حياتنا ، وهذا ما يسمى فن المفارقة القصصية ، فاللعبة استحالت جدا ، ثم يصدمنا السارد بجو اللعبة ثانية ، بتكرار عبارتي الحوار اللتين استهلت بهما القصة ، فنحتن إزاء لعب وجد ، وجد ولعب ، وهكذا حياتنا . ما أشد السخرية ! ومأ أقساها ! وما أروع أن نعي جوهر الحياة ، فلا نتصارع ، لأننا في النهاية دمى، ربما تكون الكلمة الأخيرة حادة ، ولكن لها بعض المصداقية شئنا أم أبينا . | |
|