د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: نص " أنا الجاسوس " ، وقراءة نقدية الإثنين 09 يونيو 2008, 6:59 pm | |
| نص " أنا الجاسوس " ، وقراءة نقدية : >ز مصطفى عطية جمعة هذه القصيدة للشاعر عبد الناصر حجازي ، فاسمحوا لي بعرضها ، وعرض قراءة نقدية فيها ،
أنا الجاسوس أنا الجاسوس اللى انتوا بتحاكموه بتهمة إتصاله بالعدوّ وكل واحد فيكوا حضر" لى القرار والمشنقة من غير ما تلسع قلبه نارى ، أو يعيش لحظة فى مرارى ، أو يحسّ بأزمتى لو قلتوا قبل ما تتشنق نفسك فى إيه ؟ هاقول : تدوّى صرختى ، تدّونى فرصة اصرخ واقول لكوا كلمتى بعدين تحطوا المشنقة .. فى رقبتى لجل احصل على ( حريتى ) أنا الجاسوس اللى اتصل بعدوّكم .. لما اكتشفت .. إن انتوا أعدائى الأشدّ ، انتوا الوحوش المصّة دمى وآكلة قوتى انتوا اللى بتتاجروا بحياتى ولسه هتتاجرم بموتى إسمعونى .. يمكن ابقى لحدّ من أحفادكوا درس من الدروس أنا الجاسوس اللى النظام لعب بأحلامى الإزاز ومشيت فى وسط الاحصنة مركّب جهاز ضهرى الخسع .. سّبب لبطنى الضرب من كل اتجاه نهرى الفقير .. ممنوع يصبّ فى بحركم ، ممنوع يكون لى زيّكم ضلّة وشجر بتزرعونى ف لحظة الشهوة الحرام .. وبتقطفونى فى العطش ، بتخصخصوا حريتى .. وبتخطفونى بالقانون وبتلغوا عقدى مع الحياة بطلب إحاطة سلّمتوا أحلامى للصوص العولمة .. وقبضتوا حقى بالدولار ضحية بين شاشات إباحة .. شيوخ بلاستيك .. كل أشكال القمار ع الزيرو 900 حقق حلمك الميّت وكرّر لاتصال وتحوّلوا الحلم لحسابكم فى البنوك أنا عبدكم ... وانتوا الملوك أنا الحرس ... وانتوا النيام أنا القيام ... وانتوا الجلوس أنا الجاسوس ... اللى اتعمل لى ألف جنحة وألف محضر ... يوم ما فكرت انى ابيع فاكهة وخضار ، وكفرت بالحج اللى عارضاه الحكومة .. للى يكسب فى القمار ، أنا الفقير المستحى ، أنا النجيل المستباح بيتّهمنى المرتشى واللص والقواد .. عشان ماليش ضوافر أو حشف احكم بسرعة يا قاضى قبل ما تنكشف زى الرفاق احكم بسرعة أنا فى اشتياق اروح لقاضى بجدّ عادل هوّ اللى أعلم بالنفوس أنا الجاسوس اللى انتوا جوّعتوه لحدّ ما عضّكم اللى اترمى فى الحجز لحظة ما اللصوص طلعم براءة ، بعت صوتى ع البطاقة بحق فرخة .. وانتخبت اللى استباحنى ، اللى يوم العيد دبحنى ، واشتكانى لما زاد وجعى وصرخت وقلتم ان الثّورة أنهت ع الفوارق الفوارق فى ازدياد ، وكل خرم فى مصر بيفيّص فساد ، وفيه طبقتين فى البلاد : الأولى بتهيّأ حريمها للخديوى ، والتانية بتشحّت عرابى قلوبها حاف الأولى بتضاجع عدّوى .. والتانية بتحّميها بدموع العيال تلاتين سنة وبقبض تراب .. فى مصالح المغضوب عليهم المحرومين من أى ميزة وأى ( كادر ) أما اللى كرشه بيشغى دود .. اللقمة من إيده بحلل هو اللى يسرق واتحبس دايما مكانه ، هو سلطاننا فى زمانه أما انا ...ع السلّمة الواطية افضل احبى واشدّ فى هدوم الرغيف ولو مشيت عكس اتجاهكم ... يتعمل لى مخالفة وأتّاخد تحرّى .. واصرخ ما فيكم حدّ فكّر يلتفت وغصب عنى بتحلمم ، وغصب عنى ليلاتى يرعبنى الكابوس أنا الجاسوس اللى انتوا من ستين سنة بتستعبدونى تضحكم دايما بدونى بس وقت اللطم بتحنّوا لخدودى ، بتسرقوا الخطوة اللى رجلى محوّشاها رجلى اليتيمة الماشية تئزح ع البارود أما انتوا رجليكم بتضغط من زمان .. على بقّى والأمر السيادى : اسكت وبوس أنا الجاسوس ..اللى ان ديدان البلهارسيا تحشّ كبدى .. ما لقاش فى مستشفى الأميرى .. غير شريط طباشير ما يسوا التذكرة ، والطيارات محجوزة للرقاصة تتعالج بأمر من الولي ساذج وصدّقت الولى.. فى يوم ما قاللى: همنع الدرس الخصوصى .. لجل تلقى للعيال تمن الرغيف ، و ف يوم ما قال ان المناصب والمراكز والمجالس .. من هنا ورايح هتبقى للشريف ، وف يوم ما قال شجر العدالة هيرمى ضله على الضعيف وما خدت من مطر الوعود الا البخار ، واستسلم الكبش الضحية للرحيل هموت بدلكم وانتوا تحيوا نيابة عنى مانا عشت عمرى اعرق بدلكم وانتوا تقبضم الفلوس أنا الجاسوس حبيت اجرب مرة حق الإختيار حبيت اجرب وأنتخب مرة بإرادتى .. فانتخبت عدوكم .. واختّرت ابيع العمر للّى يدفع أكتر ادبحونى واشحنوا بدمى الموبايلات اللى جايّة لكم ( كادوه ) ، أو فوّلوا بدمى الرخيص السيارات آخر موديل أو اشنقونى واقطعم ديل الخيانة مع إن كان مفروض عليكوا تبدؤا بقطع الرؤوس أنا الجاسوس اللى حساباتى كلها طلعت غلط جيت اختبر حريتى قلت لآمون : العهد طوّل .. والرعايا نفسهم يمشوا فى جنازتك قام حالفلى ما يمشى غير لو ساب وريث .. ياخد عزا كل الرعايا ! فمشيت وراه ساكت .. ورغم سكاتى سابنى فى الطريق .. وتهت علما ان انا صاحب الفانوس أنا الجاسوس .. وكلكم جواسيس بتتقابلم مع الأعداء فى نص الليل .. بتتفقوا .. وتتواصلوا .. وبتتاجروا .. وبتفاصلوا .. وتتساهلوا ف تمن دمى ، بتنسوا ( قضية الأسرى ) وتفتكروا اللى من قهره استجار بالريح .. وحاول يلقى فى الليل العقيم طلق الشموس ........................... آدى الدفاع عن نفسى وادى التبريرات حضّرتهم ..عشان اقولهم لو صحيح .. القهر زوّد أزمتى ، ولقيتنى مضطر انى اكون .. فعلا .... جاسوس
******** الدراسة النقدية : جاء هذا النص معبران عن لسان حال بعض الجواسيس لليهود الذين سقطوا في أيدي المخابرات المصرية ، وتمت محاكمتهم . قد يبدو في النص بعض التبرير للجاسوسية ، ولكنه من الوجهة الإبداعية - في رأيي المتواضع - يجوز للأديب أن يتناول القضية من وجهة نظره المبدعة ، وهي وجهة نظر مميزة ، لأن الصحف القومية تتابعت أقلامها على مهاجمة الجواسيس والعمالة ، ولم تتفضل هذه الاقلام بعرض الرأي الآخر المتمثل في الجاسوس نفسه ، وهو مشروع بلاشك ، في ضوء حرية الرأي والرأي الآخر . وكون الشاعر يختار وجهة النظر الأخرى هذا مشروع ، فهو اختيار إبداعي ، مبرر في النص ، وكونه يثير هذا الاختلاف والنقاش دليل على الجدة والابتكار ، ناهيك عن بنية النص الفريدة التي أعدها علامة في شعر العامية المصري . وأرى أن الشاعر قدم بنية شعرية شديدة التميز ، نبعت من : - التدرج من البسيط إلى المركب ، حيث بدأ بالعنوان أنا الجاسوس ، وكرره في المطلع ، وجعل المطلع كله بسيطا ، مصاغا في هدف مباشر ، وبلغة شعرية شديدة السهولة ، تذكرنا بشعر بيرم السياسي ، وشعر جاهين الوطني ، حيث يقول : أنا الجاسوس اللى انتوا بتحاكموه بتهمة إتصاله بالعدوّ وكل واحد فيكوا حضر" لى القرار والمشنقة من غير ما تلسع قلبه نارى ، أو يعيش لحظة فى مرارى ، أو يحسّ بأزمتى هنا نجد بنية شعرية ذات خطاب يقف عند مستوى الدلالة الأولى ، الدلالة المباشرة ، وهي حادة في توجهها ، موظفة فنيا ، لا نستطيع إدانتها ، بقدر ما نتفهم هذه الحدية الخطابية ، لأنها تعرض أن الشاعر سيتجه اتجاها آخر ، هو اتجاه الجاسوس ، يتبناه ويعرض رؤاه .
- جاء المركب الفني محملا بالرمز والصورة ، بجانب حدة الخطاب الشعري ، فيقول : أنا الجاسوس اللى النظام لعب بأحلامى الإزاز ومشيت فى وسط الاحصنة مركّب جهاز ضهرى الخسع .. سّبب لبطنى الضرب من كل اتجاه نهرى الفقير .. ممنوع يصبّ فى بحركم ، ممنوع يكون لى زيّكم ضلّة وشجر بتزرعونى ف لحظة الشهوة الحرام ..
لفظة النظام شديدة الجرأة ، واضحة الرسالة ، عميقة الإدانة ، فهو اختصر الطريق على المتلقي ، وجعل الخطاب الشعري حواريا في إدانته لجهة واحدة وهي النظام الحاكم . ومن ثم عزف معزوفة الصورة ، فراينا بنية الصورة المركبة ذات اللفظ الموشى بالزيف ، فالأحلام زجاج ، والظهر خسع . هنا جمع الجسدي / الظهر ، والنفسي المستقبلي / الحلم في صورة واحدة، ثم جعل الخريطة المصرية فردية : فالنهر ( يقصد النيل ) في ازدواجية ، يعبر عن أحلام البسطاء ومستواهم المعيشي ، واستخدم تيمة المائية : النهر والبحر ، لتبيان عمق الأزمة الانفصالية المجتمعية ، حتى الظل والشجر صار ضمن الأزمة ، هنا قاموس شعري مميز في بنية النص . - إدانة الزمن: وهنا نجد توجها جديدا ، فهو يمدد العمق الزمني إلى ما قبل يوليو ، في إدانة مباشرة للثورة ، التي كانت موضع غناء الشعراء ، وهذا اتساق مع بعض الدعوات التي ترى أن الملكية كانت أفضل حالا من الجمهورية . يقول : أنا الجاسوس اللى انتوا من ستين سنة بتستعبدونى تضحكم دايما بدونى بس وقت اللطم بتحنّوا لخدودى ، بتسرقوا الخطوة اللى رجلى محوّشاها رجلى اليتيمة الماشية تئزح ع البارود أما انتوا رجليكم بتضغط من زمان .. على بقّى والأمر السيادى : اسكت وبوس والصورة شديدة الروعة : وقت اللطم ، ورجلي اليتيمة ، إنها تقدم معزوفة جسدية ، فالألم جسدي ، الخد ، الرجل ، الكتف ، وكلها غشارة واضحة لقضايا حقوق الإنسان المهدرة ، مع سخرية بـ : اسكت وبوس ، دلالة على انهزامية الشعب . وتأكد هذا التوجه من خلال عمق فرعوني حيث يقول : جيت اختبر حريتى قلت لآمون : العهد طوّل .. والرعايا نفسهم يمشوا فى جنازتك قام حالفلى ما يمشى غير لو ساب وريث .. ياخد عزا كل الرعايا !
فآمون إله الفراعنة ، والدلالة الزمنية تشير إلى العمق الفرعوني التاريخي ، فالفرعون حاكم لا يغادر إلا بالموت ، ويظل محنطا في موته ، ويجبر رعاياه على بناء قبره ، وقبل ذلك يعد العدة لابنه ، وإشارة التوريث شديدة الوضوح ، رغم رمزيتها الفرعونية . ويقول : أنا الجاسوس ..اللى ان ديدان البلهارسيا تحشّ كبدى .. ما لقاش فى مستشفى الأميرى .. غير شريط طباشير ما يسوا التذكرة ، والطيارات محجوزة للرقاصة تتعالج بأمر من الولي ساذج وصدّقت الولى..
لفظة الوالي = الحاكم = النظام ، وهي تتسق مع بنية النص السياسية ، فالوالي إشارة إلى التبعية ، والانهزامية ، عقلية الموظف التابع التي تتحكم في القادة ، وجاءت متسقة مع الأهمال الحكومي في الخدمات الصحية .
وجاء ختام النص مؤكدا أن ما سبق إنما دفاع الجاسوس الذي لم نسمعه ، في محكمة لم نرها ، وبالتالي تتحول القراءة من شعر متدفق إلى بعد مسرحي مونودرامي ، أي خطاب مسرحي من المتهم ، مباشر للهيئة والناس ، هو يرى الناس ، ونحن لا نرى الهيئة القضائية ولا الإدانة ولا التهمة المحددة ، فكل هذا غائب ، لأن الموضوع ببساطة حضر في وسائل الإعلام التي روجت من طرف واحد للقضية ، وهنا المونو دراما تقدم الطرف الآخر واحدا دون ترويج . يقول : آدى الدفاع عن نفسى وادى التبريرات حضّرتهم ..عشان اقولهم لو صحيح .. القهر زوّد أزمتى ، ولقيتنى مضطر انى اكون .. فعلا .... جاسوس
وختامه اعتراف بالجاسوسية ، وهو قمة الشعرية والتوحد النفسي . نص رائع ، مستفز ، تجاوز الخطوط الحمراء إلى الأعماق .
| |
|