حدث أبو جعفر قال: بينا محمد بن زبيدة الأمين يطوف في قصر له، إذ مر بجارية له سكرى، وعليها كساء خز تسحب أذياله، فراودها عن نفسها،
فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا على حال ما ترى، ولكن إذا كان من غد إن شاء الله.
فلما كان من الغد مضى إليها،
فقال لها: الوعد.
فقالت له: يا أمير المؤمنين: أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار؟
فضحك، وخرج إلى مجلسه،
فقال: من بالباب من شعراء الكوفة؟
فقيل له: مصعب والرقاشي وأبو نواس.
فأمر بهم فأدخلوا عليه، فلما جلسوا بين يديه
قال: ليقل كل واحد منكم شعراً يكون آخره: " كلام الليل يمحوه النهار "
فأنشأ الرقاشي يقول:
متى تصــحو وقلبك مستطار ... وقد منع القــرار فلا قرار
وقد تركتك صباً مســـتهاماً ... فتــاة لا تزور ولا تـزار
إذا استنجزت منها الوعد قالت ... كــلام الليل يمحوه النهار
وقال مصعب:
أتعذلني وقلبك مســتطار ... كئيــب لا يقر له قرار
بحب مليحة صـادت فؤادي ... بألحاظ يخالطها احـورار
ولما أن مــددت يدي إليها ... لألمسـها بدا منها نفار
فقلت لها عديني منك وعداً ... فقالت في غد منك المـزار
فلما جئت مقتضـياً أجابت ... كــلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو نواس:
وخود أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكر الوقار
وهز المشــي أردافاً ثقالاً ... وغصــنا فيه رمان صغار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التجميش وانحل الإزار
فقلت: الوعد سيدتي. فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهار
فقال له: أخزاك الله، أكنت معنا ومطلعاً علينا؟
فقال: يا أمير المؤمنين عرفت ما في نفسك فأعربت عما في ضميرك.
فأمر له بأربعة آلاف درهم، ولصاحبيه بمثلها.
من كتاب العقد الفريد