الرّوح في المعتقد الفيدي عند الهندوس
منقول
يمثّل" براهما " في معتقد الهندوس اله الخالق، و " أتما" فرعا منه...ممثلاّ بذلك النفس الخالدة في الإنسان...و من هنا كانت جوهر فكرة الخلود عندهم.
" الأتما " تنفصل عن " براهما " و منذ انفصالها يبقى همّها الرجوع و الانصهار فيه من جديد…فهذا الانفصال معيش عندهم على غرار التكاثر النباتي. حيث ينفصل الفرع عن الأصل حاملا كلّ مقوّماته إلى أن يعود الفرع أصلا في البذرة…و هكذا دواليك. الفرع موجود في المقام المقدّس…المقرّ النهائي للآلهة الخالدة. و على خلاف ما رأينا عند الفراعنة تنطلق الروح مباشرة من الجسد إلى الأعلى أي إلى الإله…الصالحة يأخذها "ياما و يرفعها للجنّة مباشرة حيث تنعم بكلّ اللّذائذ الأرضية التي تكون بدورها قد إستوت و أصبحت أبدية.
يشبه الوصف الفيدي لعلاقة " أتما " ب "براهما " ما يعايشه الفرد في تحليله النفسي مع بقايا ميثولوجية حياته عندما كان جنينا في بطن أمّه…يعيشها الفرد و كأنّها جنّته المفقودة…و هذا ما يعيشه بغض مرضى العصاب من انكماش و انعزال في مكان مظلم…في اجترار خيالي لأمنهم الجنيني…فالجنين يشبه الفيدي في جنّته. الجنين في بطن أمّه ينعم بجميع خيرات الأرض التي تتغذّى منها الأمّ و لا تصله إلاّ " رحيقا " مصفّى.
إذن يمكن، اعتبار الفيدي في جانب من جوانب ديانته، يعبّر حياتيّا عن ميثولوجية حياته الجنينية في غياهب ظلمات بطن أمّه، ولوعة فراقه لجنّته مع ولادته...و لا شيء في اجتماعياته يعوّض له انبهاره الأبدي بالطمأنينة و الرّاحة و السعادة التي عرفها هناك. هذا الانبهار فعّال و أخّاذ عندهم، الشيء الذي يدفع بالكثير منهم إلى النكوص حياتيّا و رمزيّا إلى هذا المكان: بطن الأمّ، حيث يدفن بعض محترفي الYoga أنفسهم في قبور مهيأة لهذا الغرض و لا يحتفظون معهم إلاّ بالقليل من الطعام و الهواء. هكذا ينقطعون عن العلم الخارجي في خلوة قاسية...في محاولة منهم للسيطرة على الجانب العضوي الذي يسجن الرّوح و يمنع انطلاقتها.
أعتقد و بناء على تجربتي في التحليل النفسي أنّ الفيدي لا يتسامى إلى الفوق...بل ينكص إلى الوراء، إلىحياتة الجنينية حيث كان أمنه و كانت راحته.
إذن عكس الفرعوني الذي كان يخاف موته و تفكّك جسمه في التراب؛ الفيدي مبهور بحياته الجنينية التي فقدها لحظة ولادته. ولا سلوى له إلاّ اعتقاده أنّه ملاقيها في لحظة تشبه لحظة الولادة: لحظة الموت.
الفيدي لا يخاف موته لذلك يسعى لها. لأنّه يقرنها رمزيا بلحظة و لادته، فهو لا يحمل عنها شعوريا شيئا يذكر أمّا حياتيّا فلا سلوى له عن بطن أمّه.
هناك تشابه بين المعتقدات الفيدية و التصوّر الهليني للروح؛ لنرى ذلك.