فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله Empty
مُساهمةموضوع: تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله   تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله I_icon_minitimeالسبت 28 يونيو 2008, 2:06 pm

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث - قسم ١ من ٢



أ- تندرج موضوعة " الجنس اللّغويّ"، أي الجنس في اللّغة " gender"، في بنية اللّغات وخصائصها الصّرفيّة الدّلاليّة، وما ترتّب عنهما من إسقاطات على موضوعة النَّظم اللّغويّ/ النّحو، والأسلوبيّة.

إنّ ظاهرة التّذكير والتّأنيث، والأجناس الأخرى التي تُرَدُّ إليهما، أو إلى تصنيفات أخرى، قديمة المنشإ كاللّغات ذاتها، ولا تعنينا، في هذا السّياق، نظريّات النّشوء اللّغويّ من حيث توقيفيّة اللّغات أو وضعها، ففي الحالتين كلتيهما، تعاملت اللّغات مع المذكّر والمؤنّث بميزات وسمات لغويّة تخلو من أيّ غاية تصنيفيّة استعلائيّة أو استفاليّة، هي قضيّةُ حياديّة اللّغة، وصدقُ مفرداتها وخطابها، أي أنّ وجود مفردات مذكَّرة، وما يلحق بها من ضمائر خاصّة بها، وأسماء إشارة، وكنايات، وصِيَغ صرفيّة تليق بها، ووجود المقابل المؤنّث باستحقاقاته الضّميريّة والإشاريّة والصّرفيّة، لم تتعدّ يوما التّعبير عن أصحاب اللّغات المنقسمين إلى هذين الجنسين، وبكلمات أخرى لم تُوَظَّفْ إلا في قضيّة صدق الخطاب، ومن ثمّ اندرجت في معياريّة اللّغة، بعد أن تقعّدت اللّغات. أمّا الانتقال من الحياديّة لكلمة gender بمعنى الجنس، إلى اللاحياديّة، فهو من صنيع مؤثّرات اجتماعيّة تتّسِم بالهيمنة لأحد الجِنْدَرَين، وردّة الفعل التي حدثت بعد تشكُّل الحركات النّسويّة، رفدت الدّرسَ المجتمعيّ واللّغويّ بمصطلحات ما كانت مسكوكة من قبل، فوقع التّمييزُ بين الجنس sex والـ gender، فصارت الثّانية، والتي كانت مرادفة للأولى، تعني الحالة الاجتماعيّة أو الوضع الاجتماعيّ المترتّب على الانتماء إلى sex معيّن، ولعلّ المجتمع الذّكوريّ المهيمن، لأسباب عدّة، بما سكّه من مصطلحات انضافت إلى خطاياه، وراء هذا التّركيز المفرِط على قضيّة الجَنْدَرَة أو الجَنْسَنَة على صعيد اللّغة، حيث بدا التّمييز بين الجنسين فادحًا فاضحا، وبدأت العناية، بعد كلّ مؤتمر نسويّ(1)، تنصبّ على اللّغات، والغربيّة منها بشكل خاصّ، في محاولة للتّغيير وإزالة ما يدلّ عى الجندر أو الحالة الاجتماعيّة، واجتُهِد في تحويل اللّغات، من حيث بنيتها وأسلوبيّتها، من لغات مُجَنْسِنَة sexist languages إلى لغات غير مجنسنة non-sexist languages.

قد نعبّر عن اللاجنسنة بـ " تخنيث اللّغة"، والكلمة مشتقّة من " الخُنْثَى"، والخُنثى: صفةُ أو اسمُ ما ليس خاصّا في الذّكورة أو الإناثة؛ وعلى الصّعيد العضويّ، هو مَن له ما للذّكر وما للأنثى، والأصل فيه التّكسّر والتّثنّي واللِّين. وعلى الغالب، ورغم " شموليّته" الجنسيّة العضويّة، لا يقال إلاّ في وصف الذَّكَر، وبإسقاطات دلاليّة غير محايدة، لا تُخفي ميلَهُ أو تصرّفه الإناثيّ، ولعلّ ما يقف وراء هذا، إضافة إلى عوامل لا علاقة لها باللّغة، الدّلالة الأصليّة للجذر " خنث" الحامل لمعاني اللّين والسّير الغَنِج المتثنّي.

إن كانت عمليّة نزع الجنس أو اللا جنسنة "degenderization"، قد قطعت شوطا على صعيد الإنجليزيّة- أو هكذا يبدو-، فما هو حظّ نجاحها في العربيّة، وهل من حاجة إلى الأمر أصلا؟ عن تساؤلات كهذه أحاول الإجابة لاحقا.

ب-

لا تختلف العربيّة، ومعها أخواتها السّاميّات، عن بقيّة العوائل اللّغويّة المعروفة، فالتّذكير والتّأنيث واردان فيها جميعا، مع اختلافات طفيفة تتمثّل بـ:

1- تَمَيُّز السّاميّات بوجود هذين الجنسين فقط، والأصل في تحديدهما هو الذّكورة والإناثة الفسيولوجيّة، وهو ما تعرفه العربيّة بالمذكّر الحقيقيّ والمؤنّث الحقيقيّ؛ أي من له عضو الذّكورة، ومن لها عضو الإناثة، أو ما له فَرْجٌ بمصطلحات القدماء، ثم ألحِقَت بقيّة أسماء الأشياء بهذين الصّنفين مجازا، وهو ما يعرف بالمذكَّر والمؤنَّث غير الحقيقيّين، وذلك وفقا لمفاهيم الشّعوب نفسها، أو وفقا للتّقديرات القواعديّة، وأعني بمفاهيم الشّعوب أن يُعدَّ " الباب"، مثلا، مذكّرا في العربيّة، مؤنّثا في العبريّة وفي الألمانيّة، و" الشّبّاكُ" مذكّرًا في العربيّة والعبريّة، محايدًا في الألمانيّة، وأن يكون " الجدار" في العربيّة مذكّرا، ومقابله العبريّ المشتقّ من الجذر نفسه مؤنّثا، إلى ما هنالك من أمثلة لهذا القبيل، ولنقيضه.

2- أن يصحّ تذكير وتأنيث المفردة الواحدة، كما هي الحال مع " حال" و "طريق"، " إنسان"، "طفل"، " ألِفٌ"، " قافٌ"… وما إلى هذا.

3- تذكير بعض المفردات في لهجة عربيّة، وتأنيثها في أخرى، وهو ممّا تحفظه لغة القرآن الكريم، والكتب المختصّة، والمعجمات، نحو: أسماء الجنس الجمعيّة(2) ] وهي ما كان بينها وبين مفردها تاءٌ مربوطة أو ياءُ نسبة[، نحو إنس، نخل، نحل، نمل، عرب، روم، وأسماء الجمع ] وهي جموعٌ، مفرداتُها من غير لفظها[، نحو قوم، نساء، وجموع التّكسير، وإن غلب التّأنيث على هذه الأخيرة.

4- تضيف بعض اللّغات الهندوأوروبيّة جنسا ثالثا هو " المحايد"، كما هي الحال في الألمانيّة، ومرَدّ الأمر إلى مفاهيم أصحاب هذه اللّغة، وما يندرج في خانة " الحياديّة" قد يكون من المؤنّثات والمذكّرات غير الحقيقيّة، وقد يكون ممّا هو منتمٍ إلى أحد الجنسين حقيقة في عائلة اللّغات السّاميّة، نحو كلمة "طفل" والتي أعني بها هنا وليدَ الإنسان، فإنّها لا تخرج عن الانتماء الحقيقيّ للذّكورة أو الإناثة، ولكنّ مقابلَها في الألمانيّة " Kind" محايد " "Neutrum، أمّا كلمة "Magd" بمعنى أمَة، أو عبدة، فمؤنّثة، في حين أدرِجَتْ "Mädchen" التي تعني صبيّة أو فتاة أو بنت في الجنس المحايد، ومن هذا القبيل جعلهم "Frau" - وتعني سيّدة أو امرأة- مؤنّثة، في الحين الذي اعتبروا فيه "Fräulein" - وتعني آنسة، فتاة- من الجنس المحايد. وكذا أدرجوا بعض أسماء الحيوانات في المحايد، كالحصان والتّمساح، أمّا الكلب فحافظ على ذكورته، كما حافظت الأفعى على إناثيّتها. وكذا الشّأن في توزّع أسماء البلدان على الأجناس الثّلاثة، وأسماء الأنهار تتوزّع بين التّذكير والتّأنيث، وتُميِّز الألمانيّة بين أنهار في ألمانيا ذاتها، وأنهار في دول أخرى! فالأنهار غير الألمانيّة كلّها مذكّرة، أمّا ما كان منها ألمانيّا فمؤنّث، ولا ينسحب هذا على نهر الرّاين، الذي حافظ بقدرة قادر على ذكورته der Rhein. من العسير علينا، نحن الذين عرفنا التّوزيعة الذّكوريّة والإناثيّة في العربيّة وغيرها من السّاميّات، أن نعقل الفلسفة الواقفة وراء هذه التّوزيعة الجنسيّة في الألمانيّة، ولا يعني هذا أنّ الأمر متروك بلا دراسات وتعليلات، ولكنّه بعيد عن " قناعاتنا" وبنية لغتنا. لعلّه من الأصوب، ونحن أمام إشكاليّة تحديد الجنس، أن نستعمل مصطلح الجنس الصّرفيّ أو الجنس القواعديّ، وتحديد هذا الجنس هامّ على صعيد سلامة اللّغة وبنية جُمَلها وأفعالها وحتّى أدواتها وفق الوظائف النّحويّة التي تؤدّيها الأسماء، والألمانيّة لا تختلف عن العربيّة في هذا الشّأن، بل هي أكثر صعوبة، وإن كنّا " لا نعقِل" التّوزيعة الجنسيّة الممثّل لها سابقا، فدارسو الألمانيّة يعتمدون، على الغالب، على اللّواحق " suffixes" التي تنتهي بها الأسماء، ونحن، على صعيد العربيّة، محظوظون لقلّة هذه المؤشّرات، والتي لا تخرج على الغالب عن: " واو الجماعة" الدّالّة على المذكّر في جمع المذكّر السّالم- مع الإشارة إلى أنّ هذه الصّيغة " ــ ون، ــ ين" تشمل أسماءً مؤنّثة-، وتاءَي التّأنيث؛ المربوطة- ولا تعطي دلالة التّأنيث دائما-، والمبسوطة، كما في جمع المؤنّث السّالم- مع الإشارة إلى أنّ هذه الصّيغة هي لجمع المذكّر أيضا، بل قد يكون المذكّر المجموع على هذه الصّيغة " ــ ات"، أكثر من المؤنّث-، إضافة إلى علامات تأنيثيّة في بعض الأسماء في صِيَغٍ معيّنة، كالألف اللّيّنة( ى) في نحو " كُبرى"، "صُغرى"… واللاحقة " اء" في نحو " حَسناء" و " شَيماء" و " بَيضاء" …، ولا أتحدّث في هذا السّياق عن علامات قليلة أخرى تلحق بالضّمائر والأفعال،
أمّا الألمانيّة ففيها عشرات اللّواحق التي تُعِينُ في تحديد الجنس القواعديّ للكلمة، فثمّة أربعَ عشرةَ لاحقةً للمذكّر، وزهاء خمسٍ وعشرين للمؤنّث، وتسعٍ للمحايد، والتّوزيعة هذه ليست أمرا مقدّسا، إذ قد تختلط الأمور، فتجد علامة أو لاحقة خاصّة بهذا الجنس، دالّةً على جنس آخر في بعض الكلمات، أو في بعض الحالات النّحويّة(3). وللمحايد "الألمانيّ" هذا، معاملة مغايرة عن معاملة ما اعتبروه مذكّرا أو مؤنّثا، فله، مثلا، أداة تعريفه الخاصّة das، مقابلة لـ der مع المذكّر، و die مع المؤنّث. ( والحديث عن المفرد في حالة الرّفع- Nominativ).

ولئلا ينحصر تفكيرنا في السّاميّة والهندوأوروبيّة المعتمدة على الذّكورة والإناثة قاعدةً لتوزيعة الأسماء إلى جنسين أو أكثر، نشير إلى أنّ الأمر لا ينسحب على كلّ لغات العالم، فلغات بعض القبائل الأفريقيّة تبني توزيعتها وفقا لميزات أخرى، عقيديّة أو مكانيّة أو تراتبيّة هرميّة اجتماعيّة، دون التفات إلى قضيّة " الجنس" أو قضيّة " الجندر".

ج -

أعطينا الألمانيّة، من باب المقارنة بالعربيّة، قسطا وافرا، ولأنّ الألمانيّة ليست اللّغة الدّوليّة، على أهميّتها في البحث اللّغويّ العربيّ، سنقوم بتوضيح الأمور عن طريق المقارنة بين العربيّة والإنجليزيّة- اللّغة الدّوليّة-، لغاية علميّة من ناحية، ولتكون رسالة مجرّدة من الميول، منزّهة عن الآراء النّمطيّة، إلى الحركات النّسويّة العربيّة، للوقوف أمام تعقيدات اللاجَنْسَنَة في مضمار العربيّة.

أشرنا إلى أنّ الجنسين، المؤنّث والمذكّر، أخذا حظّهما على صعيد العربيّة، فانقسمت الأسماء بين هذين الجنسين قسمة عادلة، وأعترف بأن " العدل" هذا مبنيّ على الإحساس وبعض المعرفة بالعربيّة ومفرداتها وصيَغِها الصّرفيّة، ولكنّ الأمر يحتاج إلى دليل إحصائيّ يثبت بالعدد والنّسبة هذه التّوزيعة، وهذا ما لم أقم به، وما لم يقم به، يقينًا، أولئك الذين صنّفوا في المذكّر والمؤنّث من القدماء، ولم أسمع أو أقرأ عن دراسات لجدد في هذا المضمار، ولأنّنا جميعا ننهل من المصادر، فلا بأس في الإحالة إلى أهمّها(4).

تتميّز العربيّة، واللّغات السّاميّة على الغالب، بأنّ قضيّة التّذكير والتّأنيث فيها، تتجاوز الأسماء، لتشمل الصّفاتِ( وهي ممّا يندرج في الأسماء في أقسام الكلام الثّلاثة)، والأفعالَ، ولتشمل كذلكَ جملة من المبنيّات( وهي أيضا من الأسماء)، نحو: الضّمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة، أمّا أسماء الشّرط وأسماء الاستفهام فقد جاءت بلفظ واحد للجنسين.

لعلّ الضّمائر هي أكثر هذا النّوع أهميّة، وذلك لاتّصالها بالاسم من ناحية، وبالفعل، حيث تتّصل به تذييلا/ كسعا suffix، أو تصديرًا/ تتويجا prefix، وهو ما يعرف في النّحو الكلاسيكيّ بحروفِ المضارَعَةِ، والتي يراها عدد من الدّارسين ضمائرَ(5)، وذلك اعتمادا على اجتهادات من ناحية، وعلى درس مقارن مع بعض اللّغات السّاميّة كالأكّديّة، ومع بعض اللّغات واللّهجات الحاميّة السّاميّة كلغة البربر ولغة التّماشِق Tamashek التّابعة لها(6)، وفي كلتا الحالتين، أي كون الزّوائد الأربع/ ة حروفًا أو ضمائرَ، فإنّها تميّز بين المتكلّم والمخاطب والغائب، وتوضح العدد؛ في حالة التكلّم: " أفْعَلُ" للمتكلّم/ ة، " نفعلُ"، لهما مع آخرين/ أخريات، " تفعلُ" للمخاطب الذّكَر وللغائبة الأنثى، و" يفعلُ" للغائب الذّكَر، هذا في حالة الإفراد، أمّا في حالتي التّثنية والجمع، فالأمر يقتضي زيادة علامات كسعيّة في آخر الفعل، كألف الاثنين، وواو الجماعة وياء المخاطبة ونون النّسوة، ولا بأس علينا إن لفتنا النّظر إلى صيغتي " يفعلْنَ" و" تفعلْنَ" للغائبات وللمخاطبات، و" تفعلين" للمخاطبة، فالأولى مصدّرة بالياء التي خُصَّ بها الغائب الذّكر في المفرد، مكسوعة بالنّون الخاصّة بالإناث، أمّا الثّالثة، فلحقتها التّاء تصديرًا، وهي خاصّة بالمخاطب الذّكر، والغائبة الأنثى، وجاءت الياء فيها خاصّة بالمخاطبة الأنثى، وإن كان لنا أن نخلص إلى استنتاجات من هذا المزج بين العلامات غير المتطابقة، فإنّنا قد نؤكّد سمة الحياديّة اللغويّة، وقد نضعف فكرة مَن جعل أحرف المضارعة ضمائر. أمّا الضّمائر في حالة انفصالها، فهي منقسمة قسمة جنسيّة عدديّة، إلاّ " أنا" و " نحن"، فهما للجنسين معا، وكذا الأمر في شموليّة ضمائر التّثنية:" هما"، " أنتما". في حالة الضّمائر الملتصقة كسعا، لا نجد الشّموليّة الجنسيّة إلا في التّاء المتحرّكة للفاعل، فهي للذّكر والأنثى، وتلحق بها" ي" و "ني" للمتكلّم/ ة في حالتي الجرّ والنّصب، ومثلها الـ " نا" - للمتكلّم/ ة ومعه/ ا غيره/ ا - في وظائفها الإعرابيّة المختلفة-، وكذلك في ـ هُما، ـ تُما، ـ كُما، في تثنية الغيبة والخطاب، وألف الاثنين في صيغة الأمر، وفي المضارع- والمتغيّر هو حرف المضارعة-، أمّا في الماضي، فتأتي دليلا على الاثنين، وتقوم التّاء السّابقة لها بتحديد المؤنّث. وما عدا ذلك، يميز المذكّر عن المؤنّت ويبيّن عدده(7).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله   تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله I_icon_minitimeالسبت 28 يونيو 2008, 2:07 pm

أمّا على صعيد أسماء الإشارة والأسماء الموصولة، فثمّة ما هو خاصّ بالمذكّر، وما هو خاصّ بالمؤنّث، عدا " أولا/ أولاء" في الإشارة للجنسين جمعًا، و " مَنْ"، و " ما"، و" أيّ"، الموصولات، و " ألْ" الموصولة عند مَن جعلها اسما.

وقبل أن ننتقل إلى كلمةٍ عجلى عن الإنجليزيّة، نذكّر بقضيّة المطابقة المعمول بها في العربيّة، فالحديث عن المذكّر أو عن المؤنّث يفترض استعمال الصِّيَغ الفعليّة، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة والضّمائر الملائمة، ولعلّ هذا هو الفرق الجوهريّ، أو موطن الصّعوبة، الذي يميّز العربيّة وعددا من السّاميّات، من الإنجليزيّة، في قضيّة تخنيث العربيّة، أو نزع الجنسنة منها، كما سنرى في الفقرة التّطبيقيّة لاحقا. ولئلاّ يُظنَّ أنّ التّطابق قضيّة ساميّة أو عربيّة، نشير إلى أنّ الإنجليزيّة أيضا تفرض تطابقا بين الفعل والاسم، ولكن على صعيد المفرد والجمع، لا على صعيد الجنس، فالمفرد الغائب للمذكّر أو للمؤنّث أو لغير العاقل، يتطلّب فعلَ حالٍ متّصلا ب s، وتحذف هذه في صيغة الجمع، كما أنّ المطابقة مطلوبة في استعمال أفعال الكون ( to be) وأفعال الملكيّة( to have)، وفقا للضّمائر بكلّ تقسيماتها، إلا التّوزيعة الجنسيّة.

د -

تخلّصت الإنجليزيّة الحديثة من المميّزات الإعرابيّة التي اتّسمت بها أمّها اللاتينيّة، وظلّت ظاهرة الذّكورة والإناثة واردة في بعض الضّمائر، والضّمائر في الإنجليزيّة منفصلة دائما، ولا يظهر الفرق الجنسيّ إلا في ضميرَي الغيبة المفردَين: he- she، وفيهما، في حالة الملكيّة والمفعوليّةhis- him- her ، أمّا في المتكلّم المفرد وفي المخاطب المفرد، وفي حالة الجمع، فالضّمائر تحضن الجنسين: I- you- we- they- their- them- our- my- mine- your…، وكذلك ضمير غير العاقل it. أمّا الأفعال والصّفات، وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة، فتبقى على حالها شاملةً الجنسين، دون علامة فارقة، وعليه، تعتمد جميعا على الاسم- والأسماء في الإنجليزيّة لها على الغالب صيغة واحدة للجنسين- الذي ينقسم معنويّا بين المذكّر والمؤنّث، وندر أن تكون هنالك علامة لاحقة أو سابقة للدّلالة على المؤنّث أو المذكّر، وبعض الأسماء المذكّرة تقابلها أسماء مؤنّثة مستقلّة، أو قريبة منها لفظا بتغيير طفيف، فإن كانت كلمة husband تدلّ على الزّوج الذّكر، فللزّوج الأنثى كلمة أخرى wife، وكذا الأمر في boy = صبيّ، ولد، و girl= صبيّة، بنت، و man= رجل، و woman= امرأة، و brother= أخ، و sister= أخت، و son= ابن، و daughter= ابنة، و father= أب، و mother= أمّ، و masculine= مذكّر، و feminine = مؤنّث، و uncle= عمّ، خال، و aunt= عمّة، خالة، و nephew= ابن الأخ / ت، و niece= بنت الأخ/ ت… وما إلى هذا من كلمات خاصّة بكلّ جنسٍ. والظّاهر- ولا نستطيع إثبات هذا- أنّ هذه القسمة المستقلّة، سابقة لعلامات التّأنيث والتّذكير في الهندوأوروبيّات وفي السّاميّات أيضا؛ ففي العربيّة نجد من الألفاظ ما يشير إلى استقلاليّتها، نحو: أب- أمّ، مذكّر- مؤنّث، جمل- ناقة( مع وجود جَمَلَة)، حمار- أتان ( مع وجود حمارة، والأتان قد تعني الذّكر والأنثى، ولذا وردت أتانة في اللّغة أيضا)، أسد- لبؤة( مع وجود أسَدَة، أمّا لبؤ العربيّة فمُماتة، ومقابلها العبريّ حيّ في الاستعمال- לביא)، كبش- نعجة( كلمة كبشة واردة في اللّغة، ولقد أشار اللّغويّون إلى أنّها ليست مؤنّثَ كبش، وإنّما هي اسم مرتجل، ويظهر أنّها معرّبة وأصلها كفجة بمعنى مغرفة)، ثور- بقرة، تيس - عنز، وما إلى هذا، إضافة إلى بعض الأوزان الاسميّة الوصفيّة التي يستوي فيها الجنسان- بوجود قرينة- ولا حاجة إلى إضافة علامة تأنيث( وأجاز المجمعُ القاهريّ إلحاقَ تاء التّأنيث بصيغ: مِفعيل، مِفعال، ومِفعَل، ذُكِرَ الموصوفُ/ القرينة أم لم يُذكَر)(Cool، ومنها: فَعِيل بمعنى اسم المفعول ( امرأة جريح ورجل جريح)، فَعُول بمعنى اسم الفاعل ( امرأة صبور ورجل صبور)، مِفْعَل ( رجل مِغْشَم وامرأة مِغْشَم)، مِفْعِيل( امرأة مِعطير ورجل معطير)، مِفْعَال ( امرأة معطاء ورجل معطاء)، فَعَلٌ( أمرأةٌ عَزَبٌ ورجلُ عَزَبٌ)(9).

توخّيا للدّقّة، نضيف نماذج من الإنجليزيّة لأسماء تُستعمل للمذكّر والمؤنّث دون تغيير، وهي كثيرة جدّا، نحو: author- partner- driver- parent- friend- colleague ( وتعني على التّوالي: زميل/ ة، صديق- للمذكّر وللمؤنّث، وقد تؤنّث: صديقة، والد/ ة، سائق/ ة، شريك/ ة، مؤلِّف/ ة،) وما إليها، ونشير إلى أنّ الإنجليزيّة تلجأ أحيانا إلى علامات لتميّز بين المذكّر والمؤنّث، وهي قليلة، وفي عدد قليل من الأسماء، منها:

prince أمير princess أميرة

manager مدير manageress مديرة

actor ممثّل actress ممثّلة

hero بطل heroine بطلة

widower أرمل widow أرملة

وعلى ندرة، قد نجد الضّمير she سابقا للاسم من الإنسان أو الحيوان للدّلالة على التّأنيث، نحو: she- cousin- she- devil و she- goat، وفي مثل هذه الحالة تحمل she معنى: أنثى، أو تؤدّي وظيفة علامة التّأنيث في العربيّة.

هـ -

قدّمنا صورة مختصرة لحال اللّغة الإنجليزيّة في قضيّة الجنس، فما الذي أثار حفيظةَ الحركات النّسويّة في البلاد المتحدّثة بالإنجليزيّة؟ وما هي المُنَغِّصات التي أرَدْنَ محوَها، أو إعادة صياغتها؟ وما هي رؤيتهنّ؟ نكتفي لهذه العُجالة بالتّأكيد على النّقاط الأساسيّة في المطلب النّسويّ:

1- بعض الألفاظ والأساليب، تهمّش المرأةَ، بل وتُسقط عليها بعضَ الدّونيّة في الدّلالات التي تحملها بعض الصّيَغ المؤنّثة، إضافة إلى اقتحامات هذه الصّيغ لعالم المرأة الخاصّ، وحالتها الاجتماعيّة، في الوقت الذي لا تحمل الصّيَغ الذّكوريّة المقابلةُ هذه الشّحنات والاقتحامات، الأمر الذي يشير إلى، أو يعكس، هيمنة الذّكورة المَشُوبة بالاستعلاء في المجتمع أيضا، ولعلّ أكثر المُنَغِّصات، من باب المثال، هي: Mr.- Mrs.+ Miss و mister- mistress و man، وأكتفي بهذا القدر الآن، مشيرا إلى أنّ كلمة Mr. يُخاطَب بها الذّكر منذ سنّ البلوغ، ولا تشي بأيّ دلالة خارج التّوجّه الذّكوريّ، أمّا صيغتا المؤنّث المقابلتان لصيغة المذكّر، ففيهما إقحام للحالة الاجتماعيّة للأنثى( عَزَبَةٌ أو متزوّجة)… وكذا الأمر في Mister- سيّد، والتي تحمل هذا المعنى فحسب، في الوقت الذي حمل فيه مقابلُه المؤنّث Mistress دلالة السّيّدة، مع إضافة مُهينة، إذ إنّ الكلمة تعني أيضا: المَحْظِيَّة، أمّا Master و man ففيهما – برأيهنّ- هيمنة رجوليّة مرفوضة جملة وتفصيلا،- وتوضيح هذا لاحقا-.

لا تختلف العربيّة عن الإنجليزيّة في مسألة إقحام الحالة الاجتماعيّة في خطاب المؤنّث، وفي حياديّة حالة المذكّر، فـ " سيّد" تقابل Mr. دلالة واستعمالا، أمّا " آنسة"- حديثة الاستعمال نسبيّا-(10) و " سيّدة"، فتقابلان Mrs.+ Miss، وتختلف المفردة العربيّة " سيِّدة" عن الإنجليزيّة في أنّها خِلوٌ من الانحطاط الدّلاليّ الذي تحمله Mistress، فالعربيّة تجعل السيّدة سيّدة، أمّا ذات الحظوة من النّساء عند هذا الرّجل أو ذاك، فهي محظيّة، وهي مفردة تستعمل من باب لطف العبارة، ولن تجد في المعجم العربيّ أو الاستعمال اللغويّ العربيّ شيئا من دلالاتها في كلمة " سيّدة".

2- في خطاب الجماعة، حيث للنّساء وللرّجال حضور بيّن، يُلجأ إلى تغليب صِيَغ التّذكير، في الخطاب نفسه، وفي بعض المصطلحات المركّبة، وقد تكون كلمة man أكثر هذه المركّبات إغاظة، ناهيك عن دوران ضمائر الذّكورة he- his- him في الكلام.

3- تعكس اللّغة بلا حياديّتها هذه، ما يحدث حقيقة في مجالات الحياة المختلفة، تلك المجالات التي اقتحمتها الأنثى، ولكنّ اللّغة بثروتها المفرداتيّة وبأسلوبيّتها بقيت على ما هي عليه بِسِماتها الذّكوريّة، الأمر الذي يكرّس أو يؤسّس للاستعلاء الذّكوريّ، أو على الأقلّ، لا يواكب المتغيّرات عمدا.

و -

كان لا بدّ، جرّاء هذا، وتحقيقا للمساواة، من إقحام الحكومات، والأكاديميا، وأقسام المناهج، والمجامع اللّغويّة، لرسم أساليب تعبير جديدة، من شأنِها- كما يُظنُّ- الابتعاد عن السّمة الذّكوريّة، والإنصاف في الخطاب والتّسميات، بإعادة صياغة بعض المصطلحات " الفُحوليّة" الشّائعة. عُنِيَتِ الحكومات أو بعضها بهذا الشّأن، بل إنّ بعضها شرّع إدراج التّوجّه إلى الجنسين كتابة، وخاصّة في الأوراق الرّسميّة أو العطاءات، أو الإعلانات عن الوظائف، وما إلى هذا، ومن هذا:

أ-

ما لجأت إسرائيل إلى استعماله بأسلوبين رسميّين، يتمثّل الأول بتوظيف الخطّ المائل ( / ) وإضافة علامة التّأنيث، أو المفردة المؤنّثة، والثّاني باعتماد الصّياغة أو الخطاب الذّكوريّ المعتاد، متبوعًا بملاحظةٍ " بلهاء": " كلّ ما كتِبَ بلغة المذكّر يشمل المؤنّث أيضًا"، ولم أجد انفراجا ولا مساواة في هذا الاختراع الغبيّ، فاللّغات السّاميّة، والعبريّة منها، تعتمد أسلوب التّغليب الجنسيّ الذكوريّ، والأمر ليس وقفا على الذّكورة الحقيقيّة والإناثة الحقيقيّة، إذ إنّه يشمل المذكّرات والمؤنّثات بمفهومهما المجازيّ، وهي أكثر من الحقيقيّ عددا، ولم أجد في هذه الملاحظة المستحدثة خروجا عن التّغليب المعمول به عربيّا، بل إنّ التّغليب الكلاسيكيّ كان مفهوما ضمنا، وميزة " مستورة" من ميزات اللّغة، وما جدّ هو أنّ التّغليب المُعَصْرَن والمُشَرْعَن صار فضيحيّا؛ نكتب بأسلوب ذكوريّ، وفي الذّيل تأتي هذه الإشارة المذدنبة، تضجّ بالمهانة والإهانة… إنْ هذا إلا ضربٌ من الجهل باللّغة، قواعدها، وأسلوبيّتها، وليس الجهل هو ما يغيظ هنا فحسب، إنّه الرّضا النّسويّ- ولا أعمّمُ- ، أو الإحساس بأنّ مكسبا مساواتيّا ما قد تحقّق.

ب-

استعمال الصّيغ العامّة الصّالحة لخطاب الجنسين، أو الاستعمال الموازي القاضي بذكر المؤنّث والمذكرّ، وإن كانت الدّماثة هنا قد أتاحت لي تقديم كلمة مؤنّث على كلمة مذكّر، فإنّ الأمر غيرُ هذا في القضيّة الكتابيّة المعتمِدة على الحلّ غير السّحريّ للخطّ المائل ( / ) المتبوع بعلامة التّأنيث، لأنّ المؤنّثات مأخوذة/ مشتقّة من المذكّرات، وأسلوب الخطّ المائل لا يصلح إلا كتابةً، أمّا خطابةً فإنّه ضربٌ من المهازل، وحتّى في هذة الحالة "المائلة" يظلّ المذكّر مقدَّما على صعيد الأسماء لأنّ المؤنّثات بالعلامة مأخوذة على الغالب من مذكّرات، خاصّة تلك التي تكون علامة التّأنيث فيها هي التّاء، أمّا في الضّمائر المتّصلة بالأفعال أو بالحروف، فقد جرت العادة على تقديم ضمير التّذكير: كتابُه/ ا، عملكم/ نّ… ولا أرى غضاضة في التّقديم والتّأخير في بعض هذه المواضع، كما في ميم الذّكور ونون الإناث، أمّا في حالة الغَيبة كتابها/ه فقد يُرى الأمر مضحكا. كون الأمر مضحكا لا يعني أنّه ما مورس في العبريّة مثلا في ما تكتبه المِثْليّات( السّحاقيّات) في بعض رسائلهنّ أو أدبيّاتهنّ، كما يظهر في موضوعة لا جنسنة اللّغة في الحديث المثليّاتيّ المشارك في النّقاش العامّ الأكاديميّ وغير الأكاديميّ، وكي لا يُظنّ أنّني أختلق الأشياء أقول إنّ اهتمامي بالشّأن اللّغويّ، يدفعني لرصد سلوكيّات اللّغة في أوساط أهلها جميعا، وكي أكون في دائرة الصّدق أنقل نصّا مبتورًا عمدا من هذا القبيل، منسولا من موقعٍ لهنّ، أسقطن فيه الخطّ المائل، ثمّ سأكتب بالعربيّة " الفصحى" الكلمات التي أبرزتها:

שלום לכולןם, (السّلامُ لجميعكُنَّمْ) אני יותר מאישה ויותר מגבר… לא אני ולא אף אחד מהחברימות (الأصدقاءات/ الأصدقاءالصديقات)שלי.

זה מושג שכולל את כולכןם (كلَّكُنَّمْ)- הומואים לסביות בי וטרנס. כולכןם מאיימימות (كلّكُنَّمْ مهدّدونات/ تهدِّدونَنْ)… כולןם משחקימות ( كلّهُنَّمْ يلعبُْونَنَ)… על פי הכללים שמצפים ממכןם (منكُنَّمْ)…(11).

لا حاجة للتّعقيب على صعيد العربيّة وبنِيتها، فالقبيح لا يُشار إلى قبحه، ولا يحتاج إلى براهين حتى يُعرف، أمّا في العبريّة فليفعلنوا ما يشأناؤون.

أمّا استعمال الصّيغ الملائمة للجنسين، فأمر لا يجيده إلا متمكّن من اللّغة، موسوم بالقدرة على التّعبير، وإن كان تطبيق الأمر كتابة فيه الكثير من الصّعوبة، فإنّ تطبيقه محادثة يشارف الاستحالة، لأنّ اللّسان سيمارس بشكل تلقائيّ ما اعتاده من أساليب ومفردات مخزونة في الذّاكرة، حتّى لو حاول المتكلّم متعمّدا التّوجّه الأخلاقيّ المهذّب البادئ بكليشيه " سيّداتي آنساتي سادتي"، إذ إنّه سرعان ما سيقع في الخطيئة إن أراد أن يتابع بإضافة وصف أو فعل، حيث سيجنح إلى التّّذكير:

الأعزاء… المحترمين… طاب مساؤكم جميعا… أسعد الله مساءكم… أهلا وسهلا بكم… وتصبح " ميم الذّكور" سيّدة الخطاب، وكأنّ البدء بـ " سيّداتي آنساتي" كفى المؤمنين القتال! ناهيكَِ عن أنّ المتكلّم بدماثة ما بدأ به، كان قد فعل فِعلَتَهُ في الخوض في الحالة الاجتماعيّة للأنثى مميّزا بين كونها متزوّجة أو غير متزوّجة، وموضوع النّدوة أو اللّقاء لا شأن له بحالة المخاطبة الاجتماعيّة، ولنضِف إلى هذا شيئا من الخيال المفضي إلى قضيّة الكذب والصّدق، فهو لا يعرف أصلا- حين أعدّ كلمته، أو وضع خطوطها الأولى في ذاكرته، أو ارتجلها- إن كان الجمهور يشمل هذه التّوزيعة كاملة، ولا أظنّه قد أجرى مسحا إحصائيّا للحضور قبل اعتلائه المنصّة، والأنكى من هذا أنّ الخطاب الذّكوريّ هذا ليس وقفا على المتكلّم الذّكَر، بل تمارسه المتكلّمة الأنثى، ولو كانت من الحركات النّسويّة المطالبة بتحييد الجندر، أمّا ثالثة الأثافي فتتمثّل في هذا الخطاب المثلّث المهذّب، في حالة كون الجمهور غير مثلّث.

قد يكون هذا الأسلوب صعبًا، خاصّة على صعيد العربيّة، ولا حاجة لتكرار الحديث عن أنّ علامات الذّكورة والإناثة تتجاوز الأسماء والضّمائر إلى الأفعال، وحتى لو جهد المتكلّم/ ة في التزام الحياد في مركّب ما، فإنّه "سيقع" في مركّب آخر، وكي يخلص من هذا " الهمّ"، عليه أن يصوغ خطابه مرّتين أو ثلاثًا، بحيث تذكر المؤنّثات مقابل المذكّرات، على صعيد الأسماء والأفعال والضّمائر، وفي مثل هذه الحالة يكون عدم الحديث أفضل، لأنّ الأسلوبيّة ستسقط، والجماليّة ستصير قبحا، والثّرثرة ستسود، وسيمتدّ خطاب الدّقائق الخمس إلى أضعافها، وسيكثر اللّحنُ في الكلام القافز بين اللّحظة وأختها بين متغيّرات تطابقيّة، ومتغيّرات حركيّة وسكونيّة في الأفعال والضّمائر والأسماء.

أمّا الأكاديميا فقد عمدت إلى الأسلوبيّة مطلقا، وإلى بعض المسكوكات اللّغويّة، بحيث سعت إلى التّخلّص من العلامات الفارقة، بهدف " تحقيق المساواة" من ناحية، وتدريب الطّلبة والمتحدّثين عامّة على الأساليب الحياديّة المرادة… وهذا ما سنقف عليه لاحقا.

ز -

أرى لزاما عليّ أن أشير إلى أنّ قضيّة الجندر في اللّغة، من حيث التّأنيث والتّذكير، وما جُنسِنَ من الأسماء في منأى عنهما- وفقا للّغات المختلفة-، قضيّة موجودة في أصل الوضع لهذه اللّغات، وليس لها مهامّ مجتمعيّة نظاميّة، استعلائيّة أو دونيّة وضعت خصّيصا لخدمة البنى الاجتماعيّة الباترياركيّة والسّياديّة، وما ترتّب عنها من واقع، أو ممارسات، أو تشريعات أسّست لتفضيل جنس، أو هيمنته، وعليه، فإنّ إقحام اللّغات في هذا المجال، وكأنّها أداة وُلِدتْ مع سبق الإصرار لتكريس واقع الحال في المجتمعات الذكوريّة، أو لتصوغ أفكارَ الإنسان ومواقفه، كلّه تعسّف وقلبٌ لحقائق الأمور، فاللّغة لم تُسقِط على الواقع شيئا في هذا الوضع، بل إنّ انعدام المساواة هو الذي أسقط على اللّغة تبعاتِهِ، ووضعها في قفص الاتّهام، وقد أكون متجنّيا بعض الشّيء إن قلت إنّ الدّعوات التّغييريّة المفضية إلى اللاجندرة أو نزع الجنسنة، ستكون نوعا من العبث، حتى لو أفلحتْ جزئيّا في تغيير بعض المفردات، وفي إسقاط بعض الأسلوبيّات، لأنّ حقيقة الجنسنة التي يجب أن تعالج، هي ما يُعاش خارج إطار اللّغة، في شتّى أصعدة الحياة، وما التّركيز على اللّغات، إلا نوع من اللّعب في حافّة الطّريق، أو في هامش الأشياء، لا في الجوهر.

ولعلّه من المجدي أن أؤكّد على أنّ الجندرة في اللّغات، جاءت لبيان تركيبة هذه اللّغات، ثمّ قُعِّدتْ، لضمانة السّلامة القواعديّة، والسّلاسة الأسلوبيّة، ولم تكن يوما موظّفة عند السّلاطين والذّكوريّين والقامعين المستعلين أيّا كانت جنسيّتهم أو لغتهم، وأمامنا جملة لا حصر لها من الأسلوبيّات والنّصوص والمقولات، الموجّهة إلى الخليقة العاقلة جميعها وإن كُتِبت بأسلوب قواعديّ واحد يحمل ألفاظا مذكّرة لغويّا، فالتّذكير في اللّغة غير التّذكير في المجتمعات والعلائق التي تتّسم بها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله   تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله I_icon_minitimeالسبت 28 يونيو 2008, 2:10 pm

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث قسم 2 من 2


منذ النّصوص الدّينيّة الأولى التي بين أيدينا، والنّصوص الفلسفيّة الأولى التي نعرفها، بل منذ النّصوص الأولى المخطوطة التي وقفنا عليها في هذه اللّغة أو تلك، وجدنا اللّغات، أو غالبيّتها، تميّز لغويّا بين المذكّر والمؤنّث، وعاشت اللّغات على هذا وترسّخت في عقول أهلها وألسنتهم، ويكفي أن أعطي النّماذج التّالية، لشهرتها، للتّأكيد على الشّموليّة الجنسيّة للمفردات الذّكوريّة لغةً:

1- نقرأ في العهد القديم، الوصايا العشر، التي نزلت لتكون أساسا من سلوكيّات أتباع اليهوديّة، والدّيانات الموحّدة بعدها، وكلّها، في النّصّ العبريّ، وفي النّصّ المترجم إلى العربيّة، مكتوبة بسمات هاتين اللّغتين، وكلّ النّهي والأمر اللّذين تبدأ بهما الوصايا خطابٌ بالمذكّر اللّغويّ، لا يقصد المذكّر الجندريّ البيولوجيّ العضويّ، بل إنّه من الخطل أن يكون ورود صيغ ذكوريّة محمولا على مخاطَبٍ رجلٍ أو ذكَرٍ؛ فلا تزنِ، ولا تقتلْ، ولا تسرقْ، ولا تحلفْ باسم الله بالباطل، وبقيّة اللاءات، وأكرمْ، وقدّسْ… هي نهيٌ وأمرٌ للبشريّة أو للجماعة المؤمنة، ولا نجرؤ على أن نتخيّل أنّ المذكّر اللّغويّ هو الذّكر فحسب، لأنّ النّصّ يعتمد على التّغليب المعمول به في العربيّة مثلا، ولا يعني أنّ الإناث في حِلٍّ من قضيّتَي النّهي والأمر، وليس من الأسلوبيّة ولا الجماليّة في شيء أن أقرأ الوصايا بالطّريقة المخترعة: لا تقتل/ي، لا تزن/ي، لا تسرق/ي، أكرم/ي أباكَِ وأمّكَِ… فلا علامة التّأنيث، ولا حركة التّأنيث ستجترحان معجزةَ المساواة ورفع الغبن الممارس، ولا إخال، بدونهما، أنّ أنثى ما، نظرت في الأمر وكأنّه خطاب ذكوريّ.

2- في الموعظة الجبليّة(12) للمسيح عليه الصّلاة والسّلام، والبادئة بـ" طوبى"، ما كانت الموعظة موجّهة إلى الرّجال دون النّساء، بل إلى الجماعة المؤمنة محبّة السّلام والإنصاف، المتّسمة بالمسكنة ونقاء القلب، المتعرّضة للإهانة والانتقاص، الحزينة… حتى لو وردت بنصّها الآراميّ أو اليونانيّ أو العربيّ بخطاب المذكّر، وحتى لو وُصِفَتْ هذه الجماعة المسالمة المؤمنة المضطهدة بـ " أبناء الله"، إذ لا يُعقل أنّ ابن مريم العذراء- الذي صعَقَ المجتمعَ الذّكوريّ " المنزّه عن الخطيئة" في عصره، وما زال يصعقهم حتّى اليوم، بمقولته التي اختزلت الغبن البشريّ، وساطَتْ ظهورَ" أنقياء" المجتمعات الذكوريّة: " من كان منكم بلا خطيئة فليرمِها بحجر"(13) - وجّه صرخته إلى الرّجال حصريّا، وحسنا جاء الخطاب الذّكوريّ بـ " منكم" و " يرمِها"، حتى لو كانت الإناث مشاركات خضوعا وتبعيّة أو قناعة في عمليّة الرّجم… هذا ضرب من التّذكير لن تطالب أيّ حركة نسويّة بتغيير شيء منه، وخاصّة خطابه الذّكوريّ، فهو سابق لهذه الحركات، صارخ في وجه الحربائيّة والهيمنة بما يؤسّس للمساواة بين البشر جميعا.

3- لم يُنزّل الله الوحيَ على نبيّه المصطفى T ليكون الإسلام دينا ذكوريّا مانعا الإناثَ من اعتناقه، رغم اعتماده الذّكورةَ خطابا، في نحو " يا أيّها الذين آمنوا"، منضافًا إليها كلّ ما جاء بصيغة المذكّر، إنّها اللّغة وسماتها، المنزّهة عن الجندرة الملتفَت إليها حديثا.

4- ثمّة مقولات شهيرة، كتلك التي تتّكئ على فكر أرسطو، ومن جاء بعده من الفلاسفة العرب، حتى ابن خلدون في فكره المجتمعيّ: " الإنسان حيوان عاقل"، " الإنسان حيوان ناطق"، " الإنسان حيوان مدنيّ بالطّبع"، مقولات كهذه، وردت بلغاتها الأصليّة بمفردات محايدة، فالنّصّ العربيّ حياديّ؛ لأنّ " الإنسان" يشمل المؤنّث والمذكّر، وكذا " الحيوان"، أمّا النّاطق/ العاقل/ مدنيّ بالطّبع، فهي صفاتٌ/ نعوتٌ مذكّرةٌ صيغةً من باب التّطابق مع " الحيوان" المذكّرة بالصّيغة لا بالدّلالة، و"الإنسانة"، و"الحيوانة" بعلامة التّأنيث، لا تشتهيهما الفصاحة العربيّة، إذ لا حاجة لتأنيث ما هو جامع للجنسين. لم يكن في بال أرسطو ولا غيره حين وُضِعَت هذه الحدود إلا قضيّة تمييز الإنسان عن بقيّة المخلوقات والأشياء، ولم تشغل أرسطو وهو يستعمل الكلمة اليونانيّة الشّاملةánthrôpos" " ( άνθρωπος) والتي تعني: رجل/ امرأة، شخص، فرد، مخلوق، ذات، نفس من الخليقة البشريّة، بشر… غير هذه الحقيقة، لا كيف ستترجم إلى الإنجليزيّة:

"Man is a rational animal" أو

"human being/ person is a rational animal"،

ولا كيف سيعبّر العرب عن هذه الفكرة؛ أسيقولون" الإنسان حيوان عاقل"، أم " الشّخص حيوان عاقل"، ولم تشغله، ولم تشغل الفارابي وابن رشد وابن خلدون وأمثالهم قضيّة الجندر اللّغويّ، أو قضيّة الحركات النّسويّة، فالفكرة في مثل هذه الحالة هي المبتدأ وهي المنتهى.

ح –

أقحِمَتْ كلمة man في جملة المفردات المنغِّصة، وهي بريئة أصلا من الجَنْسَنَة، فالكلمة، منذ أصولها الهندوأوروبيّة عَنَتِ الإنسانَ أو الشّخصَ، ولم تحمل الدّلالة الحصريّة لـِ " رجل"، وما زالت الألمانيّة تحافظ عليها بالميم الصّغيرة لتعني الدّلالة الحياديّة المذكورة، ولتصنّفها في جملة الكنايات الذّاتيّة، في الوقت الذي عبّرت فيه عن الرّجُل بكلمة Mann بالميم الكبيرة وبنونين، وكان الأمر كذلك في الإنجليزيّة، وما زالت المعجمات الإنجليزيّة تذكر هذا المعنى الحياديّ. تعرّضت الكلمة للتّضييق الدّلاليّ لتعني "رجل" تتبعها دلالاتها العتيقة، ولعلّ المركّبات الّتي أقحِمَت فيها، ألبَسَتْها ثوب الذّكورة، أو أسيء فهمها فأُلْبسَت ثوبَ الذّكورة، ومن هذه التّركيبات: Mankind, manpower, man made, chairman, fireman, policeman, foreman, mailman, congressman، وما إليها من مفردات رأت فيها الحركات النّسويّة أداة للهيمنة الجنسانيّة الذّكوريّة، ولم تلتفت هذه الحركات - وبحقّ- إلى علم التّأثيل/ علم أصول الكلمات، لأن ذكوريّة الأنظمة السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، كانت وراء هذا التّضييق الدّلاليّ المصوِّر للواقع الوظيفيّ الذي فصَّلَ أدوارَ لعبة الحياة والإنتاج بين الرّجل والمرأة، وجعل لكلٍّ اختصاصاتِه ومملكتَه ووظيفته- وهذا ما قامت الحركات النّسويّة ضدّه أصلا-، ولمّا تغيّرت المعطيات، وتداخلت القوى المُنتِجة، وما عاد هناك مكانٌ لتفصيل أو فصل أدوار الحياة- عدا الحَمْل، على ما أعلم، والله أعلم-، رأت هذه الحركات إزاحة كلمة man المُساء استعمالها وفهمها، وإحلال مفردات محايدة بدلا منها، فصارت التّراكيب المذكورة كالتّالي:

Humankind/ … race/ humanity, labor power, hand made/ manufactured, chair/ chair person, fire fighter, police officer, supervisor, mail carrier, member of congress.

وانضمّت إلى قائمة المغضوب عليهنّ من المفردات والتّراكيب، كلمة master ومركّباتها، لأنّها تؤسّس للذّكورة وتتغنّى بها في نحو:

Masterful, master copy, masterpiece, master key، ففيها جميعا استعلاء واكتمال واقتدار وأصالة، مستمَدّة من ذكوريّة الكلمة الأولى؛ فالتّركيب الأوّل يعني: الشّيء أو الإنسان المحكَم، أو الإنسان المتّسم بالمهارة، والثّاني: النّسخة الأصليّة، والثّالث: المنتَج الأحسن والأبدع والأكمل، والرّابع: مفتاح كلّ الأقفال والأبواب.

لم يكن بالعسير على المختصّين بالإنجليزيّة إيجاد البدائل لهذه التّراكيب، ولم تبق من المنغّصات أمام الحركة النّسويّة إلا ضمائر الغيبة في حالة إفرادها وفي كلّ استعمالاتها، وأبدع المختصّون والمختصّات أكثر من أسلوب يضمن الحياديّة، منها:

اللّجوء إلى الصِّيَغ الجمعيّة، فضمائر الجمع غير مُجَنْسِنَة.

اللّجوء إلى مفردات حياديّة نحو:one, someone, anyone, everyone, person, anybody… وما إليها.

ضمّ he و she في s/he.

حذف هذين الضّميرين مطلقا، واستعمال they للمفرد/ ة الغائب/ ة، حملا على you الصّالحة للمفرد والجمع بجنسيهما، أو اللجوء إلى الضّمير الصِّفريّ المعبّر عنه بعلامة (ـــ )، وهو قابل لإحلال الضّميرين بشكل متكافئ.
اللّجوء إلى المفردات المتوازية، فحيث يُذكر المذكّر يُذكر المؤنّث. هذا ما كان من شأن الإنجليزيّة(14)… فهل تستقيم هذه الحلول في العربيّة؟ وهل اللّغة أصلا هي ميدان المطلب النّسويّ لإزالة الغبن اللاحق بالأنثى؟

ط –

كثيرة هي اللّغات غير المُجَنْسِنَة (non sexist /degenderizing languages )، وهي كذا بأصل وضعها، وطبيعتها، وليست نتاجَ نشاط نسويّ ومعارك قصيرة أو طويلة الأمد، خاضتها الحركات النّسويّة، أو المنظّمات الأهليّة أو القوانين الدّوليّة، فغيّرت شكل اللّغة إلى ما هي عليه الآن، فاللّغات ليست مُنْتَجًا نتحكّم به متى شئنا، أو نطوّعه لمآربنا وأهوائنا أو مصالحنا، اللّغات تنمو وتتبدّل وتتغيّر بتلقائيّة، والزّمن، بمتغيّراته، كفيل بأن يجري هذه التّغييرات في بنى اللّغات وقواعدها بعيدا عن القسريّة، وإن ظننّا أنّنا قادرون على التّغيير قسرا بإيماءةٍ أو بأمرٍ، فلن نجني إلا الخيبة.

شتّان ما بين الدّالّ المفردة، والمدلول: الرّجل/ المرأة، فالدّالّ اللّغويّ يشير فقط إلى الهيكل الذّكوريّ/ الإناثيّ بسماته البيولوجيّة الخَلْقيّة لا الخُلُقيّة، ولا علاقة له بسمات المدلول، فعدوّ المرأة وقامعُها، والمستعلي عليها، أو المؤمن بأنّه نِدٌّ لها، ونصيرها، والمدافع عن حقوقها… كلّهم في عُرف اللّغة وقواعدها: " رجل"، وإذا أردنا خوضًا في سماته، تفترض قواعدُ اللّغة إضافةَ أوصافٍ ممّا ذُكر، لأنّ الدّالّ " رجل" لا يحمل، مجرّدا، أيّا من هذه الدّلالات، وتحميل كلمة "رجل" هذه الدّلالات وكأنّها سماتٌ طبيعيّة مشتقّة من المفردة المذكورة قضيّة كذب، ولا علاقة لها باللّغة، فقد تكون مفردة " امرأة" حاملةً لهذه الصّفات التي افترضنا ملازمتَها للرّجل.

كونُ بعض اللّغات مُجَنْسِنَةً لا يعني بالضّرورة أنّ أهلها مُجَنْسِنون، وكونُ غيرها غيرَ مجنسِنَةٍ لا يعني أنّ أهلَها غيرُ مجنسنين، ولو كان الأمر كذا، لرأينا رحيلا نَسَوِيّا نحو المجتمعات الفارسيّة أو الإسكيمويّة، أو الصّينيّة أو عدد من المجتمعات الشّرق آسيويّة، فكلّ هذه اللّغات محايدة على صعيد الجندر، ومجتمعات اللّغات الحياديّة هذه، قد تجعل من المرأة في الممارسة المجتمعيّة بكلّ ما يتبعها، تابعةً مقموعةً، ولا تشي اللاجنسنة اللّغويّة إذًا بشيء من حقيقة الأحوال الشّخصيّة للمرأة في هذه المجتمعات، فالمتحكّم في مثل هذه الأمور هو الأعراف الاجتماعيّة مستعينة بشرع أو قانون في بعض الأحيان، أو متجاوزة للشّرع وللقانون أحيانا.

في الفارسيّة، للمذكّر علامةٌ، تماما كما خُصّ المؤنّث بعلامة، فإن كان وجودُ العلامة مجنسنا سلبا، فالأمر لا يستقيم في هذه اللّغةِ، فالألفاظ في الفارسيّة إن كانت أوصافًا أو أسماءً تدلّ على الإنسان، تسبقها أو تلحق بها علامة المذكّر " نرد" إذا أردتَِ التّذكير، وعلامة المؤنث " زَن" إذا أردتَِ التّأنيث، وتتغيّر علامتا التّذكير والتّأنيث إن كان الحديث عن حيوان، فتكون " نَر" للمذكّر، و " مادِه" للمؤنّث. أمّا الضّمائر، فشاملةٌ للمذكّر وللمؤنّث بلفظها وذلك وفقا للسّياق، وكذا الأمر في أسماء الإشارة والأسماء الموصولة، وإن وجدنا فصلا في هذا المضمار فهو بين العاقل وغير العاقل لا بين المؤنّث والمذكّر…(15)، فهل من ضرورة، بعدُ-16-، إلى أن أقترح على بعض النّسويّات العيش في إيران، أو في بلاد الإسكيمو أو في الصّين، حيث " العدل اللّغويّ"، حتى يعدن بحنين جارف إلى لغتهنّ ببنيتها وأسلوبيّتها؟

ي –

وبعد، ماذا مع العربيّة؟ وهل من حاجة إلى التّخنيث؟ فلنقل بدءًا إنّه لا حاجة لإجراء عمليّات تجميليّة على اللّغة العربيّة وأضرابها، فالإنصافُ أو غيابُه، والمساواة أو غيابُها، قضايا لا شأن للّغة بالتّأسيس لها، فاللّغة ما ولّدَتِ الغُبنَ بطبيعتها، ولا أسّستْ للامساواة بأصل وضعها، وقضيّة الخطاب في العربيّة تعتمد على جنس المخاطب، وعلى التّغليب اللّغويّ لصيغة المذكّر لا للذّكر نفسه، وعليه، ليست لغتُنا مجالَ صراع لمطلبٍ نسويّ، وإن كانت ثمّة مواضعُ قد ترى بعض النّسويّات ضرورة لإجراء عمليّات تصحيحيّة فيها، ومن باب الاقتراح أشير إلى ما يلي، مذكِّرا المنادياتِ بلاجنسنة اللّغة بأن يطبّقْنَها أوّلا، وأن يقمْنَ بهذا بمنهجيّةٍ خالية من الثّغرات:

1. الانتباه إلى أنّ بَوْنًا شاسعا، على صعيد إجراء اللاجنسنة يفصل بين اللّغة المكتوبة واللّغة المنطوقة، ففي الأولى ثمّة سهولةٌ لممارسة تقنيّات الشّموليّة الجنسيّة أو حياديّة المفردة.

2. لا يَضيرُ العربيّةَ في شيء أن يُلجَأ إلى أسلوب الخطّ المائل متبوعا بعلامة التّأنيث، أو بالمفردة من الجنس الآخر، وفي قولي المفردة، لا يهمّني إن كان الاسم المتقدّم مؤنّثا أم مذكّرا، ولكنّني أنبّه إلى ما يترتّب عن هذا التّقديم والتّأخير في الأسلوبيّة التي يجب أن نحافظ فيها على السّلامة القواعديّة.

3. هـربًا من الضّمائر المجنسنة للخطاب والغَـيْـبَة، لا بأس في التّعـويـل على " نحن"، ففي حديثكَِ مع مجموعة شاملة للجنسين، وبعيدا عن قضيّة التّغليب، قد تقوم" نحن" بالمهمّة أحيانا، و "نحن" هذه ليست- كما تكتب بعض كتب التّدريس الغبيّة المعاصرة- ضميرًا " للمتكلّمين"، هي ضميرُ المتكلّم، ذكَرًا أو أنثى، ومعه/ا غيرُه/ا: فـ" نحن" = أنا+ هو+ هي+ أنتَ+ أنتِ، أو= أنا+ أنتَ+ أنتِ، أو …(17)، واللّجوء إلى هذا الضّمير المحايد يُعين في اللّغة المنطوقة والمكتوبة؛ فبدلا من أن أقول مخاطبا طلبةً وطالباتٍ: " في اللّقاء القادم عليكم/ نَّ أن تَأتوا/ تأتينَ، ومعكم كتبُكُم/ نَّ…، أقول: " في اللّقاء القادم علينا أن نأتي ومعنا كتبنا…".

4. وكما أجْدَتْ " نحن"، من اليسير أن تجدي " أل"، بإسقاط هذه الضّمائر، فبدلا من " أن تُحضِروا/ نَ كتبَكُم/ نَّ…"، أقول: " أن نُحضِرَ الكتبَ…".

5. لا بأسَ على صعيد اللّغة المكتوبة، والإمكانيّة التّنفيذيّة هيّنة، أن نلجأ إلى حركَتَي التّأنيث والتّذكير في الخِطاب الإفراديّ؛ الكسرة والفتحة، نحو: أودُّ أن أعْلِمَكَِ أنّ عليكَِ مراجعةَ أستاذِكَِ. أمّا في ضمائر الغيبة المفردة والمجموعة، والخطاب المجموع، فيُلجأ إلى الخطّ المائل.

6. تظلّ الأفعال أكثرَ المركّبات اللّغويّة صعوبةً بسب ما يتّصل بها من سوابق(حروف المضارَعَة)، ولواحق( الضّمائر)، ففي السّوابق واللّواحق تبيانٌ لجنس المسنَدِ إليه المخاطبِ أو المخبَرِ عنه أو الموصوفِ، ولذا علينا أن نجنح إلى أسْمَنَةِ ( nominalization) الجُمَلِ بالتّخلّص من الأفعال وما يتّصل بها، وذلك بأن نورِدَ المصادرَ الصّريحةَ بدلا من الأفعال، والأمر يحتاج إلى شيء من الممارسة والقدرة التّعبيريّة، فبدلا من أن أقول: " على الطّالب/ ة أن يُعِدَّ/ تُعِدَّ واجبَهُ/ ا البيتيّ، وأن يُسلِّمَهُ/ تُسلِّمَهُ في نهاية هذا الشّهر"، أقول: " المطلوبُ إعدادُ الواجب البيتيّ وتسليمُهُ…"، وحبّذا لو كان خطابنا في أوراق الامتحانات مكتوبا بهذا الأسلوب الحياديّ المُزيحِ لألفاظ الجنسنة بأفعالها، والأمر يَسيرٌ على ما أرى، فإن كان الصّفّ مختلَطا جنسيّا، أبدأ المطلوبَ بنحو: أرجو قراءةَ الأسئلةِ التّالية والإجابة عن… مع المحافظة على وضوح الخطّ وسلامة اللّغة… وأُنهي- إن شئتُ- بـ: مع صادق أمنياتي بالنّجاح.

7. وفي باب الأفعال أيضا، قد يُجْدِينا اللّجوءُ إلى صيغة ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ( المبنيّ للمجهول) حيث نُسقِطُ الفاعلَ النَّحْويَّ إن كان خاصّا بجنس واحد، فبدلا من: عليْكُمْ أن تُراعُوا…/ عَلَيْكُنَّ أن تُراعِينَ…، أو أن تُعيدوا استماراتِكم…/ تُعِدْنَ استماراتِكُنَّ… نكتبُ: يُراعى كذا وكذا… وتُعادُ الاستماراتُ… إن لم نشأ أن نكتب بالأسلوب السّابق: تجبُ مراعاةُ… وإعادةُ الاستمارات… جليٌّ أنّني لم أذكر جنسَ المخاطب، وأنّني تجنّبت الأحرفَ المصدريّة وأفعالها، وليس بالعسير أيضا أن أجد كلمات عامّة حياديّة بدلا من الخاصّة بهذا الجنس أو ذاك، وأن أرتاح من الخطوط المائلة والتّكرار المملّ، بأن أتحدّث إلى "الجميع" متبوعا بـ " المصدر"، بدلا من الطّالبات والطّلبة، او المستمعين والمستمعات وأفعالها.

8. لا تُدْرِجُ قواعدُ العربيّة الفصيحة أسماءَ الإشارة في المسألة الجندريّة التي تطالب الحركة النّسويّة بتعديلها، فالمؤنّث والمذكّر لهما اسمان/ كنايتان خاصّان بهما، بما ينضاف إليهما من حرف تنبيه متصدِّر (ها)، وبما يتميّز به المؤنّث من بدائل(18). وفي حالة زيادة حرف الخطاب، تقضي القاعدة بملاءمة اسم الإشارة وحرف الخطاب للمشار إليه/ ا، وللمخاطب/ ة، إفرادا وتثنية وجمعا، ونحن الذين ننتهك القاعدة ونلجأ إلى التّذكير، اللّغة تعدِلُ ونحنُ نتجنّى، تقضي اللّغة بأن أقولَ للأنثى: أتَرَيْنَ تِلْكِ الشّجرةَ؟ مستعملا إشارةً مؤنّثةً مطابقةً للمشار إليها، وحرفَ خطابِ مؤنّثا مطابقا للمخاطبة، فإن أشرتُ إلى مذكّر مفرد، مخاطِبًا جماعةَ الإناث أقولُ: ذٰلِكُنَّ، كما جاء في سورة يوسف(19)، وكذا تجري قضيّة المطابقة الجنسيّة والعدديّة محافظةً على عدلٍ لغويّ بين الجنسين… أمّا القول للأنثى " أتَرَيْنَ تِلْكَ الشّجرةَ؟" فهو من ملاحِنِنَا وسَقَطَاتِنا.

9. لا إشكاليّة في حالة خطاب من تَعْرِفُ، فما عليك إلاّ أن تخاطبه/ا وفق قوانين اللّغة، والرّسائل مجالٌ حسنٌ لهذا، أمّا في حالة عدم معرفتك للمسؤول/ ة الموجّهة إليه/ ا الرّسالة، فاللّجوء إلى التّعميم حسنٌ، وذِكرُ الجنسين حسنٌ؛ فلو افترضنا أنّنا نقدّم طلبا للالتحاق بسلك التّعليم في مدرسة ما، فجميل أن نكتب: إلى إدارة… المحترمة، أو: إلى السيّد/ ة ــــــــــ مدير/ ة المدرسة المحترم/ ة. ويُستحسَنُ أن نتوجّه إلى البالغات من الإناث جميعا بكلمة " سيّدة"، متزوّجة كانت أم عزبة، فالأمر ليس من شأننا، وحسنا نفعل إن نزلنا عن استعمال مفردة " آنسة"، فالإناث كلّهنّ سيّدات، تماما كما وهبنا السّيادة للذّكور بلا قيدٍ أو شرط.

10. تؤنََّثُ عند الحاجة كلُّ الكلمات الدّالّة على منصب أو مهنة: وزيرة، سفيرة، مديرة عامّة، وكيلة، وصيّة، قاضية، محامية، رئيسة…(20). ولنا أن نعتمد على القياس في الأمر، متنبّهين إلى أنّ بعض الصّيغ المؤنّثة لم ترد في الاستعمال لغياب من يشغلها من الإناث لأسباب لا تعنيني هنا، أو لحصرها تاريخيّا ودينيّا بالذّكورة، نحو: ملاكة، إلاهة ( في الدّيانات الموحّدة)، كاهنة، خوريّة ( في الكنيسة)، ( لا تستعمل في المشرق العربيّ لغياب أنثى تشغل هذا المنصب الكَنَسيّ، وكذا المناصب الدّينيّة العليا، ونستعمل الثّانية في محكيّتنا للدّلالة على زوجة الخوري)… وما إلى هذا، والقياس اللّغويّ يبيح هذا كلّه، ولكنّ موضوعة القياس قد تسقط أمام الاستعمال، وهذا ما يعرف في علم اللّغة الكلاسيكيّ: " مطّرِدٌ في القياس، شاذّ في الاستعمال"، وإن كانت بعض النّسويّات من النّساء، ولو مزاحًا، يَرَيْنَ أنّ " الله" مذكّر، فنذكّرهنّ بأنّ الشّيطان وإبليس ( في المعجم الدّيني) مذكّران أيضا، وفي السّياقات غير الدّينيّة الموحّدة، لنا أن نفعل ما نشاء، عدا التّغيير في اسم الجلالة(21).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله   تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله I_icon_minitimeالسبت 28 يونيو 2008, 2:13 pm


11. آن الأوان لتغيير بعض المسمَّيات الذّكوريّة لمؤسّسات تجمع الجنسين حينا، أو كلّها من الإناث حينا، نحو: نقابة/ منظّمة/ رابطة المعلمين← نقابة الهيئات/ القوى التّدريسيّة، مسار/ صفّ المتميّزين← مسار التّميّز، لجان الآباء/ أولياء أمور الطّلبة← لجان ولاية أمور الطّلبة، دار المعلّمين ←دار إعداد الطّواقم/ الهيئات التّعليميّة، غرفة المعلّمين← غرفة الهيئة التّدريسيّة، قائمة المرشَّحين للبرلمان عن الحزب…← القائمة البرلمانيّة المرشّحة… ، وعلى هذا فلْنَقِسْ، أمّا " بيت المسنّين"، فلْنُبْقِهِ- وأمدّ الله في أعمار الجميع- على ذكورته، فالنّساء، يَبْقَيْنَ عرائسَ مهما طَوَيْنَ من سنين.

12. لايجدي في شيء أن ألتزمَ وحدي بتنفيذ هذه المقترحات أو بعضها، ولن يغيّر في الصّورة أن تنضمّ إليّ مجموعة من طواقم التّدريس، فالأمر يتطلّب تبنيّا من ألسنة وأقلام العاملين والعاملات في الإعلام بوسائله المختلفة، فالجمهور هناك أوسع من أعداد المجموعات التي تتلقّى العلم علينا، في ميادين عملنا، في الأكاديميّات أو في المدارس… ولست متيقّنا أنّ دراسة واحدة كافية لقلب الأمور واجتراح المعجزة… ولذا، هي دعوة للحركات النّسويّة بأن تتوجّه إلى وسائل الإعلام بمن فيها لنقل هذا المطلب وإشاعته. 13. الإبداع ليس وقفا على الكاتب! فلنبدع جميعا… رغم يقيني بأنّ اللّغة بريئةٌ منّا ومن كبائرنا وصغائرنا… وإبداعاتنا، إن هو إلاّ اعوجاجٌ اعتدنا إسقاطَه على الآخر.

حواشٍ

1- تُعقد مؤتمرات دوليّة عديدة كلّ عام، في أوروبا واليابان وأستراليا وكندا والولايات المتّحدة، والجمعيّات النّسويّة والجامعات نشطة في هذا المجال، ومن أشهر هذه الجمعيّات:

BAAL= British Association for Applied Linguistics COSWL= Committee On the Status of Women in Linguistics = JALT Japan Association of Language Teachers International Gender And Language Association = IGALA Organization for the Study of Communication, Language, and Gender = OSCLG

وغيرها، وكلّها تختصّ باللّغة والجندر والأبحاث النّسويّة والألسنيّة التّطبيقيّة، ولها جميعا نشاطات موثّقة، وأدبيّات، ومواقع في الإنترنت.

2- ينظر مثلا قوله تعالى: " والنّخلُ باسقـٰتٌ لها طلعٌ نضيدٌ" ( ق، 10)، وقوله: " تنزع النّاسَ كأنّهم أعجازُ نخلٍ منقعرٍ"( القمر، 20)، وقوله:" … قالتْ نملةٌ يا أيّها النّملُ ادخلوا مساكنَكُم…" ( النّمل، 18). القرآن الكريم.

3- للاستزادة في موضوعة الجنسنة وعلاماتها في الألمانيّة، يراجع مثلا:

Paxton, Norman( 1987). German Grammar. Great Britain.
ברנשטיין, זאב( 1991). גרמנית לדוברי עברית. אוניברסיטת תל אביב: דיונון.

4- - الفرّاء، المذكّر والمؤنّث.

المبرّد، المذكّر والمؤنّث.
ابن جنّي، المذكّر والمؤنّث.
ابن التّستريّ،المذكّر والمؤنّث.
ابن الأنباريّ، أبو البركات، البلغة في الفرق بين المذكّر والمؤنّث.
الأنباري، أبو بكر، كتاب المذكّر والمؤنّث.
ابن سيده، المخصّص. المجلّد الخامس، السِّفران 16- 17، (وهو أوسع ما كتب في هذا الباب).

5- تسهيلا، يراجع: عطاالله، نون الوقاية، الفصل الأوّل.

6- لغة التماشق: لغة أحد بطون البربر في شمال إفريقيا وفي منطقة الصحارى، وهي لغة بربريّة، اعتنق أهلها الإسلام، يتحدّث بها أكثر من مليونين في أنحاء الجزائر وبوركينا فاسو وموريتانيا وليبيا ومالي والنّيجر، ومتحدّثوها يجيدون العربيّة أيضا. ولعلّ أهم لغات بطون هذه العائلة البربريّة هي الأمازيغيّة، والتي هي لغة الحضارة لزهاء عشرين مليونا من سكّان المناطق المذكورة، أي أنّها اللّغة شبه الشّاملة للبربر، وخاصّة لسكّان الجنوب منهم، ولها جذور تمتدّ في تاريخ حضارة المكان إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، ومتحدّثوها نشطون اجتماعيّا وسياسيّا في الجزائر والمغرب، وعملوا على إحيائها. يشار إلى أنّ الخطّ الفينيقيّ الذي هيمن على الشّمال الإفريقيّ، هو من خطوط كتابتها الأساسيّة، ولا ننسى دور الفينيقيّين في المنطقة، بما أبقوه من معالم حضاريّة، وما زالت قرطاج وغيرها شاهدا على تلك الفترة.

ثمّة علاقة اشتقاقيّة بين التماشق أو التماجق، والتمازغ والطوارق( الملثّمون)، ولهؤلاء علاقة تاريخيّة بالفتوحات الإسلاميّة، وبطارق بن زياد المتحدّر منهم، والاسم " الطّوارق" ليس مشتقّا من طارق بن زياد، بل هو من " تماشق" أو " تمازج" التي تعني عندهم: الرجال الأحرار، أو لعلّه مشتقٌّ من منطقة تارقة/ فزّان الليبيّة، حيث كانوا، ومنها انطلقوا لشؤون حياتهم، أو لحروبهم ونشر الدّعوة الإسلاميّة، وأصل الكثيرين منهم من اليمن، من الذين جاءوا في عهد الفتح الإسلاميّ في شمال إفريقيّا، واختلطوا مع السّكّان الأصليين وتزوّجوا منهم.

7- هذه هي الحال في الفصحى، أمّا في محكيّتنا- الجليليّة مثلا- فعلامة الإناث تشمل الجنسين، وكذالك علامة الذّكور، وعليه نجد الصِّيَغ التّالية:

1. مين هِنِّ؟- للمؤنّث وللمذكّر.

2. مين هُنِّ؟- للمؤنّث والمذكّر.

3. وينهُِنْ؟- للجنسين أيضًا

4. وينْكُنْ + وينُنْ+ وينِنْ؟- للجنسين أيضا.

5. وينْكُ (و)؟- للجنسين أيضا.

6. وين إنتُ(و)؟، وين رُحتُ(و)؟- للجنسين أيضًا.

7. كتابَكْ- للمذكّر.

8. كتابِكْ- للمؤنّث.

نلاحظ في النّماذج أعلاه ثلاثة أمور:

أ‌- النون علامة جمع عامّة مع اختلاف في الحركة السّابقة لها: 1+ 2+ 3+ 4.

ب‌- الحركة قد تميّز بين المذكَّر والمؤنّث. 7+ 8.

ت‌- الضمّة التي تدلّ على الواو/ الميم - علامتي جمع المذكّر- من باب التّغليب للمذكّر، والتّغليب هو فلسفة اللّغة العربيّة في الشّأن الجنوسيّ أو الجندريّ، 5+ 6.

يشيع "أ" بأنواعه في لغة الشّمال، وفي بعض مناطق فلسطين التّاريخيّة، وفي سوريا ولبنان، وفي الأردن( بلا تعميم)، والأصل في هذا مردّه كما أرى إلى هيمنة اللّغة الآراميّة التي كانت اللّغة الدّوليّة lingua franca قبل العربيّة، وابنتها اللّغة السّريانيّة، ففي الآراميّة:

أنتُونْ للمذكّر( nū’ant) وأنتِن للمؤنّث( antēn’)، الضّمّة والكسرة مشبعتان، ولكنّهما لا تصلان إلى لفظ المدّ كما هي الحال في العربيّة الفصحى. أمّا في السّريانيّة فللمذكّر: attōn’ وللمؤنّث attēn’.

محكيّتنا قريبة من اللّغتين المذكورتين، وقضيّة النّون الجمعيّة الشّاملة، موجودة أصلا في اللّغة الأكاديّة: attunu’ للمذكّر، و: attina’ للمؤنّث، واللّغات الثّلاث تعتمد على الحركة فرقا بين التّذكير والتّأنيث( في ضمير الخطاب المتّصل، حافظت السّريانيّة والأكاديّة على النّون، واعتمدتا على الحركة في التّمييز- كُنْ، كِن). للمقارنة، يُنظر إلى محكيّتنا أيضا "ب". إن كانت هذه اللّغات تعتمد على الحركة، فمحكيّتنا لا تعتمدها، فمن ضمّ قبل النّون كانت هذه لهجته مطلقا للجنسين، ومن كسر قبل النّون كانت هذه لهجته مطلقا. بشأن الضّمائر في الأكّديّة والآراميّة والسّريانيّة، ينظر:

برجشتراسر، التّطوّر النّحويّ، ص. 78، موسكاتي، مدخل، ص. ص. 172- 173،Gray, Comparative, p. 62.

8- الدّورة السّادسة والأربعون، 1980. ينظر: الخطيب،العيد الذّهبي، ص. 146.

9- نضيف إلى هذه الأوزان أوزانا جاءت شاملة للجنسين، وأحيانا للعدد، ومنها: فَعْلٌ( رجلٌ زَوْرٌ وامرأة زَوْرٌ ورجالٌ زَوْرُ ونساءٌ زَوْر)، فُعُلٌ( رجلٌ جُنُبٌ وامرأةٌ جُنُبٌ وقوم جُنُبٌ)، فَعَلٌ( رجلٌ نَصَفٌ وكذا المرأة والقوم، ومثلها دَنَفٌ)… للتّوسّع في هذا ينظر: ابن دريد، أبو بكر، جمهرة اللّغة، 3: 1251، ولمزيد من الأوزان المشتركة، والأوزان المؤنّثة الخالية من علامة تأنيث، يراجع: ابن سيده، المخصّص، 16: 108- 170.

10- عنَتِ الآنسةُ، أصلا، الجاريةَ التي تأنس إليها لطيبِ نفَسِها ونفْسِها أو لطيبِ حديثِها، أو تأنسُ إلى قربها ومحادثتها. وهي كالأنيس دلالة، ولا أعرف، بعد أن انتهى عهد الجواري، ظاهريّا، لِمَ خصّوا غير المتزوّجة بهذا الشّوق إلى حبّك أن تكون قريبا إليها، تحبّ حديثها ونفَسها، أو لِمَ أخرجوا المتزوّجة من هذا الحكم؟ كلّ النّساء أوانسُ وآنسات، أو هكذا يردن، إن لم يكن عند " السّادة أو الأسياد" اعتراض. تنظر مادة أنس في اللّسان، وتاج العروس.

11- ينظر موقع: www.gogay.co.il، رسالة بتاريخ 21/ 06/ 2005.

12- ينظر: إنجيل متّى، الأصحاح الخامس.

13- ينظر: إنجيل يوحنّا، الأصحاح الثّامن.

14- صارت التّغييرات المشار إليها في الإنجليزيّة شائعة في الأدبيّات والممارسة، وذلك جرّاء عناية الأكاديميّات والحركات النّسويّة بالأمر، ينظر مثالا لا حصرًا: منشورات جامعة مينيسوتا:

University of Minnesota, Style Manual Writing Guide Bibliography، ومنشورات APA: American Psychological Association، حول استعمال اللاجنسنة في اللّغة، وللتوسّع، باستطاعتنا البحث في مواقع المعلومات( الشنكبوتيّات: شبكة+ عنكبوت، وليست من اختراعي) عن : Sexist & Non Sexist Language/s.

15- لمزيد من التّفاصيل في قواعد اللغةالفارسيّة، ينظر:
حلمي، كمال الدين( 1992-1993). مقارنة بين النّحو العربيّ والنّحو الفارسيّ. الكويت: ذات السّلاسل.

لواساني، أحمد( 1972). مدخل إلى اللّغة الفارسيّة. بيروت: ؟

16- والنّصيحة بالرّحيل إلى إيران ( وحدَها)، أوردها " روس كيللي" في مقالة له يحمل فيها على دعوات اللّغات اللامجنسنة، ولقد أضفتُ أسماء للغات وشعوب أخرى، لأنّني أحسست بأنّ الكاتب يتجاوز معاداة النّسويّات واللّغات غير المجنسنة، إلى معاداة إيران حصرًا، والأمر فيه موقف تعصّبيّ غربيّ تشتمُّ منه رائحة العداء. للتوسّع انظر مقاله تحت عنوان Against the Theory of Sexist Language في موقع غوغل تحت هذا العنوان، أو تحت:

http://faculty.ed.umuc.edu/ jamthew/articles/against.html.

17- عطاالله، نون الوقاية، ص. 37.

18- اسم الإشارة للمؤنّث المفرد: ذِ ← ذِهْ، ذِهِ، ذي، تِ ← تا، تي، تِهْ، تِهِ.

19- " قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِي فِيْهِ وَلَقَدْ رَٰوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِِهِ فَـٱسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَآءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ ٱلصّـٰغِريَن" ( الآية: 32).

20- أقرّ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة وجوب التّأنيث للتّفرقة بين المذكّر والمؤنّث، وذلك في دورته الرّابعة والأربعين عام 1978.

21- يحفظ التّراث البشريّ، العربيّ وغير العربيّ، تأنيث ما عُدّ من آلهة، ولذا وردت كلمة إلـٰهة كثيرا في معتقدات البشر الدّينيّة، وكذا كلمة ربّة، أما في ما بعد التّوحيد، فلا تستعمل هذه المؤنّثات إلا مجازا، وفي منأى عن كونها لفظة مؤنّثة لاسم الجلالة؛ الله، الرّبّ.

المراجع

1. الإنجيل المقدّس. 2. القرآن الكريم. 3. ابن الأنباريّ، أبو البركات كمال الدّين بن محمّد( 1970). البلغة في الفرق بين المذكّر والمؤنّث. تح. رمضان عبد التّوّاب، القاهرة. 4. ابن التّستريّ، سعيد بن إبراهيم( 1983). المذكّر والمؤنّث. تح. أحمد هريدي، القاهرة. 5. ابن جنّي، أبو الفتح عثمان( 1985). المذكّر والمؤنّث. تح. طارق عبدالله، جدّة. 6. ابن دريد، أبو بكر ( 1988). جمهرة اللغة. تحقيق، رمزي بعلبكي. بيروت: دار العلم للملايين. 7. ابن سيده، أبو الحسن عليّ ( ؟). المخصّص. المجلّد الخامس، السِّفران 16- 17، بيروت: دار الكتب العلميّة. 8. الأنباري، أبو بكر محمّد بن القاسم ( 1978). كتاب المذكّر والمؤنّث. تح. طارق الجنّابي، بغداد. 9. برجشتراسر، ج. ( 1997). التّطوّر النّحويّ للّغة العربيّة. تصحيح وتعليق: رمضان عبد التّوّاب. القاهرة: مكتبة الخانجي. 10. حلمي، كمال الدين( 1992-1993). مقارنة بين النّحو العربيّ والنحو الفارسيّ. الكويت: ذات السّلاسل. 11. الخطيب، عدنان( 1986). العيد الذّهبي لمجمع اللّغة العربيّة. القاهرة: دار الفكر. 12. عطاالله، إلياس( 1996). نون الوقاية. الناصرة: سلسلة الثقافة. 13. الفرّاء، يحيى بن زياد ( 1989). المذكّر والمؤنّث. تح. رمضان عبد التوّاب، القاهرة. 14. لواساني، أحمد( 1972). مدخل إلى اللغة الفارسيّة. بيروت: ؟ 15. المبرّد، محمّد بن يزيد( 1996). المذكّر والمؤنّث. تح. رمضان عبد التّوّاب، وصلاح الدّين الهادي، القاهرة. 16. موسكاتي، سباتينو وآخرون( 1993). مدخل إلى نحو اللّغات السّاميّة المقارن. ترجمة، مهدي المخزومي وعبد الجبّار المطلبي، بيروت: عالم الكتب. 17. Gray, L. (1934). Introduction to Semitic Comparative Linguistics. New York: Columbia University Press. 18. Paxton, Norman( 1987). German Grammar. Great Britain. 19. ברנשטיין, זאב( 1991). גרמנית לדוברי עברית. אוניברסיטת תל אביב: דיונון
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
 
تَخْنِيثُ اللّغة، بين التّذكير والتّأنيث بقلم الدكتور إلياس عطا الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: المنتدى العام-
انتقل الى: