الواقع أن المناخ المصري الآن يجعلني أتشكك أنني أعيش في السعودية أو أفغانستان. وإلا ما معنى أن يتحول كل ما كنا نفعله خلال قرن كامل من الزمان وبقدرة قادر إلى محرمات ومهلكات وموبقات وأسباب "للحشر مع من تحب" وهو التعبير اللطيف المنتشر للتوعد بالنار. هذا المناخ هو الفاعل الأصلي والمتهم الأول الذي يجعل من الرقابة والمصادرة والتكفير والاستتابة والتعزير والنبش في النوايا من نوافل القول وبديهيات الممارسة. يمكننا اليوم أن نملأ أرفف مكتبة ذات شأن بمئات الكتب (التراثية والمعاصرة) والروايات والدواوين والمطبوعات وأن نكتب عليها مثلا "مكتبة أهل النار"!. من ألف ليلة وليلة وديوان أبونواس إلى مطبوعات النهضة العربية، يجب أن نكتسي بالكثير من اللامبالاة حتى لا نربط بين ظواهر كثيرة كانتشار النقاب في شوارع مصر والقنوات الدينية المتشنجة والضيق بالمخالف والمعارض للسائد من رأي أو فكر أو ممارسة وتعدد جهات مصادرة الكتب وبين بنية تحتية كاسحة من ممارسات الفساد والاستبداد. بعض المؤرخين (من بينهم د.محمود اسماعيل في كتابه المهمشون في التاريخ الإسلامي) يرصد العلاقة التاريخية الاجتماعية بين اتجاه التدين إلى الوضوح والتسامي في أوقات الرخاء واتجاهه إلى الضيق والتعصب في أوقات الأزمة الاقتصادية. من الواضح أن مجتمعنا قرر أن يزدوج في مواجهة أزماته الكثيرة الخانقة بدلا من مواجهتها بالعقل وبالعلم وبالرغبة الصالحة في الحياة الحرة المنفتحة.
أقول قولي هذا وقلبي يعتصره الحزن لخبر المصادرة الجديد..