يا ساتر..ما هذه الدعوة الدموية القبيحة
وراء هذا الخطاب العنيف عقل يستشعر الضعف ويموت في جلده من الرعب ولا يود الخروج أبدا للقاء العالم.
ما الذي حدث - مثلا - عندما استهدف الاستعمار الفرنسي لغة الجزائر العربية ونجح في إحلال الفرنسية بدلا منها؟
الذي حدث هو أنه خرج إلى الوجود أدباء عظام مثل محمد ديب ومالك حداد والطاهر بن جلون ومفكرين عظام مثل مالك بن نبي، ومئات المثقفين الذين لا يعرفون العربية شكلا لكنهم يعيشون بها روحا ووعيا بالذات وتفيض كتاباتهم سخطا على الاحتلال الفرنسي للجزائر. في شعره خاطب مالك حداد أراجون بهذه الأبيات التي تجسد موقف الحب القوي للعربية التي حرم منها لا موقف البغضاء المتسلح بالدفاع عنها كي يداري ضعفا حضاريا وهزالا عقليا:
أنا أرطن ولا أتكلم
إن في لغتي لكنة
إنني معقود اللسان
أنا لا أغني، لا أغني
فلو كنت أعرف الغناء
لقلت شعرا عربيا
لا خوف على الإطلاق يمكن أن يبرر دعوة عنيفة كهذه في ميدان كاللغة إلا لو كان هذا الخوف ليس مجرد خوف ولكن فزع وعداء هستيري
ما علاقة قنوات تتحدث لهجات بلادها لتتواصل مع مشاهديها بالمؤامرة وبالأفاع وبالاجتثاث وبهذا القاموس السام من قواميس قطع الرقبة؟ ما الذي تجده في هذه القنوات ويجعلها توضع مع قنوات التبشير في سلة واحدة؟
وما التبشير ذاته وما الأسلمة في عالم نطمح أن يحترم التعددية الثقافية والحضارية والمذهبية وألا يعتد بعقيدة الإنسان ولا جنسه ولا لونه بقدر ما يعتد بإنسانيته؟
ألم يكن الأجدر بفارس الأساطير الدموية الذي امتشق حسامه ليقضي على الوحوش المرعبة أن يقدم إسهامات فكرية أكثر عملية وبساطة وجسارة في مجال نشر اللغة العربية كالقضاء على الأمية التي تطحن عقل وروح المواطن العربي؟ إسهامات أكثر جدية في البحث عن الوسائل النوعية التي تجعل من اللغة العربية لغة أكثر قربا من قلوب أطفالنا، أكثر لطفا وأنسا وتحببا لهم؟
بدلا من أن يبكي الكاتب على التراث التركي الذي شوه تشويها فظيعا (الله أعلم ما هو) ألم يكن من الأجدر به أن يلاحظ أن تغيير الحروف التي كتبت بها اللغة التركية من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني هو أمر لم يقدم أو يؤخر في مسارات التقدم العلمي والأدبي والحضاري التركي بينما استمرار الحرف الياباني الموروث وهو المعقد وصعب الكتابة لم يؤد بدوره إلى تعويق التقدم الياباني التكنولوجي الكاسح؟!
رأيي أن قضية الكاتب ليست انتصار اللغة وليست هي التقدم والتأخر والتخلف والحضارة ولكن قضيته الحاضرة هي قطع الألسن والرؤوس والتصدي البائس للمؤامرة التي تتمثل فى اقتراحات واجتهادات قد تشطح لكنها لا تفقد نيتها الحسنة ولا بوصلتها باتجاه عالم جديد يليق بأهل العربية، محاولات وإن كانت ليست جديرة بالتبني لكنها جديرة بالتعاطف
شكرا د.محمد لنقل هذا المقال الاستقطابي والحافز على الاختلاف