2- المسرح الإغريقي:
لقد ظهر المسرح لأول مرة في اليونان وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، ويعد كتاب أرسطو( فن الشعر) أول كتاب نظري ونقدي لشعرية المسرح وقواعده الكلاسيكية. وقد نشأ المسرح التراجيدي حسب أرسطو من فن الديثرامب الذي يمجد آلهة ديونيزوس بالأناشيد والتاريخ. وحسب الأسطورة يعد ثيسبيس أول ممثل بلور الفن الدرامي متقمصا دورا أساسيا في القصة الديثرامبية وذلك في القرن السادس قبل الميلاد، وكان مرنما كلما أنشد منولوجا ردت عليه الجوقة بما يناسب ذلك. وكانت هذه المحاولة البداية الفعلية للآخرين لتطوير المسرح نحو جنس أدبي مستقل.
ولم تعرف التراجيديا اليونانية أوجها إلا في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ ظهر أكثر من ألف نص تراجيدي، ولم يبق سوى واحد وثلاثين نصا فقط. و قد كتب هذه النصوص الدرامية كل من أسخيلوس وسوفكلوس ويوربيديس.وتتفق هذه التراجيديات في بناء صارم يتمثل في الصياغة الشعرية، وتقسيم المتن إلى فصول، وتناوب الحوار بين الشخصيات( أكثر من ثلاث شخصيات)، والجوقة التي تردد الأناشيد الشعرية، والقصص المأخوذة من الأساطير القديمة أو التاريخ القديم حيث يستوحي منها الشعراء الدراميون بكل حرية أسئلتهم السياسية والفلسفية.
وتقام المسرحيات في أثينا إبان حفلات ديونيسوس: إله الخصب والنماء. وقد اعتاد اليونانيون أن يقيموا للآلهة حفلين: حفل في الشتاء بعد جني العنب وعصر الخمور؛ فتكثر لذلك الأفراح وتعقد حفلات الرقص وتنشد الأغاني ومن هنا نشأت الكوميديات. وفي فصل الربيع، حيث تكون الكروم قد جفت وعبست الطبيعة وتجهمت بأحزانها مما أفرز فن التراجيديا. وكانت تجرى مسابقات مسرحية لاختيار أجود النصوص الدرامية لتمثيلها بهذه المناسبة الديونيسوسية ذات الوظيفتين: الدينية والفنية. و لابد أن تفوز بهذه المسابقة ثلاثة نصوص تمثل وتعرض أمام المشاهدين، ومن شروطها أن تكون هجائية تسخر من الآلهات وتنتقدها.
وشهدت الكوميديا تطورا كبيرا منذ منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. ومن أهم الكوميديين نجد أريستوفانوس بمسرحيته الرائعة( الضفادع)، وكانت الكوميديا تنتقد الشخصيات العامة وتسخر من الآلهات بطريقة كاريكاتورية ساخرة. وقد حلت الكوميديا محل التراجيديا في القرن الرابع قبل الميلاد.
وانتشرت الثقافة الهيلينية في أصقاع العالم بفضل غزوات الإسكندر الأكبر، وذاع صيت المسرح اليوناني بكل أنواعه وقضاياه وأبنيته الفنية.
وإذا تأملنا معمارية المسرح اليوناني وجدنا العروض المسرحية تقدم في الهواء الطلق في فضاء مسرحي دائري محاط بمقاعد متدرجة من الأسفل إلى الأعلى على سفح الهضبة في شكل نصف دائرة( المدرج)، ويحضره ما بين 15000و20000 من المشاهدين الذين كانوا يدخلون المسرح مجانا؛ لأن المسرح من أهم المقاطعات العمومية التي كانت تشرف عليها الدولة- المدينة ووسيلة للتوعية والتهذيب الديني والتطهير الأخلاقي.
و يمثل على خشبتها المنبسطة ممثلون يلبسون ثيابا عادية مخصصة لكل دور درامي مناسب، كما كانوا يضعون على وجوههم أقنعة نشخص أدوارا خاصة، وكان الممثلون محترمين ولهم مكانة سامية في المجتمع اليوناني. ويمتزج في النص المعروض:الدراما الحركية والغناء والرقص والشعر؛ مما يقرب العرض من الأوبرا أكثر مما يقربه من المسرح الحديث.