- المسرح في عصر النهضة أو المسرح الكلاسيكي الجديد( المدرسة الكلاسيكية):
في عصر النهضة، أثرت ثورة الإصلاح الديني البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر على المسرح، فأخرجه من طابعه المقدس إلى طابع هزلي دنيوي مدنس.وقد انطلق المسرح الكلاسيكي في عصر النهضة من شعرية المسرح الإغريقي والمسرح الروماني؛ ذلك ببعثه وإحيائه من جديد قصد تطويره والسير به نحو آفاق جديدة.
أ- المسرح الإيطالي:
ظهر شكل مسرحي جديد بإيطاليا في القرن الخامس عشر الميلادي، وقد سار على المنوال الروماني مستفيدا من نظريات أرسطو في فن الشعر مستبعدا كل ما كان قبل ذلك من مسرحيات دينية وفلكلورية ودرامية، وأصبح البحث الدرامي بحثا جماليا وبلاغيا خالصا.وكانت لاتقام المسرحيات إلا في إطار حفلات المجالس والجمعيات المسرحية. ومن أهم النصوص في تلك الفترة مسرحية مكيافلي Machiavel بعنوان( ماندراﭽور Mandragore)، وهي مسرحية هزلية وقحة فظة.
ومن أهم مبادىء مسرح عصر النهضة الكلاسيكي:احترام مبدأ المحاكاة الحرفية للواقع ورفض الوهم و اللاواقع والتركيز على المثال الأخلاقي والصرامة الجمالية والفصل الدقيق بين الأجناس ( التراجيديا/ الكوميديا)، وينبغي أن تظهر الشخصيات باعتبارها نماذج إنسانية لا كأفراد أحياء واقعيين، والالتزام بالوحدات الأرسطية الثلاث كوحدة الحدث ( حدث درامي واحد)، ووحدة الزمن( حدث يقع في 24 ساعة)، ووحدة المكان
( تجري الأحداث المعالجة في مكان درامي واحد)؛ لأن عدم الالتزام بهذه القواعد الثلاث يتنافى مع المبدأ الذي أرساه أرسطو ( المحاكاة)، والاعتماد على العقل، والتأثير على الجمهور واستجلاب مواقفه وردوده الانفعالية.
ومن التجديدات المسرحية التي عرفها المسرح الإيطالي أن العروض كانت تقدم في فضاءات ركحية مبنية: في القاعات أو ساحات القصور أو تتخذ شكلا مستطيلا مع الارتباط بمعمارية الهندسة المسرحية الرومانية. ومع اكتشاف المنظور، سمح للتصور السينوغرافي بخلق الإيهام بالواقعية الدرامية، وتم تنويع الديكور، وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض مجازية استعارية دخيلة تتخلل هذه الفصول.وقد وضع فاصل معماري(غطاء)لفصل قاعة الجمهور عن خشبة التمويه الفني.
وإلى جانب هذا المسرح، ظهر فن جديد يعتمد على الغناء والترنيم وهو فن الأوبرا الذي خصصت له مبان فاخرة وفخمة تردادها الطبقة الأرستقراطية التي تأتي لا لسماع العروض الغنائية بل لكي ترى.
صارت الأوبرا فنا شعبيا منتشرا في إيطاليا منذ 1600م ، و ظهرت الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي لارتي dell’arte)، وكان لها جمهور واسع فيما بعد. وقد بلغت أوجها بين 1550و1650.
ب- المسرح الفرنسي:
تنطلق النصوص المسرحية الفرنسية الكلاسيكية من عدة مبادىء أرسطية تتمثل في:
• تقليد الطبيعة أو تقديم صور فنية منظمة وجيدة عن الطبيعة؛
• احترام العقل والابتعاد قدر الإمكان عن الوهم والخيال؛
• الوظيفة الأخلاقية المبنية على الإرشاد وتعليم الناس القيم الأخلاقية وتغيير المجتمع عبر نشر الفضيلة ودرء الرذيلة؛
• احترام مبدأ المحاكاة؛
• مراقبة اللياقة والأدب؛
• الالتزام بالوحدات الثلاث.
ولم يظهر المسرح الكلاسيكي في فرنسا إلا في1630م مع تراجيديات
راسين Racine وكورناي Corneille. وكانت مبادىء المسرح اليوناني تحترم بشدة، وعندما حاول كورناي في مسرحيته ( Le Cid السيد) انتهاك قاعدة المحاكاة لم تجزها الأكاديمية الفرنسية على الرغم من نجاحها.وكانت المسرحيات الكلاسيكية الفرنسية تعتمد على الأساطير وتمثل البنية الدرامية الموروثة واستعمال الإيقاع الكلاسيكي الجديد.
وإلى جانب التراجيديين راسين وكورناي كان هناك المسرحي الكبير موليير Molièreالذي أنتج هزليات مضحكة متأثرا بالكوميديا الشعبية الإيطالية وكوميديات القيم. وكان موليير أكبر ممثل كوميدي في عصره، يدير شركة مسرحية تحولت بعد موته بقرار لويس 14 إلى الكوميديا الفرنسية التي تعد اليوم أقدم مسرح وطني في العالم.
ج- المسرح الإنجليزي:
تطور المسرح الإنجليزي في عهد إليزابيت الأولى في أواخر القرن السادس عشر حيث أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور الوسطى. ومع التطور السياسي والاقتصادي وتطور اللغة، ساهم الهواة الدراميون أمثال توماس كايد THOMAS KYDوكريستوفر مارلو Christopher Marlowe في نهضة المسرح الملحمي الذي بلغ نضجه وازدهاره مع وليام شكسبير.
وقد اعتمد شكسبير في بناء مسرحياته على سنيك وبلوتوس والكوميديا المرتجلة، ومزج بين التراجيديا والكوميديا، كما مزج بين المشهد والرقص والغناء. وكانت عقده الدرامية ممتدة في الفضاء الزمكاني.وكان يستقرىء التاريخ بدل الأسطورة.وكانت الكوميديات الإنجليزية رعوية تستعمل عناصر سحرية وغير عقلية. وظهر رواد دراميون بعد شكسبير مثل بن جنسون Ben Jonson. وبعد وفاة الملكة اتخذ المسرح شكلا مظلما وقحا خاصة مسرحيات جونسون.
وفي 1642، تم إغلاق المسارح وتدميرها وتخريبها بسبب الحرب الأهلية وقرار البرلمان الذي انساق وراء ضرورة الغلق تحت ضغط المتزمتين الصارمين.واستمر الوضع حتى 1660. وبعد عودة الاستقرار أصبح المسرح موجها إلى نخبة محدودة، وارتكن الفن الدرامي إلى محاكاة النصوص الفرنسية والإيطالية، ولأول مرة تعطى للمرأة أدوار تشخيصية مناسبة منذ العصر الوسيط. ومن أهم كتاب المرحلة نجد وليام كونجريف William Congreve.
د- المسرح الإسباني:
عرف المسرح الإسباني في عصر النهضة نفس التطور الذي شهده المسرح الإنجليزي في عهد إليزابيت الأولى بالخصوص في منتصف القرن17م مع لوبي دي فيكا Lope de Vega وبيدرو كالديرون Pedro Calderon. وكان هذا المسرح مقترنا بالتقاليد الإسبانية القائمة على الأفكار المثالية المرتبطة بالشرف والحق الإلهي المقدس، وكان الجمهور المثقف هو الذي يقبل على هذا النوع من المسرح، لكن هذا المسرح لن يعرف التطور الذي عرفه المسرح في فرنسا وانجلترا بل سرعان ما انطفأت شعلته يسبب هزيمة إسبانيا في معركة أرمادا ومحاكم التفتيش والتوجه الديني الصارم.
هــ- المسرح في القرن18م:
في بداية القرن 18 م، قليل من الكتاب الدراميين في فرنسا يستوجبون الاحترام باستثناء جان فرنسوا رينيارد Jean – François Regnard وألان روني لوساج Alain René Lesage. وقد أعطى مسرح الشارع وساحات الأعياد شكلا مسرحيا جديدا هو المسرح الشعبي. وكان المسرح في هذا القرن كأنه كتب للممثلين حيث تكتب النصوص حسب أذواقهم ورغباتهم؛ ولكن ضمن القواعد الكلاسيكية. واشتهرت نصوص رائعة في هذه الفترة مثل روميو وجولييت والملك لير. وقد ساهم بعض النقاد مع عصر الأنوار في تطوير المسرح مثل فولتير وديدرو والآنسة كليرون Mlle Clairon وليسينج Lessingفي ألمانيا. وقد كانت توضيحاتهم النقدية والإصلاحية علامات مضيئة لفن الإخراج المسرحي.