وتجددت العراقيل مرة أخري «وبنص ما هو مدون باليوميات»، قام بعض الحاسدين الذين سلطهم الله امتحانًا لقلوب الصادقين المجاهدين يبثون أغراضهم بأن هذا جيش كبير وغير مدرب علي النظام العسكري... إلخ.
كل هذا وسماحة السيد الصادق يضرب مثلا في الصبر ويريد أن يخطو بالجيش كل خطوة قانونية لئلا يكون للناس علي الله حجة.. ولكي يقيم للعدل ميزان الاستقامة والنزاهة.
ولم تشأ الحكومة في نفس الوقت أن يظهر للرأي العام أنها تمنع هذا الجيش وتعللت وتكررت الوعود يوما بعد آخر.. وآخر.. إلي أن استقر الرأي أخيرًا بعدم التصريح بحركة هذا الجيش وهو مسلح داخل القاهرة وحتي الحدود مع فلسطين.. ولكن يجمع السلاح ولا يسلم لهم إلا عند وصولهم إلي حدود فلسطين.. وتمت الاستجابة وتم تسليم السلاح إلي السلطات المختصة.. كانت هذه القوة تمثل عامل ضغط علي الحكومة لكي يكون لها رد فعل يتناسب وهذه الرغبة الشعبية والجهاد ضد اليهود في فلسطين والدعم الإيجابي والفعال بمجاهدي فلسطين والوقوف ضد قرار التقسيم.
ولكن سياسة الخطوة للأمام والخطوتين للخلف التي كانت تتبعها الحكومات العربية، وضمنها الحكومة المصرية.. كان يفضحها اصرار المجاهدين علي الحرب في فلسطين.. لذا كانت المماطلة والمناورة.
وظل جيش المجاهدين بالقاهرة يوماً بعد يوم - حتي بعد أن تم جمع السلاح - يجدد نشاطه بتنظيم طابور عسكري في الشوارع المحيطة بالمقر احتفاظًا بلياقته البدنية لحين صدور التصريح.. ومر أسبوعان.
وإذا بمفاجأة قاسية.. إذ أن الحكومة والجامعة العربية وهيئة وادي النيل لم تصرح بسفر متطوعين.
وأعاد السيد الصادق محمود ماضي أبوالعزائم.. اتصالاته وسعيه ومراسلاته واسعة الشرح لهذه الحملة ونواياها الشريفة.. وقدر الاهتمام والهيئة والتدريب والتجهيز.. وكم المصروفات والتكاليف التي تم انفاقها.. وأيضاً كم العبء في الإنفاق الذي لا طائل وراءه، كلما طالت فترة الانتظار بالقاهرة والأولي أن يستثمر هذا الإنفاق في أرض المعركة.
وكرر لدي جميع الجهات المسئولة كي يتغلب علي دعاواها بعدم وجود اعتمادات للصرف أو إمكانات لدي هذه الهيئات.. أنه لا يريد من أي جهة رسمية أو غير رسمية أي مساعدات أو تبرعات أو دعم إلا التشجيع العملي لأوامر الدين وخدمة الوطنية وتوحيد كلمة الإسلام.
وأنه إذا لم يصرح له رسمياً.. فسيشق طريقه بالجيش عبر الصحراء والجبال، ولم يوقفهم عائق عن ارتياد شتي الطرق للوصول إلي الحدود.. سواء فرادي أو جماعات.
أربعة عشر يوماً مضت منذ الوصول إلي القاهرة.. إلي أن صدر أمر معالي وزير الحربية بالسفر فتوجه الجيش المحمودي «جيش أنصار الحق» إلي مسجد سيدنا الحسين وصلي صلاة وداع.
وتم بعدها إعداد العدة وتحركت قافلة السيارات حاملة المجاهدين وهم يرتلون المواجيد والابتهالات إلي أن وصلوا الإسماعيلية وبدأت جولة أخري من العراقيل أهمها المنع من السفر لعدم صدور التصريح بالمرور من نقطة الجمارك.. ورابط الجيش مدة ثمانية أيام بمدينة الإسماعيلية في سرادق إقامة المجاهد محمود سليمان غنام الذي أكرم مثوي الجماعة واخلي غرف داره للعارف بالله المجاهد سماحة السيد/ الصادق وجنوده طيلة هذه المدة.
وعاد إلي القاهرة وفد من المجاهدين للتفاهم علي كيفية تنفيذ الأمر الصادر من وزير الدفاع وحل المشكلة.. ولم يترك المجاهد/ أحمد حسين وفد أنصار الحق وحده.. بل رافقه في جولاته إلي جميع الجهات المعنية.
وكان الأهل وأهل المعية وعموم الشعب في الصعيد والقاهرة يتابعون أخبار حملة المجاهدين من جيش أنصار الحق وما يوضع في طريقها من عراقيل.
وفي نفس الوقت فإن أقرب الناس معرفة ببواطن الأمور والاحوال وأكثرهم احساسًا بها وأن المدة التي قضاها الجيش بالقاهرة والإسماعيلية وتتجاوز واحدًا وعشرين يومًا.. إنما يترتب عليها نفقات يصعب حصرها وتحديدها.. سواء مؤنة أو نفقات ومصروفات وإيجارات سيارات ووسائل نقل وضيافة ونثريات عدا نفقات الجيش.
د. سماحة السيد/ الصادق قد أخذ العهد والتزم ولا يقبل ولا ينتظر معونة من أحد.. «ولكن الله سبحانه وتعالي كفيل بعباده المؤمنين وكتب الله لهم العزة» لذا وبنص حديث ورد في كتاب أحد مسئولي الاعاشة.. فقد تبرع آل بيت مولانا ورحابه المقدس اغصان الشجرة المباركة وازدواج سماحة مولانا -حرمه المصون- بما يمتلكن من حليّ وذهب مساعدة لنفقات المهاجرين إلي الله الذين عاهدوا الله عهدًا لافكاك له إلي الأبد».
وقد سمعت شخصيًا في لقاء تم بقرية بني مهدي من الأخت الصغري لسماحة العارف بالله السيد/ الصادق رئيس جمعية أنصار الحق، والتي كانت تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا، عام 1948 أنها عندما شاهدت والدتها تخلع مصاغها وحليها وتخرج ما في صندوق ذهبها كي ترسله إلي ابنها في القاهرة، دعمًا له في تكاليف ما التزم به تجاه أنصار الحق خلال جهاد منهم وبهم للسفر إلي فلسطين والانفاق علي حملة المجاهدين.. فقد خلعت هي الأخري مصاغها وحليها عن طيب خاطر بما في ذلك مصاغ خطوبتها لتضمها، إلي ما سوف ترسله أمها إلي أخيها.
وحتي يوم 7 أبريل 1948 لم تفلح الجهود والمحاولات في الحصول علي التصريح بمرور المجاهدين وجيشهم إلي سيناء.. ومنه إلي فلسطين.
وكان لابد من اتخاذ خطوة وتدبير خطة لكسر جمود موقف الانتظار الذي لا يبدو له في الأفق نهاية.. فالحكومة ليست مهيأة لاتخاذ موقف حاسم.
فالتعاطف مع الشعب الفلسطيني والانفعال والحماس الشعبي يجبرها علي المسايرة قولاً وشعارًا، ولكن أن يتحول هذا التعاطف والاستجابة إلي المطلب الشعبي إلي أفعال حقيقية ودعم ومشاركة وتسليح الفدائيين والمجاهدين والمقاومين فلا.. وألف لا.. إذ أنه قد يورطهم في مواجهة الدول الغربية أو يستدرجهم إلي حرب لا يملكون لها جيشًا مستعدًا مدربًا مزودًا بالأسلحة والعتاد الحديث والمناسب.
لذا فقد اتخذ رئيس جماعة انصار الحق قراره بتقسيم المجاهدين إلي جماعات صغيرة تسافر باعتبارها أفرادًا منفصلين إلي القنطرة.. ومنها تركب القطار إلي رفح عبر العريش.
ورغم ما في هذه الخطة من جهد ومشقة وتضحيات.. كانت كتيبة أنصار الحق في أحوج ما يكون إليها.. ومنها حمولة ثلاث سيارات نقل من الأغذية والمؤن والمهمات تم الاستغناء عن أكثرها والاكتفاء بما يمكن حمله.
وبالفعل تحركت المجموعة الأولي وضمنها معلمها ومدربها المهندس: عز الدين عبد القادر والذي شارك بماله من خبرة ودراية عسكرية في تدريب هذه القوات وعلي رأس هذه المجموعة مولاها مؤسسها وقائدها رئيس جمعية انصار الحق، وقد وصل الفوج الأول إلي رفح الفلسطينية في الخامسة صباحًا.. وصل إلي بلاد لم يستطلعها ويدرس مواقعة فيها الدراسة الكافية أو فكرة عن خطوط التماس أو الفصل بين العرب واليهود.. إذ استنزف جهدة لمدة طويلة فيما لا طائل منه من قلق وتشتت وانتظار ملئ بالتساؤلات.. لماذا.. ولمصلحة من.
وهل هي محاولات لامتصاص حماس المجاهدين.. وتحويل أنظارهم في اتجاه يحيد بهم عن الهدف المنشود.. أو أن تتفكك كتيبة أنصار الحق بفعل شك أفرادها في جدوي الأنتظار.. أو أن تتغلب عليهم عوامل الحنين إلي الأهل والأولاد. ولكن خيب الله ظن كل من أعاق مسيرتهم.. فقد برهنوا علي حسن الطاعة والاقتداء بامامهم ومولاهم فهو منهم وفيهم ماداموا لأمره طائعين.. وبمجرد وصولهم إلي رفح فلسطين عاد سماحة العارف بالله السيد الصادق إلي الإسماعيلية للتصرف في أمر باقي المجموعة وترتيب سفرهم للحاق برفاقهم في رحلة الهجرة إلي الفداء والشهادة.. ولم يذق رئيس جماعة أنصار الحق الراحة ويستسلم لها عند عودته إلي الإسماعيلية.. بل أخذ في تجهيز باقي القوة.. وما يمكن أخذه من المؤونة والزخيرة.. وبرفقة القوت الممرضات الثلاث والطبيب السابق ذكرهم و تحركت القوة مساء يوم الجمعة 9 أبريل 1948، 29 جمادي أول 1365هـ من الإسماعيلية بالسيارات إلي القنطرة.. ومنها بالقطار إلي رفح.. فوصلوها في السابعة صباحًا ومنها إلي حيث المعسكر الذي سيقيمون فيه فأنضموا إلي الفوج الأول..وفورًا بدأت الاستعدادات وتوزيع المهام كل في اختصاصه سواء في الشئون الإدارية، أو المطبخ، التمريض، الحراسات، الخدمات وتوزيع كل منها إلي موقعه.. وأخيرا وبعد 23 يوما من مغادرة المجاهدين لقرية بني مهدي وصلوا إلي أرض الفداء والشهادة والجهاد أرض فلسطين بدأ أنصار الحق وجنود الرحمن مرحلة جديدة من مراحل الجهاد.. تتطلب توجيهي وميثاقا يلتزم به الجميع.. لذا ما أن استقرت الأحوال بالمجاهدين في المعسكر حتي صدر البيان التالي.
بيان من أنصار الحق عن هجرتهم
قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة» صدق الله العظيم
عملا بهذه الآية فرض علينا الجهاد بالمال والنفس والروح لإنقاذ فلسطين العربية والدولة الإسلامية من خطر الصهيونية الكافرة الجاحدة ولو علي آخر قطرة من دماء أنصار الحق.. ونعتبر أن فلسطين هي البلد الحرام وإحدي القبلتين التي أمر عليه الصلاة والسلام بالحج إليهما والتوجه إليهما بالدعوات وجعلها موضع التشريف والتعظيم كمكة والمدينة، فلذا هدف الجماعة بأمر صاحب الخلافة المحمودية قائدنا السيد: الصادق محمود ماضي أبو العزائم
1- القضاء علي الصهيونية في كل مكان من جميع بقاع فلسطين.
2-الجهاد في سبيل الله لا نريد أجرا ولا رياء ولا شهرة ولا ثوابا إلا الموت.
3- نشر تعاليم الدين الإسلامي واحياء سنة الرسول واخلاق الصحابة وتطهير جميع بقاع المناسك الدينية من كل شبهة وفساد.
4- اثبات كل غزوة بين العرب واليهود واعطاء كل ذي حق حقه بياناً للناس عامة وإظهاراً للمجاهدين سوا ء كانوا مصريين أم سوريين أم فلسطينيين أم أردنيين أم حجازيين أو عراقيين حيث التقينا بني الإسلام جميعاً في مكان واحد بمقصد واحد «علي الموت تعاهدنا» في ميدان الجهاد.
5- مد يد المساعدة بكل ما نملك من مال وقوة ورجال وسلاح لنصرة العرب.
6- الاقتصاد في كل شيء حرصاً علي المنفعة العامة العربية حيث الاقتصاد نوع من الجهاد
7- التعاون مع كل مسلم وكل عربي «مخلص صادق مجاهد» تتوافر فيه شروط الجهاد علي أن نكون يدًا واحدة وكلمة واحدة.
8- احترام الأوامر العسكرية الحربية الصادرة إلينا من القيادة العامة والهيئة العربية العليا.
9- ينسب جهادنا وشعارنا وتضحياتنا وأرواحنا لقائدنا السيد/ الصادق محمود ماضي أبو العزائم.
10- نحن أنصار الحق أولاً.. المصريون الإسلاميون العرب أعداء الاستعمار والشيوعية في كل مكان علي أرض البسيطة.
الدستور 9/7/2008
[/font]