كل شخص له ذائقته وانا لست ناقدا بل قاريء هم أن يستمتع بما يقرأ أولا ثم أن يحصل معرفة
أود أن أورد رأي لكل من أدونيس حين سأله عبد القادر الجنابي
من هو النفري أجاب أدونيس لاأحب أن أعرف
وحين سأل محمود درويش
عن عباس بيضون؟
قال أن عباس يعرف ما الشعر ولا يبلغ القصيدة
وعن يوسف الخال قال لايعنيني
ساورد مقاطع للناقد السوري ياسر اسكيف ولمن يريد أكثر هذه روابط للمقالة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37181http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37431http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37503http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37569لقد اختصر نزار قبّاني المرأة , في واحدة من الزوايا التي اختارها للتصوير , إلى نهد وشفاه , حلي وملابس . إنّه عنى وخاطب , بل صوّر جزءاً محدّداً من النساء , يتمتعن بميّزات جسدية , جسدية فحسب , تضعهن على رأس السلّم الجمالي , الذي أقرّته , بالتأكيد , الإرادة الذكورية . وعلى هذا الأساس تنتفي كلّ الميزات والصفات الأخرى التي تجعل من المرأة كائناً إنسانياً جميلاً , وأقصد تلك الميزات التي يشترك كل من الرجل والمرأة , كالذكاء والمعرفة ولإحساس بالمسؤولية ورهافة الحس .... الخ , بمعنى آخر , كل ما اصطلح على التعبير عنه ب (الروح الجميلة ) أي الصفات التي تخص الجدارة وليس الممنوحة دون جهد .
( هذا الذي بالغت ِ في ضمّه ِ
أثمن ما أخرج َ للعالم . – الأعمال الكاملة ص68 )
لا يخفى على أحد بأن ما قصده الشاعر من المبالغة في الضمّ هو النهد . وحينما يكون النهد هو أثمن ما تخرجه المرأة للعالم , أو ما أخرجته قدرة أخرى , فلا بدّ حينها من التفكير بغثاثة الإبداع الأدبي والفتني والعلمي الذي أخرجته النساء للعالم حينما نوافق الشاعر على قوله السابق . ذلك القول الذي يوجّه للمرأة إهانة لا تخفى إذ يختصر بالنهد كلّ ثمين فيها , إنّه المنطق الذي يمارس قتلاً متعمّداً يطال شهرزاد ,
شهرزاد التي لم تقدّمها الحكاية كإمرأة جميلة ومثيرة وغانية , شهرزاد التي لا تنال علامة واحدة لو طبّق عليها قانون انتخاب ملكات الجمال , هذا القانون الذي صاغه الذكور , بكل ما يحمل من عنصرية وتحيّز لأنه لا يقيم اعتباراً للإمكانية , بل للعوامل الوراثية المحضة .
والغريب أن أغلب النساء العربيات القارئات والمستمعات احتفلن احتفالاً مجنوناً بصورتهن , التي صاغتها وأبرزتها أشعار نزار قباني , كنقيض لصورة شهرزاد , وإعادة إنتاج زوجة الملك شهريار , المرأة الجميلة المثيرة , ولكن المملوكة التي تتمرد ضد امتلاكها , وهنا لا بدّ أن تتجلى لنا وحدة الحال الوهمية التي تجمع المرأة العربية مع زوجة شهريار , والتي أرى في تجربة نزار قباني محاولة حثيثة لتبديد وهم هذه الوحدة ودفع
المرأة العربية لتكون تلك المرأة بعينها , ذلك أن النص القباني في الكثير من أجزائه يعيد إنتاج تلك المرأة على أنها النموذج الأسمى والأروع للجمال .
( أجمل مافيك هو الجنون
أجمل ما فيك – إذا سمحت لي –
خروج نهديك على القانون . – أعمال كاملة ص769 )
نجد أن القضايا المهمّة , أو التي تبدو مهمّة , هي أسئلة الشاعر وليس المرأة , لأن نزار قباني في صناعته للمرأة لم يجرؤ على صناعة المرأة المتمردة الساعية إلى خلاصها , ولم يلامس الهموم الحقيقية لدى المرأة , إنما سعى على الدوام لتكريس النموذج النسوي الذي يتطابق مع رغبته , وحمله ما يريد أن يراه فيه . لقد صنع بكلّ بساطة امرأة دمية وببغاء , امرأة تكفّ عن الكون امرأة ً بمجرّد أن يبتر نهداها .
إن تجربة نزار قباني شأنها شأن الغالب الأعم من التجارب الشعرية العربية تفتقر إلى الغنى الفلسفي مقابل تشبّعها بالميثولوجي والأخلاقي وبالتالي غياب التشارك بين الذات وموضوعها لصالح التماهي أو الابتلاع , هاتان العمليتان اللتان تنتميان في العمق إلى جذر واحد , فالموضوع الذي لا يمكن ابتلاعه والسيطرة التامة عليه من قبل الذات المبتلعة , بحيث يستحيل عليه التعرّف إلا كجزء من هذه الذات , يتم التماهي فيه بحيث
, يتم التماهي فيه بحيث لا يتعرّف إلا والذات المتماهية جزء مكوّن منه .
بهذه الآلية تبقى الذات الشاعرة فاعل مرفوع , ويبقى الموضوع مفعول به أو مضاف . وهذه واحدة من خصائص التدوين الشعري ,وليس التجربة الشعرية , حيث لا فصل ولا انفصال بين الذات وموضوعها , إذا لم نذهب إلى الأبعد لنقول بأن الذات في التجربة هي موضوع ذاتها
( اتركيني أبنيك ِ شعراً .. وصدراً
أنت لولاي يا ضعيفة .. طين . الأعمال ص162 )
لا أظننا بحاجة إلى عناء لنلحظ أن المرأة موضوع المخاطبة في المقطع السابق , والمفترض بأنها عنصر التجربة القطبي , مدعوّة سلفاً إلى الون حياداً . إنها طين وحسب , لا يمكنها التحوّل إلا بإرادة خالق متربّص يمتحن حاجته . ومفردة الطين هنا ليست خافية على أحد . وحده الله , حسب رواية الميثولوجيا الدينية لنظرية الخلق , من كوّر الطين ونفخ فيه من روحه .
وهكذا نكون قد عدنا إلى منطق المقطع الأسبق , ليتولد السؤال عن مدى الفرق والاختلاف بين المقولات الدينية والأخلاقية التي تشكّل اللاوعي الجمعي , الذي حدّد ويحدّد مصير المرأة العربية ويرسم فضاءها , وبين تجربة نزار قباني بتصديها لإعادة إنتاج عوامل تكوين هذا اللاوعي , أي إعادة إحياء المقولات العنصرية والطائفية التي تنطلق من الفرق الجنسي لتؤكّد التفوّق .
. وهذا ما تعزّزه الاستخدامات الميثولوجية الرمزية ذات الجذر الديني التي تطفح بها التجربة القبانية , والتي تعتبر المرأة خاطئة أبدية وحليفة أزلية للشيطان , ومثالها تشبيه المرأة بالأفعى , لا بمعنى الملاسة والنعومة , إنما بمعنى الخيانة والغدر :
( حسبي بهذا النفخ والهمهمة
يا رعشة الثعبان يا مجرمة . – الأعمال ص 73 )
أو القول :
( كفاك فحيحاً بصدر السرير
كما تنفخ الحيّة الصائلة . – الأعمال ص 72 )
إن التشبيهين السابقين لا يمسخان المرأة إلى كائن وضيع زاحف وحسب , بل يقدّمان صورة اعتداء وحشي يتمّ بسلطة أسطورة خلقتها وكرّستها أيديولوجية ذكورية عبر آلاف السنين , أيديولوجيا ليست عنصرية تجاه المرأة فحسب , بل ضد الرجل الذي يخالفها أيضا .
فأيّة مناصرة , وأي دعم وإعلاء شأن للمرأة ؟ !
امرأة لا تفيدها شهاداتها العلمية , ولا حياتها المهنية , ولا انخراطها الفاعل في النشاط الاجتماعي , ما دامت لا تملك صدراً عارماً ومؤخرة مكتنزة .
هذا هو النموذج النسوي الذي أبدعه نزار قباني وجعل آلاف الفتيات يحلمن لو كنّه . وهذه هي الكيفية التي يدعو فيها النساء إلى التحرّر , لأنها الكيفية الوحيدة التي تجعل من حريّتهن كذبة وخدعة , وهذا ما ينسجم تماماً مع الرؤى المختلفة التي تشكّل المرأة في التجربة القبانية , المرأة التي تتمتع باجتماع الحجاب والعري في ثنائية فصامية شأن جميع الثنائيات الأخلاقية التي يتبادل قطباها المواقع في الضوء والعتمة .
فالمراهقة الأبدية التي صاغتها وخلقتها وأبّدتها التجربة القبانية قد مسخت الفعالية الإنسانية إلى مجرد إغواء وفعل جنسي . وهذه أفعال لا تتطلب مهارات خاصّة , شأن الإيمان , ولا تتطلب كفاءات واختصاصات علمية أو أدبية , شأن أي فعل غريزي . وهنا يتجلى الحجاب المقصود , المتمثل بإلغاء العقل , أو الإقلال من شأنه عبر التأكيد المستمر والمتواصل عبر تأليه الحسد
وفي العودة إلى المقطع السابق نلاحظ أن الفهم الذي يقدّمه نزار قباني عن إحساس المرأة بجسدها لا يأتي من اعتباره جسدها الذي يخصّها والذي ترتبط معه بحميمية , بل بكونه شيئاً معروضاً للاستخدام وقيمته تأتي من زيادة الطلب عليه كأي سلعة , وحينما لا يستحوذ عليه رجل أو يسعى إلى ذلك فوجوده لا يتأكد .
والأمر السابق يجد تفسيره وتأكيده في النموذج النسوي الفصامي الذي تكونه تلك المرأة , المرأة الباحثة عن أو الساعية
أو الساعية إلى الحريّة , حسب الطريقة القبانية :
( أنا أنثى
نهار أتيت للدنيا
وجدت قرار إعدامي . – الأعمال ص579 )
ولأنها أتت إلى الدنيا في ( شرق المشانق والسكاكين ) كما يصوّرها الشاعر , فمن الطبيعي أن تفكّر بالفرار الذي يقودها إلى النجاة :
( أريد أفرّ من شرق الخرافة والثعابين
من الخلفاء .. والأمراء
من كلّ السلاطين . –الأعمال ص597 )
هذا بعض ماكتبه الناقد السوري ياسر اسكيف