فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأحد 18 مايو 2008, 12:31 am

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Mohammed_faryed_ab_sedag

يوم الخميس الموافق 29 من مايو الحالي يستضيف أدباء الفيوم الشاعر الكبير محمد فريد أبوسعدة في أمسية شعرية تبدأ بكلمة للشاعر حول تجربته الشعرية وتجربة السبعينات في الشعر المصري تتلوها مناقشة قبل مساحة الإلقاء يلقي خلالها الشاعر قصائد مختارة له مع نخبة من قصائد لشعراء الفيوم.
أضع فيما يلي "تحويمة الطائر كلمات عن التجربة الشعرية" التي أختارها الشاعر كورقة للنقاش خلال الندوة. كما أضع حوارا مع الشاعر أجرته معه جريدة القدس العربي بالإضافة إلى مجموعة من قصائده.
طبعا الدعوة عامة كما أنه يمكن لأصدقاء المنتدى توجيه ما يشاءون من رسائل أو أسئلة إلى الشاعر من خلال الموضوع وسوف تقدم إليه وتكتب ردودها هنا من خلال تغطية الندوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأحد 18 مايو 2008, 12:39 am

محمد فريد أبو سعدة:
كنت أستطيع أن أكون عضوا في جماعة أصوات بمئة جنيه

حاوره
محمود قرني(القاهرة)


ليست هناك مناسبة بعينها يمكن أن ننسب هذا الحوار لها. لأن صاحبه أصدر ما يربو علي ستة دواوين شعرية وخمس مسرحيات ومن هنا فان الحوار معه يمكن أن يكون بلا مناسبة. فمحمد فريد أبو سعدة أحد شعراء جيل السبعينيات في مصر وهو من القلائل الذين استمروا فاعلين في هذا المشهد وفي حوارنا معه نحاول أن نقف علي نقاط تمايزاته عن أقرانه وعن أسباب عدم انتسابه للجماعتين الشهيرتين إضاءة و أصوات ومدي تأثير ذلك عليه. وفي المقابل يحدثنا أبو سعدة عن جماعة كتاب الغد التي كان ينتمي إليها في بداية السبعينيات وهي الجماعة التي أسسها الدكتور عبد المنعم تليمة وكانت تسعي لأن تكون نقابة حقيقية للكتاب والفنانين. ويحدثنا الشاعر أيضاً عن تأثراته الأولي بصلاح عبد الصبور وأمل دنقل ثم ادونيس ومحمد عفيفي مطر وكيف امتلك بعد ذلك صوته الخاص وكيف كان ينظر لجماعتي إضاءة وأصوات علي إنهما تضمان شعراء أغراراً في سن الشباب لم يكن الانتساب لهما شيئاً مغرياً وكيف أن عدم قيامه بسداد مائة جنيه لجماعة أصوات لطبع احد دواوينه هو السبب الذي حال دون حصوله علي عضوية الجماعة. فوق ذلك فان أبو سعدة يتهمنا بأننا لم نستطع استيعاب مشروعه الذي قدمه في المسرح الشعري وأكد أن سؤالي حول هذا الموضوع ينم عن عدم قراءتي لمشروعه المسرحي. وهو كلام صحيح الى حد كبير وان كنت قرأت قليلاً من هذه الأعمال إلا أن الانصراف الحقيقي عن قراءة المسرح الشعري برمته مرجعه قناعة أخري بعدم جدوى مثل هذا النوع الكتابي وهو أمر لا يخص أبو سعدة وحده ولكنه يخص كل هذا المنجز برمته.
وقد أصدر أبو سعدة خمس مسرحيات هي ليلة السهروردي الأخيرة ، حيوانات الليل ، مساء ثقيل ، روليت عائلي ، عندما ترتفع الهارمونيكا ، العاب ليلية كذلك أصدر عدداً من الدواوين الشعرية منها السفر الى منابت الأنهار ، الغزالة تقفز في النار ، صعوداً الى السهو ، جليس لمحتضر ، ذاكرة الوعل ، مكاشفتي لشيخ الوقت الى جانب بعض الدواوين الأخرى.
وهنا نص الحوار:

* شعرية محمد فريد أبو سعدة حققت انتقالات مختلفة بين التفعيلة والنثر. فالمسافة شاسعة تقريباً بين الغزالة التي تقفز في النار و صعوداً الى السهو . كيف تري هذه الانتقالات؟

نعم في تجربتي الشعرية التي بدأت بالسفر الي منابت الأنهار ولم تنته بعد بـ جليس لمحتضر انتقالات مختلفة ويمكن للطائر المحلق أن يرصد هذه الحركة من الديونسيوسية الي الأبولونية في تجربتي، وفي هذا التحول التدريجي تخلت التجربة عن عناصر وأبرزت أخرى وان تمسكت علي الدوام باللغة الحسية والحبك السردي. لاشك أن هذا التحول كان قريناً بتحولات الوعي، فإذا كانت مهمة الشاعر ـ فيما مضي ـ هي اكتشاف الانسجام في الفوضى عبر مؤالفة الأصوات كما في الإيقاع الخليلي فان مهمة الشاعر الآن ـ فيما أري ـ لم تعد قاصرة علي تجميل العالم أو تسويغه باكتشاف النظام في الفوضى وإنما مهمته اكتشاف الفوضى في النظام أي البدء بالعالم كما هو عليه ودون أي تصور مسبق. من خلال هذا الوعي أصبح في إمكاني وضع الموسيقي في مواجهة الميلودي ووضع الجموع في مواجهة الجماعة، بجملة واحدة كانت تجربتي تتحرك من مركزية الصوت ومركزية الذات ومركزية الجماعة الأيديولوجية الي تعددية ترفد الصوت بالموسيقي والأنا بالآخر والجماعة بالثقافات المغايرة.

* اعتمدت في البداية لغة خاصة يمكن القبض عليها في القاموس الشعري الصوفي، كانت الذات أكثر تشظياً وكان الشعر كذلك. هل كانت شعريتك تأتي تأسياً بخطي الرواد في هذا السياق لا سيما مطر وادونيس وما هي المؤثرات التي وجهت تجربتك؟

تخيلت الشعر امرأة تقودني كضرير فأري ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون لقد قادتني خلال تجربتي كلها حاستا السمع والبصر وكنت أعتقد أن الشعر تشكيل جمالي للزمن عبر تقطيعه بالصوت، وتشكيل جمالي للمكان عبر الصورة، أي ما يسمي الآن بالسيونوغرافيا مضافاً إليها إيقاع الصوت. كنت أرى أن اكتشاف صورة شعرية تزاوج بين الألفة والدهشة والبصر والبصيرة هي مهمة شعرية بامتياز وهي كذلك بالطبع ولكنها لم تعد كل شيء. كنت مولعاً بالسينما بل وحلمت أن أكون مخرجاً فقد سحرتني منذ صباي الباكر بهذه اللغة التي كأنها الخيال دون ترجمة، سحرني الإيقاع الذي تمضي به المشاهد: السرعة والبطء، القطع والمزج، القرب والبعد، الصمت والإيماءة، الموسيقي والكلام وكان السؤال الذي أرقني منذ بدأت الشعر: هل يمكن للشعر أن يغتني ويتسع عبر هذه الجماليات؟ وكنت رساماً (تخرجت من كلية الفنون) أحلم بالقصيدة التي تقول نفسها كما تفعل الأيقونة أو كما تفعل لوحة الطبيعة الصامتة دون تعليق يضطر إليه الشاعر فيبدو كلاماً فائضاً عن الحاجة! هذه بعض المؤثرات التي شكلت تجربتي. وفيما يتعلق بالآباء فسوف تجد في قصائدي الأولي صوتي صلاح عبد الصبور وأمل دنقل لكن تجربتي كانت قد مضت وأسئلتي قد بدأت وازدادت رغبتي في خلوص بيت لي. كان هذا قد حدث عندما قرأت ادونيس ومطر. في حمي البحث عن الهامش التقيت بالنفري والبسطامي والسهروردي وابن عربي وبهرني هذا الشطح الصوفي إذ كان يرفد دراستي للسوريالية بتجليات غير مسبوقة وأقدم من الحركة الأوروبية وقد استفدت من الشطح في تشكيل الصورة الشعرية أما اللغة فأعتقد أنني عبر ميلي الطبيعي للاقتصاد والإحكام وبساطة التركيب كنت أمضي الي المنجم الذي نحتوا منه ولا آخذ ما تساقط منهم!

* انتقلت بعد ذلك الي قصيدة النثر. لا اعرف إذا كان ذلك استفادة من منجزها الجديد أم أن تجربتك ذهبت في سياق تطورها الطبيعي. كيف ترى مشهد قصيدة النثر الآن؟

في الثلاثينيات من القرن الماضي كان التخلخل الذي أصاب القصيدة العمودية قد أدي في النهاية ـ وعبر ولادة مؤلمة ـ الي ظهور توأمين في وقت واحد هما (قصيدة التفعيلة) و(قصيدة النثر) ولان قصيدة التفعيلة تحمل جينات الأب الموروث فقد تم قبولها بعد عنت بينما رفض الاعتراف بقصيدة النثر باعتبارها شعراً لقيطاً! كانت مجلة (شعر) قد أسست ـ منذ الخمسينيات ـ لهذه القصيدة المتمردة ومع اختفاء المجلة انطلقت إضاءة 77 لتمارس الدور نفسه بل ولتخرج القصيدة من الغيتو اللبناني لتتنفس الهواء تحت سماوات أخري، أي أن الظهور العلني والواسع لقصيدة النثر حدث سبعيني بالأساس ليس في مصر فقط بل وفي الشعرية العربية كلها منذ أول السبعينيات، وحتى قبل ظهور الجماعات كان شعراء هذا الجيل يكتبون قصيدة النثر، وكان البعض وأنا منهم يميلون الي التركيب والمزج بين هيمنة الصوت وهيمنة المشهد، هكذا ببساطة كانت تجربتي تذهب الي البحر عبر تنزهها في النيل!

* أنت احد شعراء ما يسمي بجيل السبعينيات لكنك لم تكن أحد الأسماء الطنانة بحكم عدم وجودك في جماعتين رائجتين هما أصوات وإضاءة كيف تري المشهد السبعيني الآن وما تمخضت عنه المقدمات النظرية التي سبقته؟

نعم أنا أحد شعراء جيل السبعينيات في مصر لكنني كنت أكثر تحققا منهم، كنت عضواً في (جماعة كتاب الغد) قصائدي تذاع من البرنامج الثاني في عهد بهاء طاهر وأنشر قصائدي في ملحق المساء الأدبي أيام عبد الفتاح الجمل، ونشرت لي مجلة الطليعة قصيدة السفر الي منابت النهار في ملفها الشهير عام 1973 جنباً الي جنب مع عفيفي مطر. كنت معروفاً أكثر الأمر الذي لم يجعل انضمامي الي مجموعة من الشبيبة أمراً مغرياً، لقد طلبوا مني قصائد لإضاءة 77 ونشر بعضها بالفعل وكان من الممكن أن احسب على (أصوات) لو دفعت المئة جنيه التي طلبها عراب الجماعة لإصدار ديواني الأول ولكنني رفضت. لم تكن بياناتهم جديدة بالنسبة لي فقد كنت في هذه السنوات أقرأ أصولهم عند ادونيس وحاوي وانسي الحاج والماغوط وجبران كما كنت وما أزال على علاقة وطيدة بأحد أبائهم الروحيين وهو د. عبد المنعم تليمة الذي كان واحداً من مؤسسي كتاب الغد، لقد مر علي هذه السبعينيات أكثر من ربع قرن ولم يبق من الدعاوي سوي ما كان تعبيراً حقيقياً عن الروح الجديدة التي زلزلت الشعر وجعلته بالتأكيد غير ما كان عليه قبلنا كما لم يبق تحت خيمة الجماعات سوي أحاد إذا أضفنا إليها فريد أبو سعدة ومحمد صالح أصبحنا أمام ستة شعراء هم كل ما تبقي من هذا الجيل. سأستعير جملة من مقال حلمي سالم المنشور في الحياة اللندنية عن ديواني (جليس لمحتضر): ولكن أولئك الشعراء ـ أنا وآخرين ـ قاوموا العزل خارج الدائرتين، بل كونوا دوائرهم الإبداعية التي فرضت نفسها في الساحة الشعرية بجهدهم المتواصل وبتنوع عطائهم الشعري وتجدده في الوقت الذي لم تمنح خيمتا الدائرتين شرعية لبعض المتوسطين الذين انضووا تحت عباءة الجماعات المسلحة .

* يعتقد ستيفن سبندر أن الشعر كان يمثل طفولة البشرية وبدائيتها كذلك فهو موصوم بأنه ضد الحضارة وعليه يتوقع انقراضه.. هل يعزز مثل هذا القول شعار أننا في زمن الرواية ؟

بالطبع يمكن موافقة ستيفن سبندر إذا ما كان يعني القصيدة البسيطة كالطفولة البشرية لكن الشعر ككائن حي قد طور نفسه ليجابه عالماً معقداً كالذي نعيش فيه وربما ما نراه من هوس التجريب في هذا الفن يكون دلالة على أن الشعر كالإنسان يتطور عبر التحدي والاستجابة. بالطبع القصيدة البسيطة هي لحن ـ مهما كان جميلاً ـ لا يملك شيئاً أمام السيمفونية وهي كوخ يبهت أمام الكاتدرائية ولكن لماذا لا ننتبه لما يحدث في الشعر الآن. لقد وسع نفسه وأذاب تخومه لتلتقي بتخوم أخرى هي تخوم السينما والمسرح والموسيقي والعمارة؟ لقد وجدت الفنون لتبقي وهي في سبيل البقاء قادرة علي القيام بتحولات مدهشة وعليه أن تقرأ ذاكرة الوعل ومكاشفتي لشيخ الوقت بل وحتى جليس لمحتضر لتدرك سعيي لاقتناص العالم والشباك التي أقترحها لذلك، أما عن مسألة زمن الرواية فسوف أحيلك الي الكتاب الأول الذي أصدرته سلسلة المحاولات النقدية التابعة لمجلة ورشة الرواية والذي عرضه في الحياة اللندنية محمد برادة وفيه يحاول أكثر من عشرين روائياً الإجابة علي سؤال: الرواية لأجل أي شيء؟ وذلك في سياق الرد علي من ينظرون لموت الرواية لأنها تغرق في التفاصيل ولا ترتقي الي التعبير عن المطلق!!

* كتبت المسرح الشعري في لحظة تراجع فيها حضوره كلياً، هل تعتقد أن اللحظة تقبل بهذه الشعرية الملحمية التي انتهت مع صناعة البطولات التاريخية الأولي وما أسفرت عنه من ملاحم؟

يبدو أن أعمالي لا تقرأ بشكل جيد، سؤالك ينم عن هذا، فتجربتي مع المسرح مبكرة جداً. مسرحيتي الأولي ـ التي لم تنشر حتى الآن ـ انتهيت من كتابتها قي 1970 ومسرحياتي الخمس نشرت في 95 و97 مع أن آخرها كتب في 1987 أقول هذا لأؤكد لك أنني لم اكتب في لحظة تراجع حضور المسرح التي هي عليه الآن هذا من جهة ومن جهة أخرى فان كلامك عن الشعرية الملحمية ينصب في الأساس علي مسرحية وحيدة هي ليلة السهروردي الأخيرة التي صدرت عام 2002. ما أود أن أضيفه هو أنني في المسرحيات الخمس: (حيوانات الليل، مساء ثقيل، روليت عائلي، عندما ترتفع الهارمونيكا، ألعاب ليلية)، كنت أختار شخصياتي من الحياة، من المهمشين والمنكسرين، كنت أجرب شعرية جديدة لا تقوم علي ما للتاريخ من سحرية جاهزة وإنما تقوم علي طبيعة الأزمة التي تواجه الإنسان هنا والآن، بمعني أنني كنت أراهن علي اكتشاف الشعري من هذا الجحيم، من كسر الألفة ومن التوتر الناجم عن تعري الشخصيات في مواجهة الآخرين، لكن أحدا لم يقرأ بجدية تجربتي في المسرح ولعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت أنها بالرغم من استفادتها من صلاح عبد الصبور إلا أنها قطعت شوطاً أبعد وفي اتجاه مختلف.

* اقتربت بشكل ما من المؤسسة الثقافية ثم اختلفت معها. بين الاختلاف والاتفاق تكمن أسرار ـ لا شك ـ ما هي وكيف تري دور المؤسسة الثقافية لدينا؟

في أوائل السبعينيات كنت في جمعية كتاب الغد وكان شعارها الأساسي نحو اتحاد وطني ديمقراطي مستقل للفنانين والكتاب والأدباء وقد سجن بعض الأعضاء من جراء نضالهم في سبيل ذلك. لكن منذ تولي د. جابر عصفور أمانة المجلس الأعلى للثقافة تحول المجلس الي سرادق هائل يضم كل التيارات الفكرية والسياسية والإبداعية، حتى انك قد تتساءل من الذي لم يتعامل مع المجلس؟! لقد رأيت آبائي الروحيين ينخرطون في العمل ولم يكن هناك من يقول قل ولا تقل مما قوي قناعتي بأننا نمارس دورنا في شروط أفضل، كانت اللجان وهي كثيرة تحتشد بمبدعين حقيقيين بل وتجدد دماءها باختيار أعضاء من أجيال مختلفة. أعرف أن وجود الرموز الكبيرة والشريفة هو تبييض لوجه السلطة ولكن ما الضرر إذا كسبت هي هذا وكسبنا نحن شرطاً أفضل لخطابنا الخاص الذي يناوئ عند الضرورة خطاب السلطة؟! قبلت الدخول في لجنة الشعر عندما رشحني لذلك د. عبد القادر القط وهو لورد ليبرالي جميل. واستمر الأمر حتى اختلف الشرط وحدث الصدام فعندما القي صنع الله إبراهيم بقنبلته وجدت نفسي أكتب أول بيان تأييداً لموقفه النبيل ورحت آخذ توقيعات كل من رأيته من رموز الكتابة في مصر والعالم العربي، ثم أرسلت البيان الي جريدتي القدس والحياة وغيرهما. كان الحرج الذي وجدت فيه السلطة نفسها والارتباك الذي أذهلها قد أسقطا القناع وأسفرا عن وجه كريه لم تستطع حتى ذلاقة لسان جابر عصفور أن تستدركه أو تقلبه لصالحها بحجج واهية من قبيل: لماذا إذن أخذ جائزة العويس أو لماذا عمل في أمريكا؟ فسد العقد منذ هذه اللحظة، إذن أصبح هنا من يقول لنا (قل ولا تقل) وبعد شهر واحد من هذا الموقف تم تشكيل اللجنة في ميعادها ولم أكن أنا ومحمد بدوي ومحمد عبد المطلب ضمن التشكيل، فقد وضع بدلاً منا كمال نشأت وعبد المنعم عواد يوسف وآخرون، ثم جعلوا الرئاسة لأحمد حجازي الذي انتهى من الشعر منذ أكثر من عشرين عاماً والمناوئ الأول لأوسع التيارات الشعرية المعاصرة حضوراً.

* أظن أن الجيل الذي تنتمي إليه أصبح صاحب شعرية متبلورة الي حد كبير بحكم اعتبارات موضوعية وسنية. ترى من هي الأسماء التي أسفر عنها هذا الجيل. أرجو أن تبرهن على اختيارك؟

يمكن القول أن إعادة النظر في الرؤى المستقرة وطرح الأسئلة كان الهوس الحقيقي الذي ميز السبعينيين وقادهم الي خلخلة النموذج وهدمه، فعلي مستوي اللغة تم المزج بين الشريف والمبتذل فيها، وعلي مستوي الإيقاع تم المزج بين الإيقاع الخليلي وموسيقي النثر، وفي البناء تم التخلي عن القصيدة البسيطة لصالح القصيدة المركبة، كل ذلك في إطار رؤية تنتصر للشفاهي والمسكوت عنه أو المحذوف (لا للعلم به ولكن للخوف منه)! طرح السبعينيون بجرأة مفهوم الشعر نفسه في قصائدهم وهدموا ثنائية الشكل والمضمون إذ صار الشكل معني في ذاته ومن هنا كان التوسع في التجريب توسعاً في موائمة القصيدة لوقتها وحتى القضايا الكبرى تراجعت في موائمة بين الجمالي والسياسي لتدخل النص من الأبواب الخلفية. بالطبع عرف المشهد الشعري قبل ثلاثين عاماً أكثر من عشرين شاعراً لكن العدد الآن تقلص حتى أصبحنا لا نري حضوراً سوى لستة شعراء هم:
حلمي سالم، رفعت سلام، محمد صالح، محمد سليمان، وعبد المنعم رمضان. وللأسف فان واحداً أو اثنين من هؤلاء يمكن أيضاً أن يفاجئنا بالتوقف.

* قصيدة النثر الآن أصبحت ملكاً لأجيال مختلفة فهي المنجز المنسوب لرواد وشبان وما بينهما. تري هل هناك ملامح مختلفة لهذه القصيدة لدي الأجيال المتعاقبة، وما هي مرجعية هذه الاختلافات؟

التصق بجيل الثمانينات تعبير ظالم هو انه (جيل مدشوت) وأنه مجرد قنطرة بين السبعينيات والتسعينيات، ربما يعود ذلك الي الصخب الذي صاحب جيلنا واستنسخه التسعينيون، وربما لأن الأعمال الأولي لجيل الثمانينيات لم تكن بالفعل واعدة أو قادرة علي طرح جماليتهم بالقوة اللازمة. علي أي حال لقد بدأت تتكشف ملامح هذا الجيل مع خفوت صخب التسعينيين ومع تبلور بعض التجارب المميزة بين أبناء هذا الجيل. وفيما يتعلق بقصيدة النثر فقد ساهم السبعينيون في تقديمها وظلت موشومة بانشغالاتنا الجمالية بينما راحت تجعل من نفسها تعبيراً جمالياً عن المهمشين في حياتهم اليومية فقط، وتحذر ـ حذر الموت ـ أن ترتفع بوقائع هذه الحياة الي رؤية أكبر فهي حساسة تجاه الواقع السياسي والاجتماعي للذات، وشيئاً فشيئاً مع التسعينيات راحت تنحو نحو الكوزموبوليتانية والتجرد من خصوصية المكان والزمان حتى يمكن القول أنها أصبحت قصيدة طائرة لا خصوصية لها وكأنها استجابة ما لدعاوي العولمة!

* كنت عضواً بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ـ لكنك لم تقدم المطلوب من شاعر محسوب على الطليعة الشعرية.. ترى ما هي الأسباب وما هو شعورك الآن وأنت خارج اللجنة؟

أنا شاعر من شعراء الطليعة في هذه اللجنة لكننا كنا محاصرين بشيوخ لم يكتبوا أو يقرأوا منذ أكثر من عشرين عاماً. آخر ما يتذكرونه هو أمل دنقل الذي قفل علي أصابعهم الباب ومضي. ينبغي أن تعرف أننا بذلنا جهوداً كبيراً بالفعل لكن الأسوأ ظل مع هذا قائماً. كسبنا معركة التصويت علي القرارات لكننا خسرنا معركة عمل مضبطة للجلسات لمعرفة تحفظات أو اعتراضات الأعضاء علي هذا الأمر أو ذاك مما جعلنا نبدو في عيون الآخرين وكأننا شلة واحدة من البيض الفاسد. هل تدرك أننا استطعنا تغيير (أو تجميد) نص في اللائحة يجعل بعض الشعراء أعضاء في اللجنة بحكم مناصبهم في جهات أخري مثلاً كان إبراهيم عيسي دائم العضوية في لجنة الشعر لأنه رئيس (جمعية شعراء العروبة) وبعد رحيله جاءت نور نافع لتحل محله في اللجنة باعتبارها حلت محله في الجمعية. هل تعلم أن المؤتمر الثاني للشعر العربي لم ينعقد (و قد لا ينعقد أبداً) لأننا قررنا جائزة قدرها 50 ألف جنيه علي غرار جائزة الرواية وقتها، فظل صيادو الجوائز والسفريات من اللجنة يسوفون الأمور بحجة أن الجائزة ستذهب اليى العرب!
هل تعرف أن مشاريع كثيرة توقفت لأنها مع التصويت تخسر أمام أغلبية محافظة، مثلاً ترجمة نصوص من الشعر المصري المعاصر بالاتفاق مع دار نشر أوروبية أو إقامة مؤتمر لقصيدة النثر أو إصدار مجلة فصلية عن اللجنة أو ترشيح شعراء من خارج اللجنة لتمثيل الشعر المصري في المهرجانات الدولية. لقد كان آخر ما اقترحناه هو ألا يستمر شاعر في اللجنة أكثر من دورة أو دورتين لضمان تجديد التمثيل الشعري وطلب بعض الشعراء بالفعل ومنهم بدر توفيق إعفاءه من الدورة القادمة. أعتقد أن تمثيلاً عددياً متساوياً لتيارات الشعر الثلاثة والمواءمة في كل تيار بين الأجيال الفاعلة فيه يمكن أن تكون نقطة البداية في إصلاح جذري للجنة الشعر.

القدس العربي- 2004/09/03
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأحد 18 مايو 2008, 12:44 am

تحويمة الطائر
كلمات عن التجربة الشعرية

فريد أبوسعدة


تجربتى الشعرية ، بدأت بـ " السفر إلى منابت الأنهار " ولم تنته بالطبع بـ" جليس لمحتضر"فلايزال لدى ديوانين لم يصدرا بعد
فى تجربتى انتقالات مختلفة ، ويمكن للطائر المحلق أن يرصد هذه الحركة من الديونسيوسية إلى الأبولونية فى تجربتى ، وفى هذا التحول التدريجى تخلت التجربة عن عناصر وأبرزت أخرى و إن تمسكت على الدوام باللغة الحسية والحبك السردى. لا شك ان هذا التحول كان قرينا بتحولات الوعى ، فإذا كانت مهمة الشاعر ـ فيما مضى ـ هى اكتشاف الإنسجام فى الفوضى عبر مؤالفة الأصوات كما فى الإيقاع الخليلى فإن مهمة الشاعر الآن ـ فيما أرى ـ لم تعد قاصرة على تجميل العالم أو تسويغه باكتشاف النظام فى الفوضى و إنما مهمته اكتشاف الفوضى فى النظام ، أى البدء بالعالم كما هو عليه، و دون أى تصور مسبق. من خلال هذا الوعى أصبح فى إمكانى وضع الموسيقى فى مواجهة الميلودى ، ووضع الآخرفى مواجهة الجماعة ، بجملة واحدة كانت تجربتى تتحرك من مركزية الصوت و مركزية الذات و مركزية الجماعة الأيديولوجية إلى تعددية ترفد الصوت بالموسيقى و الأنا بالأخر و الجماعة بالثقافات المغايرة.
تخيلت الشعر" امرأة تقودنى كضرير فأرى ما لا يُرى و أسمع ما لا تسمعون " ، لقد قادتنى خلال تجربتى كلها حاستي السمع و البصر. و كنت أعتقد أن الشعر تشكيل جمالى للزمن عبر تقطيعه بالصوت ، و تشكيل جمالى للمكان عبر الصورة أى ما يسمى الأن بالسينوغرافيا . كنت أرى أن الوقوع على صورة شعرية تزاوج بين الألفة و الدهشة ، و البصر و البصيرة هى مهمة شعرية بامتياز وهى كذلك بالطبع و لكنها لم تعد كل شىء. كنت مولعا بالسينما ، بل و حلمت بأن أكون مخرجا ، فقد سحرتنى منذ صباى الباكر هذه اللغة التى هى الخيال دون ترجمة ، سحرنى الإيقاع الذى تمضى به المشاهد : السرعة و البطء ، القطع و المزج، القرب و البعد ، الصوت والصمت و الإيماءة ، الموسيقى و الكلام، و كان السؤال الذى أرقنى منذ بدأت الشعر : هل يمكن للشعر أن يغتنى و يتسع عبر هذه الجماليات ؟
كنت رساما ( تخرجت من كلية الفنون) أحلم بالقصيدة التى تقول نفسها كما تفعل الأيقونة، أو كما تفعل لوحة الطبيعة الصامتة، دون تعليق يضطر إليه الشاعر فيبدو كلاما فائضا عن الحاجة
هذه بعض المؤثرات التى شكلت تجربتى . و فيما يتعلق بالأباء فى قصائدى الأولى أصوات صلاح عبد الصبور و أمل دنقل لكن تجربتى كانت قد مضت و أسئلتى قد بدأت و ازدادت رغبتى فى خلوص بيتى لى .
فى حمى البحث عن الهامش التقيت بالنفرى و البسطامى والسهروردى و ابن عربى و بهرنى الشطح الصوفى إذ كان يرفد دراستى للسوريالية بتجليات غير مسبوقة و أقدم من الحركة الأوربية و قد استفدت من الشطح فى تشكيل الصورة الشعرية أما اللغة فأعتقد أن ميلى الطبيعى للاقتصاد والإحكام وبساطة التركيب جعلنى أمضى إلى المنجم الذى نحتوا منه ولا آخذ ما تساقط منهم!
فى الثلاثينيات من القرن الماضى كان التخلخل الذى أصاب القصيدة العمودية قد أدى فى النهاية ـ وعبر ولادة مؤلمة ـ إلى ظهور توءمين فى وقت واحد هما ( قصيدة التفعيلة ) و ( قصيدة النثر ) ولأن قصيدة التفعيلة تحمل جينات الأب المورِّث فقد تم قبولها بعد عنت بينما رُفض الإعتراف بقصيدة النثر باعتبارها شعرا لقيطا !
كانت مجلة ( شعر) قد أسست ـ منذ الخمسينات ـ لهذه القصيدة المتمردة و مع اختفاء المجلة انطلقت إضاءة 77 لتمارس الدور نفسه بل و لتخرج القصيدة من الجيتو اللبنانى لتتنفس الهواء تحت سماوات أخرى ، أى أن الظهور العلنى و الواسع لقصيدة النثر حدثٌ سبعينى بالأساس ليس فى مصر فقط بل و فى الشعرية العربية كلها منذ أول السبعينات ، و حتى قبل ظهور الجماعات، كان شعراء هذا الجيل يكتبون قصيدة النثر، وكان البعض، وأنا منهم، يميل إلى التركيب والمزج بين هيمنة الصوت وهيمنة المشهد، هكذا ببساطة كانت تجربتى تذهب إلى البحر عبر تنزهها فى النيل !
أنا أحد شعراء جيل السبعينيات لكننى كنت أكثر تحققا منهم إبان كونهم جماعات، كنت عضوا فى( جماعة كتاب الغد) فى أواخر الستينات، قصائدى تذاع من البرنامج الثانى فى عهد بهاء طاهر، وأنشر قصائدى فى ملحق المساء الأدبى أيام عبد الفتاح الجمل ، و نشرت لى مجلة ( الطليعة ) قصيدة "السفر إلى منابت الأنهار" فى ملفها الشهير عام 1973جنبا إلى جنب مع عفيفى مطر. كنت معروفا أكثر، الأمر الذى لم يجعل انضمامى إلى مجموعة من الشبيبة امرا مغريا، لقد طلبوا منى قصائد لإضاءة 77 و نشر بعضها بالفعل، و كان من الممكن أن أحسب على ( أصوات ) لو دفعت المئة جنيه التى طلبها عراب الجماعة لإصدار ديوانى الأول من منشورات أصوات لكننى رفضت . لم تكن بياناتهم جديدة بالنسبة لى فقد كنت فى هذه السنوات أقرأ أصولهم عند أدونيس و حاوى و أنسى الحاج و الماغوط و جبران، كما كنت و لا أزال على علاقة وطيدة بأحد آبائهم الروحيين و هو د . عبد المنعم تليمة، الذى كان واحدا من مؤسسى كتاب الغد، لقد مرّ على هذه السبعينات زمن طويل و لم يبق من الدعاوى سوى ما كان تعبيرا حقيقيا عن الروح الجديدة التى زلزلت الشعر وجعلته ـ بالتأكيد ـ غير ما كان عليه قبلنا ، كما لم يبق تحت خيمة الجماعات سوى آحاد إذا أضفنا إليها فريد أبوسعدة و محمد صالح أصبحنا أمام ثمانية شعراء هم كل ما تبقى من هذا الجيل
سأستعير جملة من مقال حلمى سالم المنشور فى الحياة اللندنية عن ديوانى " جليس لمحتضر" : و لكن اولئك الشعراء ـ أنا و آخرين ـ قاوموا العزل خارج الدائرتين ، بل كونوا دوائرهم الإبداعية التى فرضت نفسها فى الساحة الشعرية بجهدهم المتواصل و بتنوع عطائهم الشعرى و تجدده فى الوقت الذى لم تمنح خيمتا الدائرتين شرعية لبعض المتوسطين الذين انضووا تحت عباءة الجماعات المسلحة ".
الشعر كائن حىّ وهو يطور نفسه ليجابه عالما معقدا كالذى نعيش فيه وربما ما نراه من هوس التجريب فى هذا الفن يكون دلالة على أن الشعر كالإنسان يتطور عبر التحدى و الإستجابة .
بالطبع القصيدة البسيطة هى لحن ـ مهما كان جميلا ـ لا يملك شيئا أمام السيمفونية، وهى كوخ يبهت أمام الكاتدرائية، و لكن لماذا لا ننتبه لما يحدث فى الشعرالآن لقد وسّع نفسه و أذاب تخومه لتلتقى بتخوم أخرى هى تخوم السينما و المسرح و الموسيقى و العمارة؟
انه يقوم بتحولات مدهشة انظروا إلى (ذاكرة الوعل) و"طائر الكحول" و"معلقة بشص" و"جليس لمحتضر" لتدركوا سعيى لاقتناص العالم و الشباك التى أقترحها لذلك
يمكن القول إن إعادة النظر في الرؤى المستقرة وطرح الأسئلة كان الهوس الحقيقي الذي ميز السبعينيين وقادهم إلى خلخلة النموذج وهدمه، فعلى مستوى اللغة تم المزج بين الشريف والمبتذل فيها، وعلى مستوى الإيقاع تم المزج بين الإيقاع الخليلي وموسيقى النثر، وفي البناء تم التخلي عن القصيدة البسيطة لصالح القصيدة المركبة، كل ذلك في إطار رؤية تنتصر للشفاهي والمسكوت عنه أو المحذوف (لا للعلم به بل للخوف منه!). طرح السبعينيون بجرأة مفهوم الشعر نفسه في قصائدهم، وهدموا ثنائية الشكل والمضمون، إذ صار الشكل معنى في ذاته، ومن هنا كان التوسع في التجريب توسعا في موائمة القصيدة لوقتها وحتى القضايا الكبرى تراجعت فى مواءمة بين الجمالى و السياسى لتدخل إلى النص من الأبواب الخلفية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأحد 18 مايو 2008, 12:53 am

جنوبيون




صورة جماعية

الموتى يرفضون دفنهم قبل أن تؤخذ لهم صورة جماعية يستعيدون فيها

اللحظة التي سبقت القذف،

يطلبون استعادة أطرافهم التي طارت بعيداً، يطلبون رفع الأحجار عن

الأجساد ونفض الغبار عن الوجوه. ثم يلتفون حول المصور لمساعدته

في بناء المشهد الأخير.

يصفون للمصور من كان بجوار من، من كان قادماً من المطبخ بالعشاء القليل،

من كان ينظف الجرح لشيخ يئن غارساً أسنانه في طرف الجلباب.

خذني قليلاً إلى جوار الحائط فقد كان هناك من يهدىء من روع طفلة، وأنا كنت واقفاً أوزع الماء الشحيح،

كيف تمكنني من الوقوف في الصورة

وساقي مبتورتان؟!

أزيلوا التراب لتظهر الزجاجات الفارغة من الماء والحليب، لتظهر علب الأدوية المنتهية الصلاحية وطاقم

أسنان الجدة، ونظارة طفل فقد النطق من غارة سابقة.

كان القصف يقترب كأن الموت خلف الباب، وكنت أحدق في الأكره غائصاً برأسي بين كتفي أنتظر يده

السوداء، هذا الطفل لم يكن هنا يا إلهي.. كيف طار هذه المسافة؟

لا تظهر البلل الذي أصاب البعض لحظة القصف، لا مانع من الدموع والدماء، لا مانع من أن تمسك الأمهات

أذرع أطفال طاروا وغادروا المكان؛ لكن كن كريماً ولا تظهر البلل.

والآن أرنا الصورة لا بأس لا.. لا إنها خالية من الصوت. نعم أين الصراخ؟ أين البكاء والضراعة والأنين؟ أين

الجلبة؟ أين الانفجار؟

لا.. لا حاول مرة أخرى.

شهداء يكررون موتهم

العجوز على كرسيها المتحرك بيدها المصابة بالشلل الرعاش، العجوز التي تشرب الشاي من إناء عميق

كي لا ينسكب عليها، تحدق في شاشة التليفزيون حيث تبدأ القناة في بث صور الضحايا من قصف قانا.

فجأة تتوقف.. يسقط الإناء من يدها.. تحرك الكرسي نحو الشاشة وهي تصرخ: إبني.. ثم تذهب في إغماءة

تصل خلالها الأصوات والأيدي التي أخرجتها من تحت الأنقاض وحيدة بلا عائلة،

لا الزوج ولا البنات ولا الطفل الذي لم يتجاوز الخامسة. في عودتها من الغيبوبة تنتبه على وجوه تقترب منها

محرفة كوجوه تقترب من الكاميرا، ليس هذا ابنك ابنك مات شهيداً اهدئي. لكنها تصرخ في هيستيريا:

خذوني إليه، وتهم بالوقوف فتسقط في غيبوبة، لتراه وسط الجثث أكبر بعشر سنوات عما كان!!

كيف يكبر الموتى؟ ولماذا يكبرون موتهم؟

فى الطريق على الناصرة قابلت السيد ووعدها بزيارة قانا، وبأنه سيصلى من أجل لبنان، فلماذا تأخر

السيد؟ وهل سيكرر الشهداء موتهم حتى يجيء؟

الجرافة

ها هي تمضي بحركتها البطيئة تكنس ما تبقى من البيوت، الأحجار والشبابيك، مواسير المياه، وقاعدة

التواليت، أسلاك الهاتف والكهرباء، بينما الذكريات تحلق فوق الفوضى كسحب زرقاء صغيرة. ها هي تمضي

ببطء وخلفها يمضي المشاة المدرعون. أيديهم على الزناد ورؤوسهم في كل الاتجاهات، تظهر في الركام

ساعة حائط، تظهر بندقية طفل، تتطاير الصور العائلية، وكراريس المدارس،

تظهر فيروز من أين يأتي الصوت؟

يكتشف الجندي الراديو الصغير، فيسدد إليه دفعة من الرصاص. تمضي الجرافة ببطء صانعة طريقاً وسط

الخراب، يتوقف جندي ويشعل سيجارة ثم يمد يده بالعلبة لجندي أخر؛ لكن الرصاصة تعالجه فيسقط قبل

أن يأخذها، يطلق الجنود الرصاص في كل الاتجاهات، لكن أحداً لا يعرف من أين جاءت، تمضي الجرافة

ويمضون خلفها مذعورين، فلا أحد يعرف متى ستأتي الرصاصة التالية؟ ولا أحد يعرف من أين?






مجلة أدب ونقد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
دكتور : محمد ربيع هاشم
Admin
دكتور : محمد ربيع هاشم


عدد الرسائل : 1663
العمر : 53
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأحد 18 مايو 2008, 5:33 pm

أحسنت أخي الحبيب الأديب المميز عصام الزهيري وهذه دعوة عامة لجميع أصدقاء المنتدى للتواصل مع تجربة الشاعر الكبير محمد فريد أبو سعدة وتوجيه ما يشاؤون من مداخلات لينقلها المنتدى إلى الشاعر الكبير بندوته المنعقدة بقصر ثقافة الفيوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://poems.mam9.com
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالأربعاء 28 مايو 2008, 5:21 pm



الشاعر الجميل محمد ربيع هاشم
شكرا لتفاعلك مع فاعلية استضافة الشاعر فريد أبوسعدة وفي انتظار ما ستجود به قريحتك الشعرية من شعر وذائقتك الأدبية من نقد ونقاش خلال الندوة
أبلغك هنا كما أبلغ الأصدقاء فى المنتدى عن تغيير طرأ هو انتقال موعد الندوة من يوم الخميس 29 مايو إلى الجمعة 30 مايو في نفس الوقت أي الثامنة مساء


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم   فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم I_icon_minitimeالإثنين 02 يونيو 2008, 8:33 pm

هنا رابط لمتابعة عن اللقاء :
https://poems.mam9.com/montada-f7/topic-t250.htm#1038
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فريد أبوسعدة في قصر ثقافة الفيوم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: المنتدى العام-
انتقل الى: