قراءة في ديوان ـ ظل حار س ـ للشاعر و الكاتب
* محمد ديب*
ثير الشعر المغاربي في الشعر العالمي .....
قصد ا لبحث في مرامي , و أهداف و غايات الشعر المغاربي . أخترت العنوان* تأ ثير الشعر المغاربي في الشعر العالمي ...... منطلقا لمداخلتي هذه . و الأكيد أن قصدي لم يكن بريئا . بل يحمل في تفاصيله أبعادا تاريخية , و ثقافية و ابداعية . لأن " محمد ديب " الكاتب و الشاعر و الروائي الجزائري .حمل هم و انشغالات المواطن المغاربي على مدار أكثر من نصف قرن .و في أكثر من ثلاثين عملا في مختلف الأجناس الأد بية . قصيدة الشعر و القصة و الرواية . أي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية .
محمد ديب الكاتب و الشاعر و الروائي المتوفي بتاريخ 2ماي 2003 . تشاء الصدف أن نحي ذكرى وفاته الخامسة بالجمهورية التونسية . و تحديدا هنا بمدينة سيدي بوزيد بملتقانا المغاربي للشعر " عامر بوترعة" في دورته السابعة . فمن يكون محمد ديب المبدع و الانسان :
ولد محمد ديب يوم 21/جويلية / 1920 بتلمسان في عائلة كانت غنية و لكنها فقدت كل شيء على مر الزمن و أصبحت منذ بداية القرن الماضي في عداد العائلات الفقيرة… دخل المدرسة و عمره ستة سنوات لكن سرعان ما مات أبوه سنة 1939… انتقل محمد ديب الى مدينة وجدة بالمملكة المغربية ليواصل تعليمه ..و في سنة 1939 اشتغل معلما في قرية ـ زوج بغال ـ بالحدود المغربية الجزائرية و في سنة 1945 لم يجندللحرب العالمية الثانية لهشاشة عوده، وفي هذا العام اشتغل رساما و مصمما للزرابي التي كان ينسجها لبعض معارفه لبيعها و العيش من ثمنها.
بداية ابداعه كانت سنة ـ 1948 حيث زار محمد ديب مدينة البليدة و قضى حوالي شهرا في سيدي مدني ـ … تعرف على مجموعة من الادباء الجزائريين و الفرنسيين ـ مدرسة الجزائر العاصمة ـ منهم: البير كامو و مولود فرعون و جان سيناك…. و في سنة 1949 انضم الى نقابة الفلاحين الجزائريين و سافر في مهمة إلى فرنسا للدفاع عن حقوق عمال الارض الجزائريين.
وفي سنة 1950 عمل صحافيا في جريدة ـ الجزائر الجمهورية ـ تصدر بالفرنسية الى جانب كاتب ياسين صاحب رائعة ـ نجمة ـ و خلال نفس السنة نشر أيضا في صحيفة الحرية اللسان المركزي للحزب الشيوعي الجزائري.
ونظرا لكتاباته النارية الشرطة الفرنسية تتابعه وتحذره بسبب مقالاته الوطنية الأكثر من اللازم. وفي سنة 1951 كتب إلى جان سيناك - الشاعر الجزائري الذي اغتيل بأدي مجهولة سنة 1973 بالجزائر- يخبره أنه أنهى رواية في ثلاثة مائة صفحة وفي نفس هذه السنة تزوج محمد ـ ديب ـ كوليت بليسانت ـ التي أنجب معها 4 أولاد.
في عام 1952 صدرت أول روايته بالفرنسية، وهي البيت الكبير من دار النشر ـ السوي بباريس ـ كان نجاح الرواية سريعا ومفاجئا للناشر، وفي أقل من شهر نفد ت الطبعة الأولى و صدرت الطبعة الثانية للاشارة كانت البيت الكبير أول نبؤة بمخاض الثورة التحريرية.
وفي سنة 1954 وفي نهاية أوت صدرت رواية الحريق، وهي الجزء الثاني من الثلاثية أعلن عنها ـ محمد ديب ـ .. فور صدور هذ ه الرواية أنهى محمد د يب ثلاثية الجزائر بأجزائها ـ البيت الكبير والحريق والنو ل ـ كانت رواية الحريق فتيلا حقيقيا سرعان ما اشتعل معلنا و شوك نهاية الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
…. في سنة 1954 من شهر أول نوفمبر الثوار الجزائريون يضربون بقوة… و الكفاح المسلح ينطلق تحت راية جبهة التحرير الوطني….. في سنة 1955 صدرت أول مجموعة قصصية ل: محمد ديب ـ * في المقهى * و هي مجموعة قصصية تدخل في نفس الاطار * الحريق * الثورة الآن في تأجج مستمر قصة ـ في المقهى ـ التي تعنون الكتاب و قد تكون أول قصة جزائرية تؤرخ للحرب السرية ضد استعمار كما أكد الروائي و الكاتب * جلالي خلاص *…..
في سنة 1956 ـ محمد ديب ـ يغير عمله مرة أخرى، ليعمل محاسبا لدى الخواص. وفي سنة 1957 * محمد ديب * ينشر الجزء الثالث من ثلاثية الجزائر ـ النول. وفي سنة 1959 صدور روايته الرابعة صيف أفريقي. وفي هذه السنة السلطات الاستعمارية تطرد * محمد ديب * من الجزائر. أحد محافظي الشرطة يعلق عليه بقوله ـ هذا الكاتب تجاوز الحدود، إنه فلاقي: أي بمعنى إنه إرهابي ـ… محمد ديب يختار المنفى .. أوربا الدول الشرقية باريس روما و يبدأ الضياع….
وفي ستة 1960 السفر إلى المغرب للاقامة لفترة قصيرة و في سنة 1961 صدور أول مجموعة شعرية لـ: محمد ديب. ظل حارس ـ ويعود ككل المنتصرين إلى الجزائر، وفي السنة ذاتها أصدر أول رواياته الشهيرة ـ من ذا الذي يذكر البحر ـ فكان تحولا ملموسا في مساره الأدبي، لأنه لأول مرة يكتب محمد ديب روايته شبيهة برواية علم الخيال.
و في سنة 1963 الدولة الجزائرية تمنح ـ محمد ديب ـ بالمساواة مع محمد العيد آل الخليفة الشاعر المعروف أول جائزة تقديرية للأدب محمد ديب يهدي المبلغ المقدر ب ـ 5000دينارا جزائريا ـ الى دور العجزة و الفقراء و معطوبي الحرب.
وفي سنة 1966 صدور عمل إبداعي ـ الجري على الضفة الوحشية. إنها الرواية السادسة للكاتب. وفي سنة 1966 صدور مجموعته القصصية ـ الطلسم ـ و في سنة 1968 محمد ديب ينشر روايته السابعة ـ رقصة الملك. وفي سنة 1970 صدور روايته الثامنة ـ الحرب في بلاد البرابرة ـ وبعدها تصدر المجموعة الشعرية الثانية ـ كتاب الصيغ ـ … وفي سنة 1973 محمد ديب ينشر روايته التاسعة ـ معلم الصيد.
وفي سنة 1974 محمد ديب يدعى كأستاذ شرفي بجامعة ـ كالفورنيا.. لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية ـ…. وفي سنة 1975 يسافر الى فلندا للمشاركة في ملتقى أدبي و في نفس هذا العام ينشر مجموعته الشعرية الثالثة ـ العشق كله ـ… و في سنة 1976 سافر محمد ديب الى أكلا هوما حيث دعي ليكون عضوا في كلية تحكيم إحدى الجوائز الأدبية العالمية ـ بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي سنة 1977 صدور روايته العاشرة ـ هابيل ـ.. و في سنة 1979 صدور مجموعته الشعرية الرابعة ـ نار جميلة ـ و في سنة 1980 ينشر أول مسرحية في كتاب. وقد سبق له أن كتب المسرح و لكنه لم ينشره للقراء انها مسرحية ـ ألف صيحة لمومس
و في سنة 1981 دار النشر الفرنسية * السوي * بباريس تطلب من محمد ديب أن يعيد النظر في طريقة كتابته بحجة أن كتبه أصبحت غير رائجة ـ محمد ديب ـ يرفض ويطالب ـ دار النشر السوي ـ بحقوق مؤلفاته و تبدأ الأزمة.
و قد أسر محمد ديب لأحد أصدقائه بشأن هذه الأزمة ـ بقي لهم أن يطلبوا مني تغيير اسمي.. أنا أعرف ان اسم محمد أصبح يقلق الغرب ـ و هنا أفتح قوسا للتوضيح موقف*دار النشر السوي * تحت ضغوط بعض المثقفين و السياسيين الفرنسيين الذين تفطنوا إلى كتابات *محمد ديب * بأنها لا تخدم مشروعهم التوسعي و معظمها يدخل في اطار التوعية لأبناء بلاده والكشف عن نوايا هم التوسعية و تغييب الحقيقة ، إضافة الى توظيف محمد ديب لجميل تراثنا العربي و الاسلامي في كتاباته فكما هو متعارف عليه محمد ديب كان سفيرا لحضارة شرقية بجواز سفر مزور آلآ و هو اللغة الفرتسية . و في سنة 1982 محمد ديب ينزل بالجزائر العاصمة… الشركة الوطتية للنشر و التوزيع الجزائرية تحاول شراء حقوق نشر كتبه بالفرنسية… حينها مرض السكر ينهش جسم الكاتب الهش ـ محمد ديب ـ… المفاوضات تفشل فالوزير الأول الجزائري ووزيره للثقافة يرفضان تحويل أي سنتيم ل ـ محمد ديب ـ أو حتى للمعالجة ، و يسافر ـ محمد ديب ـ الى منفاه مرة أخرى .. الأصدقاء ل: محمد ديب ـ يبلغون بعض المسؤلين الجزائريين … لا أحد يستجيب لكن السلطات الفلندية تتدخل و تنقذ ه بمنحة… ـ محمد ديب من جهته يقوم بترجمة الشعر الفلندي الى الفرنسية.. و في سنة 2003 ينتقل الكاتب ـ محمد ديب ـ الى الملأ الأعلى تاركا من ورائه سيلا من الأسئلة ـ
و بعد أن تعرفنا عن محمد ديب ابداعيا .نعود الى قراءة ديوانه . " ظل حارس". الديوان هو عبارة عن مجموعة من القصائد الشعرية . كتبت في حيزات زمنية متقاربة . و أول قصيدة كتبها ـ في هذا الديوان ـ كانت سنة1945 ., و المعنونة ب ـ ظل حارس ـ . و قبل الولوج الى قراءة القصيدة .فان ما يلفت انتباهانا فيها هو عنوانها ـظل حارس ـ . ترى من كان المعني بالعنوان ؟ . انه يحمل رمزية قوية تحتاج الى أكثر من تشفير ؟ . الظل رمزية للجزائر المستعمرة ؟ . و الظل الذي لم يغب طيلة مئة و اثنين ثلاثين سنة . و هي الفترة التي قضاها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر . و الظل هو الحرية المهدورة و المنتهكة في الجزائر . و الظل هو حق الشعب الجزائري في العيش في كنف الحرية و العزة و الكرامة كبقية الشعوب المعمورة .و الظل في نظر المبدع و الفيلسوف محمد ديب يبقى حارسا لكل هذه القيم الانسانية . يقول الروائي و المترجم ـ جيلالي خلاص ـ كتب محمد ديب هذه القصيدة المطولة التي نترجم مقطعها الثالث و الأخيرمنها في منتصف الأربعينيات و قد بدأت الروح الوطنية تتأجج في الجزائر ـ أحداث ماي 45ـ فكانت نبؤة حقيقية بميلاد الثورة التحريرية ـ و اليكم مقطعا من نص القصيدة :
الظل الحارس :
لا تسألوا /اذا كانت الريح / و هي تهب على القمم/ تذكي لهيبا/ ما اذا كانت نار فرح/ أو نار فقــــــــــــر /أو اشارة مترصد/ في هذا الليل المبلل/أيتها النساء الأسطوريات /اللواتي أغلقن أبوابهن/ أحلمن/إنـــــــــــــــــــي أمشي , أمــــــــــشي /الكلمات التي أحملها على لساني/
بشرى غريبة /. و حتى لا ننس سوف نضع الف خط تحت * بشرى غريبة * انها الثورة الجزائرية المجيدة التي أرخ لها المليون و نصف المليون شهيدا ثورة أول نتوفمبر 1954
و الحق أنه بعد أن تتبعنا ملابسات القصيدة . و أسباب كتابتها و مسبباتها و سياقها التاريخي . فالأكيد أن الجميع يتفق بأن هذه القصيدة أثرت بطريقة مباشرة في الابداع الفرنسي و كل الشعوب التي تجيد لغة فولتير في عقلياتهم و مستويات تفكيرهم و أيضا في المساهمة في انضاج خطابهم الثقافي و الابداعي والذي منه بنيت المواقف و فتح النقاش الى اعادة صياغة اسئلة جديدة لما بعد الاستعمار الفرنسي بالمغرب العربي . . و الأكيد ثالثا أن التجاوب مع صرخة محمد ديب التي هي انعكاس لشعب كان يئن تحت جلد المستدمر الفرنسي الاستيطاني المتوحش و الذي افرز التهديد المميت الذي يحوم فوق وضع مثل هذا يجعل كل شيء مجد با… الصرخة وحدها تجعل الجزائري و المغاربي عموما يحي وعند هذا الحد تصبح رؤيا الدمار الكلي يختلط فيها كل شيء: الحب والموت والوجدان والإثم في عالم شذا عن مداره حيث لا يعود هناك من الحياة إلا حياة المهاوي … ما معنى هذه الصرخة؟ وما هي أسبابها؟ و لماذا هذه الصرخة في هذا الوقت بالذات ؟
. و مثل هذا التجاوب من التأثير نلمسه في كتابات البير كامو الكاتب الذي ولد بمدينة عنابة بالشرق الجزائري ففي كثير من مقالاته التي كان يكتبها و يرسلها من الجزائر الى صحيفة ـ الاكسبرسيون الفرنسية التي كانت تصدر بباريس فرنسا ابتداء من سنة1947 . و التي كان يكشف فيها عن نبؤته بكل شيء بما في ذلك الثورة التحريرية الجزائرية من خلال ردود أفعال المتطرفين الفرنسيين و فساد الادارة الاستعمارية و تزوير الانتخابات و كل ما يتصل بآلة الاضطهاد قلت و هذا مقطع من أحد كتاباته الشهيرة ـ ان العبد الذي ألف تلقي الأوامر طيلة حياته يرى فجأة أن الأمر الجديد الصادر اليه غير مقبول فما هو فحوى هذه اللا .. انها تعني مثلا أن الأمور استمرت أكثر مما يجب و أنك غاليت في تصرفك أيضا أن هناك حدا يجب أن لا نتخطاه و أنها مقبولة حتى هذا الحد و مرفوضة فيما بعده .و لا أدري أي المصطلحين أوظف .المقارنة أم الموازنة ؟ و لكن الأرجح أنني أختار مصطلح المقارنة بين نصي الكاتبين الكبيرين ـ محمد ديب و البير كامو ـ . و تبريري في ذلك لأن الكاتبين يكتبان بلغة و احدة و مضمون نصيهما غايته واحدة . و المتمثلة في التعبير عن قضايا المواطن المغاربي ؟
و الحق ثانيا ان أنا وفقت في اختيار شخصية محمد ديب المبدع . يبقى سؤال في غاية الأهمية و هو الذي يجب طرحه . هل شعر محمد ديب أثر في المنظومة الابداعية العالمية . و الاجابة عن هذا السؤال أقول بلى . لأن لقاء محمد ديب و ابير كامو و جاك سيناك ..الخ في سيدي مدني بمدينة البلدية سنة 1948 لم يكن من أجل اللقاء ؟ و لا في اطار نزهة . بل اقامتهم التي دامت شهرا . حدث فيها بما يسمى بالتأثير و التأثر بهذه الاقامة الابداعية و الفكرية تلاقحت الأفكار و ترسخ الاقتناع . و منه الكتابات الابداعية و الفكرية لهؤلاء المقمين أنضجت نصوصا عبرت بالفعل عن مواقف و نأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما عبر عنه البير كامو في مقالاته و مؤلفاته بدءا من الغريب فالطاعون , فالمتمرد و جل هذه النصوص كانت تشي بحنين خفي , بمطالبة الاستمعار الفرنسي بتغيير سياساته في المغرب العربي ؟ . و مثل هذا التأثير لم يسلم منه الكاتب العملاق الوجودي ـ جون بول سارتر , ـ حين انتقد سياسة بلاده الاستعمارية بقوله ـ عارنا في الجزائر أي عار الأمة الفرنسية العظيمة في الجزائر ؟ و مثل هذه الأصوات المنددة و المشجبة بالسياسة الاستعمارية في المغرب العربي أسس لها المبدعون المغاربيون بكتاباتهم و نصوصهم الابداعية . و ما اتخاذي للشاعر محمد ديب الا نموذجا و ليس على سبيل الحصر .
و دائما مع الديوان نفسه ـ ظل حارس ـ نقرأ في قصيدته المعنونة ب ـ صيف ـ
تنكر الشاعر لكل ما يرمز الى القيد . بل من شدة رغبته الى التحرر سعى الى تحرير القصيدة شكلا و مضمونا و اليكم ما ذكر من مواصفات في القصيدة التالية :
جسده حالم تحت الضياء / الصيف كسفينة أدمية بين رايات الحرب و هذا الشاب :
ينتهك عطشه الأ بدي في الرغبة ./ و صمت الموت الذي يتوجه .
أما قصيدته : * أوجه الليل* المنشورة في نفس الديوان , فهي تنتمي أيضا الى نفس اللون من الشعر الذي يكتبه محمد ديب و فيها يقول :
تعود الجموع دائما في الليل / وجوه ضامرة/ تكشفها أضواء القطارات الطويلة المتقابلة / هناك دوما السيارات و نداءات باعة الصحف / كانها تعيد ضبط العالم الغريب بالندم / و هكذا ترتطم الجدران عند أعتاب الموت / و فنادق الحب تروي مشاعلها / أنشد الراحة / و تفتح المدينة دائما أبوابها كي تقودني / الى دوب التي يهرب فيها الظل الذي خلقنا منه / أناجي نظرة النجوم الساكنة / و أطير فوق الشارع و أضواء النيون / أه لا شيء يتبعني فالمدينة غير موجودة .
و الحق رابعا أننا حينما نتمعن في المقاطع السالفة الذكر . و التي تنطوي على كثير من المفردات ـ مثل الشتاء , الليل , الظلام ، الضياء الظلال . ـ مثل هذه المفردات التي يكررها الشاعر في الكثير من قصائده لم يدرجها اعتباطيا بل ترمز الى الانتقاد الاستعمار ووجوده بالمغرب العربي و تحديدا في الجزائر ؟ و لعل المقطع الأخير * أه لا شيء يتبعني فالمدينة غير موجودة * رمزيته واضحة و لا تحتاج الى تفسير ...نعم المدينة التي يريدها الشاعر غائبة بل من شده يأسه تحصر عن غياب الظل بها . الظل الذي كان يحرس المدينة .
و دائما و عندما نتمعن في قصيدة المعنونة ب ـ أوجه الليل ـ نجد الشاعر يصف نفسه بسجين المدينة , و ليلها المظلم ,و جدرانها التي ترتطم عند أعتاب الموت و في دروبها تتبخر الظلال . انه وضع مقزز و مقرف و يعبر عن الضياع ؟ و لكنه ضياع من نوع آخر في مدينة نائمة ؟ كل شيء يتحرك فيها بصعوبة العيش بصعوبة و التنفس بصعوبة , و حتى حق الموت بصعوبة . المدينة بهذه المواصفات عند الشاعر و حسب تعبيره مدينة ميتة و غير موجودة لأنها خالية من الحميمية و العطف و الحنان .. مدينة ينعدم بها التواصل . ترى ما هي صورة المدينة التي يحلم بها ؟ الشاعر من المؤكد أنه يتحسس مدينة سوف تأتيه من المستقبل لأنه هو قد أفصح عن نفسه بأنه آت من المستقبل .
أخيرا و ليس آخر ديوان مجد ديب ظل حارس ـ يحتاج الى أكثر من قراءة ؟ و ما تناولته ماهو الا عينات من أحلام الراحل الذي تشاء الصدف أن نحيي ذكرى و فاته الخامسة من تونس الخضراء و تحديدا من مدينة سيدي بوزيد المصادفة 2ماي 2008 في احتفالية الملتقى المغار بي للشعر عامر بو ترعة في دورته السابعة . فرحم الله المبدعين و الشاعرين عامر بوترعة و محمد ديب . و أسكنهما فسيح جنانه و المجد و الخلود للابداع و الفن و لهذا الوطن المضياف تونس الخضراء . التي تحممنا بعطرها و أنتعشنا بنسيمها و شكرا
جمال غلاب / كاتب من الجزائر