د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: قراءة في ديوان " في انتظار الفجر " للشاعر حسن حجازي ( الجزء الأول ) : السبت 19 يوليو 2008, 3:50 pm | |
| قراءة في ديوان " في انتظار الفجر " للشاعر حسن حجازي : الاحتماء بالهوية الحضارية ضد العجز والهوان د. مصطفى عطية جمعة " حسن حجازي " نموذج للمثقف الجاد ، الذي يعايش قضايا الوطن والأمة، مساهما بسبلٍ عدة في العمل الثقافي العام داخل مدينته الصغيرة أو في المحيط الثقافي الكبير ، رافدا الحياة الأدبية بمشاركاته الفاعلة ورعايته للموهوبين ، وبما يجود من إبداع شعري ونثري وترجمات ، تحمل تميزا في التشكيل الجمالي، ورؤية طامحة للتغيير . إنه نموذج لكثير من المبدعين ، في بقاع الوطن، وأنحاء الأمة ، الذين تمسكوا بالعيش في الأقاليم ، بعيدا عن صخب العاصمة ، وأضواء الحياة الثقافية ، فقد آثر أن يعيش في بلدته الصغيرة " ههيا " في محافظة الشرقية بمصر، يساهم في زيادة الوعي عبر عمله في ميدان التعليم ، ساعيا إلى التواصل مع أدباء العرب في أنحاء العالم عبر " الإنترنت " ، فيستكمل منظومة حياته الأدبية والثقافية بشكل حيوي ، مثله مثل كثير من المبدعين فرقتهم البلاد ونأت بهم الأقاليم، ولكنهم غنموا من الشبكة العنكبوتية الكثير، فتواصلوا مع أبناء الأمة من بيوتهم ، واستطاعوا أن يكونوا حياة ثقافية في الفضاء الإلكتروني ، حياة أساسها التواصل شبه اليومي والاطلاع على الجديد ، حاولوا أن يعوضوا سلبيات الحياة الثقافية الرسمية والأهلية بما فيها من شللية ، ومجاملات ، ومقاعد خاوية في الندوات ، وأيضا تغلبوا على مشكلة النشر ، فخرج المبدع من حسابات النشر الورقي : من محدودية المساحة المتاحة للنشر ، وأهمية مجاملة الصحفي الناشر ، وانتظار أشهر طويلة حتى يظهر العمل، هذا إن ظهر ، ولم يأت طارئ يوقف المجلة أو يأخذ دور المبدع لحظوة أو واسطة أو مصلحة عاجلة للناشر . بات " حسن حجازي " اسما معروفا في المنتديات الأدبية الإلكترونية ، وسعى إلى تطوير ذاته الإبداعية باقتحام أحد الميادين الشاقة وهو ميدان الترجمة ، وله ترجمات غاية في الروعة لشكسبير ، وشعراء المدرسة الرومانسية الإنجليزية. * * * يمثل ديوانه الذي يحمل عنوان " في انتظار الفجر " الصادر عن مركز نهر النيل للنشر بالشرقية ( مؤسسة نجلاء محرم الثقافية ) ، مشروعه الشعري بشكل عام ، حيث بدأ حياته الأدبية بديوان " عندما غاب القمر " عام 1981م ، وديوان "حواء وأنا " عام 2007م ، أما هذا الديوان فقد صدرت طبعته الأولى عام 2003م ، وها هو يعيد طباعته للمرة الثانية ، مزيدا ومنقحا الكثير من قصائده، وبالنظر إلى منتجه الإبداعي خلال ستة وعشرين سنة ، وأيضا ما بين صدور الطبعة الأولى والثانية من هذا الديوان – موضع درسنا - يجد تطورا لافتا في البناء والتشكيل الجمالي ، مع الحفاظ على ثوابت الذات ، والاعتداد بهوية الأمة حضاريا وثقافيا ، واستشفاف مستقبلها رغم خضم السواد الذي يكنفها . وهذا جلي في العنوان ، الذي وقف عند دلالة الفجر / الأمل ، وتكاد تكون نصوص الديوان تحمله في جلّ طرحها . إن رؤية حسن حجازي / الشاعر / أنه جعل مشروعه الشعري ساعيا لاستنهاض الأمة ، والذود عنها، في قضاياها المصيرية ، أو همومها المستجدة ، ونطالع هذا في قصائد تلامس هموما سياسية متقلبة في دفاتر الأمة والوطن ، وما أكثرها ! نجده في إهدائه ، يجمع المرأة ، والوطن ، فالمرأة لا يخص إنسانة بعينها ، بل جعلها مصرية عربية ، بكل ملامحها ، يقول : كل ُ امرأةٍ فى بلدي هى ملهمتي هى أمى هى أختي هى أمٌ لولدي أو أبنتي . وهذا المحور الأول في الديوان ، إنه المرأة ، ولكن المرأة لن تكون ذات خطاب رومانسي ، بل خطابا حاملا الفكر والرؤية ، وهذا تطور في البنية والخطاب الشعري لديه ، فقد تجاوز المرأة / المحبوبة ، إلى المرأة / الرمز ، كما سنرى بعدئذ في العديد من القصائد . وجاء النصف الثاني في الإهداء موجه إلى الحلم / الأمل ، يقول : إليه ِ أينما حل َ وأينما كان ننتظره مع إطلالة ِ كل فجر ! وهذا الفجر / الحلم / الرؤية - الذي حملتها القصائد - حلم بالخلاص والعزة والنصرة ، ونلحظ في المقطع السابق تركيبا لغويا يلامس عنوان الديوان ، معبرا عن وحدة عضوية ووشيجة لفظية . * * * عند الوقوف عند رؤية النصوص ودلالاتها ، نلحظ أنها تمثل الوجه الآخر للرؤية العروبية الأممية التي حملها الديوان ، وهذا ما يطالعنا في قصيدته الأولى التي حملت عنوان " أكانت تدري " مهداة لولادة بنت المستكفي ، ويصاب العقل بالدهشة حينما يجدها تتجاوز المعارضة التقليدية للنونية الشهيرة لابن زيدون إلى خطاب شعري بضمير الغائب عنها ، فتصبح المرأة / المحبوبة ، رمزا للأمة المغيبة بكاملها ، في إسقاط واضح على أحوالنا المعاصرة ، فهل كانت " ولادة" تعلم أن فارسها الزيدوني يمكن أن يبيعها . يقول : أكانت تدري وهى وادعة ٌ تنتظرُ حلما ً أحمدياً زيدونياً أنَ شاعرها أنَ فارسها قدم َ صكَ اعترافه ِ للنخاس مع أول ِ لطمة ٍ جاء أول المقطع بصيغة الاستفهام " أكانت تدري ؟! " ، وهو نفس عنوان القصيدة ، وهو أيضا الرابط – التركيبي - بين مقاطع النص ، فالقضية تتصل بالأمة الآن ، هل هي على علم بما يحاك لها من مؤامرات ؟ وأن مَن تظنه من قادتها وفيا ، صار عبدا للنخاس بمحض إرادته . إنها أقسى حالات الإذلال ، فالإقرار بالعبودية والتسليم بها ، يعني ذل الهزيمة دون حرب ، لا شرف الهزيمة بعد قتال ، وهذا واقع الآن، وما سعى إليه شاعرنا ، فقد استقصى مأساة العرب ، في جنبات البلاد ، ممعنا في الحلم المجهض ، فيقول : أكانت تدري أن عاصمة َ الخلافة أفترشها الجراد ُ فأمست كالقطة ِ تأكل ُ أولادها هنا إشارة إلى سقوط بغداد ، التي احتضنت الخلافة العباسية قرونا ، في عنفوانها ووهنها ، ولكنها كانت علامة الوحدة الضائعة الآن ، ونلحظ أنه لجأ إلى تشبيهين شديدي القتامة : فالمحتل الأمريكي كالجراد ، بجحافله وهمجيته ، مثله مثل الجراد لا يفرق بين أخضر ويابس ، فقد أذاق العراقيين الهوان والقتل ، وحسبما هو معلن أمريكيا ، فقد قتل ستمائة وخمسون ألف عراقي منذ الاجتياح الأمريكي ، إذن يكون كالجراد يفترش المساحات الخضراء ، ويغطيها بسواده الكئيب ، أما واقع الشعب العراقي في أرضه ، فقد أصبح قطة في أشد وحشيتها عندما تأكل أبناءها جوعا . ويظل السؤال ، ولكنه بصيغة الاستنكار لا الشجب : أكانت تدري أنه ُ قد ولى زمن ُ السيف ِ وزمن ُ الرمح ِ وزمن ُ القوس ِ وأنَ الفروسية َ بلَلَها دمع ُ الكبرياء فى انكسارِ الراية فى عصرِ الخوف , تفضحها حرب ُ الفضائيات
حيث يؤكد الشاعر على مبادئ العزة والنصرة ، مذكرا بأسلحة ومبادئ العربي القديم ، وأسباب نصرته : الرمح ، القوس ، السيف ، الراية ، وأخلاق الفروسية ، فهل هي إدانة للهزيمة ؟ أم كفر بكل الدعوات الاستسلامية والتشدق بأمجاد زائفة ، وعنتريات الأنظمة ؟ وفي هذا النص ، تتلاقى المرأة / الوطن ، والوطن / الأمة ، والأمة / الشعب، والشعب / الأمجاد ، والأمجاد / التاريخ والفروسية . هذه الثنائيات ، لا تقف عند حدود معينة ، بقدر ما تصنع مزيجا من حال الأمة الآن ، حالها مأزوم ، رغم تاريخها العريق ، مفتقدة قائدها ، ساخرة من دعايات فضائيات الأنظمة . نفس الهاجس ، يظل مسيطرا عليه وهو يخاطب المحبوبة / الأنثى ، يقول في القصيدة التي حمل عنوانها غلاف الديوان : " في انتظار الفجر " : لم اكن أعلم ُ أنَا خُلِقنا بزمن ٍ تناسى لون َ الحقيقة ارتوى ثدي الخطيئة الصدقُ فيه ِ كم احترق ! لم أكن أعلم ُ أني و أبناء ُ جيلي سنعبرُ حلماً َ فوقَ ِ الريح ِ لبحيرات ِ المحال ِ إنه يدين الزمن ، ويبكي على وجوده في جيل منكسر ، وفي المقطع السابق ، تشف ذاته ، وترتفع لمصاف الفلاسفة ، فالحقيقة صارت لونا ، واللون مفقود، والصدق بات خامة مادية ، وحُرِقت ضمن ما حُرِق ، والجيل ممزق بين حلم مستحيل الحدوث ، إنه يدين في هامش النص الرؤية الرومانسية التي حلم بها جيل الستينيات ، هؤلاء الذين تشبعوا بالقومية وشعاراتها ، وسرعان ما اكتشفوا زيفها واكتووا بلهيب السقوط . نتوقف في المقطع السابق عند بنيته التشكيلية فالزمن : " تناسى لون َ الحقيقة، ارتوى ثدي الخطيئة " لقد أنسنَ الزمن ، وجعله مشرَّبا بالنسيان مستخدما لفظة "تناسى" والنسيان هنا حالة مرضية ، لا وقتية ، فقد قبل الإنسان العربي أن يشرب الخطيئة إلى درجة الارتواء ، أي الثمالة ، وفعل الارتواء يشي برغبة الإنسان في الشراب والشبع ولو كان منبع اللبن هو الخطيئة ، فالنسيان يجعل صاحبه متخبطا تخبط الممسوس ، وهذا ما صاغه محاولا التماس العذر لأبناء جيله : " لم أكن أعلم ُ أني و أبناء ُ جيلي سنعبرُ حلماً َفوقَ ِ الريح ِلبحيرات ِ المحال ِ " ، فنحن لا نملك من واقعنا الذي هو أكبر منا إلا أن نحاول ، والمحاولة كما يرى شاعرنا حلم فوق ريح ، والريح فوق بحيرات المستحيل ، إنه سراب فوق سراب ، لا يكاد الرائي يرى منه شيئا ، اللهم إلا جسده ، وهذا ما يؤكده بقوله : خسرت ُ الرَهان فانتحرَ طيري الأخضر واسودت فى عيني الشمس بين َ سكون ِ الرمز تحت َ نيران ِ العجز من خيول ِ الفُجَاءة تتابع الرموز : الرهان الخاسر ، الطير الأخضر ، الشمس المسودة ، النار العاجزة ، خيول الفجاءة ، وهي في مجملها تجمع المادي اللوني ( الشمس ، الأخضر ، السواد ، النار ) بأفعال موضحة العجز ( خسرت ، انتحر ، اسودت ) فنتأمل في النهاية المقطع كلوحة تشكيلية أقرب للسيريالية ، تنبض بيأس وأسى. وبالنظر لتاريخ كتابة هذا النص ( 1982م ) ، وإصرار الشاعر على نشره في ديوانه مع نصوص أخرى تعود لسنوات خلت في العام ( 2008م ) ، دلالة على أنه متمسك برؤيته ، رغم تتابع السنين ، لأنه لم يجد جديدا ، فهل تجمد الماء ؟ أم لازلنا نسبح في بحيرات المحال ؟ | |
|