د. مصطفى عطية جمعة مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
عدد الرسائل : 183 العمر : 55 الجنسية : مصري تاريخ التسجيل : 08/06/2008
| موضوع: موضوع: قراءة في ديوان " في انتظار الفجر " للشاعر حسن حجازي ( الجزء الثاني ) السبت 19 يوليو 2008, 3:52 pm | |
| موضوع: قراءة في ديوان " في انتظار الفجر " للشاعر حسن حجازي ( الجزء الثاني ) :
وفي قصيدة " دوماً أنتِ بقلبي " نجد القضية الفلسطينية حاضرة ، كما هي حاضرة في كثير من نصوص الديوان ، ويهدي هنا القصيدة إلى (الشاعر الفلسطينى الصديق...منير مزيد ) ، ودون أن نتعرف علاقته الإبداعية بالشاعر ، ومدى صداقته ، يبقى الفلسطيني حاضرا بقضيته ، ويمزج القضية بشخص الصديق وشعره ، في توحد ما بين الشاعر والإنسان والقضية ، قضية العرب ، يقول : كلما هطلَ المطر ليروي حقولَ الياسمين كلما هلَ القمر وداعب َ ليلَ العاشقين أشتاقُ إليك ِ ويعذبني الحنين لرشفةِ ماءٍ تروي جفافَ عمري فتعبير " جفاف العمر " إشارة إلى أزمة جيل شاعرنا ، حيث افتقد الجيل المبادرة، واكتفى بحزن يضفيه على حالنا ، ولكن عندما يجد القضية الفلسطينية حاضرة ما في شخوص أبنائها ، ومقاومتهم ، يسترد بعضا من نضارة عمره ، ولننظر إلى دقة الألفاظ المستخدمة في هذا المقطع ، إنها الماء وما يدل عليه ، في مواجهة الجفاف العمري ، فالماء في الألفاظ : " هطل المطر ، يروي ، رشفة ماء ، تروي جفاف العمر " ، أي أن الماء رمز للفعل الإيجابي ، والأمل المنتظر ، وهذا ما يجده في المقاومة الباسلة . وهو ما دفعه لإدانة الفرقة الآنية بين فتح وحماس في فلسطين ، مناشدا محمود عباس رئيس السلطة ( فتح ) في الضفة الغربية ، وإسماعيل هنية رئيس وزراء فلسطين ( حماس ) في غزة ، مناشدا إياهما الوحدة، بخطاب شعري يقترب من المباشرة الموظفة ، حرقة لتمزق ما تبقى من الوطن الفلسطيني ، ولا يعلم أن الفرقة ليست منهما قدر ما هي انعكاس لمؤامرات ، وما هما إلا وجهان ضمن وجوه تتحرك على الساحة ، يقول في قصيدة " نريد فلسطين " مخاطبا الأشلاء العربية الممزقة في العالم ، قاصدا تشتت الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة في البقاع : تبحثُ عن هوية ٍ عن حلمٍ عن وطن , نحسبه ُ جنة ً للخلد ِ فإذا بهِ أرض ٌ للخوف ِ ينتظرنا به ِ للموت ِ ألفُ سجان ٍ بألف ِ قناع ٍ وألف ِ تابوت ٍ بلا كفن ! إنه يؤكد على أننا كنا نعيش في زيف كبير ، سمي حلما ، ووطنا ، ولكن الواقع كان أرضا للخوف والسجن والموت بلا كفن . هنا إلحاح على إدانة الحلم الزائف الذي روجت له الأنظمة ، مشيرا إلى حلم حقيقي كامن في أعماق الذات العربية، نابع من هويتها الحضارية وثقافتها الدينية ، وهذا ما يستدعي الخطاب المباشر إلى زعيمي القضية الآن : يا زعماء فلسطين سؤالي حزين نقول ضاعت القضية توارت الهوية ويقصد بالهوية ، الروح العربية الإسلامية التي غابت عن جوهر القضية تحت شعارات ظاهرها خير ، وباطنها سم ، وحاملها أفّاق ، وهذا ما يلح عليه في قصائد حملت رؤيته صريحة مثل : " الأقصى حزين " ، " مكان في الذاكرة " ، "على أعتاب الحلم " وغيرها . * * * لعل من أبرز ملامح الرؤية التشكيلية الجمالية في الديوان أنها تتضافر مع الطرح الفكري ، والإلحاح على العودة إلى الهوية الحضارية للأمة ، لذا ، يستعين دائما بالعديد من الإشارات الرمزية إلى أبطال ووقائع وأحداث وحكايات . كما في قصيدته الأولى عن ابن زيدون ومحبوبته " ولادة " ، مذكرا القارئ بتاريخ أندلسي حافل بالعزة والحضارة الزاهرة ، وهي في كل الأحوال ممثلة لزمن من أزمان العزة للمسلمين ، فنتأسى على يتم الحقبة الأندلسية وضياعها في التاريخ الإنساني عامة وتاريخ الإسلام خاصة ، فهل هذا وجه آخر للمأساة في فلسطين والعراق ؟ وهل يمكن أن تكون الأندلس المأساة مكرورة في تاريخنا المعاصر؟ إن دأب الشاعر في هذا تشكيلاته الجمالية استدعاء رموز عدة تحمل ملامح من الهوية الثقافية ، مع إعادة توظيفها في السياق النصي ، يقول مخاطبا المحبوبة، مذكرا ببعض الموروث الحكائي العربي، وهي حكاية الشاطر حسن وست الحسن, وقد رويت مرات في السير الشعبية العربية، وأضيفت إلى بعض طبعات ألف ليلة وليلة في عصور متأخرة زمنيا ، يقول : لأني ، وأنا الفارس القادم دوما ً على جناح ِ الريح , عندهم , بلا ثمن ! لأني أنا المنتصر دوماً والخاسر ُ دوما ً لأنكِ أنتِ ستُ الحسن ِ وأنا الشاطرُ حسن ! يضع نفسه في مكانة الفارس ، بأخلاق الفروسية ، في زمن باتت هذه الأخلاق مهجورة لدى القادة ، مدانة لدى الساسة ، فلا يجد سوى التذكير بأن هذا الفارس هو في أعماقه الموروثة ، من زمن الشاطر حسن ، وأن الحبيبة المبتغاة ليست أنثى عادية ، بل هي ست الحسن المشاطرة الفارس / الشاطر حسن ، آلامه وأحلامه ، وهو يلح على لفظة الريح ، التي مرّ استخدامها من قبل ، بدلالة الاستحالة في زمن العجز ، وهذا دال على تواتر الرؤية ، وانسجامها اللفظي والتركيبي في جنبات النصوص . ويقول أيضا : وأنا شهريار الجديد محرر آلاف العبيد محرر شهرذاد !
إنها مجرد إشارة لجوهر حكايات ألف ليلة ، ولكن شهريار لم يعد مجرد ملك مستمع ومستمتع للحكايات ، بقدر ما تحول إلى فارس إيجابي الحركة ، فلن يقتل الجواري والعبيد ، بل يحررهن ، وسيحرر شهرزاد الأنثى ، بعدما امتلكت رؤية التغيير وفعله ؛ إنها إعادة توظيف وإنتاج للدلالة الحكائية الموروثة . وهذا ما نجده في إشارات عدة أخرى ، حيث يقول : فنمضي بغيرِ جذور تتقاذفنا الريح لا ندري أين ! صحا بقلبي السندباد أتهيأ للرحيل
فالسندباد شخصية عربية معروفة برحلاتها ومغامراتها ، ويكتفي شاعرنا هنا بدلالة الرحيل للسندباد البطل ، حيث يجد أن الرحيل ملاذ له من زمن لا جذور فيه للمرء ، ولا هوية في زمن تداخل الهويات وتنازع الثقافات ، وتظل دلالة الريح حاملة الاستحالة وأيضا الفعل القهري للبطل الرومانسي . ويقول : لا عنترة ولا سيف بن ذي يزن ولا طارق بن زياد ولا صلاح الدين ! مجدٌ مضى فى القلب لم يزل أريجه ُ على مر السنين !
إن الإلحاح على استحضار أبطال العرب بدءا من العصر الجاهلي بذكر عنترة العبسي بكل فروسيته ، ثم سيف بن ذي يزن أحد أبطال السير الشعبية العربية الشهيرة ، وطارق بن زياد فاتح الأندلس ، وصلاح الدين فاتح القدس ومحررها، في إشارات تكتفي باسم البطل ، تاركة القارئ يسترجع قصة كل بطل من هؤلاء على حدة ، ولكن علينا أن نعيد النظر في اختيار هؤلاء تحديدا ، فكل منهم يشير إلى قضية ألح الشاعر عليها : فصلاح الدين / القدس ، وطارق بن زياد / الأندلس، وعنترة / أخلاق الفروسية ، وذي يزن / محبة الجماهير العربية له لأنه موحدها ومحررها ، إنه أريج تعمق الصدور ، واختزنته الذاكرة . وهذا ما أوضحه تفصيليا في قصيدة " صلاح الدين " ، حيث ألح على استدعاء البطل / الفارس ، يقول : لا تسلنى عن صلاحِ الدين ولا تسلنى عن حطين قبل أن تصبح َ أنت َ وأصبح ُ أنا صلاح الدين إنه يؤكد على الفعل الإيجابي : للذات الشاعرة ، والمتلقي لها ، فصلاح الدين ليس فردا ، إنه رمز لأمة ، وحقبة توحد الشعب فيها وراءه ، وكانت نفسية الشعب مغذية للبطل ، ومنتجة له ، فكم من العظماء جاؤوا في حقب لم يجدوا من شعوبهم إلا صدودا وتهاونا وكسلا . وكما يذكرنا بالبطل الفردي ، يذكرنا بالجنود ، فيقول في قصيدة " هنا بيروت": هم جند ُ خيبر هم جند ُ بدر جند القادسية واليرموك ! فهو يرى أن ما حدث من انتصار في الجنوب اللبناني في صيف 2006م، كان من جند حملوا في جيناتهم أخلاق جند الإسلام في غزو خيبر وبدر ، وموقعتي القادسية واليرموك ، نعم فلا قائد فذ دون جنود أفذاذ . و نفس التوظيف يحدث في إشاراته لقصة يوسف عليه السلام ، مخاطبا المحبوبة : كنت ُ عزمت ُ أن آتيكِ بالأقمار السبعة المزروعة ِ ورد أن آتيكِ ببقراتِ يوسف الِسمان لترعى حقول الحنطة عند الشط لكنى أأسفُ يا حبي فعمري أقصر من نول الحلم
هل المحبوبة هنا الأنثى ؟ أم الوطن الذي يعاني العجز ، ورغيف الخبز؟ إنه يعيد التذكير بيوسف الصديق ، الذي عاش في بر مصر ، وكان سببا في إنقاذها من مجاعة سبع سنين متتالية ، ولكنه يحلق بالمحبوبة / الوطن إلى آفاق النجوم ضمن طريقته في استدعاء الموروث بإشارة يسيرة ، مع مزجه بالروح الشاعرة، وهنا يستخدم الرقم " سبعة " نعتا للأقمار المزروعة ، إنها صورة تجمع السماء بالأرض بالحلم ، وهذا ما يعطي دلالة الاستحالة ، فيؤكدها بالاعتذار لأن العمر أقصر – بالفعل – عن تحقيق الحلم ، فما أصعبه ! ويعيد الإشارة إلى يوسف عليه السلام في قصيدة الأسير ، حيث يقول :
ويوسف أنا ما زالَ نقياً ما زال نبياً فى زمن ٍ بغير نقاء! إنه يخاطب يوسف الذي عاش في مصرنا العزيزة ، وملأ أرضها نورا وهداية، وخيرا ورخاء ، فتتوحد ذاته الشاعرة مع أهم ما في رسالة الأنبياء وهو النقاء، الذي تلاشى من حياتنا ، ولكنه الشاعر / الفارس / النقي . ويشير إلى قصة قابيل وهابيل فيقول في قصيدة " رسالة من قابيل " : يسألني الغراب ُ عن ذنب ِ هابيل وتسألني التفاحة ُ عن حواء وأجيب ُ بأنَ الخريف َ قد أتى على شجر ِ التوت ! إن النص لا يحكي القصة ، بل يحاورها ، فالقصة توضح بجلاء كيف أن الإنسان يأكل الإنسان ، وهذا في بداية الخليقة ، وكان البشر إخوة ، وهنا يكون قابيل مرسلا للرسالة لكل البشر ، لأنه الجاني ، ولا يعرف هابيل أي ذنب جناه إلا طاعة مولاه ، وتظل حواء الأم ثكلى ، تعاني خريف العمر ، وألم تمزق أمة البشر في بداية تواجدها الأرضي . * * * إن تجربة حسن حجازي الشعرية تحمل نبض الأمة ، وتنطلق من موروثاتها وهويتها الثقافية ، تنفعل بكل أتراحها ، وتدين عجزها ، وهو يعترف مرات ومرات أن العجز منا ، لا من قهر عدونا لنا ، وتلك هي الأزمة . | |
|
ضحى بوترعة مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية
عدد الرسائل : 1313 العمر : 55 الجنسية : تونسية تاريخ التسجيل : 12/05/2008
| موضوع: رد: موضوع: قراءة في ديوان " في انتظار الفجر " للشاعر حسن حجازي ( الجزء الثاني ) الأحد 27 يوليو 2008, 6:25 pm | |
|
شكرا لهذه اللمسات العميقة في زوايا الديوان
هنيئا للمبدع المتألق حسن حجازي
مودتي وتقديري لكما
| |
|