كتب: حاتم السروي
لا تزال الكتب الدينية أقرب إلي الترمومتر الذي يمكن به قياس درجات تحول المجتمع المصري، ومن ثم فإن معرفة أيها الأكثر مبيعا قد تمكن من إدراك درجة الحرارة الدينية لجسد مجتمعنا.
وفي منطقة "الأزهر" وهي التي تضم اكبر عدد للمكتبات ودور النشر الدينية، يمكن اكتشاف الكثير من الأسرار في عالم هو الأغرب والأكثر تفردا من شدة تنوعه، حيث الناس يرتعدون من مجرد نطق كلمة "صحافة" بلا سبب ظاهر وحيث وجدنا حربًا ضروسًا بين التيار السلفي الوافد من الخليج والتيار الصوفي الضارب بجذوره لما يزيد علي ستة قرون.
يقول راضي عبدالرحمن محمد، خريج كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وصاحب مكتبة دار "جرش": "أكثر الكتب مبيعا هي كتب السلفيين واكتب من فضلك " إللي عايزين ضرب الجذم!!" يجب أن يعرف الناس أن منطقة الأزهر تشهد أزمة بين السلفيين والصوفيين، فالسلفيون يستبعدون كل من ليس علي مذهبهم ويصفونه بالبدعة مع أن هناك بدعة مستقبحة وبدعة حسنة".
راضي بدا غاضبا وهو يتحدث، ويضيف "كتب محمود المصري ومحمد حسين يعقوب هي الأكثر مبيعا، وعن نفسي لا أبيع هذه الكتب ولا أفضل بيعها، ولذلك طبعت علي نفقتي كتاب "الصواعق الإلهية في الرد علي الوهابية" لسليمان بن عبد الوهاب وذيلته بست رسائل للزيني دحلان وشيوخ آخرين."
علي الضفة السلفية المقابلة، قابلنا علاء صبيح، صاحب مكتبة المحمودية الشهيرة في الازهر، سألناه عن الاكثر مبيعا في مكتبته، فقال " أيام والدي كان الإقبال واضحًا علي الكتب الصوفية، وأنا الآن لا أفضل بيعها، أما الكتب التي يقبل عليها الناس فهي " تفسير الجلالين" و"السعدي" و" تفسير ابن كثير". أما الحديث فـ "رياض الصالحين" هو الأشهر والأكثر مبيعا، أما في السيرة النبوية فكتاب "الرحيق المختوم" للمباركفوري، أما الشيخ محمد حسان فالناس تفضل له الشرائط والسيديهات، وكتبه علي محدوديتها لا يوجد عليها إقبال. أما الكتب التي تتحدث عن المسيخ الدجال وعلامات الساعة فقد قل الاهتمام بها." ويشير علاء إلي أن هناك إقبالاً ملحوظاً علي كتب الطب البديل والعلاج بالأعشاب.
أن تمشي في منطقة الازهر وقد أعلنت عن كونك صحفياً أمرا لن يرضي عنه الكثيرون، فالبعض من أصحاب المكتبات رفض الحديث تماما، والبعض ضللنا باسماء مزيفة ليست لهم، الحاج صاحب المكتبة الفاطمية قال " مفيش لا بيع ولا شرا والحال واقف سيبونا فـ حالنا!!!"
سيد زكريا، يعمل بمكتبة الصفا بالأزهر، يقول "كتب محمود المصري الأكثر مبيعا ورياض الصالحين للنواوي وصحيحا البخاري ومسلم وكتب الفقه بالمذاهب الأربعة، لدي كتاب "الأغاني "للأصفهاني وكتب للجاحظ وهي كتب في الأدب والمسامرة والإقبال عليها محدود وغير مستمر أما كتب ابن القيم فمطلوبة بشكل دائم".
أما كتب الصوفية كـ"البردة" للبوصيري و"الصحيفة السجادية" و"دلائل الخيرات" فيزيد الإقبال عليها في الموالد والمناسبات الشعبية، هذا ما يؤكد عليه أحمد محسن صاحب مكتبة الأزهر. في حين تأتي كتب التراث الإسلامي من نوعية رياض الصالحين وسيرة ابن هشام و" ففروا إلي الله" دائما علي قائمة الأفضل مبيعا وذلك لقلة أسعارها وتوافرها في طبعات شعبية، يقول محمد حسن، من دار ابن الجوزي " رياض الصالحين زي ملح الأكل فهو كتاب شعبي وتجده في كل بيت، يليه قصص الأنبياء لابن كثير". ثم يختم قائلا: "نحن مجرد باعة كتب ولا نعمل علي تكريس لمذهب بعينه"
من الأزهر بشوارعه الضيقة الملتفة والمنكفئة علي نفسها إلي براح شوارع منطقة وسط البلد بمبانيها القديمة الكوزمبوليتانية وباعتها المتراصين علي الأرصفة وفتارينها المبهرة، ثم عند ميدان طلعت حرب تحديدا دخلنا مكتبة «دار الشروق» وسألنا عن الأكثر مبيعا بين الكتب الدينية فأجابوا بأن الأكثر مبيعا هي كتب الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ الغزالي ومعها تأتي كتب الدكتور محمد عمارة وخاصة تحقيقاته علي مؤلفات الشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي.
وعلي الرصيف المقابل لدار الشروق حيث مكتبة "مدبولي"، نجد علي قائمة الأعلي مبيعا كتب دينية لها مفهوم أوسع وأشمل، منها "لمحات عن أديان العالم" ترجمة د. صابرعبده، و"المعتقدات الدينية للشعوب" ترجمة د. إمام عبدالفتاح إمام و"موسوعة الفرق والجماعات" للدكتور عبد المنعم الحفني، ومن الكتب التي تلقي رواجا في مكتبة الحاج مدبولي المخضرم كتاب "الود والاحترام بين المسيحية والإسلام" للقس "فيلوثاوس فرج" وكتاب "مفاهيم خاطئة تؤخر المسلمين" للدكتور أحمد شوقي الفنجري.
في مكتبة النهضة جاءت كتب التفاسير والسير وكتاب «فقه السنة» لسيد سابق وكتاب "لاتحزن" لعائض القرني علي رأس قائمة الأفضل مبيعا.
بهذه النتائج ذهبنا إلي الدكتور محمد بدوي الذي علق قائلاً: بعض دور النشر تقدم كتباً هي الأقرب إلي مفهوم الإسلام المتماس مع السياسة أو فلنقل اختصارًا الإسلام السياسي ومنها دار الشروق ودعني أخبرك بأن نوعية الكتب التي تصدرها دار الشروق ويؤلفها كل من الشيخ الغزالي أو الشيخ القرضاوي أو الدكتور عمارة هي كتب تقدم الإسلام باعتباره فهمًا وثقافة وأسلوب حياة، أن الأساتذة الأفاضل السالف ذكرهم هم كائنات سياسية إذا صح الوصف وصدق التعبير، كما أن قراء إصدارات دار الشروق هم نوعية خاصة ترتفع عن القارئ العام وتهتم بالمواد الدينية التثقيفية المرتبطة بالعصر من حيث هو مجال للسياسة والاقتصاد.. إلخ، إن مؤلفي هذه الكتب استطاعوا تحقيق شهرتهم باعتبارهم جيل وسط في جماعة الإخوان يستخدمون الدين والسياسة بشكل متواز في مواجهة الإسلام التقليدي الذي يمثله أمثال الشيخ الشعراوي.
أمام مدبولي فتقدم لطبقة أخري تحركها رغبة في معرفة الأسرار والكتابات التي تقوي المخيلة الدينية الشعبية التي هي غالباً فلكلورية وغير نصية، إنها طبقة تمثل التدين الشعبي.
وثمة مكتبات تقدم الدين كنوع من السند في مواجهة الحياة اليومية المليئة بالوسخ وثمة تعلق بالوجه الذهبي للإسلام عصر النبوة والخلافة هذا بالنسبة للمتدين العام في مصر وهي بلد «سنية» أما المتدين العام الشيعي فيهتهم بكتب ذات طابع عجائبي تنسب خوارق متعددة للإمام المعصوم إن مكتبات كالنهضة والفكر العربي وهي التي ذكرتها في عينتك تقدم ما يريده المسلم الوسطي الذي يريد أن يتماسك وسط الصحف ويري الحل في النجاة الفردية والتدين التقليدي.
أما د. محمد حافظ دياب يوكد علي أن الغياب شبه الكامل لفكر جماعة الإخوان وجماعات الإصلاح وأصحاب الفكر التأويلي عن هذه القائمة،يرجع إلي أنها لم تعد تولي اهتماماً للخطاب -أي خطاب- إلا في حدود موسمية بالنظر إلي تغلب الحركية عليها فيما غاب الفكر الإصلاحي هو الآخر القائم علي المرونة واستخدام مبدأ الصالح المرسل وإجازة الضرورة والتوفيق بين الفقه والشريعة واعتماد العقل والحرية والعدل كامتداد لكتابات الشيخ محمد عبده وعبدالعزيز جاويش وأمين الخولي ومحمد خلف الله وغيرهم، كذلك غابت عن المشهد تلك الممارسات النقدية التي تمنح التفسير الديني للتاريخ والطبيعة فاعليته وقدرته علي إيجاد قراءات متعددة ومتغايرة تسهم في صوغ أسئلة الراهن الاجتماعي والثقافي ما قد يرجع سببه إلي الخشية من تكرار محاولات المصادرة والمنع لأعمال نصر أبوزيد وخليل عبدالكريم والاغتيال مثلما حدث مع فرج فودة
البديل 21/7/2008