[ ]
قراءة في ديوان (أمنح ُذاتي )
عويس معوض
عن فرع ثقافة الفيوم صدر الديوان الأول للشاعر شحاتة إبراهيم والذي يضم خمسا وعشرين قصيدة,,,
وشحاتة من الشعراء المهتمين بقضايا الإبداع والذي يحاول أن يقدم رؤية مختلفة عن المطروح الشعري الحالي والذي يخلو معظمه عن روح الشعر تحت دعوى التحديث واللهاث وراء الشكل
والقراءة الاولي لهذا الديوان تضعنا أمام فكرة الـ (أنا)بدءاً من عنوان الديوان (أمنح ذاتي) وضمير الملكية قد يوهم القارئ بأن الشاعر يقدم تجارب مغرقة في الذاتية (غنائية),,
ولكن بالقراءة الواعية للمجموعة نجد الضمير(أنا)يتحول إلى (نحن)من خلال توحد الشاعر مع الواقع فهو يطرح الآم جيل والانا الفاعلة هي الجماعة أحيانا والانا هنا لها دورها المزدوج يكاد يكون ملتبسا حيانا إلى مدى يصعب تحديده فهو بنـّاء وهادم،، دافع ((وحائل)) مباشر وملتف,, حاضر وقابل للغياب،، بيد أنه في الحالات كلها يضيء صورة الـ (أنا) ويفصح عنها فهو متفائل عاشق لتاريخها محب لداره الصغيرة / الوطن:
كان اليوم طويلا وممتعا
استنشقنا التاريخ
وعطرنا ياقات ملابسنا بالتفاح
أبنائي سيفخرون بي رغم بيتنا الصغير
سنغنى الليلة كالعادة
ونؤسس للأحلام .
فالتفتَ هنا من ضمير الفاعلين (نا) إلي أنا / أبنائي , ثم يعود إلي (نحن) / سنغنى في تشكيل جميل وطرح للمستقبل من خلال الذات .
.....................
والشاعر رافض (متمرد) لا يقبل الهلاك ويصر علي البقاء , وهي دعوة للـ (نحن) أيضا .. ففي قصيدة ( الهامش النحيل ) :
ولقد يلذ ّ لي أن أهلك
فأحمل ُ عصاي
ثم أقف ُ في الهامش النحيل
وأحاصرُ الجميع .
فالهلاك فعل وحث عليه وقدرة أيضا علي فضح الواقع , ففي قصيدة الخرافة يستعيض عن (أنا) بـ ( نحن ) :
ها قد فضحنا أقنعتكم أيها الأصدقاء
فتبولوا في فضاء آخر ...
.............
والتهميش عند الشاعر تحريض (فاعل) فحتي عندما يكون هامشيا ً يدرك أن ذلك متعة , فهو ليس نبيا ولكنه سيتخذ من هذا التهميش دافعا للحلم / الحلو .
عندما أؤرخ ُ لذاتي
أدركُ متعة أن أكون هامشيا
وان أهيم في الحياة دونما رقيب
محتميا في عريي و تفاهاتي
لستُ مرتهنا لشيء
ولستُ مبشِّرا بشيء
ولا أحلم إلا بالخلود لذاتي
,,,,,,,,
و((الأنا )) تتحول في قصيدة ((التوازي ))إلى التوحد المطلق والدعوة الصريحة إلي القدرة وإلي الفعل فيتلاشي الأنا المفرد ويمتزج بالآخرين :
فلنقذف هذا الحجر إلي أعلي الجبل بشكل يومي حتي
ينفلق الحجر أو يهرب هذا الجبل إلي أرض أخري
لن ينهزم كلانا أبدا ً
وستنهزم الصخرة ُوالوادي ...
وفي قصيدة ( المشهد ) تصبح الـ (أنا) عينا ًراصدة فاضحة ً للواقع وناقضة له حيث تضعنا أمام الفروق الطبقية وكذلك زيف الاحتماء بالشكل الديني من ناحية أخري وتتلاشي الـ ( أنا ) في آخر النص لتضعنا أما أجواء الواقع :
لن ألهث خلف هذا (الجيب) المفتوح بشدة .
ما سيأتي أكثر حتما ً مما مضي .
اصطدمتْ لحيتان وصليبٌ
عند عبورها الشارع الجميل...
فهذا المهمش رافضٌ وفاضح للواقع,, وليس رصده للتعرية الأخلاقية (الجيب المفتوح بشدة) إلا مقدمة لرصد زيف الشكل الديني من خلال الإشارة إلي اللحية و الصليب وما لهما من دلالة ,,إلي أن تتواري الـ (أنا) تاركة لنا الصورة واضحة جلية في آخر النص .
الليلة (الأوبرا) برنامجها (رومانتيكي)
لكن (السطوح)
و (تحت السلالم)
واقعية تماما .
نحن إذن أمام شاعر يعي ما يفعله بمقدرة فنية , آملين له الاستمرار و العطاء .
( نشرت بجريدة المساء بتاريخ 15 /3/2003 )[/font]