صلاح جاهين .. مسروق حيا وميتا

يموت المبدع في مصر مرتين.. مرة عندما يرحل عن الحياة وأخري عندما يتعرض إبداعه للاعتداء وتاريخه للتجاهل ..لكن صدمة الموت الآخر تبقي من نصيب أسرة المبدع ومحبيه الذين يراقبون مكتوفي الأيدي سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها الإنتاج الفكري والإبداعي في ظل قوانين عاجزة وعدالة بطيئة لا تكفل لصاحب الحق نيل حقه .
من المؤسف أن تتواكب انتهاكات الملكية الفكرية لشاعر العامية الرائد صلاح جاهين مع الذكري السادسة والخمسين لقيام ثورة يوليو التي منحها الشاعر الراحل عمره ومنحته هي ينابيع إلهامه.
لا يبدو الأمر جديدا فأشعار الراحل الكبير يتم تداولها واستخدامها منذ رحيله وكأنها ملكية عامة مابين إصدار كتب تستغل اسمه وأشعاره وأغنيات وأفلام لا ينال الورثة أي حق مقابل إعادة عرضها وأخيرا مشغولات فضية ومفارش نقشت عليها رباعياته الخالدة، لكن المرحلة الحالية شهدت تكثيفا لتلك الاعتداءات التي لاتجد من يردعها بعدما طال نظر القضايا في المحاكم.
الفنانة مني قطان زوجة الشاعر الراحل خاضت رحلة طويلة بحثا عن الحق الضائع لزوجها وورثته وإن حرصت علي تكتم الخطوات القانونية التي امتدت لسنوات طويلة إلي أن فوجئت بخصومها يثيرون القضية إعلاميا ليتبرأوا من حقوق جاهين، تقول قطان :بعد وفاة صلاح أصبت بانهيار تام ولم أكن قادرة علي التصدي للمسائل القانونية أوتتبع حقوقي وحقوق ابنتي المادية وتكفلت الأخت الكبري السيدة بهيجة بهجت بما لديها من معرفة بالقانون بمتابعة القضايا المختلفة المتعلقة بحقوق الأسرة وإسناد القضايا لمكتب محاماة، وقد حصلنا بالفعل علي عدة أحكام ضد دور النشر التي سطت علي حقوقنا ونشرت أشعار جاهين دون اذن أوتعاقد، لكن هذه الأحكام لم تنفذ ولاتزال الكتب معروضة في الأسواق . ثم حاولنا جميعا الاستمرار في مقاومة هذا الطوفان من الاعتداءات علي الملكية الفكرية لكننا بالتأكيد لسنا محنكين في هذا المجال حتي صلاح نفسه ـ الله يرحمه ـ بطبيعة تكوينه الإنساني الرقيق لم يكن في حياته يعرف كيف يدافع عن حقوقه المادية .
إضافة لما أثير في السطور السابقة تشهد ساحة المحاكم قضية أخري أكثر سخونة تعد السيدة مني طرفا أصيلا فيها، فقد شاركت في إنتاج الفيلم الشهير " خللي بالك من زوزو " جنبا إلي جنب مع زوجها ومع المنتج تاكفور أنطونيان وفوجئت مؤخرا بموزع الفيلم يدعي أن المنتجين الآخرين قد تنازلا عن حقوقهما في الفيلم الذي حقق إيرادات غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية وبافتراض صحة هذا الادعاء يبدو التساؤل حاضرا حول سبب إصرار الموزع علي إسقاط حق الشريك الثالث في الإنتاج "مني قطان"؟
القضية كما تضيف زوجة جاهين لاتزال قائمة وتبذل فيها المحامية نهلة الحسيني جهدا ملموسا وان كانت جلسة النطق بالحكم قد حددت دون إخطارمسبق مما أثر علي مسار القضية لكنها لاتزال تحاول استرداد حقوقها وحقوق ابنتها التي رحل عنها والدها وهي دون السادسة وحرمت من حق والدها ووالدتها المادي في هذا الفيلم الناجح طيلة هذه المدة.
السيدة بهيجة أخت الشاعر الراحل أخذت علي عاتقها جانبا كبيرا من متابعة المسار القانوني للقضية، وفي اتصال هاتفي معها أكدت أن أعمال جاهين الشعرية تستغل منذ سنوات طويلة وتنشر دون إذن من دار النشر الأصلية " الأهرام" ودون استئذان الورثة وحتي الآن لم تفلح الملاحقة القضائية في وقف تلك الانتهاكات . علي سبيل المثال ظهرت قبل بضعة أعوام مجموعة من أشعار جاهين طبعتها جهة ما دون وجه حق تحت عنوان " الأعمال الكاملة " وتضمنت أخطاء بالغة أساءت لقيمة شعر جاهين إضافة للتعدي علي حق " الأهرام " الجهة التي تعاقد معها جاهين لنشر أعماله ولم يغيرها الورثة من بعده فضلا عن إغفال الحقوق المادية والمعنوية لهم، وبرغم تصدي السيدة بهيجة وأسرة جاهين لهذا العمل المسروق المشوه إلا أنهم فوجئوا به ضمن الكتب المعروضة في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابقة .
تضيف السيدة بهيجة : هناك كتب أخري تفاجئنا ويلجأ فيها المؤلف لإضافة مقالات نقدية لأشعار جاهين وأحيانا تكون علي مستوي جيد كما في كتاب" فيلسوف أبناء البلد " الذي تضمن عددا كبيرا من أشعار جاهين جمعت بشكل جيد لكنها في النهاية تمثل اعتداء علي حقوقنا المادية والأدبية .
أما بالنسبة للشرائط التي توزع وعليها أغنيات جاهين أو رباعياته فقد لاقت نفس المصير ولم تفلح شرطة المصنفات الفنية في وقف تداولها .
ولا تزال الأيدي الغاصبة مصرة علي التقاط ماتستطيع من إبداع شاعر العامية الكبير صلاح جاهين
اللافت غياب الجهة المسئولة عن الملكية الفكرية وضبابية تكوينها علي الرغم من المناشدات التي وجهها كبار الكتاب ورئيس اتحاد الكتاب مصر محمد سلماوي الذي استنكر ما يتعرض له جاهين من أذي واغتصاب لحقوقه، وربما يكون موقف سلماوي، ككاتب من القضية، جديراً بالاحترام لكن إذا كان الاستنكار هو غاية ما يستطيع رئيس اتحاد الكتاب فما عسانا نحن أن نفعل؟!