[size=24]أغنية الولد الفلسطيني للشاعر أحمد زرزور
دراسة الشاعر / أحمد فضل شبلول
---------------------
من الصعب على شاعر ما أن يحدد موضوعا معينا يكتب فيه قصائد عدة ومتوالية، تشكل ديواناً شعرياً متكاملاً، ولكن ينتفي هذا الرأي مع الانتفاضة الفلسطينية وأبطال الحجارة الصغار الذين خصص لهم الشاعر أحمد زرزور ديوانا شعريا كاملا بعنوان "أغنية الولد الفلسطيني" صدر مؤخرا عن سلسلة كتاب قطر الندى (العدد 51) واحتوى على 18 قصيدة، وأهداه إلى محمد الدرة وإيمان حجو وخليل المغربي ومراد المصري وجميل المصري ومهند محارب، وكل الشهداء الأطفال الذين سيوقظون زهرة الغضب المقدس في نفوس الكبار. ثم تتوالى القصائد بعد ذلك معبرة تعبيرا فنيا وإنسانيا رائعا عن القضية، وعن هموم الشعب المكافح في سبيل استعادة أرضه السليبة، من خلال نبرة طفولية صادقة أشد ما يكون الصدق، ومن خلال إيقاعات وموسيقى بعضها حماسي والبعض الآخر هامس، ولكنها تشي في النهاية بضرورة توافر العنصر الموسيقي ذي الإيقاع الواضح في القصائد المكتوبة لأحبائنا الصغار. يقول الشاعر تأكيدا لهذا العنصر من عناصر الشعر:
يا نجمة المساء
يا حلوة الضياء
قصيدتي حكاية
حزينة البداية
فقد فقدتُ داري
وضعت في القفارِ
فالغاصب اللئيم
والغادر الأثيم
سطا على بلادي
واستوطن البوادي.
وكما رأينا في الأسطر السابقة فإن الشاعر يلجأ إلى استخدام لغة عربية فصحى سهلة مبينة، تناسب سن الطفولة من 12 إلى 15 سنة فما فوق. ولا يخفى على أطفال هذه السن الإشارات أو الرموز الشفيفة التي يستخدمها الشاعر في قوله: الغاصب اللئيم، والغادر الأثيم، والتي سنجد مثلها وغيرها يتكرر في أغلب القصائد مثل: أقبل الأشرار، سرقوا الشذى والدار، المغول والتتر، أعداء الأقصى، قاتلو البشر، الغزاة .. الخ.
لقد احتفى الشاعر في قصائده بعناصر الطبيعة التي ترمز إلى بكارة الحياة وإلى الطهر والنقاء والفطرة الإنسانية السليمة، فتشكلت لديه مجموعة من الألفاظ منحت الشعر نبضا إنسانيا جميلا مشحونا ضد كل عناصر الزيف والغدر والاغتصاب، فيتعاطف القارئ مع عدالة القضية، ويحس الطفل الموجهة إليه هذه القصائد بأحقية الطفل الفلسطيني في العيش داخل وطنه في اطمئنان وأمان.
يقول الشاعر على سبيل المثال:
على جدار خيمتي
بطاقة ملونة
لربوة مخضرة
وقلعة ومئذنة
ولوحة لدارنا
ببابها القديم
فكم على سطوحها
غنت لنا النجوم
وكم سهرت يا أبي
ترتل القرآن
وأمنا تدعو لنا
بأسعد الأزمان.
ومن حق الطفل الفلسطيني وكل أطفال العرب الآن أن يرفضوا حكايات الجدات عن الساحر الشرير والشبح الذي يطير وأمنا الغولة وما إلى ذلك، فهناك حكايات أخرى يود هؤلاء الأطفال سماعها، إنها حكايات البطولة والشجاعة التي تجرى الآن على أرض فلسطين المحتلة، وحكايات الدماء التي تُراق من أجل استعادة الأرض السليبة، حكايات مثل حكاية محمد الدرة وإيمان حجو هي التي يتوق أطفال العرب الآن لسماعها، لأنها جزء لا يتجزأ من واقعهم، فالواقع العربي الفلسطيني مليئ بحكايات البطولة التي تفوق في دهشتها ومغزاها، حكايات السندباد والشاطر حسن وست الحسن والجمال. ومن هذا المنطلق كانت قصيدة زرزور الجميلة "حكاية جديدة للمساء".
وإلى جانب احتفالية الطبيعة في قصائد الديوان، هناك احتفالية أخرى موازية للطبيعة، إنها احتفالية الحجارة، وعلى الرغم من أن الحجارة جزء لا يتجزأ من عالم الطبيعة، إلا أنه ـ ومن خلال تخليد أبطال الانتفاضة له ـ أصبح له دلالاته الخاصة، وسحره العجيب. يقول الشاعر:
في شارعي حجر
في قبضتي حجر
لا يطلع الدخان منه،
لا يطقطق الشرر
إن ديوان الأطفال "أغنية الولد الفلسطيني" للشاعر أحمد زرزرو يشكل مجرى جديدا لنهر الشعر المصري المكتوب باللغة العربية عن الانتفاضة الفلسطينية وأبطال الحجارة. إنه شهادة حق عن تفاعل شعرائنا المصريين مع القضية العربية من خلال الطفل، ودائما تكون البداية الحقيقية من الطفل.
وفي النهاية، شكر واجب أقدمه للقائمين على سلسلة كتاب قطر الندى بالهيئة العامة لقصور الثقافة على اختيارهم ديوان "أغنية الولد الفلسطيني" لنشره ضمن السلسلة. وأدعو السادة المشرفين على اختيار النصوص الشعرية المقررة على تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، للاطلاع على إصدارات قطر الندى، واختيار المناسب منها، لتدريسه على تلاميذ هذه المرحلة[/size].